*أحمد الغرباوى يكتب:
في نفس شَهْرِ مولده؛ يرحلُ الكيميائى عبد الهادى قنديل؛ وزير البترول الأسْبَق.. أحَد روّاد صناعة البترول فى تاريخ مصر.. مَنْ أخلص وأكفأ أصحاب الإنجازات؛ التى تسمو بالأصَالة.. وترقى باحْتِرَامِ الذّات.. وتعظم وتقدر كُلّ نقطة زيت؛ تبوحُ بخَيْرات البترول،
ودُرّ غاز مِنْ ثروات الأرْضِ الطيّبة؛ أمُّنا الغالية مصر.. ويتشرّبُ جِلده؛ ويتعفّرُ برائحة كُلّ حَبّة عَرَق؛ تنثالُ على جبين كُلّ عاملٍ؛ ومغموسة بحبُيْبَات ذهبيّة اللون والقيمة بصَحْراء مصر؛ نضح ثروات آبارٍ؛ وهِبات ربّ لا تنضب قطّ..
أكثرُ مِنْ ثلاثين عاما يَحْيَا بكدّ.. ويَهِبُ بدأبٍ.. ويعتلى بصروحٍ.. وينمّى قيْادات صفّ ثانِ وثالث ورابع.. ويصنعُ كفاءات بحقّ.. ويكفيهم مسيرته قدوةً وقدراً واقتدارا..
عالمٌ في موقعه.. وأبّ بَيْن أسرته.. وقائدٌ يرزقه الله حُبّ أفراد كتيبته.. ووطنى حتى النّخاع.. ويحملُ أمانة وشرف قداسة العمل سيرة طيبة.. ونزاهة وكفاءة في إدارة العمل بالواقع البترولى بشخصية وعقلية فريدة.. ويَسْطُر ويوثق التاريخ دوره الوطنى للأجيال القادمة أبَد الدهر..
مُنذ عام 1980 حتى 1991م؛ ويختارهُ الله؛ ليقضى عُمْره بَيْن الهيْئَةِ المصريّة العامة للبترول ووزارة البترول..
مَوْلد حَيْاة؛ تبدأُ في 2 مارس 1935 في الزرقا بمحافظة دمياط، ويتخرّج في كُلّية العلوم جامعة عين شمس عام 1956م.. ويلتحقُ بمعملِ تكرير البترول بالسّويس.. ويقع العدوان الثلاثى فى أكتوبر مِنْ نفس العام؛ يستدعى لقوات الحَرْس الوطنى..
وخلال فترة تجنيده؛ يَتمّ اختيْاره للعَملِ فى السكرتاريّة الخاصّة للرئيس جمال عبد الناصر؛ لإجادته بَعْض اللغات الأجنبيّة، ثمّ يلتحقُ للعمل بخط أنابيب مُسْطُرِد..
وفى عام 1960م يختارهُ المُهَندس أحمد هلال مدير التكرير بهيئة البترول فى ذلك الوقت؛ للعمل فى إدارة التكرير بالهيئة.. ويسافرُ الفقيد الغالى فى بعثات للعمل بشركات عالميّة؛ مثل استاندر كاليفورنيْا للبترول بأمريكا وإيطاليا لدراسة البتروكيماويْات.. ويحصلُ على الماجستير فى زيوت التزييت؛ ويتعلّم الإيطاليّة ويجيدها..
وفى عام 1967م يعملُ مديراً للعمليّات بهيئة البترول، وبدأ عمله كيميائيًا بشركة أنابيب البترول.. ويشغلُ منصب رئيس لقسم جودة الإنتاج بالهيئة المصرية العامة للبترول.. ثم رئيسًا لإدارة برامج واقتصاديّات التكرير بالهيئة المصرية العامة للبترول في 1964م.. ويلتحقُ بمعهد البترول بميلانو بإيطاليا.. ويتخرّج أوَاخِر عام 1964م.. ويشغلُ منصب مديرعمليّات بالهيْئة المصريّة العامة للبترول؛ تقديرًا لجهوده في دَرء خطر تعرُّضُ البلاد لمَجاعة بتروليّة أثناء حرب 1967م، حَيْث قام بمجهودات مَشْهودة للوفاء باحتيْاجات مِصْر البتروليّة في ذلك الوقت الحَرِج.
ويتمُّ تعيينه في 1971م مدير قطاع التكرير والتصنيع بالهيئة المصرية العامة للبترول.. وبعد أنْ نجح فى إنجاز مسئوليّات قوميّة عديدة لتوفير الوقود للقوات المسلحة والاستهلاك المحلّى أثناء حَرب الاستزاف وحرب 1973م..
وتقديراً له؛ يتمّ تعيينه مديراً عاماً للتكرير بالهيْئة فى مارس 1973م.. ونائبًا لرئيس الهيئة المصرية العامة للبترول للعمليْات وعضوًا بمجلس ادارتها في 1976م.. ويلتحقُ بأكاديميّة ناصر العسكريّة العليا؛ و بتفوّق يجتاز الدورة الثالثة بكلية الدفاع الوطني في 1975م.. ويمثل مصر في مجلس إدارة الشركة العربية البحريْة لنقل البترول؛ إحْدَى شركات منظمّة الأقطار العربية المصدرة للبترول (الأوابك)؛ وعضو بمجلس إدارة البنك الوطني للتنمية.. ويرأس مجلس إدارة بحوث البترول، ويصبح عضواً بمجلس كليّة العلوم بجامعة عين شمس.. ويتم تعيينه رئيسًا للهيئة المصرية العامة للبترول في 1980م.. ووزيرًا للبترول في عام 1984 وحتى 1991م..
رحلة طويلة عامرة.. مُسَجّلة وموثقه ومعروفة للجميع.. وحافلة بالعطاء والإنجازات.. يشهدُ عليْها معمل تكرير أسيوط ومجمع البتروكيماويات بالأسكندرية.. ومشروع تجميع الغازات المصاحبة للبترول الخام؛ بدلاً مِنْ حَرْقها بمنطقة خليج السويس؛ واستخلاص البوتاجاز لاستغلال الغاز المصاحب المنتج من منطقة بلاعيم.. وتصدير الفحم البترولي لأوّل مَرّة من السّويس.. ولكن يُحَسب ويعلن التاريخ أنّ عِمْلاق البترول الكيميائي عبد الهادى قنديل؛ هو أوّل مَنْ جَعْل الغاز هدفاً.. بعدما كان يتخلّصُ منه ويضيفه، ويتمّ على أساسه تعديل الاتفاقيّات الأجنبيّة، بما يجعلُ مصر مصدر هام لتصدير وإسالة ونقل الغاز بالشرق الأوسط..
وهاهى رؤيْته الصائبة تتجسّد.. وحلمه يتحقّقُ.. ويشاء الله أنْ يراه قبيل رحيله..
وفي عهده؛ يفتتحُ أكبر كَشْف للغاز الطبيعي بالصّحراء الغربية؛ والذي حققته شركة خالدة للبترول (كشف طارق)..
وكان ـ يرحمه الله ـ رائداً ومدرسة فى التفاوضِ؛ محلّ تقدير من الخارج؛ ولايختلف عليها أحد.. ولأوّل مرّة؛ يقوم بإضافة بند جديد للغاز الطبيعي؛ يكفلُ للمستثمر الحقّ الكامل في استرداد ما أنفقه مِنْ تكاليف، ونصيبه مِنْ الأرْباح في اتفاقيّات الغاز مثل اتفاقيّات الزيت الخام؛ والتى كانت بدايْة لتسابق الشركاء الأجانب لتحقيق اكتشافات عديدة للغاز؛ وإعْدَاد أوّل خريطة جيولوجيّة سطحيّة؛ تغطى كُلّ أنحاء مصر..
وتشغيلُ وضخّ الغاز لأوّل مرّة عبر خط أنابيب مِنْ حقول بدر الدين بالصحراء الغربية إلى مجمع غازات العامريّة؛ والتابع له أكبر مصنع للغاز الطبيعي بالصحراء الغربية..
وعبد الهادى قنديل؛ الذى لا يعرفه الجيل الجديد..
وفى وقتٍ؛ كان يَحْتكرُ الأجانب وَحْدَهم العمل بقطاع البترول، مثل شركة هاليبرتون واسلامبيرجير وأمثالهما.. وطائرات الهليكوبتر التى تنقلُ العمّال إلى حَيْث مواقع الحفر والانتاج كانت أجنبية.. وتقتصُّ عمالة المصريىن في (الميس)؛ والمطاعم؛ والكانتينات؛ وخدمات النظافة..
ويأتى إبْن البلد الشّهَم.. الوطنى الأصيل ليؤسّس شركة (بتروجت) للمقاولات البتروليّة.. ثم شركة (إنبى) للدراسات والتصميمات البتروليّة..
ومِنْ الروايْات الشّاهدة على وطنيّة الراحل العظيم (أنّه ذهب إليه ذات يومٍ صديق؛ يعرضُ عليه إنشاء شركة طيْران هليكوبتر مصريّة؛ لنقل العاملين بشركات البترول.. فشكره على هذا العرض المُحْتَرم والمُشَرّف.. لكنه أفاده بأنّ الأَوْلى به هو قطاع البترول نفسه)..
لتجد مصر أنّها أمام رَجُل وطنى مِنْ طراز فريد.. يدركُ مقتضيات القطاع مِنْ كُلّ جوانبه.. ذلك أنّه القطاع؛ الذى التحق به منذ نهاية الخمسينيّات..
والتاريخ لا ينسى بطولاته وعظيم أثر فعل رجالاته؛ خلال فترة احتلال إسْرَائيل لكُلّ سيناء؛ واستغلالها لحقول البترول؛ وتهديدها للحقول الأخرى بخليج السويس..
ويضربون معمل تكرير السويس الضخم؛ فيدمرونه عن آخره.. ويقف الربّ يجانب هذا العَبْدِ الصّالح.. ويساند ذاكَ الإنسان المُخْلِص لبلده والمتفانى حتى النخاع في خدمة بنى وطنه.. ويقوم الراحل الكبير بتعويض ذلك عن طريق تشغيل معامل صغيرة في الإسكندرية وسوهاج..
ويشرع وفريق عمل قطاع البترول الوطنى الأصيل فى العمل ليل نهار.. فيُزيد الانتاج ويصلُ به إلى مابَيْن 850 ألف ومليون برميل يوميّاً.. ويوفّقه الله عزّ وجلّ؛ في العبور بمصر مِنْ أكبر أزمة عسكريّة واقتصاديّة خلال فترة الاحتلال..
وعبد الهادى قنديل الذى لايعرفه جيّداً شباب اليوم..
وهو الرجلُ الأوّل.. وصاحب الأعْبَاء الجِسام.. ومَحَلّ ثقة تكليفات المَهْامِ الوطنيّة.. تجدهُ لا يتخلّى عَنْ تواضعه العلمى.. ولاينسى فضل كليّة العلوم التى تخرّج فيها.. ويظلّ بها عضواً بمجلس الكليّة.. ويفتخرّ ويعتزُّ ويُصِرّ على أنْ يتقدّم إسمه الكيميائى عبد الهادى قنديل..
ولم تتوقّف إنجازته على مجالات الزيت والغاز.. فيبعثُ الحَيْاة لمنجم فحم المغارة بسيناء بشراكة ماليّة وخِبْرَة بريطانيّة.. بعدما أغرقته إسرائيل بالمياه لمنعِ الفدائيين مِنْ الاختباء والاحتماء بداخله واستخدامه..
ويستغلُّ الفحم الموجود على مسافات قليلة لاحقاً فى محطات كهرباء؛ من خلال تكنولوجيا متطورّة لانتاج الطاقة غير ملّوثة للبيئة.. وهو الأمر الذى تنافس عليه بعد ذلك الشركات التركيّة والهولنديّة.. وغيرها
وشهادة للتاريخ.. يرويها لنا الكاتب الصحفى الكبير عباس الطرابيلى بعموده المنشور بجريدة (المصرى اليوم) يوم 25 مارس 2019م؛ والذى شَرُفت بالعمل تحت رئاسته بجريدة الوفد فى بداياتها.. حيث يقول:
ـ أكاد أقول أنّه هو الذى وضع كثيراً من أساسيّات شركات قطاع البترول..
وهنا لا أذيع سرّاً؛ أنّ عبد الهادى قنديل؛ كان له دوره المُهِمّ في استعادة طابا إلى حُضْن الوطن.. وزار تركيا مَرّات عديدة؛ للحصول على الوثائق؛ التى تثبت مصريّة طابا.. وهى وثائق كانت في تركيا مُنْذُ أيّام قضيّة طابا الأولى 1906م.. وقدمها للفريق المصري الذى مثلّنا فى التحكيم الدولى..
تغمد الله الإنسان والعالم والوطنى الأصيل الكيميائي عبد الهادى قنديل بواسع رحمته..
وأسكنه فسيح جناته.. وألهم أسرته ومحبيه وعائلته الكبيره بقطاع البترول الصبر والسلوان..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق