
لن يقبع أمام شاشة حاسوبه, يهنيء هذا لزواجه, و ذاكَ لِخِطبته, وغيرهما لوقوعه في الحُّب..
سيطأ بهو عالم مغاير تمامًا..
لن يعود لمسامرة الليل, و قضاء الساعات في ارتياد المقاهي, و جلسات الأصدقاء.. و التنقل بين الأندية الترفيهية, و صالات الألعاب الرياضية.. السينما, و صالات الجيم, و الساونا ..
ولِمَ لا.. و حوراؤه ستبيتُ تعد الدقائق, و الثواني تترقب عودته إليها بعد يومٍ شاق من العمل, و شوقٍ مُضنٍ.. فيرفُ إليها رفة العصفور إلى جناح منبسط يدرأ عنه صقيع الشتاء, و هجير الصيف..
لن يُنصتَ ــ بعد هاتِه الليلة المشهودة ــ إلى قهقهات العُّزاب, حين يتندرون على كل من وقع في شِراك الحب, ثم الزواج, ثم التكبل بالعيال, و متطلباتهم التي لاتنتهي..
لن يجلب معه ككل ليلة عبوات الآيس كريم, و أكياس التسالي, و السناكس..
بل سيحمل البطيخة فوق ساعده, و سيستدير كرشه مثلها, وقد يصبح أضخم و أثقل منها..
سيجلب عبوات الحليب.. و البامبرز, و السكر, و الخضروات بشتى أصنافها..
سيتجول بالأسواق, و سترتعد فرائصه عندما يخبره الباعة بالأسعار..
سيلهث, لهاثَ الهررة, عندما تطاردها الكلاب الضالة, عند صعود الدَّرج, و عند محاولاته المُضنيه للحاق بالحافلة, و القطار..
إنَّهُ القَدر.. الذي تدور دائرته؛ فتلتقط واحدًا منَّا دون سابق إنذار..
القدرُ, الذي يبدأ بنظرةٍ.. فابتسامةٍ.. فلقاء.. فقفص ذهبي.. سينغلق دونه, و فتاة الأحلام ..
و تمرُّ الأعوام.. و يرتدي نظارة طبية,, لن يرى موضع قدميه ــ بدقةٍ ــ إذا لم يحملها فوق أنفه حيثما كان ..
سيكبر الأولاد.. و تتلاحق شكواهم, و من ثمَّ تمردهم..
ينشدون حياة الترف.. بدءًا من البلايستيشن.. و حتى السيَّارة, و المَصيف الخمسة نجوم..
سوف تتذمر فتاة الأحلام, بل " أم العيال", و ستدسُّ في جيبه ــ بدون علمِه ــ ورقة يومية مُثقلة بالأشياء التي سيراها المسكين, لاداعي لها..
سوى المنْظَرة أمام أم فلان.. و أم عِلان.. و زوجة تِركان ..
سيفكر في الهرب.. ولكن إلى أين ؟!
و قلبه مرتع لأسرته, و دنياه الخاصة, التي غادر كافة عاداته السالفة بها من أجلهم ..
سيجد قدماه تقودانه إليهم.. و في طريقه, سيبتاع مايحبون..
و لن يذكر أن يبتاع شيئًا له..
سيكون سعيدًا, راضيًا على كل حال..
خاصةً عندما يسرع طفلاً بالثالثة أو الرابعة من عمره نحوه, و يقفز بين ذراعيه, صائحًا:
ــ جِدُّو جِدَوووووووو ..
سيطرب فؤاده لذلك اللقب العذب, و يقول في نفسه آنذاك؛
" كل ما كان؛ ثمن قليــــــــــــــــل لِقاء تلك النعمة الثمينة " !
و سيقتطع جزءًا كبيرًا من راتب المَعاش, من أجل شيكولا الحفيد الجميل, و سكاكره التي لايكتفي منها كل يوم !
سيعانقه الصغير, و قد يمزق جريدته, و يعبث بطقم أسنانه, و يقفز فوق كتفيه, فتنسكب قهوته, و يجلس فوق ظهره عند صلاتك ..
و رغم كل ذلك؛ سيُقبله, و يَهشُّ له ..
ماذا أقول لك يا صديقي ؟!
أعلم أنكَ ستُنهك.. و ستعدو في متاهةٍ لا أول لها و لا آخِر ..
و لكنني على يقينٍ بأنكَ ستستسلم, و ستلهج بحمد الله على كل ماوجدتَ, و ما تجد ...
ستدرك كُنهَ الحب؛ عندما يعبر شريط الذكريات أمام ناظريكَ في سرعةٍ خاطفة ..
ستدركَ أن الحب عطاء..
عطاءٌ دائم.. غير منقطع ..
لاهدنةَ فيه.. ولا متسع من الوقت لالتقاط الأنفاس..
سوف لن تتذمر.. أو تتأفف .. بل ستضحك..
وتجلس و رفيقة العمر, بشرفة المنزل, تتساءلان:
ــ تُرى؛ هل سيأتون لزيارتنا اليوم ؟!
فهذه سُنَّةُ الحياة ..
و
كلنا لها
أسماء الصياد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق