يوميات مهرج
قصة قصيرة
غسل وجهه على عجالة والتفت نحوي مبتسما،أمسكت بطرف ثوبه وقلبي يطرق بشدة.همست والعبرة تخنقني:خذني معك.
مسح بيده رأسي الصغير ومضى دون كلام،ركضت خلفه، ناديته،تلاشى.....
لا أدري ما هو الرابط المشترك الذي شدني لذاك العجوز( المهرج)وأنا أبن الثالثة عشر.
لأول مرة يزور قريتي الصغيرة سرك،تهافت الناس رجالا ونساء وأطفالا.علامات السعادة رسمت على كل الوجوه،وقفت على باب خيمة السيرك وحيدا ،جدتي المسكينة التي أعيش معها (بعد أن فقدت عائلتي )دائما مريضة ولا معيل لها سوى ما تكسبه يداها من غزل الصوف ولهذا كنت دائما لا أفضل ان أطلب منها نقود.
وقفت طويلا وأنا أسترق السمع لشهقات الأطفال تارة وضحكاتهم تارة أخرى،فيما كانت أحلامي تحلق بي خلف قماش الخيمة فاجأني وجه ذاك المهرج أمسك يدي قائلا:لما لم تدخل ياصغيري ،قلبت له جيوبي فابتسم وسحبني برفق ،أدخلني من الباب الجانبي وأجلسني بقربه.حين حان وقت فقرته تعالت الصيحات واشتعل المكان بالتصفيق،قهقهات الناس لحركاته وألعابه كانت نابعة من داخل القلوب،لكني كنت مشدودا لشيء واحد فقط،عيناه،لماذا كل هذا الحزن كيف لم ينتبه لهما أحد سواي.اكتمل العرض، أسدل الستار،خرج الجميع وبقيت مسمرا في مكاني، أقترب المهرج مني قال:إنتهى العرض إذهب لأهلك بابني .
لماذا أنت حزين يا عم !؟ما هذه الدمعة في عينك، إنها تشبه دمعة أمي حين قتل الجنود أبي وهدموا منزلنا في حيفا،مازلت اذكرها تلك الدمعة التي تحجرت في عينيها حين فارقتها الروح وهي تمسك كفي ..
أثار سؤالي له استغرابه،ربت على كتفي وقال أذهب الآن وعد في الغد لدينا عرض جديد.
صار المهرج المجهول صديقي رغم فارق السن بيننا، نجلس ساعات طوال يحدثني عن كل شيء. كان فصيح اللسان واسع الثقافة والعلم،كلماته كأنها شلال .
شعرت بأني وجدت جزء من قلبي حين تعرفت عليه.أخبرني ذات مرة بأني لا أشبه أقراني و بأني سأكون ذات يوم شخصية مرموقة ونصحني بالكتابة لتفجير مواهبي.مرت الأيام مسرعة. تيبست قدماي حين وجدتهم يشرعون بالرحيل بعد أن أكملوا جمع معداتهم،
ركضت إلى المهرج باكيا ،أرجوك يا عمي لا تذهبوا لم تحكي لي قصتك التي وعدتني.!
جلسنا على جذع شجرة مقطوع
نظر السماء قائلا:أنا الدكتور هيثم
أخصائي علم نفس من الخليل خرجت من المعتقل منذ عام فلم أجد سوى حطام مدينة وبقايا ذكريات. أخبرني بعض من تبقى من أهل حيينا بأن المجزرة التي ارتكبها العدو على مرأى ومسمع العالم بأكمله، أخذت كل اهلي و أحبائي
تركتني وحيدا في عالم خيم عليه الظلم والسواد،فلبست ثوب المهرج وصرت أجوب المدن والقرى طامعا بنشر السعادة في القلوب.
يالله كم أحزنتني كلماتك يا عم (قلت له)
قام نفض ثيابه وتوجه للصنبور ليغسل وجهه الآخر
ابتعدت سيارة السيرك وصوتي المخنوق داخل حنجرتي ينادي خذني معك .
حسان عبد القادر الشامي
*
القصة القصيرة ....
تُعرف القصة القصيرة بحسب الأستاذ فؤاد قنديل على أنّها نص أدبي نثري يعمل على تصوير موقف معين أو شعور إنساني، بشكلٍ مكثف لتحقيق مغزى معين، أمّا آرسكين كالدويل فعرفها بأنّها عبارة عن حكاية من الخيال، ذات معنى معين، وتكون ممتعة وشيقة؛ لتجذب انتباه زد إليها، كما يجب أن تكون مكتوبة بشكلٍ عميق لتعبر عن طبيعة الإنسان.
خصائص القصة القصيرة وأهم خصائصها تتضمن ما يلي:
الوحدة
التكثيف.
الدراما
ومن أهم عناصرها :
الرؤية ...الموضوع ....اللغة ....الشخصية....البناء....النهاية....
العنوان
*
تعريف كلمة المهرج لغة
مُهرِّج: (اسم)اسم فاعل من هرَّجَا
لمُهَرِّجُ : من يُضحِكُ القومَ بحركاته وكلماته وهيئته
قراءة انطباعية للنص
أن دور الأديب المناضل بالثورة لا يقل أهمية عن دور حامل القنبلة ...
أن ما رسمه الكاتب هنا هو ما يلقاه المناضل من تشرد سجن والوجع الأكبر ما تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض .
أن ما رسمه الكاتب لنا بشخصية المهرج وصور البؤس الحقيقي التي أتى بها لنا لم تكن سوى لوحة للوجع الحقيقى بل كما يراها الفلاسفة والمفكرون في عالم لا يمارس فيه أي شعب أدنى حد من حدود العدالة النسبيه تجاه الفلسطينيين .
وكأنه يقول لنا بشكل آخر لماذا نريد من الشعب الفلسطيني أن يذهب ضحية ممارسة العدالة المطلقة ولا نسمح له ولانفسنا بممارسة عدالة العالم القائم والعصر القائم .
من السهل أن نعدد كم رسمت إسرائيل من الحزن المرسوم على الأرض بتاريخها الطويل من قتل وتهجير الأطفال الأبرياء ... أليس من حق أي شخص يهاجمك أن ترمي بقنبلتك أمامه... دفاعا عن نفسك ؟
صورة العدالة بالنسبة إلى إنسان يمارس الرياضه بقصره لا تقارن بصورة إنسان وجد مشلوحا على قارعة شوك الطريق والعاصفة تلتهم أطفاله وعمره وأحلامه وكل ما حولك يدفعك للنسيان وكأننا نضيف قرصا مخدرا في فم جائع !
فكيف .... للإنسانية هنا....
أن تكون عادلة في قضية غير عادلة
ونحن هنا
كأن الجميع يدفع أن تعيش مستسلما للتخدير والنسيان ومعايشة العار ...
وها نحن مع. مهرجنا الدامع المبتسم تتلو صلواتنا على أرواحنا ،ما دامت حياتنا موتا مستمرا مخجلا .
وأمام صورة المهرج
وأمام منطق العقل يظل منطقه مشلولا أمام
اللغة المدحورة أمام نزف الأعماق ويظل يختبىء ويبكي برعونة حيوان صغير وجريح ...
يهذي أمام أيام رحلت ولم ولن تعود يبكي فيها
حد التحجر والانزواء ...والشراسة والصمت .
وهاهو المهرج كأنه يقول لنا ...ان الفؤاد الذي نما في رحم اليأس ولكنه طلع إلى الحياة بمخاض الأمل والعزم على الكفاح والتصميم على الجهاد من أجل جسد الوطن المثقب بالرصاص ولكن الصامد والنابض والمستمر عبر أجيال من الأطفال والرجال زمن البنادق ..
وكأنه يقول لنا أيضا أن من واجبه كان أن يوصل صوت الحقيقة إلى العالم الخارجي وهذا أضعف الإيمان .
ليسقط. ..القلب الذي لا يشارك العقل أحزانه ،
ليسقط الفؤاد الذي تم تحويله إلى بكائيات دون أن يحول إلى فعل مقاومة إيجابي .
أن الشخصية التي اختارها لنا الكاتب هنا كأني بها شخصية من شخصيات غسان كنفاني ...لم تكن عاطلة وانما فاعلة وهي لا تغاير الواقع فهو يطرح شخصية غير مهزومة رغم كم الواقع المرير الذي عاشه المهرج إلا أنه لم يهزم بل كان ذلك البطل الذي يحمل جرحه بكفه ولا يكذب على نفسه .
وبالعموم الأنسان يسقط نتيجة صراعه مع الآخر ،فيشعر بالسقوط بمكان وبدونيته، فيسلك منطلقا من هذا الإعتراف وبالتالي بدونيته هو ،وهو يرحل إلى الأنزواء والتقوقع على ذاته ولكن البطل هنا لم ينساق إلى مسلخ الهزيمة ولكنه حول كل ظروفه إلى فعل وعي وأدراك ،بل وأكثر أخذه كنقطة انطلاق لكي ينمو حجم الدفاع بالوعي الفلسطيني.
الموضوع هنا هو حد التخطي بكل ما يمكن أن يعرقله فكانت القصة كأنها مضمون انعكس عن واقع شعب معين بمرحلة معينة.
وعي الشعب الفلسطيني في إرادة الأستمرار والصمود التي أخذ الجيل الجديد يتحلى بها أمام جيل قديم مهزوم فهو لم يتخلى عن هويته النضاليه ،وباللقطات النفسية البارزة في القصة القصيرة يظهر من تحت الدمع الإبتسامة ،ومن تحت مظهر اليأس الأراده ،وكان الواقع المؤلم له عونا له لا عليه فتوحد مع الألم في علاقة أشبه بعلاقة الطفل بأمه التي تمنحه العون دائما .
فجأت الحبكة بالنهاية فعل إستمرار وحركة إيجابية أساسية في القصة.
--
قراءة حول النص بالعموم
أمام هذا المهرج أدركت أن لا شيء أكثر مهانة من الصفعة التي لا ترد، وأن نتستر كضحايا حول جريمة الاغتصاب أكثر من التستر على القاتل ،والعار الأزلي الذي باتت الأمة تسدل ستارة النسيان عليه وحوله .
متناسين تماما أن البوصلة للهزيمة بدأت من هنا وكانت حجر الأنطلاق لهدم الأمة العربية جمعاء.
فكأن إسرائيل تضعنا كأحجار الدومينو تباعا وتدفع بطرف أصبعها الحجر الأول لنتهاوى بعدها تباعا .
وصمتنا وأخذنا دور المتفرج!
حتى صارت أرض الهزيمة مستنقعا من الرمال المتحركة نغوص فيها جميعا وببطء دون أن نلحظ أنها توشك أن تبتلعنا جميعا ونهائيا .
وكأننا الفنا الهزيمة ...
انتابنا حالة من الخدر ،حالة من التسمم الهوائي بالسلم المذل المفروض علينا جميعا وتباعا.
فأطلق الهواء غازاته السامة ومات أهل الدار وهم نيام دون أن يعلموا ماذا حل بهم.
بعد جيل الأستسلام والهزبمة خرج من فلسطين جيل جديد تألف مع الموت والعدو ...
فكان جيلا جديدا رمى عن كاهله أن يكون أداة ،وعي وصحوة ،فكان الحجر والخنجر البدائي من أهم أدواته واجه الموت بعين بصيرة ،وضع المخرز بعينه وواجه عدوه قائلا بكل بسالة هذا أنا ببساطة
دمي أحمله على كفي وجئت إليك بقدمي ...
أما الموت أو الحياة بكرامة .
بات الموت هدفا رائعا وسبيل فخر وعزة ...
بدل سلوكه وسلوكياته وأدرك أن الأمة العربيه لم يصحوا بعد من سكرة ليلة رأس السنة ،والأوراق والطراطير والمزامير...لم تكنس من أمة باتت البالونات تنفجر في سمائها ...ومابين الضحكات والطائرات وهدير الصواريخ ،والفقر والجوع والتبلد
سقطوا من مظلة الحقيقة ،ولكنهم كالسكرى يتطوحون ذات اليمين وذات الشمال.
فأدركوا
أن ما ضاعت البوصلة إلا كانت ضياع الأمة العربية...
وأن إسرائيل لم تأتي في رحلة استجمامية.
وبغض النظر عن هزيمتنا بقعر دارنا ،إلا أن المعركة أنعشت ذاكرة الناس .
فكانت أول الوعي والجهل والتشرذم معا والتخبط ،
ولكن بالداخل الفلسطيني كان الواقع مختلف تماما عن الخارج .
فلم تستطيع إسرائيل من أن تغسل الدماغ الفلسطيني من خلال الإذلال ولكن بوعيه كسر اكذوبة الصهيوني (السوبر مان ).
تلك الأكذوبة التي اطلقوها وكانوا أول من صدقوها.
فدخلوا الحرب مع اهالي الأرض ظانين أن إغراق الأمة العربية بالنسيان للقضية الفلسطينية ،يجعلهم يستفردون بالفريسة ،فتحولت الفريسة بنوعيها وتشبثها بأرضها إلى أسد جبار ابتعلهم بصموده ومقاومته.
لم يدخل التاريخ الإنساني على طول شعوب الأرض حربا وهو على هذه الدرجة من الغرور وغسيل الدماغ إلى حد التوهم بأن أفراده يستعصون على القتل ...أن من يدرس أو يقرأ أدب اسرائيل يدرك ذلك.وستذهله ظاهرة لا وجود لها على هذه الحدة في أي تراث إنساني .
فكان التميز الذي منحوه لذواتهم أعطاهم الحق بالقتل والأبادة للجميع والكل يتستر على جرائمه المغفورة.
فكانت الثورة المفرحة من هنا بدأت بالشبان الفلسطيني فهم الكنز الانساني الحقيقي القادم مع الطوفان .
لم يستطع في غفلة النسيان أن يحد من طموحاته وهو يصارع بصدر عار أعتى انواع الهيمنة على الأرض ليقف بوجهها متحديا كل أنواع أسلحتها وبطشها .
وكاد يجزم بزمن الحرب أن المواجهة هي حقه في تقرير المصير بالنهاية يفرضه بلحمه ودمه.
من هنا جاء وعي الكاتب بهذه التفاصيل ليأخذ نموذج المهرج ويسقط الواقع الواعي على عدالة القضية ،فكأنه كفر بالقلم في زمن الحرب وجعل الشخصية نموذجا للغة حوار جديدة في مرحلة لا ينفع معها. الهدوء والسكينة والصمت .
شكرا من القلب للكاتب ا.حسان عبد القادر الشامي واعد جعلني أقف مطولا أمام مشهدية موجعة من أرض وطني فلسطين رسمها لنا بقلمه العربي بكل وعي واقتدار.
قصة قصيرة
غسل وجهه على عجالة والتفت نحوي مبتسما،أمسكت بطرف ثوبه وقلبي يطرق بشدة.همست والعبرة تخنقني:خذني معك.
مسح بيده رأسي الصغير ومضى دون كلام،ركضت خلفه، ناديته،تلاشى.....
لا أدري ما هو الرابط المشترك الذي شدني لذاك العجوز( المهرج)وأنا أبن الثالثة عشر.
لأول مرة يزور قريتي الصغيرة سرك،تهافت الناس رجالا ونساء وأطفالا.علامات السعادة رسمت على كل الوجوه،وقفت على باب خيمة السيرك وحيدا ،جدتي المسكينة التي أعيش معها (بعد أن فقدت عائلتي )دائما مريضة ولا معيل لها سوى ما تكسبه يداها من غزل الصوف ولهذا كنت دائما لا أفضل ان أطلب منها نقود.
وقفت طويلا وأنا أسترق السمع لشهقات الأطفال تارة وضحكاتهم تارة أخرى،فيما كانت أحلامي تحلق بي خلف قماش الخيمة فاجأني وجه ذاك المهرج أمسك يدي قائلا:لما لم تدخل ياصغيري ،قلبت له جيوبي فابتسم وسحبني برفق ،أدخلني من الباب الجانبي وأجلسني بقربه.حين حان وقت فقرته تعالت الصيحات واشتعل المكان بالتصفيق،قهقهات الناس لحركاته وألعابه كانت نابعة من داخل القلوب،لكني كنت مشدودا لشيء واحد فقط،عيناه،لماذا كل هذا الحزن كيف لم ينتبه لهما أحد سواي.اكتمل العرض، أسدل الستار،خرج الجميع وبقيت مسمرا في مكاني، أقترب المهرج مني قال:إنتهى العرض إذهب لأهلك بابني .
لماذا أنت حزين يا عم !؟ما هذه الدمعة في عينك، إنها تشبه دمعة أمي حين قتل الجنود أبي وهدموا منزلنا في حيفا،مازلت اذكرها تلك الدمعة التي تحجرت في عينيها حين فارقتها الروح وهي تمسك كفي ..
أثار سؤالي له استغرابه،ربت على كتفي وقال أذهب الآن وعد في الغد لدينا عرض جديد.
صار المهرج المجهول صديقي رغم فارق السن بيننا، نجلس ساعات طوال يحدثني عن كل شيء. كان فصيح اللسان واسع الثقافة والعلم،كلماته كأنها شلال .
شعرت بأني وجدت جزء من قلبي حين تعرفت عليه.أخبرني ذات مرة بأني لا أشبه أقراني و بأني سأكون ذات يوم شخصية مرموقة ونصحني بالكتابة لتفجير مواهبي.مرت الأيام مسرعة. تيبست قدماي حين وجدتهم يشرعون بالرحيل بعد أن أكملوا جمع معداتهم،
ركضت إلى المهرج باكيا ،أرجوك يا عمي لا تذهبوا لم تحكي لي قصتك التي وعدتني.!
جلسنا على جذع شجرة مقطوع
نظر السماء قائلا:أنا الدكتور هيثم
أخصائي علم نفس من الخليل خرجت من المعتقل منذ عام فلم أجد سوى حطام مدينة وبقايا ذكريات. أخبرني بعض من تبقى من أهل حيينا بأن المجزرة التي ارتكبها العدو على مرأى ومسمع العالم بأكمله، أخذت كل اهلي و أحبائي
تركتني وحيدا في عالم خيم عليه الظلم والسواد،فلبست ثوب المهرج وصرت أجوب المدن والقرى طامعا بنشر السعادة في القلوب.
يالله كم أحزنتني كلماتك يا عم (قلت له)
قام نفض ثيابه وتوجه للصنبور ليغسل وجهه الآخر
ابتعدت سيارة السيرك وصوتي المخنوق داخل حنجرتي ينادي خذني معك .
حسان عبد القادر الشامي
*
القصة القصيرة ....
تُعرف القصة القصيرة بحسب الأستاذ فؤاد قنديل على أنّها نص أدبي نثري يعمل على تصوير موقف معين أو شعور إنساني، بشكلٍ مكثف لتحقيق مغزى معين، أمّا آرسكين كالدويل فعرفها بأنّها عبارة عن حكاية من الخيال، ذات معنى معين، وتكون ممتعة وشيقة؛ لتجذب انتباه زد إليها، كما يجب أن تكون مكتوبة بشكلٍ عميق لتعبر عن طبيعة الإنسان.
خصائص القصة القصيرة وأهم خصائصها تتضمن ما يلي:
الوحدة
التكثيف.
الدراما
ومن أهم عناصرها :
الرؤية ...الموضوع ....اللغة ....الشخصية....البناء....النهاية....
العنوان
*
تعريف كلمة المهرج لغة
مُهرِّج: (اسم)اسم فاعل من هرَّجَا
لمُهَرِّجُ : من يُضحِكُ القومَ بحركاته وكلماته وهيئته
قراءة انطباعية للنص
أن دور الأديب المناضل بالثورة لا يقل أهمية عن دور حامل القنبلة ...
أن ما رسمه الكاتب هنا هو ما يلقاه المناضل من تشرد سجن والوجع الأكبر ما تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض .
أن ما رسمه الكاتب لنا بشخصية المهرج وصور البؤس الحقيقي التي أتى بها لنا لم تكن سوى لوحة للوجع الحقيقى بل كما يراها الفلاسفة والمفكرون في عالم لا يمارس فيه أي شعب أدنى حد من حدود العدالة النسبيه تجاه الفلسطينيين .
وكأنه يقول لنا بشكل آخر لماذا نريد من الشعب الفلسطيني أن يذهب ضحية ممارسة العدالة المطلقة ولا نسمح له ولانفسنا بممارسة عدالة العالم القائم والعصر القائم .
من السهل أن نعدد كم رسمت إسرائيل من الحزن المرسوم على الأرض بتاريخها الطويل من قتل وتهجير الأطفال الأبرياء ... أليس من حق أي شخص يهاجمك أن ترمي بقنبلتك أمامه... دفاعا عن نفسك ؟
صورة العدالة بالنسبة إلى إنسان يمارس الرياضه بقصره لا تقارن بصورة إنسان وجد مشلوحا على قارعة شوك الطريق والعاصفة تلتهم أطفاله وعمره وأحلامه وكل ما حولك يدفعك للنسيان وكأننا نضيف قرصا مخدرا في فم جائع !
فكيف .... للإنسانية هنا....
أن تكون عادلة في قضية غير عادلة
ونحن هنا
كأن الجميع يدفع أن تعيش مستسلما للتخدير والنسيان ومعايشة العار ...
وها نحن مع. مهرجنا الدامع المبتسم تتلو صلواتنا على أرواحنا ،ما دامت حياتنا موتا مستمرا مخجلا .
وأمام صورة المهرج
وأمام منطق العقل يظل منطقه مشلولا أمام
اللغة المدحورة أمام نزف الأعماق ويظل يختبىء ويبكي برعونة حيوان صغير وجريح ...
يهذي أمام أيام رحلت ولم ولن تعود يبكي فيها
حد التحجر والانزواء ...والشراسة والصمت .
وهاهو المهرج كأنه يقول لنا ...ان الفؤاد الذي نما في رحم اليأس ولكنه طلع إلى الحياة بمخاض الأمل والعزم على الكفاح والتصميم على الجهاد من أجل جسد الوطن المثقب بالرصاص ولكن الصامد والنابض والمستمر عبر أجيال من الأطفال والرجال زمن البنادق ..
وكأنه يقول لنا أيضا أن من واجبه كان أن يوصل صوت الحقيقة إلى العالم الخارجي وهذا أضعف الإيمان .
ليسقط. ..القلب الذي لا يشارك العقل أحزانه ،
ليسقط الفؤاد الذي تم تحويله إلى بكائيات دون أن يحول إلى فعل مقاومة إيجابي .
أن الشخصية التي اختارها لنا الكاتب هنا كأني بها شخصية من شخصيات غسان كنفاني ...لم تكن عاطلة وانما فاعلة وهي لا تغاير الواقع فهو يطرح شخصية غير مهزومة رغم كم الواقع المرير الذي عاشه المهرج إلا أنه لم يهزم بل كان ذلك البطل الذي يحمل جرحه بكفه ولا يكذب على نفسه .
وبالعموم الأنسان يسقط نتيجة صراعه مع الآخر ،فيشعر بالسقوط بمكان وبدونيته، فيسلك منطلقا من هذا الإعتراف وبالتالي بدونيته هو ،وهو يرحل إلى الأنزواء والتقوقع على ذاته ولكن البطل هنا لم ينساق إلى مسلخ الهزيمة ولكنه حول كل ظروفه إلى فعل وعي وأدراك ،بل وأكثر أخذه كنقطة انطلاق لكي ينمو حجم الدفاع بالوعي الفلسطيني.
الموضوع هنا هو حد التخطي بكل ما يمكن أن يعرقله فكانت القصة كأنها مضمون انعكس عن واقع شعب معين بمرحلة معينة.
وعي الشعب الفلسطيني في إرادة الأستمرار والصمود التي أخذ الجيل الجديد يتحلى بها أمام جيل قديم مهزوم فهو لم يتخلى عن هويته النضاليه ،وباللقطات النفسية البارزة في القصة القصيرة يظهر من تحت الدمع الإبتسامة ،ومن تحت مظهر اليأس الأراده ،وكان الواقع المؤلم له عونا له لا عليه فتوحد مع الألم في علاقة أشبه بعلاقة الطفل بأمه التي تمنحه العون دائما .
فجأت الحبكة بالنهاية فعل إستمرار وحركة إيجابية أساسية في القصة.
--
قراءة حول النص بالعموم
أمام هذا المهرج أدركت أن لا شيء أكثر مهانة من الصفعة التي لا ترد، وأن نتستر كضحايا حول جريمة الاغتصاب أكثر من التستر على القاتل ،والعار الأزلي الذي باتت الأمة تسدل ستارة النسيان عليه وحوله .
متناسين تماما أن البوصلة للهزيمة بدأت من هنا وكانت حجر الأنطلاق لهدم الأمة العربية جمعاء.
فكأن إسرائيل تضعنا كأحجار الدومينو تباعا وتدفع بطرف أصبعها الحجر الأول لنتهاوى بعدها تباعا .
وصمتنا وأخذنا دور المتفرج!
حتى صارت أرض الهزيمة مستنقعا من الرمال المتحركة نغوص فيها جميعا وببطء دون أن نلحظ أنها توشك أن تبتلعنا جميعا ونهائيا .
وكأننا الفنا الهزيمة ...
انتابنا حالة من الخدر ،حالة من التسمم الهوائي بالسلم المذل المفروض علينا جميعا وتباعا.
فأطلق الهواء غازاته السامة ومات أهل الدار وهم نيام دون أن يعلموا ماذا حل بهم.
بعد جيل الأستسلام والهزبمة خرج من فلسطين جيل جديد تألف مع الموت والعدو ...
فكان جيلا جديدا رمى عن كاهله أن يكون أداة ،وعي وصحوة ،فكان الحجر والخنجر البدائي من أهم أدواته واجه الموت بعين بصيرة ،وضع المخرز بعينه وواجه عدوه قائلا بكل بسالة هذا أنا ببساطة
دمي أحمله على كفي وجئت إليك بقدمي ...
أما الموت أو الحياة بكرامة .
بات الموت هدفا رائعا وسبيل فخر وعزة ...
بدل سلوكه وسلوكياته وأدرك أن الأمة العربيه لم يصحوا بعد من سكرة ليلة رأس السنة ،والأوراق والطراطير والمزامير...لم تكنس من أمة باتت البالونات تنفجر في سمائها ...ومابين الضحكات والطائرات وهدير الصواريخ ،والفقر والجوع والتبلد
سقطوا من مظلة الحقيقة ،ولكنهم كالسكرى يتطوحون ذات اليمين وذات الشمال.
فأدركوا
أن ما ضاعت البوصلة إلا كانت ضياع الأمة العربية...
وأن إسرائيل لم تأتي في رحلة استجمامية.
وبغض النظر عن هزيمتنا بقعر دارنا ،إلا أن المعركة أنعشت ذاكرة الناس .
فكانت أول الوعي والجهل والتشرذم معا والتخبط ،
ولكن بالداخل الفلسطيني كان الواقع مختلف تماما عن الخارج .
فلم تستطيع إسرائيل من أن تغسل الدماغ الفلسطيني من خلال الإذلال ولكن بوعيه كسر اكذوبة الصهيوني (السوبر مان ).
تلك الأكذوبة التي اطلقوها وكانوا أول من صدقوها.
فدخلوا الحرب مع اهالي الأرض ظانين أن إغراق الأمة العربية بالنسيان للقضية الفلسطينية ،يجعلهم يستفردون بالفريسة ،فتحولت الفريسة بنوعيها وتشبثها بأرضها إلى أسد جبار ابتعلهم بصموده ومقاومته.
لم يدخل التاريخ الإنساني على طول شعوب الأرض حربا وهو على هذه الدرجة من الغرور وغسيل الدماغ إلى حد التوهم بأن أفراده يستعصون على القتل ...أن من يدرس أو يقرأ أدب اسرائيل يدرك ذلك.وستذهله ظاهرة لا وجود لها على هذه الحدة في أي تراث إنساني .
فكان التميز الذي منحوه لذواتهم أعطاهم الحق بالقتل والأبادة للجميع والكل يتستر على جرائمه المغفورة.
فكانت الثورة المفرحة من هنا بدأت بالشبان الفلسطيني فهم الكنز الانساني الحقيقي القادم مع الطوفان .
لم يستطع في غفلة النسيان أن يحد من طموحاته وهو يصارع بصدر عار أعتى انواع الهيمنة على الأرض ليقف بوجهها متحديا كل أنواع أسلحتها وبطشها .
وكاد يجزم بزمن الحرب أن المواجهة هي حقه في تقرير المصير بالنهاية يفرضه بلحمه ودمه.
من هنا جاء وعي الكاتب بهذه التفاصيل ليأخذ نموذج المهرج ويسقط الواقع الواعي على عدالة القضية ،فكأنه كفر بالقلم في زمن الحرب وجعل الشخصية نموذجا للغة حوار جديدة في مرحلة لا ينفع معها. الهدوء والسكينة والصمت .
شكرا من القلب للكاتب ا.حسان عبد القادر الشامي واعد جعلني أقف مطولا أمام مشهدية موجعة من أرض وطني فلسطين رسمها لنا بقلمه العربي بكل وعي واقتدار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق