القصة القصيرة جدًا جنس أدبي مُستَحدَث، ولدتْ مِن رحمِ أدب القصة وانبثقتْ مِن ثناياها، لكنها أخذتْ تفرّدها واستقلاليتها لتواكب مُعطيات العصر والغاية التي كانت سببًا لوجودها وانتشارها على هذا المنوال.
فمع تسارع وتيرة الحياة ومُتطلبات الواقع والاحتياج لفن أدبي يلائم ويناسب ويلبّي حاجة المُتلقي الذي يعاني من ضغط قصر الوقت المستمر الذي ينفذ منه بسرعة وزخم وشدّة عوامل الحياة المُختلِفة المُتفرِّعة المُتشابِكة، كانت الحاجة إلى القصةِ القصيرة جدًا بشكلها الحالي.
لم يعد أغلب الناس قادرين على قراءة رواية طويلة أو حتى قصة قصيرة تتألف من صفحات عديدة؛ فهنا استوجبت الحاجة والتوجّه إلى فن أدبي قادر أن يحمل فكرة موجزة مُكثَّقة تحمل بين ثنايها غالبًا رسالة تؤطّرها شروطًا وأسسًا تحميها مِن الشطط والابتعاد عن الاجتهاد لتمنحه المعلومة والتأويل الذي ينفتح حسب ذهنية المُتلقي الذي يعيد انتاج وقراءة ما تلقّاه، فيستوعبها ويتذوقها ويهضمها بأسرع وقت، ليتلقى غيرها.
لذلك وحسب رأيي الخاص، أرى بأن الققج يجب أن لا تزيد عن أربعين ولا تقل عن أربعة عشر كلمة، خاصة مع ظهور جنس أدبي جديد وهو فن قصة الومضة، الذي بوجوده توضّحت معالم فن القصة القصيرة جدًا، أكثر وتمَّ فك الاشتباك عن ذلك النوع مِن النصوص التي يتم فيها طرح فكرة وامضة؛ فالقصة القصيرة جدًا تحمل عنوانًا يُلمّح ولا يصرّح(على أن لا يتجاوز عدد كلماته الاثنتين كحد أقصى، لأنه لا يحتمل أكثر من ذلك) ومع المتن تتكامل الفكرة، وبوجود حبكة في السرد تتصاعد تدريجيًا لتؤمِّن قفلة صادِمة تلتقي مع العنوان في دورة تكاملية تهب القارىء المعلومة والفائدة والمتعة.
وليس كل كاتب قصة قادر على كتابة هذا النوع من الجنس الأدبي، فكثير من كتّاب القصة تتسرب بصمته ككاتب قصة قصيرة(مثلًا) إلى قصته القصيرة جدًا ويكتبها كأنها قصة قصيرة مختصرة جدًا ضمن مواصفات القصة القصيرة وليست ضمن مميزات القصة القصيرة جدًا بأركانها المعروفة، وهذا خطأ كبير للأسف يقع به الكثير مِن الكتّاب وينسون بأن هذا الجنس الأدبي الجديد هو جنس مستقل له خصوصيته ومميزاته التي تميّزه عن باقي فروع القصة وأنواعها.
تطوّرت القصة القصيرة جدًا في السنوات الأخيرة ولم تأخذ شكلها النهائي بعد، واعتمدت الشكل الأميبي المُتغيّر المُتحرّك، رغم الاتفاق(بشكل عام) على أركانها المعروفة، مِن تكثيف وسرد، ووجود الحبكة وحضور المُفارقة، والتسريع، وتنتهي بقفلة مدهشة، مع توظيف الجمل الفعلية، والاستعانة بخاصية الحذف، ومراعاة شروط هذا الفن الجديد، والعمل بعناصره التقنية، مِن ترميز، وأنسنة، وتشخيص، وتناص، واهتمام باللغة وبحركات التشكيل وعلامات الترقيم، وتنويع في البدايات والنهايات.
وفي المقابل، يجب الابتعاد عن عدد مِن الاشكاليات والسلبيات التي يقع بها الكثير ممن يكتبونها، وممكن تلخيص أهمها في ما يلي: الإسهاب، التفكّك، التقريرية والمباشرة، غياب التكثيف، تغليب النفَس الروائي أو القصصي، المَيل إلى الأحجية والنكتة، سوء استخدام الرمزية واستسهال عملية كتابتها.
وسأركّز هنا على أهم سلبيتين، هُما: غياب التكثيف، وسوء استخدام الرموز.
القصة القصيرة جدًا، هي فن تكثيف التكثيف وألإنجاز فى ألإيجاز بأقل الجمل وأدَّق التعبيرات وبعيدًا عن تكرار الكلمات، لخلق أفق رحب من الفكر والتصوّر ولتقديم الفكرة بشكل مُركّز، والتكثيف هنا ليس المقصود به قلّة الكلمات بل نعني: حذف أية كلمة غير ضرورية وزائدة، والتي عندما نرفعها ونحذفها، لا تترك أثرًا على المعنى أو على فكرة المتن.
وهناك بعض الكتّاب يستخدمون الرموز لتلغيز نصوصهم، ظنّا منهم بأنه كلما كان النص مُلغّزًا فسيكون ذلك أفضل، على مبدأ التلميح دون التصريح ثم سينفتح على تأويلات كثيرة، وهذا ليس بالصحيح، لأنهم هنا يضعون نصوصهم في خانة الأحجية والإبهام والالتباس، ومنهم لا يتركون مفتاحًا واحدًا، حتى مِن خلاله يتم فك (طلسم) النص؛ فالرموز يجب أن تُستَخدم لخدمة وتوضيح فكرة النص وليس لزيادة تعقيده، ففتح أبواب التأويل لا يرتكز على عُكَّازة الغموض وهنا يتطلَّب، كاتب مُتمرّس..ذكي حذق ماهر كفوء له معرفة بتقنيات السرد، مُتمكّن، له رصيد ثقافي وخزين معرفي ينهل منهما، مع امتلاكه رؤية واضحة تستوعب أركان هذا الجنس الأدبي، ليخرج النص أقرب إلى التكامل مُلبِّيًا كل الاحتياجات وجميع المتطلبات.
القصة القصيرة جدًا، هي جنس أدبي مُستقل وفرع جديد مِن فروع القصة تواكب الزمن، وبرأيي هي أصغر وحدة (أدبية بشكل عام وقصصية بشكل خاص)، قادرة على حمل أفكارًا معيّنة وإيصال رسالة سامية مِن الكاتب إلى القاريء بوقتٍ قصير ومِن خلال مبدأ تكثيف التكثيف وبكلمات محدودة وبشكل سلس وواضح، وإن حمل رموزًا؛ فلخدمة فكرة النص، وليس لمنحه صفة الغموض، بل حتى يُعاد الانتاج لتلائم فكرته، الحالة المُعاشة والأقرب إلى واقع المُتلقي، الذي قد تختلف(الفكرة المُستَنتجة) مِن شخص لآخر وحسب مُعطيات عديدة ومُسبِّبات كثيرة تتعلّق ب (القاريء) شخصيًا وبواقعه الحياتي وظرفه الاجتماعي وضمن إطار شروط ومباديء معروفة.
وأرى بأنها ستنتشر سريعًا في الأوساط الأدبية ويكثر كتّابها ونقّادها وقرّاؤها وكل مُهتَم بها، وسيفرز المستقبل الكثير من إيجابيات هذا الفن الأدبي الرفيع الصعب والذي يستسهله الكثيرون للأسف وربما يشهد تطوّرًا آخر ولا يتوقف عند حد معيّن مادام يهتم ويلبي حاجة المُتلقي المتغيّرة ظروفه دائمًا.
______________
رائد الحسْن/ العراق
هامش
ــــــــــــــــــــــــــ
مُداخلتي الخاصة بالقصة القصيرة جدًا، والتي قُرِأتْ في مُلتقى القصة القصيرة جدًا برعاية مجلة الإبداع العربي والمنعقد في الجزائر يومي 31تموز ، 1 آب من العام الجاري والتي ستنشر هي ونصوص لنا ضمن كتاب ورقي سيصدر..
فمع تسارع وتيرة الحياة ومُتطلبات الواقع والاحتياج لفن أدبي يلائم ويناسب ويلبّي حاجة المُتلقي الذي يعاني من ضغط قصر الوقت المستمر الذي ينفذ منه بسرعة وزخم وشدّة عوامل الحياة المُختلِفة المُتفرِّعة المُتشابِكة، كانت الحاجة إلى القصةِ القصيرة جدًا بشكلها الحالي.
لم يعد أغلب الناس قادرين على قراءة رواية طويلة أو حتى قصة قصيرة تتألف من صفحات عديدة؛ فهنا استوجبت الحاجة والتوجّه إلى فن أدبي قادر أن يحمل فكرة موجزة مُكثَّقة تحمل بين ثنايها غالبًا رسالة تؤطّرها شروطًا وأسسًا تحميها مِن الشطط والابتعاد عن الاجتهاد لتمنحه المعلومة والتأويل الذي ينفتح حسب ذهنية المُتلقي الذي يعيد انتاج وقراءة ما تلقّاه، فيستوعبها ويتذوقها ويهضمها بأسرع وقت، ليتلقى غيرها.
لذلك وحسب رأيي الخاص، أرى بأن الققج يجب أن لا تزيد عن أربعين ولا تقل عن أربعة عشر كلمة، خاصة مع ظهور جنس أدبي جديد وهو فن قصة الومضة، الذي بوجوده توضّحت معالم فن القصة القصيرة جدًا، أكثر وتمَّ فك الاشتباك عن ذلك النوع مِن النصوص التي يتم فيها طرح فكرة وامضة؛ فالقصة القصيرة جدًا تحمل عنوانًا يُلمّح ولا يصرّح(على أن لا يتجاوز عدد كلماته الاثنتين كحد أقصى، لأنه لا يحتمل أكثر من ذلك) ومع المتن تتكامل الفكرة، وبوجود حبكة في السرد تتصاعد تدريجيًا لتؤمِّن قفلة صادِمة تلتقي مع العنوان في دورة تكاملية تهب القارىء المعلومة والفائدة والمتعة.
وليس كل كاتب قصة قادر على كتابة هذا النوع من الجنس الأدبي، فكثير من كتّاب القصة تتسرب بصمته ككاتب قصة قصيرة(مثلًا) إلى قصته القصيرة جدًا ويكتبها كأنها قصة قصيرة مختصرة جدًا ضمن مواصفات القصة القصيرة وليست ضمن مميزات القصة القصيرة جدًا بأركانها المعروفة، وهذا خطأ كبير للأسف يقع به الكثير مِن الكتّاب وينسون بأن هذا الجنس الأدبي الجديد هو جنس مستقل له خصوصيته ومميزاته التي تميّزه عن باقي فروع القصة وأنواعها.
تطوّرت القصة القصيرة جدًا في السنوات الأخيرة ولم تأخذ شكلها النهائي بعد، واعتمدت الشكل الأميبي المُتغيّر المُتحرّك، رغم الاتفاق(بشكل عام) على أركانها المعروفة، مِن تكثيف وسرد، ووجود الحبكة وحضور المُفارقة، والتسريع، وتنتهي بقفلة مدهشة، مع توظيف الجمل الفعلية، والاستعانة بخاصية الحذف، ومراعاة شروط هذا الفن الجديد، والعمل بعناصره التقنية، مِن ترميز، وأنسنة، وتشخيص، وتناص، واهتمام باللغة وبحركات التشكيل وعلامات الترقيم، وتنويع في البدايات والنهايات.
وفي المقابل، يجب الابتعاد عن عدد مِن الاشكاليات والسلبيات التي يقع بها الكثير ممن يكتبونها، وممكن تلخيص أهمها في ما يلي: الإسهاب، التفكّك، التقريرية والمباشرة، غياب التكثيف، تغليب النفَس الروائي أو القصصي، المَيل إلى الأحجية والنكتة، سوء استخدام الرمزية واستسهال عملية كتابتها.
وسأركّز هنا على أهم سلبيتين، هُما: غياب التكثيف، وسوء استخدام الرموز.
القصة القصيرة جدًا، هي فن تكثيف التكثيف وألإنجاز فى ألإيجاز بأقل الجمل وأدَّق التعبيرات وبعيدًا عن تكرار الكلمات، لخلق أفق رحب من الفكر والتصوّر ولتقديم الفكرة بشكل مُركّز، والتكثيف هنا ليس المقصود به قلّة الكلمات بل نعني: حذف أية كلمة غير ضرورية وزائدة، والتي عندما نرفعها ونحذفها، لا تترك أثرًا على المعنى أو على فكرة المتن.
وهناك بعض الكتّاب يستخدمون الرموز لتلغيز نصوصهم، ظنّا منهم بأنه كلما كان النص مُلغّزًا فسيكون ذلك أفضل، على مبدأ التلميح دون التصريح ثم سينفتح على تأويلات كثيرة، وهذا ليس بالصحيح، لأنهم هنا يضعون نصوصهم في خانة الأحجية والإبهام والالتباس، ومنهم لا يتركون مفتاحًا واحدًا، حتى مِن خلاله يتم فك (طلسم) النص؛ فالرموز يجب أن تُستَخدم لخدمة وتوضيح فكرة النص وليس لزيادة تعقيده، ففتح أبواب التأويل لا يرتكز على عُكَّازة الغموض وهنا يتطلَّب، كاتب مُتمرّس..ذكي حذق ماهر كفوء له معرفة بتقنيات السرد، مُتمكّن، له رصيد ثقافي وخزين معرفي ينهل منهما، مع امتلاكه رؤية واضحة تستوعب أركان هذا الجنس الأدبي، ليخرج النص أقرب إلى التكامل مُلبِّيًا كل الاحتياجات وجميع المتطلبات.
القصة القصيرة جدًا، هي جنس أدبي مُستقل وفرع جديد مِن فروع القصة تواكب الزمن، وبرأيي هي أصغر وحدة (أدبية بشكل عام وقصصية بشكل خاص)، قادرة على حمل أفكارًا معيّنة وإيصال رسالة سامية مِن الكاتب إلى القاريء بوقتٍ قصير ومِن خلال مبدأ تكثيف التكثيف وبكلمات محدودة وبشكل سلس وواضح، وإن حمل رموزًا؛ فلخدمة فكرة النص، وليس لمنحه صفة الغموض، بل حتى يُعاد الانتاج لتلائم فكرته، الحالة المُعاشة والأقرب إلى واقع المُتلقي، الذي قد تختلف(الفكرة المُستَنتجة) مِن شخص لآخر وحسب مُعطيات عديدة ومُسبِّبات كثيرة تتعلّق ب (القاريء) شخصيًا وبواقعه الحياتي وظرفه الاجتماعي وضمن إطار شروط ومباديء معروفة.
وأرى بأنها ستنتشر سريعًا في الأوساط الأدبية ويكثر كتّابها ونقّادها وقرّاؤها وكل مُهتَم بها، وسيفرز المستقبل الكثير من إيجابيات هذا الفن الأدبي الرفيع الصعب والذي يستسهله الكثيرون للأسف وربما يشهد تطوّرًا آخر ولا يتوقف عند حد معيّن مادام يهتم ويلبي حاجة المُتلقي المتغيّرة ظروفه دائمًا.
______________
رائد الحسْن/ العراق
هامش
ــــــــــــــــــــــــــ
مُداخلتي الخاصة بالقصة القصيرة جدًا، والتي قُرِأتْ في مُلتقى القصة القصيرة جدًا برعاية مجلة الإبداع العربي والمنعقد في الجزائر يومي 31تموز ، 1 آب من العام الجاري والتي ستنشر هي ونصوص لنا ضمن كتاب ورقي سيصدر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق