⏪⏬
لا أدري ما سببُ ما كان يجولُ في ذهني حينما كنتُ صغيراً كلَّما سمعتُ كلمةَ (أُحُد)! أهو وقعُ مَبنى الكلمةِ على أُذني إذ يبدأُها ويتوسَّطُها حرفانِ مضمومانِ هما الهمزةُ والحاءُ أم أنَّ هناك شيئاً اخراً يتعلَّقُ بالمعنى الذي خُصَّتْ به هذه الكلمة؟
ثم كبرت فصارالوقعُ أشدَّ زخماً والصورةُ اكثرَ وضوحا. (فأُحُد) اسمٌ لجبلٍ مُتَوَحِّدٍ مُتَفَرِّدٍ عن غيره من الجبال يقعُ شمال غرب مدينة النور (مدينة الرسول). دارت عنده ثاني معركةٍ في الاسلام بعد بدر، بل كانت امْتِداداً لها.
كان هدف المسلمين من (أُحُد)، اقامةَ حكمِ اللهِ (الأَحَدِ) المُتَوَحِّدِ الُمئُتَفَرِّدِ عما سواه بصفات الكمال و الجلال المطلقة، غير المقيدة بزمان أو مكان. أما هدف المشركين فكان الثأر لخسائرهم في بدرٍ سياسياً واقتصادياً واحتماعيا.
كان عدد المسلمين ألفاً انْسحب منهم ما يقرب من الثلث منتصفَ الطريق قبل ان يصلوا الجبل، جرّاء نكوص كبير المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول المتوقع، فلم يبقَ منهم إلا 700 محاربٍ اسْتعدّوا لمقابلة ثلاثةِ آلافٍ من المشركين.
حين وطِأتْ قدماي أرضَ المدينة كان قد علق في ذهني الكثير، وكانت تحتويني رغبةُ جامحةٌ أن أتوقَّفَ عند آثارها أثراً اثراً. كنت اندم على ساعات أخلد فيها للنوم لكنَّ عزاءي أني بشرٌ ضعيف..... حب المدينة قد تمكن مني ولا حيلة لي يا ابن عمي!
وجدت المدينة كما هي في ذهني إذا ما أزَلْتَ كل ما جد من مظهرٍ وأبقيت الجوهر--- إنها المدينة. إذن كيف لي لا ارى أُحُداً، وانا فيها على بعد ثلاثةِ أميالٍ منه، سيما وقد أنْهيت رشفتي الأولى من معين المصطفى؟
نعم
انا قادمٌ إليك يا جبلْ
اني أحبُّك أيها الجبل
أُحِبُّ من أحَبَّكَ قبلاً
أُحِبُّ من
انت قد أحْبَبْتَهم
أُحِبُّك قبلاً، أُحِبُّك بعدا
إن انت أحببتني ...... أرْضَيْتني
فأنا الذي رأى جبالاً وجبالْ
لكنك الأزكى تراباً
ضمَّ ساداتِ الرجالْ
الآن ينبغي ان أعرف السبيلَ الى الجبل. أحدهم أشارعليَّ ان أستعمل حافلةَ النقل السياحية التي تمر بمواقعَ المدينة التاريخيةِ ومنها أُحُد. استجبت، ركبت الحافلةَ وكنت محظوظاً أن هيَّأ الله لي سائقاً من السودان لم أكنْ إلاِّ أنا معه، وحين تعرف عليَّ وتبادلنا الحديث، بدأت وشائجُ الروح بيننا تعملُ وكأننا نعرفُ بعضَنا من زمن بعيد. واذا به يسرد لي بانْشراحٍ كيف أزور أُحُدا وكيف أزور مواقعَ اخرى في المدينة.
اوقف حافلتَه بعد وقتٍ قصيرٍ فقال لي انظُرْ إلى هذا الجبل وهو يشير بأُصبعه، انه أُحُد وما تراه من جبل صغير بجانب أُحُد انما هو جبل الرماة، ولا تنس مقبرة الشهداء. شكرته وودعته قائلا جزيت خيرا فالآن حق عليَّ أن أطلق العنانَ لمخيلتي.
تسلقت جبل الرماة أو إن شئت جبل عينين الذى يقع جنوب غرب أُحُد. لم يكن تسلقه صعباً - وإن كان صخرياً- فهو اقلُّ ارتفاعاً مما كان عليه فيما مضى، وهو بالتأكيد أقلُّ ارتفاعاً من أُحُد. وقفت على قمة الجبل وعلى سفوحه، ورحت أُقلِّب بصري بعيداً وانا أُحَدِّق في جبل أُحُد. هدوءٌ رهيبٌ وسكونٌ يلف المنطقةَ بأكملها. قلَّبْتُ بصري في أُحُد ثم ارجعتُه كرَّتين فانْتقلتُ بخيالي ليتراءى امامي
رسولُ اللهِ ينزلُ
عند عُدوة الوادي إلى الجبل
سمعت قريعَ سيوفٍ
وأصواتَ سنابكَ
وصيحاتِ صحابةٍ قربَ عينين
رأيت كيف كان الاشتباكُ
وبكيت
عندما استشهد ذو السيفين حمزة
شُلَّتْ يمينُك ايها الْ(وحشي)
أسْقطْت حمزة الأسد
نعم وبكيت أكثر ثم اكثر
وانا ارى سيل دماء تَتَبَدَّدْ
غطت ذلك الوجهَ المنير
عندما شَجّوا جبينَك يا محمد
كنت اكلم نفسي، لماذا ترك الرماة الخمسون مكانَهم فوق عينينَ خلافاً لما اوصاهم النبي القائد
لا تبرحوا مكانَكم هذا!
سِيّان في الحالين
ان كنا ربحنا أو خسرنا
فثباتُكم أوْلى.....
لكي تحموا ظهورَ جندٍ آخرين
لكنهم حين رأوْا بوادرَ النصرِ اوَّلَ الأمرِ ظنوا أن المعركةَ أوشكت أن تضع اوزارَها بنصر المسلمين، فانْشغلوا بجمع الغنائم تاركينَ الجبلَ فكان ذلك فرصة لالتفاف (خالدٍ) وجنده فحملوا على جيش المسلمين، فكان ما كان 70 شهيداً من الصحابة يتساقطون. حينها كان عبد الله بن جبير وقد أوقفه الرسول في فريق الرماة يُرَدِّدُ (اللهم إني أبرأ اليك من هؤلاء ومن هؤلاء) ويقصد المشركين لقتلهم الصحابة والرماة لمخالفتهم وصية القائد.
دفن الشهداء في مكان مصرِعهم ليكون الجبلُ شاهداً لهم. وحين خصصت قطعة ارضٍ جوارَ الجبل كي تكون مقبرة لشهداء أُحُد، نقل رفات الشهداء الى تلك المقبرة دون معرفة اسماءِهم. حين زرت المقبرة رأيت ثلاثةَ قبورٍ بارزة قيل لي أنها لسيد الشهداء حمزة يتوسط قبر مصعب بن عمير وغسيل الملائكة حنظلة على أصح الاقوال.
جزاكم الله عن الأمة أيها الأخيارُ خيرَ الجزاء! انكم لا شك احياءٌ عند ربكم ترزقون. وهكذا انتهت أُحُد وهكذا تجري الحكمة الإلهية بين نصر وسواه لتثبيت الدروس وتمكين القواعد الكونية في التأثير،ألا هل من مُدَّكِر؟
-
*د.عبد يونس لافي
لا أدري ما سببُ ما كان يجولُ في ذهني حينما كنتُ صغيراً كلَّما سمعتُ كلمةَ (أُحُد)! أهو وقعُ مَبنى الكلمةِ على أُذني إذ يبدأُها ويتوسَّطُها حرفانِ مضمومانِ هما الهمزةُ والحاءُ أم أنَّ هناك شيئاً اخراً يتعلَّقُ بالمعنى الذي خُصَّتْ به هذه الكلمة؟
ثم كبرت فصارالوقعُ أشدَّ زخماً والصورةُ اكثرَ وضوحا. (فأُحُد) اسمٌ لجبلٍ مُتَوَحِّدٍ مُتَفَرِّدٍ عن غيره من الجبال يقعُ شمال غرب مدينة النور (مدينة الرسول). دارت عنده ثاني معركةٍ في الاسلام بعد بدر، بل كانت امْتِداداً لها.
كان هدف المسلمين من (أُحُد)، اقامةَ حكمِ اللهِ (الأَحَدِ) المُتَوَحِّدِ الُمئُتَفَرِّدِ عما سواه بصفات الكمال و الجلال المطلقة، غير المقيدة بزمان أو مكان. أما هدف المشركين فكان الثأر لخسائرهم في بدرٍ سياسياً واقتصادياً واحتماعيا.
كان عدد المسلمين ألفاً انْسحب منهم ما يقرب من الثلث منتصفَ الطريق قبل ان يصلوا الجبل، جرّاء نكوص كبير المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول المتوقع، فلم يبقَ منهم إلا 700 محاربٍ اسْتعدّوا لمقابلة ثلاثةِ آلافٍ من المشركين.
حين وطِأتْ قدماي أرضَ المدينة كان قد علق في ذهني الكثير، وكانت تحتويني رغبةُ جامحةٌ أن أتوقَّفَ عند آثارها أثراً اثراً. كنت اندم على ساعات أخلد فيها للنوم لكنَّ عزاءي أني بشرٌ ضعيف..... حب المدينة قد تمكن مني ولا حيلة لي يا ابن عمي!
وجدت المدينة كما هي في ذهني إذا ما أزَلْتَ كل ما جد من مظهرٍ وأبقيت الجوهر--- إنها المدينة. إذن كيف لي لا ارى أُحُداً، وانا فيها على بعد ثلاثةِ أميالٍ منه، سيما وقد أنْهيت رشفتي الأولى من معين المصطفى؟
نعم
انا قادمٌ إليك يا جبلْ
اني أحبُّك أيها الجبل
أُحِبُّ من أحَبَّكَ قبلاً
أُحِبُّ من
انت قد أحْبَبْتَهم
أُحِبُّك قبلاً، أُحِبُّك بعدا
إن انت أحببتني ...... أرْضَيْتني
فأنا الذي رأى جبالاً وجبالْ
لكنك الأزكى تراباً
ضمَّ ساداتِ الرجالْ
الآن ينبغي ان أعرف السبيلَ الى الجبل. أحدهم أشارعليَّ ان أستعمل حافلةَ النقل السياحية التي تمر بمواقعَ المدينة التاريخيةِ ومنها أُحُد. استجبت، ركبت الحافلةَ وكنت محظوظاً أن هيَّأ الله لي سائقاً من السودان لم أكنْ إلاِّ أنا معه، وحين تعرف عليَّ وتبادلنا الحديث، بدأت وشائجُ الروح بيننا تعملُ وكأننا نعرفُ بعضَنا من زمن بعيد. واذا به يسرد لي بانْشراحٍ كيف أزور أُحُدا وكيف أزور مواقعَ اخرى في المدينة.
اوقف حافلتَه بعد وقتٍ قصيرٍ فقال لي انظُرْ إلى هذا الجبل وهو يشير بأُصبعه، انه أُحُد وما تراه من جبل صغير بجانب أُحُد انما هو جبل الرماة، ولا تنس مقبرة الشهداء. شكرته وودعته قائلا جزيت خيرا فالآن حق عليَّ أن أطلق العنانَ لمخيلتي.
تسلقت جبل الرماة أو إن شئت جبل عينين الذى يقع جنوب غرب أُحُد. لم يكن تسلقه صعباً - وإن كان صخرياً- فهو اقلُّ ارتفاعاً مما كان عليه فيما مضى، وهو بالتأكيد أقلُّ ارتفاعاً من أُحُد. وقفت على قمة الجبل وعلى سفوحه، ورحت أُقلِّب بصري بعيداً وانا أُحَدِّق في جبل أُحُد. هدوءٌ رهيبٌ وسكونٌ يلف المنطقةَ بأكملها. قلَّبْتُ بصري في أُحُد ثم ارجعتُه كرَّتين فانْتقلتُ بخيالي ليتراءى امامي
رسولُ اللهِ ينزلُ
عند عُدوة الوادي إلى الجبل
سمعت قريعَ سيوفٍ
وأصواتَ سنابكَ
وصيحاتِ صحابةٍ قربَ عينين
رأيت كيف كان الاشتباكُ
وبكيت
عندما استشهد ذو السيفين حمزة
شُلَّتْ يمينُك ايها الْ(وحشي)
أسْقطْت حمزة الأسد
نعم وبكيت أكثر ثم اكثر
وانا ارى سيل دماء تَتَبَدَّدْ
غطت ذلك الوجهَ المنير
عندما شَجّوا جبينَك يا محمد
كنت اكلم نفسي، لماذا ترك الرماة الخمسون مكانَهم فوق عينينَ خلافاً لما اوصاهم النبي القائد
لا تبرحوا مكانَكم هذا!
سِيّان في الحالين
ان كنا ربحنا أو خسرنا
فثباتُكم أوْلى.....
لكي تحموا ظهورَ جندٍ آخرين
لكنهم حين رأوْا بوادرَ النصرِ اوَّلَ الأمرِ ظنوا أن المعركةَ أوشكت أن تضع اوزارَها بنصر المسلمين، فانْشغلوا بجمع الغنائم تاركينَ الجبلَ فكان ذلك فرصة لالتفاف (خالدٍ) وجنده فحملوا على جيش المسلمين، فكان ما كان 70 شهيداً من الصحابة يتساقطون. حينها كان عبد الله بن جبير وقد أوقفه الرسول في فريق الرماة يُرَدِّدُ (اللهم إني أبرأ اليك من هؤلاء ومن هؤلاء) ويقصد المشركين لقتلهم الصحابة والرماة لمخالفتهم وصية القائد.
دفن الشهداء في مكان مصرِعهم ليكون الجبلُ شاهداً لهم. وحين خصصت قطعة ارضٍ جوارَ الجبل كي تكون مقبرة لشهداء أُحُد، نقل رفات الشهداء الى تلك المقبرة دون معرفة اسماءِهم. حين زرت المقبرة رأيت ثلاثةَ قبورٍ بارزة قيل لي أنها لسيد الشهداء حمزة يتوسط قبر مصعب بن عمير وغسيل الملائكة حنظلة على أصح الاقوال.
جزاكم الله عن الأمة أيها الأخيارُ خيرَ الجزاء! انكم لا شك احياءٌ عند ربكم ترزقون. وهكذا انتهت أُحُد وهكذا تجري الحكمة الإلهية بين نصر وسواه لتثبيت الدروس وتمكين القواعد الكونية في التأثير،ألا هل من مُدَّكِر؟
-
*د.عبد يونس لافي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق