يظل الشاعر دائما في جدلية مع واقعه متأثرا به ومؤثرا فيه، يحس به ويفكر بطريقته وبلغة واحدة مشتركة بين الفرد والجماعة؛ فهو واحد من مجموع.واللغة حامل الشعور الإنساني وأداة التعبير عنه وبها يعرض الشاعر الوعي الجمعي ويعيد إنتاجه وصياغته بشكل قد لايتصوره الناس وإن كان حاضرا في وعيهم؛مايجعل من الشاعر بالنسبة لهم حدثا مختلفا، فيصبح ذاكرتهم الشعبية، وناطقهم الذي يتحدث عنهم بأسلوب يألفونه ولايتقنونه.>وهنا أحاول أن أجيب على تساؤل لاشك أنه يمر بذهن كل من يسمع شاعرا،ويرغب أن يملك موهبته، ما الذي يجعل من الشاعر>كل ذلك؟ ولاسيما الشاعر
الشعبي والذي هو مدار الحديث هنا كونه قريبا جدا من العامة منخرطا فيهم ملتحما بهم قبل الإنتاج وبعده ومنفصلا عنهم فقط لحظة الكتابة انفصالا ماديا معمليا فهو في معمل الإشتغال على اللغة الشعرية.>وللإجابة عن هذا التساؤل أزعم أن هناك أمورا أحاول اختصارها هنا قد تروي ذلك الظمأ عند الناس وهي:
/1الفهم العميق استيعابا وتحليلا لواقعه وحاجيات أناسه المادية والوجدانية، كاشفا عن ذلك الفهم بواسطة
>2/اللغة التي هي لغتهم اليومية التي يدركون كل جزئياتها فهم منشؤها الأول، وتجاوز الشاعر لتلك اللغة يعني انفصاله عن حياتهم وعيا وأسلوبا حياتيا، وتعاليه عليهم وبعده عنهم، وارتباطها بها ارتباطا محضا يعد وقوعه تحت سيطرتها وضغطها، لذا فعليه أن يكون أصيلا في استخدامه لتلك اللغة يبتعد عنها بقدر لايجافي ذائقتهم ويقترب منهم بمالا يجعله مطابقا لهم فبلغتهم واستعمالاتهم يسمي الأشياء ولكن وفق رؤيته هو وزاوية نظره وهذا ما نسميه ب>3/الأصالة.>والشاعر الشعبي ينماز بهذه الأمور أكثر من الشاعر الفصيح كونه يحس ويفكر ويعبر بلغة واحدة بخلاف الآخر الذي تعد اللغة الفصحى له لغة ثانية.
وحين تكون اللغة قاعدة الإحساس والتفكير والتعبير فإن الشاعر لايلحن ولا أقصد باللحن هنا النحوي بل على كل المستويات الصوتية والمعجمية والصرفية والتركبية والدلالية.>فحين يقول الشاعر:
سولف مع الأيام واغنم حياتك
واضحك ولو جرحك يغرِّق مدينه
r>فتضعيف راء الفعل يغرق يعرض كثافة الفعل وجماله أكثر من يغرق المخففة و هذا صوتيا صرفيا وتركيبياالمفارقة بين جرح التي تدل على بساطة الأمر وقلة النزف فلم يقل جراحك واستعاظ عن ذلك بتضعيف الفعل فجعل الجرح أكثر من الجراح بالمقابل جاء بالقافية مدينه المنكرة ليدل على مساحتها الواسعة فبين المدينة الكبييييرة والجرح الصغيييير الفعل الكثيف يغرّق ولا أظن ذلك يتأتي للشاعر الفصيح بهذه البساطة.>ومع الشاعر الشعبي يتماهى مع المتلقي العامة والنخبة وربما يصبح جمهوره النخبوي هم عامة الناس فهو هم، وهم هو فلهم آلية خطاب واحدة لاتختلف،ولتوضيح ذلك أكثر نقف أما تجربة الشاعر الشعبي صالح عباد الأحمدي حيث تتجلى تلك السمات التي سبق ذكرها...
فالشاعر الأحمدي يملك
/1الفهم الذي يدرك به و بعمق واقعه المحيط به، فهو شخصية قبلية اجتماعية متفاعلة مع مكونها الاجتماعي، عارفة بالسائد القبلي والثقافة الشعبية كما تكشف ذلك بجلاء قصائده المشغولة بالحكمة، وإنما تكثر الحكمة عند الشاعر العظيم الذي خبر الحياة وتمرس على تقلباتها وعاش فيها تجارب متلاحقة تعرض تناقضها الذي يدل بقوة على اتزانها.والكلمة مستقاة من حياة الناس آتية منهم نتاجا لعلاقاتهم اليومية وصراعاتهم الكثيرة وعائدة إليهم عبر الشاعر لتشكل وعيا جديدا متجاوزا، يقول الأحمدي:
بيدك تطلّع شوكتك من حفاتك
حتى ولو حولك أيادي أمينه
فهذا المعنى دال بامتياز على خوض الشاعر لمعركة الإنسان الدائمة مع واقعه وتجاربه الحياتية الكثيرة فقد ضمنه النصيحة والتوجيه والاعتماد على الذات وبلغة سهلة الفهم واضحة وكنائية الصورة عاملا على تبسيط المثل(ماحك جلدك مثل ظفرك)عبر بنية إيقاعية سهلة الالتقاط وألفاظ سهلة مضيفا إضافة مهمة واحترازية حتى ولو حولك أيادي أمينة فلامجال للاستعانة بالآخر في الأمور المصيرية.>وتتجلى قدرة الشاعر على تحليل الواقع وقراءته بدقة وإنتاج معرفة جديدة قائمة على ذلك من خلال محاولاته الاجابة عن تساؤلات كثيرة تجري الوعي الإنساني القائم عن طريقة التعامل مع الحياة اقتصاديا ومن ذلك قوله:
إذا عوزت الصوف جزيت شاتك
واذا تبا تنحر نحرت السمينه
خذلك من الدنيا الدنيه كفات
يكفيك منها قرص بيضه جحينه
إن استوت ماتدري الا وجاتك
وان ما استوت ماباتكلها عجينه
فهو هنا يضع خطة استراتيجية من خلال اللغة الشعرية في الجانب الاقتصادي التي تنشأ عليه بقية الجوانب الحياتية، فعلى الإنسان أن يعيد الاهتمام بالثروة الحيوانية التي تمثل عصبا مهما في الاكتفاء الذاتي فهي مصدر لصنع الاثاث والملابس كما في شطر ب1 ثم يحثه على الكرم لأن ذلك يؤسس لسمعة اجتماعية واسعة في المجتمع.كما أن في الباطن تحذيرا من المدنية التي قد تضعف الاهتمام بهذا الرافد الاقتصادي..بعد ذلك يرشد في الإنفاق في ب2 خاتما بحكمة تقول أن الكل سيأخذ ماله في الحياة في ب3.>وماكان للشاعر أن يحظى بهذا الفهم لولا تفاعله مع الحياة بتكويناتها على المستوى العمودي فهما ورؤية وعلى المستوى الأفقي عطاء:
خلك جبل يعني جبل في ثباتك
الكل ياخذ من حجاره وطينه
وكل ذلك يبدو واضحا عبر
2/اللغة التي هي أداة الشعر في تشكيل تجربته ووسيلته في التعبير عن أفكاره وأحاسيسه والكشف عن رؤيته، ولغة الشاعر الأحمدي تنقل الفكرة بسلاسة وتبين عن الرؤية بجمال وفي ألفاظ يعرفها العامة قبل الخاصة فقد تولدت بناها في أفوه الناس
:الاحمدي قال مادام الهدف سامي
باقوم واقعد وبقعد للهدف واقوم
وبندق الصوب من تركوبة الرامي
وانا على الصوب دايم بندقي محكوم
فالشاعر يفتتح نصه بالمتداول واليومي في أفواه الناس قال فلان وقال فلان مجردا من ذاته ذاتا ثانية غائبة في فنية جميلة الأحمدي قال:.........ثم يعرض رؤيته للتعامل مع الخارج وبشكل درامي ممشهدا أولا الفعل فعل الصيد من خلال تكرار الفعلين (اقوم واقعد)وتقليبهما والربط بينهما بالواو في ب1وكاشفا عن النفسية القلقة ثانيا من خلال تحريك الصورة وتسريعها عبر التتابع السريع لهما وفي هذا وجازة في البنية وتكثيف للصورة وهذا يدل على مهارة وحرفية الشاعر وقد ذكرني ببيت المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالفتى
مضر كوضع السيف في موضع الندى
من حيث الشكل البنائي وحاول الشاعر من خلال القافية القائمة على التصريع في الصدر طوال القصيدة سامي التي تحمل هدوءا ايقاعيا بعد الانفعال فيما سبقهاعبر المد بالالف وروي الميم المتبوعة بالياء المسترخية وكذلك الواو الطويلة الساكنة وروي الميم الساكن تشكيل إيقاع هادئ وبالتحديد في قوم للتخفيف من حدة الايقاع داخل بنية البيت بما يوازي الحاجة للنفس العميق عند الصياد صانعا معادلة ايقاعية متوازنة داخل البيت...>ثم يعرض رؤيته في ب2 من خلال لكيفية التعامل مع أدوات القنص وضرورة سمو الاهداف والانشغال بها وهو هنا يكني عن سمو اهدافه ومهارته العالية في التعامل مع اللغة وطريقة تركيبها متخذا من الصيد الذي هو جزء من الحياة اليومية في بيئته معنى يعبر فيه عن معناه الذي يرمي إليه..>ونجد هنا أن الشاعر لايعتمد على الصورة البسيطة القائمة على الاسناد الاضافي في الاستعارة كما هو عند شعراء الفصيح المشتغلين بالشكل بل يتكئ على الصورة الكنائية والاستعارة التمثيلية القائمتين على العلاقات بين الجمل لا المفردات وبشكل لايقبل التجزئة...>كما أنه يستخدم لغة قريبة من حياة الناس مبتعدا عن اللغة المتعالية على واقعهم المنفصلة عنهم بعد إعادة تشكيلها وفق مقتضى الحاجة وكما يرى وبشكل يعرض
3/الأصالة التي ينماز بها الشاعر حيث نجده يقف على الأشياء ليسميها ويصفها بطريقة جديدة وكأنه المسمي الأول لها ويواجهها للوهلة الأولى، فنجده مثلا يقف على ثيمتي الحب والحرب اللتين وقف عليهما الناس قبله والشعراء غيره فهما قديمتان قدم الحياة، ولكنه ينظر لهما من زاوية مختلفة:
الحب والحرب صادف عيد ميلادهن
كم يا ملايين صلوا فوق سجادهن
ماحد تهنى بقهوتهن ولا زادهن
مرارة الموت ذي تنفح من أكبادهن
يارب عاشق تصيدهن ولاصادهن
ولادرى الا وهو واحد من عيادهن
فقد تساوى لديه المعنيان فلكل عيد ميلاد وأهمية عند الناس ولم يتهن بهما أحد ولهما مرارة الموت وهما غزالان نافران صعب صيدهما كما أنهما فريستان تتحولان لصائد والصائد يصبح فريسة..>والشاعر يضيف إلى الثقافة الشعبية عيد الميلاد الذي يعتبر دخيلا عليها وعلى الفكر العربي من خلال هاتين الثيمتين.>ويفترض أن النتيجة تكون متناقضة لأنهما متناقضان فالحب حياة والحرب موت ولكن في ظل تقلبات العصر أصبحتا قاتلتين...>وقد وصل الشاعر لمعناه عبر ألفاظ سهلة مثل صادف...يعني في يوم واحد..ثم استخدام القهوة والزاد المرتبطتين بحياة الناس حد الاتحاد في صورة كنائية جميلة في الشطر الثالث.. وكذلك استخدامه مفردة ذي للتوكيد خاتما المقطع بصورة تراجيكوميدية في الشطر الاخير حيث صار المضحي أضحية بعد نقل تسمية العيد على الأضحية فكبش العيد عندنا يسمى عيد في الثقافة الشعبية.وهذه هي الأصالة الشعرية ومن دلائل ذلك أيضا استخدام الشاعر لعناصر الهندسة في الشعر للتعبير عن سخريته من الانسان الغبي
من سبر الشينة ويرجع يشاتم
بايحلف ان الدايرة مستقيمة
فهو هنا يعرض لنا مبرهنة على نظرية العقل الغبي
ياصحابنا ويش المعالم يعالم
قبحي لكم يا اهل العقول الغشيمة
موجدا نظرة جديدة للاستدلال على غباء العقل في شعرية عالية تصعب على شاعر الفصحى.>كما أن من أهم الاسباب في ثراء تجربة الشاعر أي شاعر اتصاله كما أسلفنا بواقعه وحياة الناس وهذا جلي في قول الاحمدي:
ريت ان عاد السلف والعرف قاي
والوجه قايم واللحى مستليمه
نامشهد السوداوية والملاجم
مشهد مراد اسعد وعنس الجميمة
فحديثه عن السلف والعرف في خطابه الموجه لقبائل اليمن واستحضار بعض أسمائها(السوداوية،الملاجم،مراد اسعد، عنس الجميمة)يدل على اتصاله العميق بواقعه الاجتماعي ومعرفته بطرائق التعامل في الحاجات معه عبر ثقافة السلف والعرف التي ذكرها وفي هذا تتجلى تجربته الصادقة التي هي جزء مهم في الشعر وهي تجربة شخصية ولكنها تعبر عن وعي جمعي يحاول فيه الفرد المبدع أن يقوض الكائن الخطأ ليقيم الممكن الصحيح والأفضل كاشفا أيضا عن شروط الأصالة الابداعية تاركا المجال للذات المبدعة أن تحضر من خلال
الاحمدي معروف ياكل واهم
قصايده تنفح مروة وشيمة
مايقطع الا من بطون المناجم
ولايمد الا بليد الكريمه
يصرف حروفه مثل صرف الدراهم
معه مطابع حميرية قديمة
مازجا بين الذات الاجتماعية والابداعية والانسانية في تلك الابيات...<
هذا بعض ما استطعت اداراكه من تجربة الشاعر صالح الأحمدي الواسعة المعالم الكثيرة السمات...
الشعبي والذي هو مدار الحديث هنا كونه قريبا جدا من العامة منخرطا فيهم ملتحما بهم قبل الإنتاج وبعده ومنفصلا عنهم فقط لحظة الكتابة انفصالا ماديا معمليا فهو في معمل الإشتغال على اللغة الشعرية.>وللإجابة عن هذا التساؤل أزعم أن هناك أمورا أحاول اختصارها هنا قد تروي ذلك الظمأ عند الناس وهي:
/1الفهم العميق استيعابا وتحليلا لواقعه وحاجيات أناسه المادية والوجدانية، كاشفا عن ذلك الفهم بواسطة
>2/اللغة التي هي لغتهم اليومية التي يدركون كل جزئياتها فهم منشؤها الأول، وتجاوز الشاعر لتلك اللغة يعني انفصاله عن حياتهم وعيا وأسلوبا حياتيا، وتعاليه عليهم وبعده عنهم، وارتباطها بها ارتباطا محضا يعد وقوعه تحت سيطرتها وضغطها، لذا فعليه أن يكون أصيلا في استخدامه لتلك اللغة يبتعد عنها بقدر لايجافي ذائقتهم ويقترب منهم بمالا يجعله مطابقا لهم فبلغتهم واستعمالاتهم يسمي الأشياء ولكن وفق رؤيته هو وزاوية نظره وهذا ما نسميه ب>3/الأصالة.>والشاعر الشعبي ينماز بهذه الأمور أكثر من الشاعر الفصيح كونه يحس ويفكر ويعبر بلغة واحدة بخلاف الآخر الذي تعد اللغة الفصحى له لغة ثانية.
وحين تكون اللغة قاعدة الإحساس والتفكير والتعبير فإن الشاعر لايلحن ولا أقصد باللحن هنا النحوي بل على كل المستويات الصوتية والمعجمية والصرفية والتركبية والدلالية.>فحين يقول الشاعر:
سولف مع الأيام واغنم حياتك
واضحك ولو جرحك يغرِّق مدينه
r>فتضعيف راء الفعل يغرق يعرض كثافة الفعل وجماله أكثر من يغرق المخففة و هذا صوتيا صرفيا وتركيبياالمفارقة بين جرح التي تدل على بساطة الأمر وقلة النزف فلم يقل جراحك واستعاظ عن ذلك بتضعيف الفعل فجعل الجرح أكثر من الجراح بالمقابل جاء بالقافية مدينه المنكرة ليدل على مساحتها الواسعة فبين المدينة الكبييييرة والجرح الصغيييير الفعل الكثيف يغرّق ولا أظن ذلك يتأتي للشاعر الفصيح بهذه البساطة.>ومع الشاعر الشعبي يتماهى مع المتلقي العامة والنخبة وربما يصبح جمهوره النخبوي هم عامة الناس فهو هم، وهم هو فلهم آلية خطاب واحدة لاتختلف،ولتوضيح ذلك أكثر نقف أما تجربة الشاعر الشعبي صالح عباد الأحمدي حيث تتجلى تلك السمات التي سبق ذكرها...
فالشاعر الأحمدي يملك
/1الفهم الذي يدرك به و بعمق واقعه المحيط به، فهو شخصية قبلية اجتماعية متفاعلة مع مكونها الاجتماعي، عارفة بالسائد القبلي والثقافة الشعبية كما تكشف ذلك بجلاء قصائده المشغولة بالحكمة، وإنما تكثر الحكمة عند الشاعر العظيم الذي خبر الحياة وتمرس على تقلباتها وعاش فيها تجارب متلاحقة تعرض تناقضها الذي يدل بقوة على اتزانها.والكلمة مستقاة من حياة الناس آتية منهم نتاجا لعلاقاتهم اليومية وصراعاتهم الكثيرة وعائدة إليهم عبر الشاعر لتشكل وعيا جديدا متجاوزا، يقول الأحمدي:
بيدك تطلّع شوكتك من حفاتك
حتى ولو حولك أيادي أمينه
فهذا المعنى دال بامتياز على خوض الشاعر لمعركة الإنسان الدائمة مع واقعه وتجاربه الحياتية الكثيرة فقد ضمنه النصيحة والتوجيه والاعتماد على الذات وبلغة سهلة الفهم واضحة وكنائية الصورة عاملا على تبسيط المثل(ماحك جلدك مثل ظفرك)عبر بنية إيقاعية سهلة الالتقاط وألفاظ سهلة مضيفا إضافة مهمة واحترازية حتى ولو حولك أيادي أمينة فلامجال للاستعانة بالآخر في الأمور المصيرية.>وتتجلى قدرة الشاعر على تحليل الواقع وقراءته بدقة وإنتاج معرفة جديدة قائمة على ذلك من خلال محاولاته الاجابة عن تساؤلات كثيرة تجري الوعي الإنساني القائم عن طريقة التعامل مع الحياة اقتصاديا ومن ذلك قوله:
إذا عوزت الصوف جزيت شاتك
واذا تبا تنحر نحرت السمينه
خذلك من الدنيا الدنيه كفات
يكفيك منها قرص بيضه جحينه
إن استوت ماتدري الا وجاتك
وان ما استوت ماباتكلها عجينه
فهو هنا يضع خطة استراتيجية من خلال اللغة الشعرية في الجانب الاقتصادي التي تنشأ عليه بقية الجوانب الحياتية، فعلى الإنسان أن يعيد الاهتمام بالثروة الحيوانية التي تمثل عصبا مهما في الاكتفاء الذاتي فهي مصدر لصنع الاثاث والملابس كما في شطر ب1 ثم يحثه على الكرم لأن ذلك يؤسس لسمعة اجتماعية واسعة في المجتمع.كما أن في الباطن تحذيرا من المدنية التي قد تضعف الاهتمام بهذا الرافد الاقتصادي..بعد ذلك يرشد في الإنفاق في ب2 خاتما بحكمة تقول أن الكل سيأخذ ماله في الحياة في ب3.>وماكان للشاعر أن يحظى بهذا الفهم لولا تفاعله مع الحياة بتكويناتها على المستوى العمودي فهما ورؤية وعلى المستوى الأفقي عطاء:
خلك جبل يعني جبل في ثباتك
الكل ياخذ من حجاره وطينه
وكل ذلك يبدو واضحا عبر
2/اللغة التي هي أداة الشعر في تشكيل تجربته ووسيلته في التعبير عن أفكاره وأحاسيسه والكشف عن رؤيته، ولغة الشاعر الأحمدي تنقل الفكرة بسلاسة وتبين عن الرؤية بجمال وفي ألفاظ يعرفها العامة قبل الخاصة فقد تولدت بناها في أفوه الناس
:الاحمدي قال مادام الهدف سامي
باقوم واقعد وبقعد للهدف واقوم
وبندق الصوب من تركوبة الرامي
وانا على الصوب دايم بندقي محكوم
فالشاعر يفتتح نصه بالمتداول واليومي في أفواه الناس قال فلان وقال فلان مجردا من ذاته ذاتا ثانية غائبة في فنية جميلة الأحمدي قال:.........ثم يعرض رؤيته للتعامل مع الخارج وبشكل درامي ممشهدا أولا الفعل فعل الصيد من خلال تكرار الفعلين (اقوم واقعد)وتقليبهما والربط بينهما بالواو في ب1وكاشفا عن النفسية القلقة ثانيا من خلال تحريك الصورة وتسريعها عبر التتابع السريع لهما وفي هذا وجازة في البنية وتكثيف للصورة وهذا يدل على مهارة وحرفية الشاعر وقد ذكرني ببيت المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالفتى
مضر كوضع السيف في موضع الندى
من حيث الشكل البنائي وحاول الشاعر من خلال القافية القائمة على التصريع في الصدر طوال القصيدة سامي التي تحمل هدوءا ايقاعيا بعد الانفعال فيما سبقهاعبر المد بالالف وروي الميم المتبوعة بالياء المسترخية وكذلك الواو الطويلة الساكنة وروي الميم الساكن تشكيل إيقاع هادئ وبالتحديد في قوم للتخفيف من حدة الايقاع داخل بنية البيت بما يوازي الحاجة للنفس العميق عند الصياد صانعا معادلة ايقاعية متوازنة داخل البيت...>ثم يعرض رؤيته في ب2 من خلال لكيفية التعامل مع أدوات القنص وضرورة سمو الاهداف والانشغال بها وهو هنا يكني عن سمو اهدافه ومهارته العالية في التعامل مع اللغة وطريقة تركيبها متخذا من الصيد الذي هو جزء من الحياة اليومية في بيئته معنى يعبر فيه عن معناه الذي يرمي إليه..>ونجد هنا أن الشاعر لايعتمد على الصورة البسيطة القائمة على الاسناد الاضافي في الاستعارة كما هو عند شعراء الفصيح المشتغلين بالشكل بل يتكئ على الصورة الكنائية والاستعارة التمثيلية القائمتين على العلاقات بين الجمل لا المفردات وبشكل لايقبل التجزئة...>كما أنه يستخدم لغة قريبة من حياة الناس مبتعدا عن اللغة المتعالية على واقعهم المنفصلة عنهم بعد إعادة تشكيلها وفق مقتضى الحاجة وكما يرى وبشكل يعرض
3/الأصالة التي ينماز بها الشاعر حيث نجده يقف على الأشياء ليسميها ويصفها بطريقة جديدة وكأنه المسمي الأول لها ويواجهها للوهلة الأولى، فنجده مثلا يقف على ثيمتي الحب والحرب اللتين وقف عليهما الناس قبله والشعراء غيره فهما قديمتان قدم الحياة، ولكنه ينظر لهما من زاوية مختلفة:
الحب والحرب صادف عيد ميلادهن
كم يا ملايين صلوا فوق سجادهن
ماحد تهنى بقهوتهن ولا زادهن
مرارة الموت ذي تنفح من أكبادهن
يارب عاشق تصيدهن ولاصادهن
ولادرى الا وهو واحد من عيادهن
فقد تساوى لديه المعنيان فلكل عيد ميلاد وأهمية عند الناس ولم يتهن بهما أحد ولهما مرارة الموت وهما غزالان نافران صعب صيدهما كما أنهما فريستان تتحولان لصائد والصائد يصبح فريسة..>والشاعر يضيف إلى الثقافة الشعبية عيد الميلاد الذي يعتبر دخيلا عليها وعلى الفكر العربي من خلال هاتين الثيمتين.>ويفترض أن النتيجة تكون متناقضة لأنهما متناقضان فالحب حياة والحرب موت ولكن في ظل تقلبات العصر أصبحتا قاتلتين...>وقد وصل الشاعر لمعناه عبر ألفاظ سهلة مثل صادف...يعني في يوم واحد..ثم استخدام القهوة والزاد المرتبطتين بحياة الناس حد الاتحاد في صورة كنائية جميلة في الشطر الثالث.. وكذلك استخدامه مفردة ذي للتوكيد خاتما المقطع بصورة تراجيكوميدية في الشطر الاخير حيث صار المضحي أضحية بعد نقل تسمية العيد على الأضحية فكبش العيد عندنا يسمى عيد في الثقافة الشعبية.وهذه هي الأصالة الشعرية ومن دلائل ذلك أيضا استخدام الشاعر لعناصر الهندسة في الشعر للتعبير عن سخريته من الانسان الغبي
من سبر الشينة ويرجع يشاتم
بايحلف ان الدايرة مستقيمة
فهو هنا يعرض لنا مبرهنة على نظرية العقل الغبي
ياصحابنا ويش المعالم يعالم
قبحي لكم يا اهل العقول الغشيمة
موجدا نظرة جديدة للاستدلال على غباء العقل في شعرية عالية تصعب على شاعر الفصحى.>كما أن من أهم الاسباب في ثراء تجربة الشاعر أي شاعر اتصاله كما أسلفنا بواقعه وحياة الناس وهذا جلي في قول الاحمدي:
ريت ان عاد السلف والعرف قاي
والوجه قايم واللحى مستليمه
نامشهد السوداوية والملاجم
مشهد مراد اسعد وعنس الجميمة
فحديثه عن السلف والعرف في خطابه الموجه لقبائل اليمن واستحضار بعض أسمائها(السوداوية،الملاجم،مراد اسعد، عنس الجميمة)يدل على اتصاله العميق بواقعه الاجتماعي ومعرفته بطرائق التعامل في الحاجات معه عبر ثقافة السلف والعرف التي ذكرها وفي هذا تتجلى تجربته الصادقة التي هي جزء مهم في الشعر وهي تجربة شخصية ولكنها تعبر عن وعي جمعي يحاول فيه الفرد المبدع أن يقوض الكائن الخطأ ليقيم الممكن الصحيح والأفضل كاشفا أيضا عن شروط الأصالة الابداعية تاركا المجال للذات المبدعة أن تحضر من خلال
الاحمدي معروف ياكل واهم
قصايده تنفح مروة وشيمة
مايقطع الا من بطون المناجم
ولايمد الا بليد الكريمه
يصرف حروفه مثل صرف الدراهم
معه مطابع حميرية قديمة
مازجا بين الذات الاجتماعية والابداعية والانسانية في تلك الابيات...<
هذا بعض ما استطعت اداراكه من تجربة الشاعر صالح الأحمدي الواسعة المعالم الكثيرة السمات...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق