اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

هواجس من خلف الجدران ـ قصة قصيرة...* سرحان الركابي – العراق

املك احساسا يصفه البعض انه مفرط في الشفافية والسمو , كما اني استطيع تذوق طعم الحياة المحدودة التي امارسها هنا بين الجدران العتيقة والمسودة لبيتنا , وكانت حواسي تلتقط التفاصيل الغريبة وغير المرئية احيانا , فنحن سكان هذا البيت الايل للسقوط ممنوع علينا اجتياز جدران بيتنا المنخفضة , وممنوع علينا التطلع الى خارج الاسوار , كما اني املك فطرة سليمة تهضم القانون والنظام والعرف والتقاليد , ولي طموحات وامال واحلام لذيذة كنت كلما شعرت بالحاجة الى النوم اذهب الى فراشي لاتوسدها وانام على هدهداتها اللذيذة.
كانت لعبة مسلية ومعها يمر الوقت سريعا ولا اشعر بوطأته الثقيلة , كما اني كنت اقضي اوقاتي وانا اتخيل ماهو شكل العالم خارج اسوار المنزل , وما اذا كانت الرياح تهب على كل الاصقاع بنفس السرعة والكثافة , وهل للنجوم عيون تومض في سماء كل البيوت ؟ وما هي المسافة المفترضة بين الشمس والقمر ، كانت اسئلة صغيرة تراودني وتوفر لي مساحة من القدرة على البقاء على قيد الحلم , وتفتح لي مجالات واسعة للغوص في كل التفاصيل المحيطة بنا والتي تبدو احيانا مثل الغاز مستعصية. وكانت مساحات الحلم تضيق شيئا فشيئا بفعل توصيات ابي وتعليماته الصارمة , فكان يقول لنا دائما اوصدوا ابوابكم واقبعوا في غرفكم , فالأبواب المفتوحة تدخلها الرياح بكل سهولة ويسر , وقد استشاط ابي غضبا في احد المرات حينما اكتشف ان امي كانت تتحدث مع جارتنا وترفع راسها من فوق جدار البيت المنخفض , وكانت تترك الباب مواربا احيانا , فتمر بعض العيون المترصدة وتشم رائحة الاسرار مثل كلاب سائبة وهي تتجسس على اسرار بيتنا , وفي احد المرات ضرب اخي الصغير لأنه التقط كرة تائهة سقطت على بيتنا على حين غفلة , وكانت حجة ابي ان اللعب يورث الندم ويقسي القلب.
كانت احلامي ممتدة على طول جدران بيتنا المتأكلة وتغوص في اعماق رفوف الكتب والمخطوطات التي كنت اجمعها كديكور يزين غرفة الاستقبال والتي نادرا ما كنت افتحها الا عند حصول امر طاريْ يخص الجدالات التي تدور في اجواء المنزل وفض النزاعات بين اخوتي واخواتي الذين باتوا حادي المزاح ويتعاركون ويتشاتمون لاتفه الاسباب.
وكانت اختي الكبرى اكثرنا عصبية وهيجانا , وقد ادركنا ان بعض التغيرات قد طرأت على حياتها حينما راحت الايام تزحف بسرعة على جسدها وملامح وجهها , وقد تغير مزاجها وسلوكها , فكانت تقف طويلا امام المرأة وتتأمل شعرها وتحدق في خصلات الشيب الذي بدأ يغزو شعرها الفاحم السواد , وكانت تستيقظ في منتصف الليالي وترتدي بدلة بيضاء كانت قد استعارتها من صديقتها التي تزوجت منذ عشرة اعوام , وفي احيان كثيرة كنا نراها تضم دميتها الى صدرها وتحاول ارضاعها واسكاتها من سكرات البكاء الليلي , وكانت امي تستيقظ معها فتساعدها وتقمط لها الدمية وتذرع لها طولها لكي تبعد عنها الالام , فيما كان اخي الاكبر اكثرنا شراسة وذكاء وكان في احيان كثيرة يتمرد على تعليمات ابي و يتسلل تحت جنح الظلام ناطا من فوف جدران البيت ومتسلقا كل الحيطان والسقوف ليلتقي هناك خارج اسوار المنزل بعشيقاته الكثيرات , وهناك كان يمارس لعبة التمرد على النظام ويستنشق بعضا من حريته المفقودة داخل المنزل الذي باتت تخيم عليه اجواء التوتر والخلافات المستعصية.
دارت الايام وتغيرت الاشياء من حولي , وكانت امي تذوي مع مرور الزمن ، وقد نبتت في راسها دمامل كثيرة كانت تمطر قيحا ودما وسوائل غريبة لم نكن نعرفها , فيما تغيرت ملامح اختي الكبرى ونبت لها شارب خفيف حول شفتها العليا , وكانت ترفض كل توصيات امي وتعليماتها , فتغلق باب غرفتها وتتحدث طويلا مع عادل خطيبها الذي مات منذ عشر سنوات . لم نكن نصدق في بداية الامر حكاياتها عن عادل ولم نقتنع انها كانت تلتقي به في الليالي المظلمة وفي غرفتها الموصدة , لكن اخي الاكبر واثناء مغامراته الليلية , قال لنا انه شاهد عادل في احدى المرات وهو يحوم حول بيتنا , وقد صدق بعضنا حكايات اختي ولقاءاتها مع عادل , ففي صباح اليوم التالي كانت اختي تحمل على صدرها قلادة وقد ادعت ان عادل هو الذي اشتراها لها من سوق المدينة , وفي الليل كانت تتحدث بصوت مسموع في غرفتها الموصدة تبعا لتوصيات ابي المشددة , وعندما كنا نسالها مع من تتحدثين , كانت تقول ان عادل يزورها في كل ليلة , وكان اخي الاصغر طفلا مشاكسا و متمردا ويثير الفوضى داخل البيت فاخبر اختي ذات مرة انه سمع ان عادل قد فقد مع الذين فقدوا في الحرب, فثارت ثائرة اختي ومزقت ملابسها وانكسر خاطرها وقبعت في غرفتها ولم تخرج منها منذ ذلك اليوم.
اما انا فقد شعرت ان دائرة احلامي بدأت تضيق وتتهافت عندما طمرت حديقة البيت تحت اكوام من الطابوق والنفايات بتواطؤ وتساهل من ابي , وكان ابي بقف على مقربة من بقايا الحديقة وهو يضحك بنشوة الشيوخ البليدة ويبرهن لنا نحن المحتجون ان الحديقة هي المكان المناسب لمثل هذه الاشياء الثقيلة فيما يجب اخلاء باقي الاماكن لدرء اخطار الايام المقبلة وغدر الزمان وتقلبانه التي لا تؤمن وكان يقول لنا ان حكمة الشيوخ لا تضاهى ولا تقدر بثمن وانتم لن تفهموا هذه المزايا الفريدة الا بعد ان تشيخوا وتكبروا في السن , قمعت خطبة ابي العصماء هذه صيحات الاحتجاج ونظرات الشك والريبة التي كان يقابل بها من قبل ساكني بيتنا العزل.
لكن احلامي عادت واخذت تنمو وتكبر من جديد عندما بدأ ابي يهرم وتكثر شكواه من اوجاع الظهر والام المفاصل وضعف البصر , وعادت نفسي توسوس لي باجتياز عتبة البيت او القفز من فوق الجدران , او حتى حك خطوط الحناء التي تخضب جدران غرفة الاستقبال التي طالما شمعتها امي وهي تتمتم بادعية سرية لا نفهمها.
وذات مرة صعقت وشعرت بالخجل والعار ولذت بالفرار واختبأت في زوايا البيت المظلمة مثل فار مذعور حينما رمقني ابي وانا العب مع ابنة الجيران التي تسلقت جدران بيتنا , وقفزت مثل وعل جبلي وحطت بيننا , رمقني ابي بعينيه الغائرتين خلف عظام جبهته الناتئة , فرغم كبر سنه ونحول جسده كان ابي مخيفا ويستطيع ان يخرسنا ويلجم امي ويسكتها وهي التي لا تعرف الصمت . وحتى في الآونة الاخيرة عندما ساءت حالة ابي ونبتت له قرون صغيرة عند مقدمة راسه ظل ابي مهابا ومرهوب الجانب في البيت , وكان يتكلم كثيرا عن اجداده واسلافه الذين كانوا لا ينامون الليل و يجوبون الاصقاع بحثا عن الطرائد والغزو.
اما امي فقد ازدادت الدمامل في جبهتها واصبحت حولاء تنظر بعين واحدة حينما انطفأت احدى عينيها , بينما غزا الشيب راس اختي وهي مازالت تتكلم في كل ليلة مع عادل الذي يزورها في غرفتها , وترتدي فستانها الابيض مطلقة الزغاريد ظنا منها انها على وشك الزفاف الى خطيبها عادل الذي ابتلعته الحروب ولم تبقي منه سوى صورة معلقة في وادي السلام.
وذات مرة خرجت اختي من غرفتها بملابسها الممزقة وشعرها الاشعث فصاح ابي وهو يتقلب في اوجاعه والامه , أعيدوها الى غرفتها لكي لا تحدث ضجة قد يسمعها الجيران فيطلعون على اسرار بيتنا , حينها هب اخي الاكبر ومسك اختي من شعرها الاشعث واعادها الى غرفتها بلا اكتراث ومن ثم جاءت امي وبيدها قارورة صغيرة فيها ماء مقدس ومسحت على راس اختي وبللت وجهها وشعرها وتمتمت بكلمات لم نفهمها , وبعد ان هدأت اختي قليلا , توسد ابي يده ونام في زاوية قصية من زوايا غرفة الاستقبال , فيما عاد اخي الاكبر الى غرفته واخذ يستمع الى الاغاني الهندية , وحينما كانت امي تتلمس دمامل راسها التي تقطر قيحا ودما كانت اختي تنظر الى راسها الذي اشتعل شيبا!

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...