عراءٌ.. عراءٌ.. عراءْ..
بعد المدرسة يعود الرفاق إلى البيوت
البيوت في الشوارع. يعود مروان إلى الشارع.
الشارعُ بيت مروان
لا جدران تؤويه مذ سقط من حضن الغيب في حِجر العراء
كلما يحاول مروان الوصول إلى السقف يمسك بالعراء
في ساحة الشهداء تطوف أرواحهم.. الذين- عند ربهم يرزقون-
يتساءلون.. لا يفهمون.. لمَ مروان هنا مع أمه وأبيه؟
مروان يحب الرسم وكرة القدم. يكره التاريخ والجغرافيا
يرسم دائما على محفظته المهترئة.. على سرواله.. على حيطان المدرسة
و فوق كراسة أحلامه
دائما نفس الرسم.. منزلٌ صغير. بابٌ يتوسط نافذتين
خلف المنزل شجرة وارفة. أمام المنزل طفلٌ يلعب بالكرة
فوق المنزل شمس تضحك للطفل
مطرٌ.. مطرٌ.. مطر..
ليس بيدي شيء يقول المسؤول.. من مات ادفنوه
القبيلة اختارت المسؤول. المسؤول اختار لها الفجيعة.. بألف لون ولون
المسؤولون موهوبون في جرّ المآسي
الناسُ كرماء. الفقراءُ أكثر كرما. يبنون بيتا لمروان
بيتٌ فوضويٌ عند سفح جبل. بجانبه بيوت أُخَر
أحلام البؤساء تزاور. تبتسم في وجه بعضها البعض. تتآزر
أحلام البؤساء تحلم بالشمس.. بسماء لعصافيرها
الشمس تعتذر عن الظهور. الشمس لا تزور الفقراء. لا تحب سفوح الجبال
يسقط المطر. أول الغيث قطرة. قطرتان
قطرات.. سيولٌ.. سيولْ
تنجرف التربة. يميد الجبل. تنجرف الأحلام
لا عاصم لك اليوم يا مروان. الجبل وراءك ومن أمامك السيل
يأخذ الموت شكل الوطن
ويسألونني عن الوطن
أقول: أمٌّ تأكل صغارها
الشهداء في ساحة البؤساء ينتحبون. يتساءلون
أهباءً سالت الدماء؟
يتوقّف المطر
آخر الغيث وَأْد
وحلٌ.. وحلٌ.. وحلْ
السماء عابسة. الوقت ثقيل. القلوب منتكسة. بعض العيون تذرف الألم
دمعةً دمعة .
دمعةً دمعة .
أنفاس الموت تحوم في الجو
رجال في الوحل للأذقان ينتشلون من الطين جثثا ليعيدوها إلى.. الطين
مروان في وضعية الجنين. مغمسٌ بالوحل. الوحل يغطي سنواته العشر
يغطي عينيه وفمه وأنفه و.. أحلامه
على رأسه قبعة صوفية.. في قدميه جوارب
كيف يتواطأ الوطن مع الموت ليحقّق حلم الوحل؟
هل كان الوحل يحلم بمروان؟
*قاصة وشاعرة من الجزائر