⏪⏬
مع استنشاق الشمس للهواء المختلط بالدِّفء القادم منها ممزوجًا بالندى - تستجدي يدي ذاك الدفءَ الوليد بلَمْس حافَةِ النافذة المقابلة
لأشعة الشمس، مع تمرير أصابعي على طرف الفنجان، رقص الطيور أمامي وهي تتصارع على الحبوب المهملة لَبَّى النداء الداخليَّ بإحياء الألم، منذ عقدين مَضَيَا كنت في هذا المكان نفسِه أحيِّي الشمسَ بتحيَّة الحياة، كنت أخشى أن تجرحني شدَّة حرارة هذا الفنجان، فأمسكه بحرصٍ بالغ، كانت تفزعني رؤيةُ أصغر الحشرات وأدناها، لم أخشَ أبدًا أن أستنجد من أبسط الأمور، وكذلك لم أخشَ من التعوُّذ من خاطر الانسياق إلى لحظةٍ يقال فيها: (لم أَعُد أخشى...).
حين أنفض نفسي من الزحام وألوذ بسريرة نفسي، أفتقدها كثيرًا... أتأمَّل وجهي وعينيَّ؛ انحدر ذلك الجفن حزنًا! الشفتان كالخطِّ المستقيم، أمرِّر أصابعي على وجنتي؛ علَّ تجاعيد هذا الجلد تنبسط فيلين هذا الجمود، أريد استعادةَ شعور الضحك، فتنضغط جميع العضلات لتنفرج عن ابتسامةٍ لا تعبأ بشيء، أسترجع اضطراب وجهي وقلقي وعبوس الحاجبين، ورجفة خفيفة منتظمة بأعصاب الوجه، وانتظارًا مقلقًا.
أودُّ أن تتقلَّب الحياة بي وبهذا الوجه، سئمتُ قناعَ الشمع المحايد، أنتظر الشمس التي ستُذيبه، تقع عيناي على طفليَّ اللذين يقبعان داخلي؛ يرمِّمانها ويواريان سوءاتها؛ حتى ينقشع ظلامها.
كان قلبي وقلب رفيقي من قبلُ كنسيج تكاتفت خيوطه الدقيقة وتشابكت فلا يستطيع أحدٌ التمييز بينها، إلى أن غرس الشكُّ سكِّينه، فنقضَ ما غزَلتْهُ يدُ اليقين، وصارت الحياة كلوحةٍ بقَدَمٍ واحدةٍ قائمة، والأخرى خارَت قواها، أو - بالأحرى - أرادت ذلك.
الآن (لم أعد أخشى)، لست سعيدةً بتلك الصفة؛ فهذا النوع من الجَلَد لا أفخر باكتسابه، بل هو أشبه بنَدَبَةٍ تترك أثرًا عميقًا أكثر من الجُرح، فأصبح هوَّة لجميع الآلام المقبلة والماضية دون تمييز.
حين يكتفي جسدي وجوارحي من الحزن الصامت الحار، ولا تصمد أمامه، أُطلق العنان لجميع الصرخات داخلي: من عيني ومن شفتيَّ ومن قلبي وعقلي، لا أتحامل عليها كي تتدثَّر بالصمت؛ لأعود فأرتمي داخل أحضاني، وأتدثَّر بملاءة الرِّضا والأمل، وينثر القمر أكُفَّ الحنين عليَّ، حتى تعود الشمسُ للكون.
هذان طفلاي... لي، بسمةٌ واحدةٌ مِن ثغرهما الغضِّ يستحي منها قلبي فيدفعني للابتسام... فأطربُ هذه المرَّة لنقر الطيور على حافَة النافذة.
-
*نهى الطرانيسي
مع استنشاق الشمس للهواء المختلط بالدِّفء القادم منها ممزوجًا بالندى - تستجدي يدي ذاك الدفءَ الوليد بلَمْس حافَةِ النافذة المقابلة
لأشعة الشمس، مع تمرير أصابعي على طرف الفنجان، رقص الطيور أمامي وهي تتصارع على الحبوب المهملة لَبَّى النداء الداخليَّ بإحياء الألم، منذ عقدين مَضَيَا كنت في هذا المكان نفسِه أحيِّي الشمسَ بتحيَّة الحياة، كنت أخشى أن تجرحني شدَّة حرارة هذا الفنجان، فأمسكه بحرصٍ بالغ، كانت تفزعني رؤيةُ أصغر الحشرات وأدناها، لم أخشَ أبدًا أن أستنجد من أبسط الأمور، وكذلك لم أخشَ من التعوُّذ من خاطر الانسياق إلى لحظةٍ يقال فيها: (لم أَعُد أخشى...).
حين أنفض نفسي من الزحام وألوذ بسريرة نفسي، أفتقدها كثيرًا... أتأمَّل وجهي وعينيَّ؛ انحدر ذلك الجفن حزنًا! الشفتان كالخطِّ المستقيم، أمرِّر أصابعي على وجنتي؛ علَّ تجاعيد هذا الجلد تنبسط فيلين هذا الجمود، أريد استعادةَ شعور الضحك، فتنضغط جميع العضلات لتنفرج عن ابتسامةٍ لا تعبأ بشيء، أسترجع اضطراب وجهي وقلقي وعبوس الحاجبين، ورجفة خفيفة منتظمة بأعصاب الوجه، وانتظارًا مقلقًا.
أودُّ أن تتقلَّب الحياة بي وبهذا الوجه، سئمتُ قناعَ الشمع المحايد، أنتظر الشمس التي ستُذيبه، تقع عيناي على طفليَّ اللذين يقبعان داخلي؛ يرمِّمانها ويواريان سوءاتها؛ حتى ينقشع ظلامها.
كان قلبي وقلب رفيقي من قبلُ كنسيج تكاتفت خيوطه الدقيقة وتشابكت فلا يستطيع أحدٌ التمييز بينها، إلى أن غرس الشكُّ سكِّينه، فنقضَ ما غزَلتْهُ يدُ اليقين، وصارت الحياة كلوحةٍ بقَدَمٍ واحدةٍ قائمة، والأخرى خارَت قواها، أو - بالأحرى - أرادت ذلك.
الآن (لم أعد أخشى)، لست سعيدةً بتلك الصفة؛ فهذا النوع من الجَلَد لا أفخر باكتسابه، بل هو أشبه بنَدَبَةٍ تترك أثرًا عميقًا أكثر من الجُرح، فأصبح هوَّة لجميع الآلام المقبلة والماضية دون تمييز.
حين يكتفي جسدي وجوارحي من الحزن الصامت الحار، ولا تصمد أمامه، أُطلق العنان لجميع الصرخات داخلي: من عيني ومن شفتيَّ ومن قلبي وعقلي، لا أتحامل عليها كي تتدثَّر بالصمت؛ لأعود فأرتمي داخل أحضاني، وأتدثَّر بملاءة الرِّضا والأمل، وينثر القمر أكُفَّ الحنين عليَّ، حتى تعود الشمسُ للكون.
هذان طفلاي... لي، بسمةٌ واحدةٌ مِن ثغرهما الغضِّ يستحي منها قلبي فيدفعني للابتسام... فأطربُ هذه المرَّة لنقر الطيور على حافَة النافذة.
-
*نهى الطرانيسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق