اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

شعبان في خبر كان | قصة: * متولي محمد متولي بصل - مصر

⏪⏬ 
موقف رأس البر في الناحية الأخرى من النهر، فضل أن يمشي ويعبر الكوبري العلوي بدلا من ركوب السرفيس أو المعدية ، إن
المشي سينعش تفكيره ، فهو حتى الآن لا يعرف فيما سيعمل ! الشغل في رأس البر كثير على البحر ، وعلى النيل ، وفي السوق ، وفي الكازينوهات ، والمقاهي ، والمطاعم المنتشرة ، لكنه حائر يتساءل ماذا سيشتغل !
وهو فوق الكوبري شاهد في الأسفل مجموعة من الصبيان يستحمون في مياه النيل ، بالقرب من الجسر الخشبي الذي تتوقف عنده المعدية ؛ إنه يبدو كلسان صغير يمتد بضعة أمتار داخل الماء ، تذكر أنه لا يعرف العوم ، يكاد يتم الثالثة والثلاثين ، ولا يستطيع السباحة !
تذكر أشياء كثيرة كان يحاول نسيانها ، وكلها تبدأ بالكلمة (لم) ؛ أخذ يردد :
- لم أكمل تعليمي رغم أن مجموع الثانوية العامة كان ممكن يدخلني أحسن كلية ، و اضطررت بسبب فقري أن أدخل المعهد الفني التجاري !ولم أعين في وظيفة ، ولم أدخل الجيش ؛ لأنني وحيد أبي وأمي ، ولم أفتح ورشة أو محلا ، ولم أتزوج و أدخل دنيا
تساءل بدهشة :
- يعني إيه ما دخلتش دنيا .. .. يعني أنا ميت ولا إيه معناها ؟!
سمع وهو مازال يسير علي الكوبري أحد المارة يقول لصاحبه ، بينما هما قادمان في الاتجاه المعاكس
- يا أخي كنا احنا يا مصريين بنسافر العراق ، ونشتغل ونكسب ذهب .. .. دلوقتي العراق بقى خرابة ! الأمريكان دمروه .. .. خلاص منجم الذهب اللي كان مفتوح لنا نغرف منه ونيجي بلدنا نشتري أراضي ، ونبني عماير، ونعيش ملوك ، المنجم ده خلاص شطب !
رد عليه زميله قائلا
- المنجم ما خلصش .. .. تقدر تقول إن الأمريكان استولوا عليه ، الذهب كله بقى بتاعهم
قال الأول بمراره واضحة :
- يا حسرة قلبي على العراق , وعلى خير العراق .. .. ده أنا لولا السنتين اللي قضيتهم هناك كان زماني شحات زي الشيخ المسن اللي قاعد بيشحت على سلم الكوبري ده !
ضحك زميله وقال له :
احمد ربنا بقى إنك طلت حاجة من خيره .. .. قبل اللي حصل ده ما يحصل -
كان صوتهما يذهب شيئا فشيئا كلما ابتعدا في الاتجاه الاخر ، وتوقف شعبان فقد وصل الى السلم في الطرف الاخر من الكوبري ، كان على وشك النزول ، لكنه توقف ونظر وراءه وتابع الرجلين ، وشرد ببصره لحظات ، فقد تذكر أنه واتته الفرصة للسفر الى العراق مع خاله ، لكن أمه رفضت بل ومرضت مرضا شديدا في ذلك الوقت عندما علمت أن ابنها سيسافر ؛ ويبتعد عنها مع أنه كان سيسافر مع اخوها ! هز رأسه ، وقال باستسلام كأنما يصبر نفسه :
نصيب .. .. نصيب ولعله خير .. .. و الحمد لله على كل حال -
ركب شعبان متوجها إلى رأس البر ، نبههم السائق أنه سيتخذ الطريق القديم ، وليس الطريق الجديد الموازي للنيل ، جلس " شعبان " في المقعد الاخير ، وسبقته فتاتان ترتديان ملابس ضيقة ، وملفتة للنظر ؛ قال في نفسه :
- يمكن غلابه زي حالي و رايحين يشتغلوا في كازينو ، ولا مطعم .. .. الدنيا مظاهر .. .. مظاهر كدابة !
كان الطريق من الموقف وحتى نقطة مرور السنانية طريقا عاديا على جانبيه اصطفت المباني والبيوت، وسور محطة القطار ، وبمجرد أن عبرت السيارة نقطة المرور أصبح الطريق زراعياً تصطف على جانبيه أشجار النخيل والصفصاف والجزورينا ، وعلى امتداد البصر بساتين الجوافة و الليمون ، و أحيانا كانت تبدو بوضوح أشجار الجميز والتوت والبامبوظة ، ألوان شتي تطل على العابرين من على الصفين و في منتصف المسافة ، و بالقرب من كوبري العمدة أصبح الطريق يتوسط ترعتين عن الشمال ،وعن اليمين نظر شعبان في ساعته فوجد عقاربها تشير الى التاسعة صباحا قال في نفسه :
- هانت .. .. كلها ربع ساعة ، ونبقى في " رأس البر" وهناك يحلها ربنا إن شاء الله أشتغل.. .. أشتغل أبيع لب ، أو ترمس ، أو حتى بطاطا ، اكيد ها لاقي شغل أكيد !
على امتداد الطريق مطبات كثيرة ، و الكرينة مفروشة على الأسفلت والسيارات تعبر من فوقها على مرمى البصر جهة الشمال يشق المساحة الخضراء صرح أبيض شامخ مؤكد أنه مدرسة ، وعلى مسافة منها الأوناش العملاقة داخل سور الميناء ، و الناقلات والسفن الضخمة التي تبدو من بعيد صغيرة جدا وكأنها لعب !
استسلم شعبان لغفوة قصيرة جدا ، رأي خلالها طيورا بيضاء عملاقة تهبط من السماء ، وتخطف كل من بداخل السيارة ، تذكر ان أمه أوصته قائلة له :
- يا ابني انا ما عنديش غيرك .. .. خذ بالك من نفسك ما تقربش للبحر ولا حتى من الترعة ، زمان وانت لسه صغير، كنت بحميك في الطشت ، وفي مرة سبتك فيه وقمت أفتح الباب لأبوك ، ورجعت لقيتك بتغرق كنت ها تموت يا ضنايا
اختطفت الطيور جميع من في الميكروباص وحتى الفتاتين لدرجه أنهما تشبثتا به ، ولكنه لم يستطع إنقاذهما ! كان لا يزال يحس برد يديهما في يده ! كان مذعورا جدا
بعد ثوان معدودة أفاق، لكنه كان خائفا جدا من الكابوس الذي رآه منذ لحظات ؛ كما أنه أفاق على خناقة بين السائق وأحد الركاب؛ سمع السائق يقول :
- مراتك في البيت مش في عربيتي ، شيل إيدك من عليها لو سمحت و إلا ها وقف العربية !
في إيه يا أسطى ما قلت لك الست دي مراتي .. .. مراتي ! -
.؟! - مراتك تبوسها كده علنا قدامنا انت إيه
- وفيها إيه يا أسطى ما تخليك فيريه !
- في إيه قصدك إيه يعني .. .. أركب قرنين انت مفكرني إيه ؟!
رفع الرجل ذراعه عن المرأة التي كانت ملتصقه به ، وقال :
خلاص يا أسطى خلاص بص بقى قدامك خلي عينيك على الطريق .. .. لتضيعنا -
ذهل " شعبان " مما سمع ، و نسي حلمه القصير المفزع ، ولكنه كان ما يزال يشعر ببرودة في يده
فنظر فإذا الفتاة الملاصقة له تمسك بيده بالفعل وتبتسم له ! نزع يده من يدها ، ووضع الشنطة البلاستيكية التي تحتوي على طقم داخلي وآخر خارجي وبعض أدواته الشخصية ، وضعها بينه وبينها حاجزاً ، وأخذ يردد بينه وبين نفسه وبصوت لا يسمعه احد :
أستغفر الله العظيم .. .. أستغفر الله العظيم ! -
هم بأن ينادي على السائق حتى يتوقف فينزل من السيارة ، لكنه لمح وهو غارق في بحر من الارتباك والعرق جيب قميصه خاليا زاد ارتباكه ومد يده إلى الجيب هذا الجيب كان فيه اربع اوراق من فئه الخمسين جنيه ملفوفة مع بعضها أين ذهبت ؟!
أحس بذراع تطوق رقبته إنها ذراع الفتاة الجالسة بجانبه، نظر إليها بتجبهم كان على وجهها نفس الابتسامة ، ابتسامة صناعية، همست في أذنه :
- انت بتدور على دول .. .. يا عسل ؟!
فوجئ بالأربع ورقات التي يبحث عنها في يدها الأخرى حاول أن يقوم من مكانه ، أن يصيح و يصرخ فيجعل السائق يوقف السيارة ، لكن القدر لم يمهله ففي نفس الوقت عبرت سيارة ملاكي بجوار الميكروباص بسرعه جنونية ، واصطدم جانبي السيارتين فحادت الملاكي عن مسارها واصطدمت بشجرة ضخمة على جانب الطريق أما الميكروباص ففقد السائق سيطرته عليه ، فانحرف عن الطريق، وسقط في الترعة ؛ امتلأ قلب شعبان خوفا وهلعا ، عندما لمست مياه الترعة جسده لقد ملأت المياه الميكروباص في ثوان معدودة اندفع جميع الركاب نحو الباب للخروج والنجاة بأنفسهم لكن بلا جدوى ، ورغم أن الشمس كانت مشرقة والحادثة وقعت في بداية النهار إلا أن المفاجأة شلت الجميع فالركاب بعضهم فقد الوعي بعد سقوط السيارة في الماء وكان من بينهم السائق و الراكبان اللذان بجواره ، فقد ارتطمت رأسه بقوة في المقود فشجت وسالت منها الدماء، والبعض الآخر تسابقوا إلى الباب ليفتحوه ونتيجة تدافعهم أخطأ أحدهم وبدلا من ان يفتح الباب ، اغلق المسوجر؛ فانحبسوا جميعا داخل الميكروباص الذي غاص بدوره في القاع بسرعة عجيبة ، واختفى تحت المياه والحشائش الخضراء !
توقفت بالقرب من مكان الحادث سيارتان ، ونزل من فيهما وخلع أحد الرجال ملابسه الخارجية، ونزل الترعة بحذر شديد ، وغاص لعله يتمكن من إنقاذ الركاب دار حول الميكروباص ، شاهد من فيه وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة حاول ان يفتح الباب لكنه لم يستطع صعد للسطح أكثر من مرة ليأخذ نفسا ثم يعود حاول أن يكسر زجاج النوافذ؛ أن يفعل اي شيء لكنه لم يستطع إلا أن يشاهد استغاثتهم وتوسلاتهم قبل أن تخشع الأصوات وتخمد الحركات !
صعد إلى السطح بعد أن نفد الهواء من صدره أشار لبعض الواقفين على البر إشارة تعني أنه لا يوجد ناجون ، أحس أن شيئاً يلتف حول ساقيه بل وأخذ يشده إلى الأسفل !وجد نفسه يغوص ثم يطفو ثم يغوص ثم يطفو رغماً عنه فصرخ مستنجدا بمن على البر
- الحقوني .. .. الحقوني !
في المرة الأخيرة جذبه ذلك الشيء المجهول الى الأسفل بقوة كبيرة ؛ فغاص رغما عنه ، دار حول نفسه وهو في غاية الذعر، فرأى ذراعين ممدودتين من داخل إحدى النوافذ ، وقد أمسكتا بكلتا ساقيه واستماتت في جذبهما مد الرجل ذراعيه هو الآخر وأمسك بهذا الشخص الذي كان لا يزال حيا جذبه إلى أعلى بكل قوته .
بعد قليل كان "شعبان" ممددا على البر وأحد الأشخاص يحاول إخراج المياه التي ابتلعها في جوفه التف الناس حوله وكانوا جميعا في غايه التأثر ، وفي نفس الوقت الذي وصلت فيه سيارات الإسعاف وسيارات النجدة وصلت كراكتان ورأى الناس الموجودون عدد من الغواصين ينزلون الى المياه ، تم انتشال جميع الجثث كما تم رصها على ناحية من الطريق وتأكد أحد الأطباء من وفاتهم جميعا
كان" شعبان " قد أفاق ، و شاهد بعينيه الركاب الذين كانوا معه منذ قليل، شاهدهم ممددين وعيونهم لا تزال مفتوحه رأى السائق ورأى الفتاتين اللتين كانت تجلسان بجواره نسى الأربع ورقات من فئه الخمسين جنيها التي استولت عليها إحدى هاتين الفتاتين أنساه مشهد عينيها كل شيء إنهما لا ترمشان ، فقط تلمعان ! ولكن اختفي منهما بريق الحياة ! كاد يفقد وعيه ، لدرجة أنه بدأ يظن أنه من ضمن هؤلاء الأموات وأن روحه تحلق فوق جثته ، لولا أن سمع أحد المسعفين يقول لزميله وهو يشير نحوه :
- ايوه .. .. هو ده الناجي الوحيد !
في مستشفى دمياط التخصصي تحولت المنطقة الخلفية من المستشفى والموجودة بين المغسلة ومعهد الأورام إلى ساحة مزدحمة بالناس، و ساد الهرج والمرج ! هذه المساحة الصغيرة احتشدت فيها أعداد كبيرة من أقارب الضحايا ؛ صراخ وعويل ونواح كل هؤلاء اجتمعوا على أمر واحد وهو البكاء ، اللغة السائدة بينهم هي الدموع ؛ والحزن يغلف كل شيء بغلاف أسود بدأت الألسنة تنفلت ببعض العبارات التي فضحت ما كان مستورا فالفتاتان كانتا تنتميان إلى شبكة آداب ، وكانتا في طريقهما لممارسة الرزيلة والرجل الذي قبل المرأة التي كانت ملتصقة به ، وادعي أنه زوجها لم يكن إلا عشيقها ! إنهما موظفان في مصلحة من المصالح الحكومية ذهبا ووقعا في كشف الحضور ، ثم تسلل كل منهما على حدة وخرجا، وركبا معا الميكروباص في طريقهما الى المتعة الحرام !
حكايات عن العرض والشرف بدأت تتناقل على الألسنة ألهبت المشاعر التي كانت مشتعلة بالفعل فتحول المأتم الكبير الى معركة كبرى ، وبدأ التشابك بالأيدي والأسلحة البيضاء بين رجال ونساء وشباب ربما بعضهم لا يعرف البعض الآخر ولم يره من قبل، حتى اضطرت إدارة المستشفى إلى طلب قوات الأمن لفض هذه المشاجرات والمعارك وإخراج الأهالي جميعا خارج سور المستشفى !
الوحيد الذي لم يحضر أهله ، بل ولم يعلموا أصلا بما حدث هو" شعبان " فقد رفض أن يعطي عنوانه لأحد ؛ كما أخبرهم أنه سليم وأنه لم يصب باي سوء فما الداعي لإزعاج والديه ! إنهما مسنان ومريضان ولن يتحملا سماع مثل هذا الخبر، لذلك بعد ان انتهي من علاج إصاباته البسيطة ومن سؤاله كشاهد على ما حدث انصرف وغادر المستشفى لائذا بالبيت ، فوجئت أمه وهي تفتح له الباب ، كان يرتدي ملابسه الأخرى التي كان يحملها معه في الكيس البلاستيكي ورغم ذلك كانت تشعر أنه قد عاد بوجه غير الذي ذهب به ضربت على صدرها وهي تسأله بخوف وقلق :
مالك يا شعبان وشك متغير كده ليه يا ابني .. .. و غيرت هدومك ليه ؟! -
لم يخبرها بشيء ، احتضنته كعادتها دائما عندما يعود إلى البيت او يغادره ، كان أبوه جالسا على الأرض على مقعد بلاستيك صغير لا يبدو منه شيء وأمامه طبلية عليها بعض الأرغفة المدعمة وقطعة جبن وطبق به سلطة خيار وطماطم قال أبوه :
- خير يا ابني اشتغلت ؟!
تمالك شعبان أعصابه وقال لأبيه
- الشغل كثير يا بابا بس .. ..
بس إيه يا ابني .. .. بس ايه ؟! -
بس أنا غيرت رايي !! -
يعني إيه ؟! -
ها شتغل هنا .. .. -
- ها تشتغل هنا .. .. ما انت اشتغلت هنا وما فلحتش .
- لا المرة دي إن شاء الله ها فلح !
ضحك ابو شعبان ملء فمه وقال :
صدق اللي قال الكتكوت الفصيح من البيضة بيصيح يا ابني انت حظك وحش زي حظي -
ابتسم" شعبان " لأول مرة منذ وقعت الحادثة ، وقال :
- لا يا با أنا مش معاك في دي والحمد لله على كل حال احنا أحسن من غيرنا يابا
اندهش الرجل من كلام ابنه فلم يتعود منه كل هذه الحكمة واستسلم قائلاً
- عندك حق احنا أحسن من غيرنا الحمد لله يا ابني !
أخفى شعبان كل ما حدث له عن والديه ، لأنه كان يعلم مدى حبهما له فهو وحيدهما لقد رفض حتى أن يعطي عنوانه لإدارة المستشفى ، حتى لا يتصل بهما أحد ويخبرهما شيئا عن الحادثة كما غير ملابسه حتى لا يشعرهما بأي شيء كانت أمه مصرة على أن نعرف سبب تغيير ملابسه فقال لها ليطمئنها
- نزلت البحر واستحميت .. .. حد يروح رأس البر وما ينزلش البحر
اندهشت وقالت له متعجبة وهي متأكدة أنه يكذب عليها
انت رايح تدور على شغل ولا رايح تستحمى -
تلعثم وبعد تفكير قال له:ا
- يا أمي أنا جاي تعبان وعايز أنام وأرتاح
قاطعه ابوه قائلا له:
- ها تنام من غير ما تتعشى ده انت وشك مخطوف زي اللي راجع من الموت
ضربت الأم صدرها بيديها ، ونهرت زوجها ، وقالت له :
- حرام عليك يا أبو شعبان دي الملافظ سعد، هو صحيح هفتان شوية بس اوعى تقول الكلمة الوحشة دي ثاني هنا ألف ألف بعد الشر عليه هو احنا حيلتنا غيره
قعد شعبان بجوار أبيه ، وتناول رغيفا من على الطبلية ، و بدأ يأكل ؛ إنه منذ الصباح وهو على لحم بطنه ، لم يذق حتى الماء ! وشرب مياه الترعة بما فيها من وحل ، ونباتات طافية خضراء تشبه حبات العدس ، توقف عن الأكل فجأة ، وكاد يتقيأ عندما تذكر أجساد الموتى المرصوصة على الأرض ، وعيونهم المفتوحة اللامعة ، ورائحة الموت التي لا تزال تزكم أنفه فنهض ولم يكمل طعامه ، كان والداه يشعران أنه ليس على ما يرام ، لكنهما تركاه يرتمي في فراشه ، وينام ليستريح !
قالت الأم ، والدموع تبلل عينيها
- يا حبيبي يا ابني ربنا يفرجها عليك بشغلانة تريح قلبك وتطيب خاطرك !
ربت الأب على ظهر ابنه الذي غرق في نوم عميق ، وكأنه لم ينم منذ شهور وقال :
- يا ريت يا ابني كنت أقدر أساعدك بس أعمل إيه اللي جاي على قد اللي رايح ، واقف على رجلي في القهوة 12 ساعة كل يوم ، والأجر على قد مصروف البيت .. ..
- ما تقولش كده يا أبو شعبان انت برده الخير والبركة وبكره شعبان ربنا يوفقه ويشتغل في شغلة كويسة ويسعدك ويبقى سندك .
- نفسي أطمئن عليه اللي زيه كلهم اتجوزوا وخلفوا وفتحوا بدل المصلحة اثنين وثلاثة أنا مش عارف فيه ايه هو إبني ايه اللي بيه ؟!
- بكره تتعدل يا عم ارمي حمولك علي الله إن شاء الله بكره ها يبقى أحسن ونفرح بيه وبخلفته !
- صعبان علي ابننا مش سهل علي أشوفه متلطم كده في بورسعيد و رأس البر، وحتى هنا في بلده يا ريتني ما دلعته وهو صغير، يمكن دلعنا فيه وهو صغير هو اللي مخليه مايثبتش في شغلانة
كفايه كده يا أبو شعبان أنت تعبان وشقيان ومش حمل زعل وهو انت بإيدك إيه تعمله وما عملتوش -
- والله ما أنا عارف حاسس إني مقصر في حقه
قول الحمد لله إحنا أحسن من غيرنا وكل حي بياخد نصيبه -
- الحمد لله الحمد لله على كل اللي ربنا يجيبه وعلى رأيك أهو أنا بتعكز و أشتغل إنما فيه ناس ثانية راقدة ولا قادرة تروح ولا تيجي
ربنا ما يقطعنا -
امين امين يا رب -
والله أنا مستبشرة خير وحاسة إن ابننا شعبان ربنا هايجبر بخاطره وهايبقى حاجة كبيرة قوي -
ابتسم الرجل وقال وهو ينظر لها ثم لابنه النائم :
ربنا يسمع منك -
انصرف الاثنان وذهبا إلى فراشهما وتركا شعبان الذي كان يغط في نوم عميق . -
-
*متولي محمد متولي بصل
دمياط

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...