*الدكتور زهير شاكر
حاول الإنسان جاهداً منذ بدء الخليقة أن يتعرف عناصر البيئة المحيطة به والعلاقات التي تربط هذه العناصر؛ باستخدام خبراته البسيطة في تعقب الظواهر ، ومن ثم لوصول إلى ما يمكنه من مجابهة المشكلات التي تعترض حياته، وبالتالي لتسهيل تآلفه مع الطبيعة وسيطرته عليها .
والإنسان بما يتمتع به من قدرات وطاقات أدرا كية وحسية، استطاع عن طريق التفاعل والصراع مع البيئة، بالظاهر منها والكامن أن يلاحظ، وينتبه ، ويفكر، ويؤسس الخبرات من خلال صراعه مع الغموض( Ambiguity) والصعوبات المحيطة به، وهذه الفاعلية النشيطة هي التي دفعته إلى مسار البحث والتنقيب عن تفسير لما يجري حوله،لفهم الكون وكنه الأشياء ، وكان كلما يستنفذ وسائل للاستطلاع والتعرف والكشف ، يجدد فيها حينما يشعر بعجزها عن تحقيق المعرفة التي ينشدها ، وعلى ذلك فانه وظّف وحفّز كل إمكاناته فكراً وجهداً وصبراً بهذا الاتجاه .
ويّعد حب المعرفة (Knowledge) غريزة أساسية متسقة بالإنسان ودافع أصيل لإنشاء وتوليد – صناعة – الرموز بكل أشكالها ،اللغوية ( المكتوبة منها والملفوظة ) بالإضافة إلى أشكالها التعبيرية الأخرى ،التي نعاصرها إضافة لما استجد منها ( كشفرات الكومبيوتر ) ولغة الاتصال الرقمية عبر الفضاء ، ولغة تخصص العلوم المختلفة المتلاحقة الأتساع والتشعب والتوليد الاصطلاحي والرقمي.
هذه الرموز وتجاوراً مع مطلبها في التعبير والتواصل قد غدت ميداناً خصباً لانتقال المعرفة وتراكمها بمستوياتها البدائية والمعقدة ،ذلك أن الترامز (Symbolism ) قد اختزل للإنسان الكثير من التعقيد الاتصالي، وفتحت له آفاقاً جديدة لصناعة وتكوين المفاهيم (Concepts) التي تشير إلى هذه المعارف المتواترة عبر الزمن ،بالإضافة إلى تعبيراته التلقائية ،والمقصودة في تقديس وهيبة الموجودات والظواهر ، رسماً أم نحتاً،أم كتابةً، أم بناءً…
فقد وجد الإنسان القديم نفسه أمام العديد من الظواهر الطبيعية التي كانت تفوق قوته وقدرته العقلية وتؤثر فيه ،حيث شرع باستخدام خبرته البسيطة وخياله في تعقبها وتعليل بعضها وبالأخص ما تعلق منها بأحوال الطقس ومتغيراته ،وانتشار الأمراض والأوبئة والموت والحياة..والمتغيرات الطبيعية الأخرى، لكنه حينذاك لم يجد الجواب الشافي فيما تعلق في ذهنه من تساؤلات (Questions)،غير انه وضعها في جانب العلل الفوقية ( غير المدركة ).
وبين طيات المحاولات الدائبة التي بذلها الإنسان للحصول على إجابة تبدد الخوف والدهشة لما يحصل من ظاهرات ،ظهرت المعرفة التاريخية (Historical Knowledge) في شكلها الابتدائي (الميثولوجي Mythology ) والتي كانت مثقلة بالعناصر الأسطورية الخارقة والتساؤل الفلسفي ، إلا انه حاول التعرف على الماضي لكي يفهم الحاضر، وأراد أن يوّظف هذا الفهم لدعم وإسناد وجوده في إطار التكوينات الاجتماعية البدائية ومجاراة الطبيعة بقصد التناغم والتآلف وتبديد الخوف . ويقترب هذا النوع من التفكير الأسطوري الذي ظل محتفظا بمكانته لفترات طويلة مستمداً حيويته من التعليل الغائي (Teleological) للظواهر ،أي تفسير ظواهر الطبيعة والأشياء من خلال غاياته ومقاصده وبالتالي إدراجها على وفق ما تحقق له هذه الظواهر من منافع.
وبالنظر لمحدودية تفكيره وضعف إدراكه للمتغيرات المحيطة ،فان الإنسان القديم لجأ إلى طُرق وأساليب بدائية بقصد التأثير في هذه المتغيرات والتالف معها، فقد مارس السحر والشعوذة والتنجيم حيناً ،واستعطف الموجودات الكونية الكبرى ،ثم الحيوانات في أحيان كثيرة ،وعندما يئسَ من هذه الوسائل انعطف بتفكيره البسيط نحو التعاون والتآزر الاجتماعي وأبناء جنسه، ممن عُرفوا بالقوة التأثيرية والمعرفة ،واتخذهم عناصر لحمايته وكقادة رأي، في تدبير شؤونه اليومية أو إحاطته بإجابات لتساؤلاته المتجددة.
وإذا ما تفحصنا حياة الكائن البشري وجدناها سلسلة طويلة من التفاعلات التي بنيت على علاقات الطبيعة ،الوجود ،الصراع ، الخوف ،الاكتشاف … وغيرها من عناصر مسيرته الطويلة ،هذه التفاعلات قد حملت معها رغبات وأنشطة وعادات اتصالية ألهمت الإنسان حينذاك أن يسير ويناضل بحثاً عن التكييف ((Adaptationوالبقاء،والفهم لغرض إيجاد تفسيرات محتملة أو مقنعة لحدوث الظواهر، وبالتالي التعبير عنها عبر الرموز،وقد نسب الإنسان بعد ذلك الى تحكم الآلهة في مجريات حياته ،وحينها أضاف لها قدراً من التقديس والتبجيل طلباً للرضا والاطمئنان والحماية والرزق ،بوصفها في نظره محرّكة أو مسؤولة عما يعتري حياته .
وقد أدى ذلك إلى بروز شخصية الكهنة والعرافين والأطباء والسحرة باعتبارهم وسطاء اتصاليون (Intermediary Communication) ما بينه والآلهة ، هذا الحال أدى إلى تكريس القوى الغيبية وتناسلها عبر الأجيال ،اعتقاداً، وفهماً،وسلوكاً.
وبصورة تدريجية أدرك الإنسان إن الظاهرات ليست عشوائية او مزاجية كما كان الاعتقاد في الماضي ، حيث بدأ يلاحظ حسياً (Sensation ) نظام ومعطيات كونية دورية وعلاقات سببية بالتوافق مع غيرها…عُّدَ ما حدث تطوراً في بنيته الادراكية ، وتوصل في ظروف محددة إلى إمكانية التنبؤ ( (Predictionبالأحداث بدقة معقولة كما في سقوط الأمطار وهبوب الأعاصير وتعاقب الليل والنهار ومواسم الزراعة والفيضان .
ومع مرور الزمن تطورت وسائله وادواته بهذا الاتجاه داعمةً رصد الظاهرات وملاحظتها بالإفادة مما تعلمّه واكتنزه من الأسلاف ومن تجربته اليومية في الاستخدام النفعي ،عندها اكتشف تناقضات وقصورات في تعليلاته الشخصية واحكامه والآخرون ،بعدما تأخذ الظاهرة آراء عده في التفسير والتعليل والكيفية ،وبهذا قد بدء المسار شبه العلمي ،وترّحل تناول الوقائع من التجريدية إلى المسحة الاجتماعية، او ما يقابل صيغة الإجماع او الاتفاق(Concord)بعدما كانت لا تعدو ان تأخذ تصوراً فردياً يشوبها الخوف وعدم اليقين(1).
وهكذا تسير حلقة المعرفة كشفاً لأسرار المجهول وتحدياته ،ومحور هذا المنحى هو الإنسان على مر العصور ،البدائي ،والتأريخي ، وإنسان الحضارات القديمة والحديثة ، ذلك الإنسان ذاته الذي بدأ مقهوراً بالجهل ،اصبح الآن مفعماًبالمعرفة والعلم ،هذه المعرفة ما هي إلا تراكم جهد الإنسانية عبر قرون طويلة،سواء أكانت عشوائية Random ام منتظمة (علمية Scientific) ،املاً بالوصول إلى{ الفهم والتنبؤ والسيطرة Understand Prediction and Control }على الظواهر ،وتلك ثالوث المعرفة العلمية.
فقد انعمنا الله ( سبحانه وتعالى ) بهذا العقل الجبار ، كي نتعرف على اسراره ومكنونات نظامه ، داعياً لنا الى التأمل والتساؤل والتعرّف ، فالحقائق العلمية هي ( آلاء الله) أي طبائع هذا الكون ونظامه ، كما خلقها سبحانه عز وجل ، مرمزة بالكلام البشري على قدر فهم الفكر الانساني ، وكلما تكشّف شيء جديد ، تكشّفت معه مجاهل جديدة ، وتكشفت بدائع صنع الخالق (( قُل لو كان البحرُ مِداداً لكلمَتِ َربيّ ، لنفََدَ البحرُ قَبلَ أَن َتنفَدَ َكلَمتُ َربيّ وَلو جئَنا ِبمِثلِه مَدَداَ.
حاول الإنسان جاهداً منذ بدء الخليقة أن يتعرف عناصر البيئة المحيطة به والعلاقات التي تربط هذه العناصر؛ باستخدام خبراته البسيطة في تعقب الظواهر ، ومن ثم لوصول إلى ما يمكنه من مجابهة المشكلات التي تعترض حياته، وبالتالي لتسهيل تآلفه مع الطبيعة وسيطرته عليها .
والإنسان بما يتمتع به من قدرات وطاقات أدرا كية وحسية، استطاع عن طريق التفاعل والصراع مع البيئة، بالظاهر منها والكامن أن يلاحظ، وينتبه ، ويفكر، ويؤسس الخبرات من خلال صراعه مع الغموض( Ambiguity) والصعوبات المحيطة به، وهذه الفاعلية النشيطة هي التي دفعته إلى مسار البحث والتنقيب عن تفسير لما يجري حوله،لفهم الكون وكنه الأشياء ، وكان كلما يستنفذ وسائل للاستطلاع والتعرف والكشف ، يجدد فيها حينما يشعر بعجزها عن تحقيق المعرفة التي ينشدها ، وعلى ذلك فانه وظّف وحفّز كل إمكاناته فكراً وجهداً وصبراً بهذا الاتجاه .
ويّعد حب المعرفة (Knowledge) غريزة أساسية متسقة بالإنسان ودافع أصيل لإنشاء وتوليد – صناعة – الرموز بكل أشكالها ،اللغوية ( المكتوبة منها والملفوظة ) بالإضافة إلى أشكالها التعبيرية الأخرى ،التي نعاصرها إضافة لما استجد منها ( كشفرات الكومبيوتر ) ولغة الاتصال الرقمية عبر الفضاء ، ولغة تخصص العلوم المختلفة المتلاحقة الأتساع والتشعب والتوليد الاصطلاحي والرقمي.
هذه الرموز وتجاوراً مع مطلبها في التعبير والتواصل قد غدت ميداناً خصباً لانتقال المعرفة وتراكمها بمستوياتها البدائية والمعقدة ،ذلك أن الترامز (Symbolism ) قد اختزل للإنسان الكثير من التعقيد الاتصالي، وفتحت له آفاقاً جديدة لصناعة وتكوين المفاهيم (Concepts) التي تشير إلى هذه المعارف المتواترة عبر الزمن ،بالإضافة إلى تعبيراته التلقائية ،والمقصودة في تقديس وهيبة الموجودات والظواهر ، رسماً أم نحتاً،أم كتابةً، أم بناءً…
فقد وجد الإنسان القديم نفسه أمام العديد من الظواهر الطبيعية التي كانت تفوق قوته وقدرته العقلية وتؤثر فيه ،حيث شرع باستخدام خبرته البسيطة وخياله في تعقبها وتعليل بعضها وبالأخص ما تعلق منها بأحوال الطقس ومتغيراته ،وانتشار الأمراض والأوبئة والموت والحياة..والمتغيرات الطبيعية الأخرى، لكنه حينذاك لم يجد الجواب الشافي فيما تعلق في ذهنه من تساؤلات (Questions)،غير انه وضعها في جانب العلل الفوقية ( غير المدركة ).
وبين طيات المحاولات الدائبة التي بذلها الإنسان للحصول على إجابة تبدد الخوف والدهشة لما يحصل من ظاهرات ،ظهرت المعرفة التاريخية (Historical Knowledge) في شكلها الابتدائي (الميثولوجي Mythology ) والتي كانت مثقلة بالعناصر الأسطورية الخارقة والتساؤل الفلسفي ، إلا انه حاول التعرف على الماضي لكي يفهم الحاضر، وأراد أن يوّظف هذا الفهم لدعم وإسناد وجوده في إطار التكوينات الاجتماعية البدائية ومجاراة الطبيعة بقصد التناغم والتآلف وتبديد الخوف . ويقترب هذا النوع من التفكير الأسطوري الذي ظل محتفظا بمكانته لفترات طويلة مستمداً حيويته من التعليل الغائي (Teleological) للظواهر ،أي تفسير ظواهر الطبيعة والأشياء من خلال غاياته ومقاصده وبالتالي إدراجها على وفق ما تحقق له هذه الظواهر من منافع.
وبالنظر لمحدودية تفكيره وضعف إدراكه للمتغيرات المحيطة ،فان الإنسان القديم لجأ إلى طُرق وأساليب بدائية بقصد التأثير في هذه المتغيرات والتالف معها، فقد مارس السحر والشعوذة والتنجيم حيناً ،واستعطف الموجودات الكونية الكبرى ،ثم الحيوانات في أحيان كثيرة ،وعندما يئسَ من هذه الوسائل انعطف بتفكيره البسيط نحو التعاون والتآزر الاجتماعي وأبناء جنسه، ممن عُرفوا بالقوة التأثيرية والمعرفة ،واتخذهم عناصر لحمايته وكقادة رأي، في تدبير شؤونه اليومية أو إحاطته بإجابات لتساؤلاته المتجددة.
وإذا ما تفحصنا حياة الكائن البشري وجدناها سلسلة طويلة من التفاعلات التي بنيت على علاقات الطبيعة ،الوجود ،الصراع ، الخوف ،الاكتشاف … وغيرها من عناصر مسيرته الطويلة ،هذه التفاعلات قد حملت معها رغبات وأنشطة وعادات اتصالية ألهمت الإنسان حينذاك أن يسير ويناضل بحثاً عن التكييف ((Adaptationوالبقاء،والفهم لغرض إيجاد تفسيرات محتملة أو مقنعة لحدوث الظواهر، وبالتالي التعبير عنها عبر الرموز،وقد نسب الإنسان بعد ذلك الى تحكم الآلهة في مجريات حياته ،وحينها أضاف لها قدراً من التقديس والتبجيل طلباً للرضا والاطمئنان والحماية والرزق ،بوصفها في نظره محرّكة أو مسؤولة عما يعتري حياته .
وقد أدى ذلك إلى بروز شخصية الكهنة والعرافين والأطباء والسحرة باعتبارهم وسطاء اتصاليون (Intermediary Communication) ما بينه والآلهة ، هذا الحال أدى إلى تكريس القوى الغيبية وتناسلها عبر الأجيال ،اعتقاداً، وفهماً،وسلوكاً.
وبصورة تدريجية أدرك الإنسان إن الظاهرات ليست عشوائية او مزاجية كما كان الاعتقاد في الماضي ، حيث بدأ يلاحظ حسياً (Sensation ) نظام ومعطيات كونية دورية وعلاقات سببية بالتوافق مع غيرها…عُّدَ ما حدث تطوراً في بنيته الادراكية ، وتوصل في ظروف محددة إلى إمكانية التنبؤ ( (Predictionبالأحداث بدقة معقولة كما في سقوط الأمطار وهبوب الأعاصير وتعاقب الليل والنهار ومواسم الزراعة والفيضان .
ومع مرور الزمن تطورت وسائله وادواته بهذا الاتجاه داعمةً رصد الظاهرات وملاحظتها بالإفادة مما تعلمّه واكتنزه من الأسلاف ومن تجربته اليومية في الاستخدام النفعي ،عندها اكتشف تناقضات وقصورات في تعليلاته الشخصية واحكامه والآخرون ،بعدما تأخذ الظاهرة آراء عده في التفسير والتعليل والكيفية ،وبهذا قد بدء المسار شبه العلمي ،وترّحل تناول الوقائع من التجريدية إلى المسحة الاجتماعية، او ما يقابل صيغة الإجماع او الاتفاق(Concord)بعدما كانت لا تعدو ان تأخذ تصوراً فردياً يشوبها الخوف وعدم اليقين(1).
وهكذا تسير حلقة المعرفة كشفاً لأسرار المجهول وتحدياته ،ومحور هذا المنحى هو الإنسان على مر العصور ،البدائي ،والتأريخي ، وإنسان الحضارات القديمة والحديثة ، ذلك الإنسان ذاته الذي بدأ مقهوراً بالجهل ،اصبح الآن مفعماًبالمعرفة والعلم ،هذه المعرفة ما هي إلا تراكم جهد الإنسانية عبر قرون طويلة،سواء أكانت عشوائية Random ام منتظمة (علمية Scientific) ،املاً بالوصول إلى{ الفهم والتنبؤ والسيطرة Understand Prediction and Control }على الظواهر ،وتلك ثالوث المعرفة العلمية.
فقد انعمنا الله ( سبحانه وتعالى ) بهذا العقل الجبار ، كي نتعرف على اسراره ومكنونات نظامه ، داعياً لنا الى التأمل والتساؤل والتعرّف ، فالحقائق العلمية هي ( آلاء الله) أي طبائع هذا الكون ونظامه ، كما خلقها سبحانه عز وجل ، مرمزة بالكلام البشري على قدر فهم الفكر الانساني ، وكلما تكشّف شيء جديد ، تكشّفت معه مجاهل جديدة ، وتكشفت بدائع صنع الخالق (( قُل لو كان البحرُ مِداداً لكلمَتِ َربيّ ، لنفََدَ البحرُ قَبلَ أَن َتنفَدَ َكلَمتُ َربيّ وَلو جئَنا ِبمِثلِه مَدَداَ.
*المجلس العربي للعلم والمعرفة والابداع والانجاز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق