هوية الكتاب:
تجليات قصّة يوسف في الشّعر الأندلسيّ بين الثابت القرآني والانزياح الشّعري
تأليف الدكتورة وسام قبّاني- منشورات وزارة الثقافة السورية – 2012م.
اهتمّت الدّراسات النقدية والأدبية الحديثة بظاهرة ( الانزياح) باعتباره قضيّة أساسية في تشكيل جماليات النصوص الأدبية ، وبوصفه _ أيضاً_ حدثاً لغويّاً في تشكيل الكلام وصياغته ، والانزياح : هو خروج الكلام عن نسقه المثالي المألوف ، أو هو خروج عن المعيار لغرض قصد إليه المتكلم أو جاء عفو الخاطر ، لكنه يخدم النص بصورة أو بأخرى بدرجات متفاوتة ٠
تعريف الانزياح:
الانزياح لغةً: الانزياح هو مصدرٌ للفعل المطاوع "انزاح"؛ أي ذهب وتباعد.
الانزياح اصطلاحاً - في النّقد الحديث-: هو استعمال الأديب مفرداتٍ وتراكيبَ وصوراً، استعمالاً يخرج بها عمّا هو مُعتاد ومألوف بحيث يؤدّي ما ينبغي له أن يتّصف به من تفرّد وإبداع وقوّة جذب وأسر.
لذا فإنَّ ظاهرة الانزياح موجودة في تراثنا البلاغي والنقدي بمسمّيات كثيرة أهمها : العدول ، والاتساع أو التوسع، وتتمثل الوظيفة الرئيسة للانزياح فيما يحدثه من مفاجأة تثير المتلقي، وتلفت انتباهه، وتدفعه للبحث عن أسرار هذه الظاهرة وأبعادها الدّلاليّة٠
وقد ورد عند أبي حيّان التّوحيديّ في الهوامل والشّوامل " الانزياح أمرٌ ليس للنّفس عنه غنى ؛ إذ إنّ للنفس كلفة بالتّجدد مولعة به ، وقد سأل " أبو حيان " صديقه " مسكويه " عن سبب كراهية النفس للحديث المعاد ، فكان جواب مسكويه : ( الحديث للنفس كالغذاء للبدن ، فإعادته عليها بمنزلة إعادة الغذاء لجسم اكتفى منه ..) ٠
وفيما يلي سنقدم إضاءة سريعة لمحتويات كتاب : تجليات قصة يوسف _عليه السلام_ في الشعر الأندلسي بين الثابت القرآني والانزياح الشعري.
الفصل الأوّل: مستوى الرّؤيا.
تم تسليط الضّوء علي محور الرّؤيا بأبعاده المتنوّعة في سورة يوسف، وتبين أنَّ موضوع رؤيا يوسف السماوية قد حظي باهتمام شعراء الأندلس، وأنّ الشعراء الذين استلهموه في شعرهم قد أفادوا منه _ غالبًا_ لاستيحاء العِبرة والعظة، وفيما يتعلق برؤية فتيي السّجن نجد أنّ رؤية ساقي الملك قد لقيتْ بعض الأصداء في الشّعر الأندلسيّ، وذلك في إطار الغزل ، في حين أنّ رؤية الخبّاز لم يرد لها أثر في شعرهم ، أمّا رؤيا الملك فأبرز ما نلحظه فيها تركيز الشعراء علي تشبيه الدنيا بأضغاث الأحلام انطلاقاً ممّا توصف به الدّنيا من الخيانة والغدر بأهلها، فهي أشبه بالسراب ٠
ويتضح لنا أنّ الكاتبة قد توصّلت إلى أنّ شعراء الأندلس قد أفادوا من مستوى الرؤيا بمسارتها الثلاثة ؛ رؤيا يوسف ، ورؤيا فتيي السجن ، ورؤيا الملك ، فكان الشاعر الأندلسي يستوحي الرؤيا التي تنسجم مع التجربة الشعرية الخاصة به ٠
الفصل الثاني : مستوى الحِيل
لقيت حيلة إخوة يوسف صدى لا بأس به عند أهل النّصح والموعظة، فوجدوا فيها معيناً زاخراً ينضح بالعبر، أمّا الحيل المتعددة التي لجأت إليها امرأة العزيز لتبلغ مرادها فقد نالت حظًا واسعاً في الشعر الأندلسي ، ولا سيما في غرض الغزل ، وتبيّن أنّ الشعراء قد التقطوا أبرز المفردات والعبارات القرآنية الموحية ذات الدلالة التصويرية المعبّرة المكثفة مثل : هيت - معاذ الله - شهد شاهد - ما هذا بشرا - هذا ملك.
كما أشارت الكاتبة إلى إشادة الشّعراء بالهدف النّبيل الذي انطلقت منه حيلة يوسف لضمّ أخيه إلى جواره، وأنّهم وجدوا في هذه الحيلة سبيلاً لرفع معنويات الأندلسيين في الوقت الذي بدأ فيه عقد الأندلس ينفرط، وآذنت شمس العروبة بالغروب عن ربوع الحضارة الأندلسية
وقد توصّلت الكاتبة إلى أنَّ هذا المستوى ( مستوى الحيل ) تغدو به شخصيات القصّة القرآنية فاعلة في تحريك الأحداث، وانتقال بطل القصة من مكان إلى مكان؛ لتتصاعد وتيرة الوقائع وصولاً إلى الذروة.
الفصل الثالث: مستوى الرّمز.
( قميص يوسف - ذئب يوسف - يعقوب )
هذه المفردات القرآنيّة نالتْ حظاً واسعاً في فضاء الرّمز، فقد اكتسبت من سياقها القرآنيّ أبعاداً رمزيّة، ودلالات نمطيّة٠ وقد أشارت الكاتبة إلى أنّ مستوى الرّمز قد بيّن مدى إبداع الشّاعر الأندلسيّ، حين يفيد من دقة اللغة القرآنية، ليثير في مخيلة المتلقي مشهداً كاملاً يسهم في التعبير عن مراد الشاعر ، فهذه المفردات القرآنية ( القميص - الذئب - يعقوب ) مشحونة بطاقات تصويريّة وعاطفيّة خصبة، لذا كانت ثريّة في مواقعها، وتشدّ القارئ وتجذبه إلي عالمها الفريد، مما أكسب بنية النصوص الشّعرية عمقاً مؤثراً ، وبالتالي غدتْ هذه النّصوص بالغة الدّلالة والتأثير في نفس المتلقي.
وقد تفنّن الشّعراء في توظيف ( قميص الشّهادة ) في معرض تأكيد عفّة المحبوب، كما أبدعوا في نقل الدّلالة الإيجابية لـ ( قميص البشارة ) إلى غرضي الغزل والمدائح النبوية، فآثار المحبوب أشبه بقميص البشارة فيها شفاء للمتيّم من طول البعد
الفصل الرابع : مستوى الحضور والغياب
( مستوى الحضور تمثّل بـ: ( يوسف الجمال - يوسف السّلطان
ومستوى الغياب تمثّل بـ ( يوسف في الجبّ _ يوسف في السّجن )
وهذه المسارات الأربعة لها طاقات تعبيرية وجمالية خلاقة ومتجددة في الشعر الأندلسي ، فالمحبوب يوسفيّ الجمال، والممدوح يوسفيّ الصّفات، والشّاعر المقهور نظير يوسف المسكين في غيابة الجبّ، أو ظلام السّجن.
وفي كلّ موقف نجد الشّاعر يُطوِّع الصّورة القرآنيّة بما يتناسب مع موقفه الشّعري، ونلحظ أنّ الشّعراء استوحوا يوسف الجمال في ميدان الغزل، ولاسيما الغزل بالمذكر، ، في حين استلهموا يوسف السّلطان في إطار المدائح السّلطانيّة للإشادة بالعهد الميمون لأمير البلاد.
أمّا مستوى الغياب الذي تجسّد في اتجاهين : يوسف في الجب ويوسف في السجن ، فقد وجد الشّعراء ضالّتهم فيه لتصوير شخصية البطل المُلقى في الجبّ أو السّجن ظلماً وعدواناً، فكان هذا المستوى رمزاً للغربة والقهر .
الاستنتاجات:
1- هذا الكتاب يسلّط الضّوء على عدد من القضايا الأساسيّة في المناهج البحثية المنضبطة، والكتاب إجراء علميّ واضح الأفكار، ومتسلسل الأبواب بأسلوب سلس شيّق ؛ حيث أجادت الكاتبة رصد الشّعر الأندلسيّ الذي استلهم قصة يوسف _ عليه السلام _ بصفتها رصيداً ثقافياً، ومعيناً زاخراً بالدلالات الإنسانيّة والفنيّة، كما وثّقت بالشّرح والتّعليل إبداع الشّاعر الأندلسيّ حين استوحى ببراعة أحداث هذه السّورة، ورموزها الغنيّة، ولطائف تعبيرها.
2- اهتمّت الباحثة بمراعاة الوحدة العضويّة بين الفصول؛ والتّقسيم العلميّ في عرض المعلومات، حيث ابتدأ كلّ فصل بتمهيد، وانتهى بخاتمة تلخّص النّتائج.
3- رصد الكتاب خصوصيّة الشّعراء الأندلسيين في استيحائهم تفاصيل قصة يوسف عليه السلام، وبيّن أبرز المعاني الدينية التي حظيت باهتمام الشّعراء في هذه القصة. وأبرز الأغراض الشّعريّة التي تردّدت في أصدائها قصّة يوسف عليه السّلام.
4- قدّمت الكاتبة أيضاً شرحاً لمعاني القرآن الكريم بمدلولات الثابت القرآني، وشرحاً للمصطلحات النقدية الأدبيّة، كما اهتمّت بالمفاضلة والمقارنة بين الآراء النّقدية مما أعطى
طابعاً شمولياً للكتاب.
5- استخدمت الكاتبة المصادر والمراجع الموثقة توثيقاً علمياً، وأتقنت التعامل معها، وإنّ وفرة هذه المصادر والمراجع دليل سعة ثقافة الكاتبة، وجهودها الحثيثة لتقصيّ المعلومة. وتقديمها بأفضب حلّة ٠
6- يعدّ مصطلح الانزياح من المصطلحات الشائعة في الدراسة الأسلوبية المعاصرة، وهو علمٌ قائم بذاته، يقوم على نظرية متجانسة ومتماسكة، كونها تستند إلى اللسانيات الأدبية على اختلاف تياراتها؛ المتباينة طوراً، والمتشاكلة أطواراً أخرى. وقد تفاعلت الكاتبة معه بنتاج فني وأدبي حيث دمجت بين الثابت القرآني والانزياح الشّعري ٠
خاتمة :
ويمكننا القول: إنَّ النقاد القدماء قد عرفوا أهمية مصطلح – الانزياح - في وجوهه المختلفة، وما ينتجه من مُفاجأة للمتلقي ، ولكنهم لم يعرفوه كما عرفناه نحن من منظور حداثويّ، وإنما عرفوه بمصطلحات قديمة عديدة مجزأة مبعثرة بدءاً من اليونانيين القدماء، ومن بعدهم العرب، وأخيراً الغرب. وقد عمل النّقاد خلال هذه الآلاف من السنين على تطوير هذا المصطلح حتى غدا على هذا الشكل، أي أنه نتاج حضاري ثقافي شاركت فيه جميع الأمم، وليس مخصوصاً بأمّة معينة، وتتمثّل مهمّة الناقد العربيّ الأصيل بتجديد المفاهيم النقدية حسب معطيات الموروث النقدي والعربي.
رؤية نقدية
إعداد / أحمد محمد ربيع
باحث ماجستير الأدب والنقد
تجليات قصّة يوسف في الشّعر الأندلسيّ بين الثابت القرآني والانزياح الشّعري
تأليف الدكتورة وسام قبّاني- منشورات وزارة الثقافة السورية – 2012م.
اهتمّت الدّراسات النقدية والأدبية الحديثة بظاهرة ( الانزياح) باعتباره قضيّة أساسية في تشكيل جماليات النصوص الأدبية ، وبوصفه _ أيضاً_ حدثاً لغويّاً في تشكيل الكلام وصياغته ، والانزياح : هو خروج الكلام عن نسقه المثالي المألوف ، أو هو خروج عن المعيار لغرض قصد إليه المتكلم أو جاء عفو الخاطر ، لكنه يخدم النص بصورة أو بأخرى بدرجات متفاوتة ٠
تعريف الانزياح:
الانزياح لغةً: الانزياح هو مصدرٌ للفعل المطاوع "انزاح"؛ أي ذهب وتباعد.
الانزياح اصطلاحاً - في النّقد الحديث-: هو استعمال الأديب مفرداتٍ وتراكيبَ وصوراً، استعمالاً يخرج بها عمّا هو مُعتاد ومألوف بحيث يؤدّي ما ينبغي له أن يتّصف به من تفرّد وإبداع وقوّة جذب وأسر.
لذا فإنَّ ظاهرة الانزياح موجودة في تراثنا البلاغي والنقدي بمسمّيات كثيرة أهمها : العدول ، والاتساع أو التوسع، وتتمثل الوظيفة الرئيسة للانزياح فيما يحدثه من مفاجأة تثير المتلقي، وتلفت انتباهه، وتدفعه للبحث عن أسرار هذه الظاهرة وأبعادها الدّلاليّة٠
وقد ورد عند أبي حيّان التّوحيديّ في الهوامل والشّوامل " الانزياح أمرٌ ليس للنّفس عنه غنى ؛ إذ إنّ للنفس كلفة بالتّجدد مولعة به ، وقد سأل " أبو حيان " صديقه " مسكويه " عن سبب كراهية النفس للحديث المعاد ، فكان جواب مسكويه : ( الحديث للنفس كالغذاء للبدن ، فإعادته عليها بمنزلة إعادة الغذاء لجسم اكتفى منه ..) ٠
وفيما يلي سنقدم إضاءة سريعة لمحتويات كتاب : تجليات قصة يوسف _عليه السلام_ في الشعر الأندلسي بين الثابت القرآني والانزياح الشعري.
الفصل الأوّل: مستوى الرّؤيا.
تم تسليط الضّوء علي محور الرّؤيا بأبعاده المتنوّعة في سورة يوسف، وتبين أنَّ موضوع رؤيا يوسف السماوية قد حظي باهتمام شعراء الأندلس، وأنّ الشعراء الذين استلهموه في شعرهم قد أفادوا منه _ غالبًا_ لاستيحاء العِبرة والعظة، وفيما يتعلق برؤية فتيي السّجن نجد أنّ رؤية ساقي الملك قد لقيتْ بعض الأصداء في الشّعر الأندلسيّ، وذلك في إطار الغزل ، في حين أنّ رؤية الخبّاز لم يرد لها أثر في شعرهم ، أمّا رؤيا الملك فأبرز ما نلحظه فيها تركيز الشعراء علي تشبيه الدنيا بأضغاث الأحلام انطلاقاً ممّا توصف به الدّنيا من الخيانة والغدر بأهلها، فهي أشبه بالسراب ٠
ويتضح لنا أنّ الكاتبة قد توصّلت إلى أنّ شعراء الأندلس قد أفادوا من مستوى الرؤيا بمسارتها الثلاثة ؛ رؤيا يوسف ، ورؤيا فتيي السجن ، ورؤيا الملك ، فكان الشاعر الأندلسي يستوحي الرؤيا التي تنسجم مع التجربة الشعرية الخاصة به ٠
الفصل الثاني : مستوى الحِيل
لقيت حيلة إخوة يوسف صدى لا بأس به عند أهل النّصح والموعظة، فوجدوا فيها معيناً زاخراً ينضح بالعبر، أمّا الحيل المتعددة التي لجأت إليها امرأة العزيز لتبلغ مرادها فقد نالت حظًا واسعاً في الشعر الأندلسي ، ولا سيما في غرض الغزل ، وتبيّن أنّ الشعراء قد التقطوا أبرز المفردات والعبارات القرآنية الموحية ذات الدلالة التصويرية المعبّرة المكثفة مثل : هيت - معاذ الله - شهد شاهد - ما هذا بشرا - هذا ملك.
كما أشارت الكاتبة إلى إشادة الشّعراء بالهدف النّبيل الذي انطلقت منه حيلة يوسف لضمّ أخيه إلى جواره، وأنّهم وجدوا في هذه الحيلة سبيلاً لرفع معنويات الأندلسيين في الوقت الذي بدأ فيه عقد الأندلس ينفرط، وآذنت شمس العروبة بالغروب عن ربوع الحضارة الأندلسية
وقد توصّلت الكاتبة إلى أنَّ هذا المستوى ( مستوى الحيل ) تغدو به شخصيات القصّة القرآنية فاعلة في تحريك الأحداث، وانتقال بطل القصة من مكان إلى مكان؛ لتتصاعد وتيرة الوقائع وصولاً إلى الذروة.
الفصل الثالث: مستوى الرّمز.
( قميص يوسف - ذئب يوسف - يعقوب )
هذه المفردات القرآنيّة نالتْ حظاً واسعاً في فضاء الرّمز، فقد اكتسبت من سياقها القرآنيّ أبعاداً رمزيّة، ودلالات نمطيّة٠ وقد أشارت الكاتبة إلى أنّ مستوى الرّمز قد بيّن مدى إبداع الشّاعر الأندلسيّ، حين يفيد من دقة اللغة القرآنية، ليثير في مخيلة المتلقي مشهداً كاملاً يسهم في التعبير عن مراد الشاعر ، فهذه المفردات القرآنية ( القميص - الذئب - يعقوب ) مشحونة بطاقات تصويريّة وعاطفيّة خصبة، لذا كانت ثريّة في مواقعها، وتشدّ القارئ وتجذبه إلي عالمها الفريد، مما أكسب بنية النصوص الشّعرية عمقاً مؤثراً ، وبالتالي غدتْ هذه النّصوص بالغة الدّلالة والتأثير في نفس المتلقي.
وقد تفنّن الشّعراء في توظيف ( قميص الشّهادة ) في معرض تأكيد عفّة المحبوب، كما أبدعوا في نقل الدّلالة الإيجابية لـ ( قميص البشارة ) إلى غرضي الغزل والمدائح النبوية، فآثار المحبوب أشبه بقميص البشارة فيها شفاء للمتيّم من طول البعد
الفصل الرابع : مستوى الحضور والغياب
( مستوى الحضور تمثّل بـ: ( يوسف الجمال - يوسف السّلطان
ومستوى الغياب تمثّل بـ ( يوسف في الجبّ _ يوسف في السّجن )
وهذه المسارات الأربعة لها طاقات تعبيرية وجمالية خلاقة ومتجددة في الشعر الأندلسي ، فالمحبوب يوسفيّ الجمال، والممدوح يوسفيّ الصّفات، والشّاعر المقهور نظير يوسف المسكين في غيابة الجبّ، أو ظلام السّجن.
وفي كلّ موقف نجد الشّاعر يُطوِّع الصّورة القرآنيّة بما يتناسب مع موقفه الشّعري، ونلحظ أنّ الشّعراء استوحوا يوسف الجمال في ميدان الغزل، ولاسيما الغزل بالمذكر، ، في حين استلهموا يوسف السّلطان في إطار المدائح السّلطانيّة للإشادة بالعهد الميمون لأمير البلاد.
أمّا مستوى الغياب الذي تجسّد في اتجاهين : يوسف في الجب ويوسف في السجن ، فقد وجد الشّعراء ضالّتهم فيه لتصوير شخصية البطل المُلقى في الجبّ أو السّجن ظلماً وعدواناً، فكان هذا المستوى رمزاً للغربة والقهر .
الاستنتاجات:
1- هذا الكتاب يسلّط الضّوء على عدد من القضايا الأساسيّة في المناهج البحثية المنضبطة، والكتاب إجراء علميّ واضح الأفكار، ومتسلسل الأبواب بأسلوب سلس شيّق ؛ حيث أجادت الكاتبة رصد الشّعر الأندلسيّ الذي استلهم قصة يوسف _ عليه السلام _ بصفتها رصيداً ثقافياً، ومعيناً زاخراً بالدلالات الإنسانيّة والفنيّة، كما وثّقت بالشّرح والتّعليل إبداع الشّاعر الأندلسيّ حين استوحى ببراعة أحداث هذه السّورة، ورموزها الغنيّة، ولطائف تعبيرها.
2- اهتمّت الباحثة بمراعاة الوحدة العضويّة بين الفصول؛ والتّقسيم العلميّ في عرض المعلومات، حيث ابتدأ كلّ فصل بتمهيد، وانتهى بخاتمة تلخّص النّتائج.
3- رصد الكتاب خصوصيّة الشّعراء الأندلسيين في استيحائهم تفاصيل قصة يوسف عليه السلام، وبيّن أبرز المعاني الدينية التي حظيت باهتمام الشّعراء في هذه القصة. وأبرز الأغراض الشّعريّة التي تردّدت في أصدائها قصّة يوسف عليه السّلام.
4- قدّمت الكاتبة أيضاً شرحاً لمعاني القرآن الكريم بمدلولات الثابت القرآني، وشرحاً للمصطلحات النقدية الأدبيّة، كما اهتمّت بالمفاضلة والمقارنة بين الآراء النّقدية مما أعطى
طابعاً شمولياً للكتاب.
5- استخدمت الكاتبة المصادر والمراجع الموثقة توثيقاً علمياً، وأتقنت التعامل معها، وإنّ وفرة هذه المصادر والمراجع دليل سعة ثقافة الكاتبة، وجهودها الحثيثة لتقصيّ المعلومة. وتقديمها بأفضب حلّة ٠
6- يعدّ مصطلح الانزياح من المصطلحات الشائعة في الدراسة الأسلوبية المعاصرة، وهو علمٌ قائم بذاته، يقوم على نظرية متجانسة ومتماسكة، كونها تستند إلى اللسانيات الأدبية على اختلاف تياراتها؛ المتباينة طوراً، والمتشاكلة أطواراً أخرى. وقد تفاعلت الكاتبة معه بنتاج فني وأدبي حيث دمجت بين الثابت القرآني والانزياح الشّعري ٠
خاتمة :
ويمكننا القول: إنَّ النقاد القدماء قد عرفوا أهمية مصطلح – الانزياح - في وجوهه المختلفة، وما ينتجه من مُفاجأة للمتلقي ، ولكنهم لم يعرفوه كما عرفناه نحن من منظور حداثويّ، وإنما عرفوه بمصطلحات قديمة عديدة مجزأة مبعثرة بدءاً من اليونانيين القدماء، ومن بعدهم العرب، وأخيراً الغرب. وقد عمل النّقاد خلال هذه الآلاف من السنين على تطوير هذا المصطلح حتى غدا على هذا الشكل، أي أنه نتاج حضاري ثقافي شاركت فيه جميع الأمم، وليس مخصوصاً بأمّة معينة، وتتمثّل مهمّة الناقد العربيّ الأصيل بتجديد المفاهيم النقدية حسب معطيات الموروث النقدي والعربي.
رؤية نقدية
إعداد / أحمد محمد ربيع
باحث ماجستير الأدب والنقد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق