اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

رواية “ شرف ” للروائي المصري صنع الله ابراهيم: دراسة تحليلية ... محمد واثق حسين

صنع الله إبراهيم روائي مصري وأحد كتاب الرواية العربية الكبار وواحد من أبرز نجوم “جيل الستينات” في الرواية العربية المعاصرة. إنه يتميز بغزارة الإنتاج والكتابات المتنوعة التي تجمع بين السيرة الذاتية والوثائقية والريبورتاج الصحفي والنقد الاجتماعي وخاصة نقد الظواهر والأنظمة المختصة بالنظام الرأسمالي، كما أن أعماله وثيقة التشابك مع سيرته من جهة ومع تأريخ مصر من جهة أخرى.



إنه وُلد في 1937 أي في وقت كانت فيه مصرمستقلة من الناحية النظرية ولكن القوات البريطانية ظلت تحتل قناة السويس طوال عشرين سنة أخرى. ثم إنه عايش عهود كل من جمال عبد الناصر وأنور السادات وحُسني مبارك، كما أنه شاهد انحطاط حسني مبارك بعد اندلاع حركة الربيع العربي. و كان هو كذلك في طليعة حركة “كفاية” التي هي تعتبر أول شرارة لحركة الربيع العربي. والمهم أن أدبه كثيرا ما تأثر بالأحوال السياسية المصرية كما أن أدبه يتعامل مباشرا مع السياسة المصرية و المجتمع المصري.

صنع الله إبراهيم من مواليد القاهرة، ووُلد لوالد قد تجاوز عمره الخمسين سنة وكانت له زوجة سابقة ولأم كانت ممرضة لدى زوجة أبيه الأولى، كان أبوه رجلا على المعاش وله أبناء من زوجته الأولى. درس صنع الله ابراهيم القانون في جامعة القاهرة ولكنه آثر أن يعمل في الصحافة. وخلال أيامه في جامعة القاهرة تميز بنشاط سياسي كبيرجدا. بعد التخرج في جامعة القاهرة في القانون شغفه نقد المسرحية التي درسها لمدة سنة واحدة، ثم انشغل صحفيا في عدة صحائف مصرية حتى اعتقاله مع اليساريين من 1955م إلى 1964م وبعد تسريحه من السجن عمل في مكتبة صغيرة في القاهرة و أخيرا رجع إلى الصحافة كصحفي لدى وكالة الأنباء المصرية (مينا) عام 1967م وفي برلين الشرقية لدى وكالة الأنباء الألمانية(أ.د.ن) التابعة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية من 1968م إلى1971م، وتلت ذلك إقامة في موسكو لمدة ثلاث سنوات من 1971م – 1974، درس خلالها الإخراج السينمائي، ثم عاد إلى القاهرة عام 1974م في عهد السادات، وبعد العودة عمل لدى دارنشر رئيسا للتحرير من 1972م إلى 1976م، ومنذ ذلك الوقت اتخذ قرارا بأن يكرس نفسه للكتابة الروائية بصفته كاتبا حرا

حتى الآن قد نشرت لصنع الله إبراهيم عدة روايات كتبها على مدى سنوات طويلة، وهي: تلك الرائحة 1966م، و نجمة أغسطس 1974م، واللجنة 1981م، و بيروت بيروت 1984وذات 1992، وشرف 1997م، ووردة 2000م، وأمريكانلي 2003م، ويوميات الواحات 2005م، والتلصص2007م، والعمامة والقبعة 2008م، والقانون الفرنسي2008م، والجليد 2011 م، وبرلين 69 2014م.

إن رواية شرف من أجرأ ما كتب صنع الله ابراهيم. تحكي الرواية قصة أشرف عبد العزيز سليمان أو “شرف” كما ألفت الأم أن تنادي حبة عينيها. شرف شاب في أوائل العشرين من عمره يجلبه حظه السيئ إلى السجن لأنه قتل “جون” سائحا أجنبيا بريطانيا دفاعا من اعتدائه على شرفه. وتقع معظم حوادث الرواية في السجن.

صدرت الرواية عام 1997، أي بعد فترة خمس سنوات من صدور رواية “ذات” عام 1992. صدرت الرواية من المطبعة الرسمية “دارالهلال” على خلاف عادة صنع الله ابراهيم إذ أن معظم رواياته صدرت خارج مصر وأخيرا من دارالمستقبل العربي. يواصل صنع الله ابراهيم في هذه الرواية همه الأساسي فيفضح كما في رواية “ذات” كل ما يخل بالمجتمع المصري من الانتهاك والظلم والاستغلال والفساد وقلة مشاعر الولاء إلى الوطن، كما يستمر ويقوم بالمزيد من التطوير في أسلوبه وتقنيات سرده من التناص والوثائقي مما يجعل روايات صنع الله ابراهيم مسجلة ووثائق لما يلحق بالمجتمع المصري من تغييرات عبر الفترات المختلفة.

ربما يليق بنا أن نتحدث في البداية عن تعقيد التقنية السردية التي استخدمها صنع الله ابراهيم في رواية شرف. فإن رواية “شرف” أصعب روايات صنع الله ابراهيم تحليلا للتقنية السردية المعقدة فيها.1 في هذا الصدد يقول “باول استاركي” ‘في كثير من النواحي تقوم رواية شرف في خط مباشر لتطور روايات صنع الله ابراهيم الأخرى، فيقوم بتطوير مزيد للبطل الإشكالي كشخصية مركزية بالنظر إلى أفكار الفشل و الإحباط. والموقع الرئيسي لأحداث الرواية – سجن مصري– يزود الروائي بخلفية مثالية لأن يجمع بين مواضيع الفساد والنفاق والإحباط الجنسي، المواضيع التي كانت بارزة في رواياته الأخرى، مع تأكيد جديد على التعصب الديني الذي يعكس تحولا في المجتمع المصري المعاصر؛ بينما أن تقديم الدكتور رمزي كشخصية ثانية و مضادة ساعد الروائي على المزيد من التقدم بالمواضيع و الأفكار التي لم تحتل أهمية مركزية من قبل، ولكن التي كانت من قبل متواجدة في “اللجنة” و “ذات” و في رواياته أخرى.2 ثم إن هذه الرواية تتميز بالتعقيد البنائي الإضافي من البناء الخيالي وكذلك التجريب الأدبي الجرئ.

القصة:

تحكي الرواية قصة أشرف عبد العزيز سليمان أو “شرف“. شرف شاب في أوائل العشرين من عمره، ولد في عام 1974 كما تؤكد الرواية، في أسرة من الطبقة المتوسطة التي شوهت حياتها بعوامل الانفتاح الاقتصادي و نظام السوق الحرة و الخصخصة و العولمة و السياسات النيولبرالية. تبدأ الرواية وشرف يهوم في سوق من طراز غالي تائها مبهورا حول العلامات التجارية الأجنبية من “اسكوت” و“أديداس” و“نائك” و“ليفايس” و“رانجلر“ وأمثالها، ومطاعم غالية من “شاورما” و“هامبورجر” كل ما لا يطيقه هو أن يدفع لشئ من هؤلاء والقارئ يتعلم أن الهيام في شوارع القاهرة واختلاس النظر إلى شبابيك الدكاكين العالمية من أهم هوى وتسلية شرف. وفي هيامه يذهب إلى سينما من طراز غالي حيث يتعرف على سائح أجنبي من انجلترا اسمه “جون“. ثم يذهب معه إلى سينما وبعد سينما يأخذه جون إلى منزله حيث يحاول أن يعتدي عليه. ودفاعا عن شرفه يقتل شرف جون مما يسبب وقوع شرف في السجن. بعدئذ يدور معظم القصة في السجن حيث يكتشف عالم الفساد والرشاوى وأنواع انتهاك الحقوق البشرية. يمثل عالم شرف في السجن مرآة عاكسة للدنيا خارج السجن المتوزعة بين طبقات مالكة و غير مالكة، حيث يظطر الجميع أن يدفعوا الرشاوي لكل ما يريدون أن يأكلوا أو لكل حركاتهم في السجن3. و كذلك، إن الرواية تعبر عن كيف أن الحالة الاقتصادية تلعب أهم الدور في الحصول على العدالة و الحقوق. وذلك واضح في شخصية شرف ذاته حيث أنه لايستطيع أن يحصل على العدالة مع كونه على الحق لأنه لا يقدر تحمل تكاليف أحذق المحامين. ومع أنه مجرم للدفاع عن النفس فقط ولكنه يعترف بأنه قتل سائحا خلال حملة النهب بعدما خضع للتعذيب الشديد والتهديات على أيدي البوليس بأنهم يعتدون على أخته إن لم يعترف. بينما أن قاتلا استطاع أن يفوز بالبراءة لأنه استطاع أن يحصل على خدمة محامي حاذق. “روى بلحة حادثة مشابهة، تعرض فيها صديق له لاعتداء راح ضحيته لكن القاتل فاز بالبراءة لأن محاميه أثبت أن القتيل كان مسلحا و بادر بالهجوم. و سرد صلصة عدة وقائع نال فيها المعتد البراءة أو حكما مخففا لأن القاضي لم يجد دليلا على نية مدبرة“.4 والمساجين في هذه الزنزانة متوزعون في طبقتين، فالذين من الطبقة الثرية في العنبر الملكي (regal ward) و المساجين من الطبقة الفقيرة في العنبر الميري (military ward). “الملكي يعني تاكل و تلبس زي ما أن عائز، والميري تلبس بدلة السجن وتأكل عيش وجبنة وتستغل كل يوم عند بتوع الملكي“.5 والذي عليهم أن يشتغلوا به في السجن هو التنظيف: “لمزيد من الإيضاح حول الفرق بين القطاعين الخاص والعام أضاف الصول أن الشغل المقصود هو تنظيف الزنازين وتفريغ دلاء البول والخراء“.6 فالرواية تسرد تجارب شرف في الزنزانة إذا يتحول من العنبر الميري إلى العنبر الملكي حيث يتعرف على شخصية رئيسية أخرى للرواية، الدكتور رمزي بطرس ناصيف، الذي أوقع في اتهام كاذب من قبل زملائه لأنه حاول أن يفضح الظلم والاضطهاد والفساد والاستغلال التي تمارسها الشركات المتعددة الجنسية من دفع الرشاوي واختبار الأدوية على المواطن الغير الراضين. وفي الزنزانة يحاول الدكتور “رمزي” أن يعلم المساجين ويخلق وعيهم بهذا الصدد والأمور الأخرى من هذا القبيل. ثم يعرض الدكتور “رمزي” مسرحية في الزنزانة في احتفال عرائس حرب 1973م مستهدف لأن يعلم المساجين أن مصر وصلت هذه الحالة من الركود الاقتصادي بالنتيجة لتحالف مصر لإسرائيل والغرب مما أدى إلى تصعيد الاضطهاد والظلم والفساد في العرب. ولكن المعرض يتدهور إلى اضطراب. فيودع الدكتور في حبس انفرادي. هناك يأخذ في جمع القصاصات من الصحائف والمجلات لكي يضع قلقه وهمه عن طريق الحقائق والوثائق. ولكن محاولاته لتحريض زملائه على الثورة تذهب بلا جدوى. ويختتم العمل و الدكتور رمزي يصيح في حبسه وقد أصبح مجنونا. بينما الشخصية الرئيسية شرف يحلق جسده استعدادا لممارسة جنس مثلي. فهكذا يخضع شرف شرفه للاعتداء، نفس الشيئ اللذي دخل السجن لسبب الدفاع عنه.

التركيب البنائي للرواية:

قد قسم الروائي الرواية إلى ثلاثة أجزاء متألفة من تسعة عشر فصلا، مستخدما تقنيات سردية مختلفة. يتألف الجزء الأول من اثني عشر فصلا ويحتل نصف الرواية تقريبا ويحكي قصة “شرف” بصيغة الغائب في فصل، ثم بصيغة المتكلم في فصل آخر بالتناوب. يبدأ الفصل بصيغة الغائب، فسارد غائب يسرد يحكي قصة شرف، و الفصل الثاني يستخدم ضمير المتكلم، هكذا يستمر إلى الفصل الثاني عشر. يفتتح الفصل الأول بالبطل الرئيسي “شرف” وهو هائم في سوق غالي من طراز جديد متشوقا إلى سلع الأزياء الجديدة من أحذية الماركات الأجنبية ووجبات الشاورما و الهامبورجر. والفصل الثاني يفتتح بشرف وهو في السجن في العنبر الميري و بعدئذ يدور الرواية في السجن. فمن هذا المنطلق تعد رواية شرف في أدب السجون.

وبعد التقنية السردية في الجزء الأول يلجأ صنع الله ابراهيم في الجزء الثاني إلى تقنية التناص والتسجيل حيث يصور الروائي مساوئ المجتمع المصري عن طريق قصاصات وجذاذات من الصحائف والمجلات. يتم تطوير الرواية في هذا الجزء عن طريق بطل رئيسي آخر، الدكتور رمزي بطرس ناصيف. يتألف الجزء الثاني من ثلاثة فصول، من الفصل الثالث عشر إلى الخامس عشر. يتألف الفصل الثالث عشر من قصاصات جمعها الدكتور من الصحائف و المجلات وأخفاها في كيس من البلاستيك في الزنزانة. هذه القصاصات تعلق على ما يلحق بالمجتمع المصري من اختلال و تدهور. و الفصل الرابع عشر يتألف من مسودة الدفاع استعدها الدكتور رمزي لنفسه و لكنها تعلق على الكثير من نواحي المجتمع المصري. والفصل الخامس عشر يقدم مسرحية أعدها الدكتور في احتفال لعرائس انتصار مصر في حرب أكتوبر 1973.

وأما الجزء الثالث فيرجع إلى قصة شرف في السجن ويحكي قصته كالسابق بصيغة الغائب و المتكلم على التناوب و يحتوي على أربعة فصول من الفصل السادس عشر إلى الفصل التاسع عشر. و الرواية تنتهي و شرف في إزالة الشعر عن جسده لكي يعد نفسه لممارسة اللواطة.

الخلفية الزمانية للرواية:

تدور حوادث الرواية في التسعينيات من القرن العشرين، ثمة أكثر من إشارة في الرواية إلى الفترة التي تدور فيها الأحداث نستطيع رصدها من خلال سرد المشاهد التي يمر بها البطل الرئيسي “شرف” و هو فتى مراهق، تذكر الرواية أنه ولد في سنة 1974م وكان في السن التي تفور فيها الدماء و تغلى لأقل لمسة.7 وإشارة أخرى في الرواية “توقف التاكسي أمام منزل من الأربعينيات (تحيط به حديقة و بضعة أشجار)، يتصدره بواب من التسعينيات ( يجمع بين منتهى الحراسة و القوادة)”.8 فالعمل يدور في التسعينيات.

والزمن الذي يدور فيه أحداث عمل بمثابة الخلفية لما يطرأ على أي مجتمع. وعلى أن حوادث الرواية تقع في التسعينيات إلا أن الرواية ترصد للتغييرات و التحولات التي لحقت بالمجتمع المصري عبر فترات رئاسة الثالوث من عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك، وخاصة عن طريق تسجيلات وقصاصات الدكتور رمزي في الجزء الثاني من الرواية. ومما يهم أن التسعينيات لها أهمية كبيرة في تأريخ المجتمع المصري كان من ِشأنها أن تؤدي إلى نقطة تحول في القرن الحادي والعشرين. ومما تتسم به التسعينيات أن الرئيس حسني مبارك واصل سياسياته من الثمانينات أي العقد الأول لحكمه بما فيها اتكال لابأس به على المعونات المالية وغيرها من الولايات المتحدة. لا شك أن خوض مصر في حرب الخليج سنة 1991 كحليف للولايات المتحدة جلبت لمصر فوائد مالية جمة في شكل إعفاء الديون، إلا أنها لم تلبث أن أخذت تعاني من التدهور في ظروف أمنها الداخلي لسبب ازدياد في نمو الجماعات الأصولية التي أخذت في تعميم العنف والهجومات بما فيها اغتيال الكتاب و العقلانيين وموجة من الحملات على السياح والأجانب. وإضافة إلى ذلك، استمر الرئيس حسني مبارك بسياسة الانفتاح التي جاء بها الرئيس أنور السادات. وفي التسعينيات من القرن العشرين نفذ حسني مبارك برنامج التكيف الهيكلي(structural adjustment policy) على إشارة من الصندوق المالي الدولي(IMF)، وذلك أدى إلى طغيان الفساد الاقتصادي وتركيز السيطرة السياسية والاقتصادية وتصاعد في اللامساواة والبطالة والفقر. وذلك الذي نتج في موجات عنيفة من المظاهرات والاحتجاجات. وكما أدت هذه السياسة إلى تصعيد في المستوردات الأجنبية التي اكتظت الأسواق المصرية بها، الأمر الذي أثر المجتمع المصري من نواحي شتى، بما فيها الازدياد في الاستهلاك المظهري، وسوء الحالة المالية المصرية، والتضخم المالي وارتفاع السعر وارتفاع تكاليف الحياة لعامة الناس.

القضايا الاجتماعية كما تصورها لنا الرواية:

في البداية يجدر بالذكر أن رواية شرف رواية واقعية جدا من حيث مواضيعها، فكل ما تتعامل به الرواية مأخوذة مباشرة من المجتمع، وإضافة إلى ذلك، تقنية صنع الله ابراهيم الوثائقية تجعل الرواية كأنها تعليق اجتماعي وسياسي على واقع المجتمع المصري المعاصر على أساس الحقائق المتواجدة في الحياة اليومية. وأكثر ما يهم في هذا الصدد أن الرواية ترصد، إضافة إلى الموضوع الرئيسي – شرف الفرد المصري والمجتمع المصري– لمعظم القضايا الاجتماعية والسياسية من البطالة والعطالة، والفقر والبؤس والتكاليف المعيشية المتصاعدة، والأصولية والتطرف في الدين والعنف باسم الدين، والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي جلبتها المتطرفون في فهم الدين، كما أنها ترصد لفساد رجال السياسة والأعمال و البيوروقراطيين و إهمالهم صالح الطبقات المهمشة والوطن لمصالحهم الذاتية وقلة ولاء الطبقة الحاكمة إلى الوطن، إضافة إلى هجوم العولمة والاستعمار الجديد على المجتمع المصري والعربي وتواطؤ الحكام العرب مع القوات الغربية المستعمرة في هذا. وقد تساعد ضخامة الرواية على أن تكون الرواية مكثفة بالعدد الكثير من الشخصيات الغير المتمركزة وهكذا أن ترصد للعدد الكبير من القضايا. فحينما يدخل شرف، بطل الرواية، السجن يتعرف على القاتلين والمختطفين والمغتصبين و السارقين والمتطرفين وتجار مهربي المخدرات وتجار الأغذية الفاسدة منتهية الصلاحية للاستهلاك البشري، والبيوروقراطيين الذين قبضوا عليهم للفساد، وضباط الشرطة الذين متورطون في تهريب المخدرات، كما أن الرواية لا تترك دون الرصد لمشاعر الخيب والإحباط بين الشباب وكيف أن فشل الحكومة في حل القضايا السياسية والاقتصادية جعلت الشباب يعانون من التشتت والتشظي والاغتراب .

وربما يليق بأن نعلق على تسمية الرواية ب“شرف“. وفي هذا الصدد يهم أن نذكر أنه علاوة على أن الرواية تدور حول شرف أو أشرف عبد العزيز سليمان، إن مواضيع شرف الفرد المصري والمجتمع المصري والكرامة الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية قد تشكل الهم الأساسي لكتابات صنع الله ابراهيم. فلم يكن لتسمية الرواية هكذا أن تكون خالية من الرمز والمعنى، كأنما يريد الروائيى أن يقول شرف المجتمع المصري والفرد المصري تحت ضربة من الأجانب الغربيين. فاعتداء جون على شرف يعني اعتداء المستعمرين الأجانب على المجتمع المصري عن طريق آليات السوق الحرة والعولمة. فقد رصد صنع الله ابراهيم في هذه الرواية للاعتداءات على المجتمع المصري. ولما كان معظم الرواية يدور في السجن، يريد صنع الله ابراهيم أن يعبر عن خلال ذلك أن المجتمع المصري خارج السجن كما هو داخله حيث يفقد الانسان الحرية والكرامة.

فيحتل الإسم في طياته معاني كثيرة، مستهدفا الشرف الروحي والجسدي للأفراد والوطن. مما يؤكد أن الكفاح للوجود الحر ضرورة ملحة. لذلك فمنذ البداية يأتي شرف في حيز الوجود وهو مستعد لتراجيديا الرواية مع أنها لا تبرز إلا قبل أن يجتاز تجارب السجن. هذا، والرواية تدور حول أفكار متعددة، فيليق بنا أن أن نتعامل مع هذه الأفكار المركزية على حدة لكي يتضح مقصد الرواية الأساسي.

العولمة وسياسة الانفتاح:

بدأً من روايته “اللجنة” قد شكلت مشكلة العولمة هما أساسيا و فكرة مهمة في معظم روايات صنع الله ابراهيم. وهنا يجدر بالذكر أن صنع الله ينظر إلى العولمة كظاهرة للاستعمار الجديد والرأسمالية العالمية والمشروع النيولبرالي. كل هذه تشكل مشروعا واحدا غايتها الوحيدة استغلال الدول الضعيفة وخاصة الضعفاء فيها. والذي يهمنا في هذا الجزء تحليل ما لحق المجتمع المصري من مساوئ و ضعف وفساد وانحلال قيمي بسب العولمة كما تصورها رواية “شرف“.مهم أن الروائي فتح الرواية بمظاهر العولمة ذاتها، وذلك في صورة ساخرة جدا. في هذا الصدد يليق بنا أن نسأل سؤالا واحدا : ما الذي سبب وقوع شرف في السجن؟ هذا السؤال مهم لأن جميع أحداث الرواية ما سوى الفصل الأول تقع في السجن. نجد الإجابة على هذا السؤال في افتتاح الرواية حينما يبدأ الكاتب الرواية بجملة ساخرة جدا “من المؤكد أن الحذاء ليس هو المسؤل عن المصير الذي آل إليه أشرف عبد العزيز سليمان، (أو شرف كما ألفت الأم أن تنادي حبة عينها)، فقد كان مبرمجا، بجيناته الداخلية و الخارجية لما وقع من أحداث. ولا يغير من الأمر قصر الطريق الذي قاد من “كوتشي” إلى “جون“، ولا من الأخير إلى بؤر أخرى“.9 ربما تخلق هذه الجملة الافتتاحية غموضا وابهاما وربما ينحصر أثر هذه الجملة على إثارة الإعجاب والضحك، ولكن الحقيقة أن الحذاء المستورد مع العلامات الأجنبية والماركات المثيرة ظاهرة العولمة، فالحذاء المستورد الذي شرف منبهر به جدا لم يسبب وقوعه في السجن، ولكن العولمة التي أسفرت عن هذه الظاهرات الاستهلاكية والتي لا يقدر أمثال شرف أن يتمتع بها دفعت به إلى السجن. ثم إن صنع الله ابراهيم يؤكد أن المصير الذي آل إليه شرف لم يكن له من بد منه، فقد كان مبرمجا له، فلا محالة لأمثال شرف أن يؤلوا إلى هذا المآل. الذي يريد الروائي أن يقول أن مشروع العولمة الذي يتم تنفيذه عن طريق السياسات النيولبرالية قد أدت إلى إفقار أغلبية الناس، بينما أنٍ الطبقة الثرية التي ادخرت ثروة لا بأس بها منغمسةٌ في الاستهلاك المظهري.

ويتم تعميم هذه الاستهلاكية عن طريق ترويعها من خلال الإعلانات عبر أجهزة الإعلام مما يحث حتى الفقراء على اشتهاء هذه السلع الاستهلاكية الفاخرة. ولكن الحقيقة أن هذه الطبقة لا تسطيع أن تتحمل تكاليف هذه السلع، و لكن الرغبة الشديدة لديهم لهذه الأشياء قد تجلب لهم المصائب. “صحيح أن كوتشي صارت رائحته لا تطاق وبليت مقدمته لكن هذا لم يكن السبب الذي دفه إلى التوقف أمام الواجهة الزجاجية المضاءة بمصابيح اسبوت لائت. السبب الأصلي أن كوتشي كان أخضر اللون بينما هو مفبل على المرحلة السوداء الذي وضع أساسها برأس حلق على المودة الانجليزية مع مقدمة مفلفلة“.10 هناك سؤال مهم جدا لا بد أن نسأل : على أي أساس يدعي صنع الله ابراهيم أن المصير الذي آل إليه شرف كان مبرمجا له؟. الإجابة على هذا السؤال يأتي من نظريته السياسية. لكون صنع الله ماركسيا بوسعنا أن نفترض أنه يدعي أن مغزى العولمة الأصلي عولمة الاقتصاد الذي يدعمه الاستعممار الجديد، فالذي هو يعني أن العولمة تحول دول العالم الثالث إلى أسواق تحفلها بالسلع الاستهلاكية من دول العالم المتقدم. ثم إن العولمة تعمل عن طريق السيطرة الأيديولوجية، فلما كانت الدول المتقدمة تتحكم بوسائل الإعلام إنها تستخدمها لتحقيق أغراضها، نحو مراقبة مشاعر وأهواء الناس وتشويقهم إلى السلع الاستهلاكية المستوردة وعن طريق جعل المظاهر والأزياء علامة المكانة الاجتماعية. فشرف وأمثاله من الطبقة المتوسطة مولعون بهذه السلع. لذلك فحينما تبدأ الرواية نجد شرف حائما هائما في سوق من السلع مع الماركات الأجنبية. وإذا كان شرف لا يقدر على اشترائها و لكنه مولع بها إنه كان مبرمجا إلى هذا المآل.

عموم الفساد من أقسام كثيرة:

بقراءة واحدة في الرواية يتجلى لنا العدد الكبير من القضايا التي يعاني منها المجتمع المصري، منها الجرائم و الفساد والفوضى الخلقية والاستغلال السياسي والاقتصادي وممارسة الطرائق الغير الخلقية في الأعمال التجارية . مهم جدا أننا إذا جردنا الرواية من شخصية شرف الذي يلعب أيضا دور السارد في السجن — في السجن إنه بمثابة عين تشوف وتكشف كل شيئ يدور حوله— يبدو كأن الرواية ترصد للجرائم. ولما كانت الرواية تقع أحداثها في السجن فإن هذا منطقي. المغزى أن صنع الله ابراهيم يريد أن يقول أن المجتمع المصري منغمس في الجرائم و أن جميع طبقاته منغمسة فيها. والجرائم تضم الخطيرة منها من القتل والاختطاف والاغتصاب والاعتداء وكذلك التافهة من مثل السرقة و الغش. كما أن شرف، بطل الرواية، يشاهد في السجن الاستغلال والعنف واعتداء الجنسية المثلية والحب السحاقي. في السجن يحاول شرف أن يتعرف على حقيقة هوية المسجونين فيكتشف أن العدد الكبير منهم من القاتلين و المعتدين والمغتصبين والمختطفين ومهربي المخدرات وكذلك تاجري المخدرات. يتكشف عليهم صنع الله من بداية حياته في السجن. فالذين معه في السجن يضم سارقا بلحية كثة. يحاول شرف أن يعلم حقيقة هويته من كعب دائر. ” أومأت إلى رجل وقور بلحية كثة تتجلى على صدره و قلت : من الجماعات، مش كده؟“ (من جماعة إسلامية، أليس كذلك؟ ). فالذي يتعلم، “ده سواق على نقل سوزوكي، حرامي“. ويزيد كعب دائر من وصفه ” اتفق مع تاجر ينقل له كمية بيض و في الطريق هدده بموس و أخذ منه البيض و خمسمائة جنيه“.11 وتعريف الباقين الذين يتعرف عليهم شرف هكذا: “سائق سفير أعطاه شيكا بسبعة آلاف دولار لصرفه من البنك فصرفه و تررك السيارة و سافر إلى الأردن بحثا عن العمل و عندما فشل عاد فقبض عليه في المطار، و مٍدير فرع في مؤسسة حكومية لتعبة الأغذية وجدوا عنده كميات كبيرة من الشاى الذي انتهت مدة صلاحيته و أقر بأنه تلقى تعليمات من رؤسائه بإعادة تعبئتها في عبوات أخرى ببيانات جديدة، جزار ذبح عجلا مريضا في المقابر، عاطل ينتظر الترحيل إلى الزقازيق حيث اغتصب فتاة صغيرة هاربة من بيتها عمره 15 سنة و إثنان من أصدقائه، كهل بدين في ثياب متسخة قبض عليه لأنه يبيع مكرونة في عربة متسخة“.12 والغريب أن الناس يستخدمون آليات الدين للفساد. يتعرف شرف على جماعة ثمانية أشخاص متهمين بالاعتداء على أعوان الشيخ عبد الكافي، والحقيقة أن أعوانه كانوا يجمعون التبرعات لمسلمي البوسنة قائلين أنهم يفعلون ذلك بتكليف من وزير الأوقاف و شيخ الأزهر، و لما اعترض هؤلاء لعدم صحة هذا الزعم بعد التأكيد من الوزارة الأزهر اهتدى أنصاره عليهم وألقي القبص على الضحايا بدلا من المعتدين.13 والرواية تحفل بأمثال الذين يستخدمون الوسائل الغير الخلقية في ممارسة الأعمال. فشرف يتعرف على قصة الحاج صاحب الكباب، “فهو تاجر أسماك مستوردة وجدوا في ثلاجته كمية من الماكريل منتهية الصلاحية ز كان ينوي تعديل تواريخ لإنتاجها و طرحها في الأسواق“.14

وقد يكتشف شرف عن طريق الحوار فيما بين المسجونين أن الانحراف الاجتماعي والجنسي وكذلك جريمة القتل تسود المجتمع المصري. ومن مظاهر عامة أن يرافق خيان الزوجين القتل. “قال صبري الأسبوع التي فات واحد ذبح مرأته عشان لقاها نايمة مع واحد“.15 والمثير في هذا الصدد أن القاتل يفوز بالبراءة. ومهم أن صنع الله يقول أن نسق العدالة في مصر مختل به لأنه ليس موضوعيا، فعلى يد واحدة تلعب الحالة الاقتصادية دورا هاما وعلى أخرى تلعب الأيديولوجيا دورها في الحصول على العدالة. في هذه القضية فاز القاتل بالبراءة لأن زوجته كانت قد خانت.16 خلال الحوار يتعلم شرف أن السجين “سامبو” متهم بجريمة قتل خفير، قتله سامبو وزوجة الخفير حينما و جدهما في بيته يخونان17.

بينما كانت الحالة الاقتصادية تلعب دورها في الحصول على العدالة فإنها أيضا تلعب دورا مهما في تفشي الجرائم كما أنها تثير السخط والحقد في الطبقة الفقيرة، فمثلا بطشة وأصحابه لجؤوا إلى السرقة بسبب الحالة الاقتصادية السيئة. وكذلك يتعرف شرف في السجن على “مجاهد سليم“. مجاهد سليم شاب من الطبقة المتوسطة، قتل ابن سيدة رفقت عليه وأنقذته من الكلاب كما وفرت له وظيفة في بيتها. مجاهد سليم يناول شرف جريدة فيها قصة قتله ابن السيدة بعنوان “ضاعت القيم وجاء الحقد ليحصد الخير“. وفي الجريدة أن الجاني – مجاهد سليم– “اعترف بجريمته وبررها بأن الحقد استولى عليه عندما اكتشف أن الكلب يأكل وجبة أسرة كاملة وأن الدراجة البخارية التي يلهو بها الطفل بثمن خمسة أفدنة“.18

العنف الديني في العصر الحديث:
وقد تصور الفصول الأربعة الأخيرة – من السادس عشر الى التاسع عشر حيث استخدم الروائي الاسسترجاع والاعترافات لكي يصف الشخصيات بما الذي سبب وقوعها في السجن– كيف أن الجرائم والفساد والانحطاط الخلقي تؤزم المجتمع المصري. والمهم أن جرائم القتل يغلب في هذا الفصل وقد يتم تصوير هذه الجوانب عن طريق الفلاشباك والاسترجاع، بما فيه الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية للمسجونين وكذلك تحليلهم النفساني. على سبيل المثال حينما يريد المأمور أن ُيرسل الدكتور رمزي إلى التأديب فيجده مكتظا بأصحاب اللحى19 مما يدل على أن المجتمع المصري في التسعينيات كانت تعاني من العنف الديني والأصولية والاضطرابات الطائفية.

وقد أضاء الروائي الظاهرة المتصاعدة للعنف الديني من بداية الرواية بذاتها. فكان هذا ميزة خاصة في الجزء الأول من االرواية نفسها. فمع تطور السرد يطلع القارئ على أن الشيخ عصام يتمتع بميزات خاصة في السجن وله نفوذ في تصرف الأمور في السجن– من مثل مراقبة صور المجلات أو الاعتراض على برامج التلفزيون من قبيل الأسباب الخلقية. والذي يهم في هذا الصدد أن الشباب مع التعليم الحديث أكثر انسياقا إلى التطرف والعنف. في السجن يحكي الشيخ عبد الفتاح كيف أن أحد أبناء قريته الذي عاد من القاهرة بعد أن أتم دراسته في كلية الآداب أخذ في الدعوة إلى التطرف. إضافة إلى دعوته إلى إقامة الصلاة و الفرائض الأخرى كان يدعوا إلى ما لا يليق بالإسلام بأي صلة. “بدأ يعتلي منبر المسجد قبل وصول الشيخ فيدعوا للجهاد ضد الحكام ابتداء من الخفراء إلى تحريم التعامل مع النصارى و مع الجمعية الزراعية و يهاجم خروج الفتيات للدراسة و ينادي بالامتناع عن أكل الخيار و الباذنجان“.20 ولما اتهمه شيخ القرية وإمام مسجد القرية بالتطرف في فهم الشريعة اتهمه الشاب بالتواطؤ مع الحكام. والمسألة لا تتوقف على هذا، فإن الشاب اكتسب أنصارا من الشبان والعاطلين، ثم أخذ الجانبان في تبادل الاتهامات وأفتى الشباب عدم جواز الصلاة في مسجده لأنه مسجد ضرار، وبعد شورى قرر الشباب اعتبار الشيخ مرتدا وأباحو دمه مما أدى إلى التصادم بين الفريقين. لا يسرد الروائي هذه الحوادث الغير المتمركزة لغرض سرد الحكايات فقط، بل يتم سرد الحكايات مع الخلفيات والرمزية. وتكمن هذه الحوادث في طياتها معاني الشعور بالفشل والإحباط والخواء النفساني وكذلك النقص في سياسات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية وعدم كفاءتها في الاتصال مع الشباب. فاستطاع هذا الشاب أن يكسب العدد الكبير من الشبان كأنصاره لأنهم عاطلون ويعانون من البطالة. “اكتسب الشاب أنصارا من الشبان و العاطلين الذين أغلقت أبواب الهجرة في وجوههم بعد حرب الخليج“.21 وهنا يهم أن نسترعي الانتباه إلى أن صنع الله ابراهيم كثيرا ما يوظف الرمزية إذا أراد أن يسخر بظاهرة اجتماعية. فحينما ينادي الشاب المذكور فيما أعلاه ‘بالامتناع عن أكل الخيار و الباذنجان’ فالذي يعني الروائي أن الأصوليين ينقصون الموضوعية والوضوح في فهم الأمور و ليس لديهم برنامج بالنسبة للمجتمع والاقتصاد والسياسة. لذلك حينما يتعلم شرف أنهم ينادون بالامتناع عن أكل الخيار والباذنجان ويبدي دهشته على هذا يجيب الشيخ عبد الفتاح أن أفكارهم وحشة لا يفهمها الناس. “أبديت دهشتي لمسألة الخيار والبازنجان وسألته عن السبب فاحمر وجهه وتحاشى النظر إلى وهو يقول: لأنها بتجيب أفكار وحشة“.22

إن رواية شرف أصعب روايات صنع الله ابراهيم تحليلا لأنه استخدم تقنيات ومستويات سردية معقدة. لا شك أن الغرض الرئيسي لهذه الرواية تحليل المجتمع المصري وتقديم ما به من مساوئ ولذلك الغرض استخدم صنع الله تقنيات عديدة تجريبية. فهذه الرواية مكثفة بمستويات السرد الاسترجاعي(retrospective) التي تجمع بين الحاضر والماضي التي بمثابة الاعتراف. فكل مسجون يحكي قصته مسلطا الضوء بالتفصيل على الحوافز والظروف التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة، لكي يخفف من معاناته ويساعده على التغلب على التعذيب والآلام التي في صدره. ويعتمد الرواي على هذه الحكايات إلى حد كبير لإخصاب الجوانب الأخرى من قصته لكي يصف الواقع المأساوي الذي يتميز به كل جانب من جوانب حياة الناس اليومية من الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . فاعترافات المتهمين والفلاشباكات مع التفاصيل التي يتم تقديمها على المستوى الوثائقي قد توضح الأسباب الأصلية للانحطاط الشامل للشخصيات الروائية. وهذا المستوى السردي الذي يستخدم فيه صنع الله ابراهيم تقنية الفلاشباك و يخضع الشخصيات للاعترافات يساعد في تسليط الضوء على الحوافز الاجتماعية و الاقتصادية والنفسية التي تدفع بهم إلى الى ارتكاب الجرائم وكذلك ما الذي يجتاز به المجتمع.

محمد واثق حسين
*الباحث في الدكتوراه، مركز الدراسات العربية والأفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند

مراجع البحث:

1 Starkey, Paul, Sonallah Ibrahim: Rebel with a Pen, pg. 133.
2 نفس المصدر، ص 133.
3 Mehrez , Samia . Egypt’s Culture Wars: Politics and Practice, Pg 34&35.
4 ابراهيم، صنع الله، شرف، دار الهلال، القاهرة، 1997، ص 60.
5 نفس المصدر، ص 46.
6. نفس المصدر، ص 46
7 نفس المصدر، ص8.
8 نفس المصدر، ص15.
9 نفس المصدر، ص 7.
10 نفس المصدر، ص7.
11 نفس المصدر، ص 27.
12 نفس المصدر،ص 27&28.
13 نفس المصدر، ص 35.
14 تفس المصدر، 35.
15 نفس المصدر، ص60.
16 نفس المصدر، ص60.
17 نفس المصدر، ص61.
18 نفس المصدر، ص83.
19 نفس المصدرص461.
20 راية شرف ص 154.
21 نفس المصدر،ص154.
22 نفس المصدر ص 154.


ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...