تقديم :
عندما نتحدث عن الشعر الفلسطيني، ، تقفز أسماء إلى ذاكرتنا. ومن بينهم :
سميح القاسم : وقد بلغت مؤلفاته أكثر من سبعين رواية وديواناً شعرياً وقصة ومقالة مترجمة، صدرت أعماله في سبعة مجلدات في بيروت والقدس والقاهرة وترجمت قصائده إلى عدة لغات عالمية منها : الألمانية والإنكليزية والفرنسية.. من دواوينه: مواكب الشمس، أغاني الدروب، دخان البراكين، سقوط الأقنعة، ديوان الحماسة.
ابراهيم طوقان : هو من كتب قصيدة موطني الي أصبحت النشيد غير الرسمي للشعب الفلسطيني. نشر شعره في الصحف والمجلات العربية، لتجمع في ديوان بعد وفاته عام 1941 عن عمر 36 عاماً فقط .
فدوى طوقان: من مدينة نابلس ولقبت بشاعرة فلسطين، حيث مثّل شعرها أساساً قوياً للتجارب الأنثوية في الحب والثورة واحتجاج المرأة على المجتمع. أول دواوينها كان ” وحدي مع الايام ” والذي رثت فيه أخيها إبراهيم بعدة قصائد. قدمت سيرة حياتها في جزءين: “رحلة جبلية رحلة صعبة” و”الرحلة الأصعب”.
شكيب نجيب جهشان : هو شاعر ولد في قرية المغار قضاء طبريا. أصدر عدة مجموعات شعرية منها جادك الغيث – أحبكم لو تعرفون كم – عامان من وجع وتولد فاطمة.
عبد الكريم الكرمي : من جيل الشعراء الرّواد، ويلقب بأبو سلمى. يكاد يكون شعره سجلاً للنكبة بكل أبعادها، فهو ينقل الحالة الذهنية والنفسية للشعب الفلسطيني إثر النكبة حتى مرحلة الكفاح المسلح. جمعت أعماله الكاملة في بيروت عام 1978.
توفيق زياد : هو صاحب قصيدة "أناديكم"، و"هنا باقون" شاعر وكاتب وسياسي فلسطيني من مدينة الناصرة، شغل منصب رئاسة بلدية الناصرة حتى وفاته ، كما كان عضوا في الكنيست الإسرائيلي.
كل هؤلاء الأدباء وغيرهم عبروا عن حياتهم وواقعهم المرير وظروفهم الصعبة التي نسأل الله جل وعلا أن يفرج همومهم ويكشف كروبهم وينصرهم على أعدائنا وأعدائهم ويرد كيدهم في نحورهم
كل هؤلاء ومن لاتسعنا الصفحات للإشادة بأسمائهم وتضحياتهم في سبيل وطنهم العزيز أدركوا أن علاقة الأدب بالحياة علاقة جدلية ،لأنه ابنها البار الذي يكشف عن مثل اللؤلؤ المنظوم ، وهي أمه الحنون التي يزينها بكل حلة بهية تسر الناظرين،ويلحنها بشتى النغمات فتطرب لها آذان السامعين .
وأن الأدب يؤسس دائما للجزء البهيج فيها ويبرز مفاتنها فهو كان ولا يزال أحد أعظم وسائل الخلاص من واقع مرير، لأنه ينشأ عند مفترق الناس وواقعهم ، وذواتهم .
بل قد يلعب دور رجل المرور في تنظيم العلاقة بين الناس ومجتمعاتهم ، وهو ما جعل التاريخ يفرز لنا " أدباء ومفكرين "وأخص بالذكر في هذا المقام محمود درويش ، فمن منا لا يعرف شخصية هذا الشاعر الفذ ، الذي ناضل وكافح بشعره ، وبقلمه في سبيل الدفاع ، والذود عن أهله.
وهو القائل عن شعره " إن الشعر الفلسطيني ، يكمن في التحامه بكل ذرة من تراب الأرض الفلسطينية وصخورها وجبالها و أطلالها وإنسانها الذي قاوم ، ولا زال يقاوم الظلم والاضطهاد ، ومحاولة طمس الكيان والكرامة القومية و الإنسانية .[1]
حياته الشخصية :
محمود درويش شاعر فلسطيني ولد في 13 مارس 1941 م ، في قرية تدعى " البروة " تقع على مسيرة تسعة كيلومترات شرقي"عكا" ولقد تأثرت هذه القرية بالمأساة الفلسطينية تأثرا مباشرا ، إذ هدمها اليهود كما فعلوا بكثير من القرى العربية الأخرى وغيروا اسمها إلى "أحيهود".
أما أهلها فقد لجأ بعضهم إلى القــرى المجاورة التي سلمت من الهدم وبعضهم الآخر فر إلى سوريا ولبنان .[2]
وقد نشأ محمود درويش في أسرة تتكون من ثمانية أبناء ، خمسة أولاد ، وثلاث بنات وهو الابن الثاني واسمه الكامل "محمود سليم حسين درويش"، أبوه فلاح بسيط كان يملك بعض الأراضي في قرية البروة . أما أمه فهي من قرية "الدامون" وقد كان لمحمود درويش أخ أكبر منه سنا يدعى "أحمد"، كان أخوه مهتما وميالا للأدب فقد بدأ حياته الأدبية وانشغل بعدها بالتدريس في قرية " الجديدة " وعنه اخذ درويش الأدب .[3]
وصف محمود درويش مأساة تشرده فيما عدا الشعر بجملة أحاديث توزعتها الصحف والمجلات منها حديث نشرته مجلة " الآداب " في عددها الصادر في شهر نيسان عام 1970 وتتضمن مقتطفا من الحياة المأساوية للشاعر فلما كان في السنة السادسة من عمره ، أخرج من قريته وسائر سكان القرية عام 1948 م حيث راح يعدو في الغابات تحت دوي الرصاص ويتنقل من مكان إلى مكان مع أحد أقربائه الضائعين في كل الجهات حتى وصل إلى لبنان ، وفيها أقـام سنة وبعض السنة عاد بعدها مع عمـه خلسة إلـى فلسطين فوصل إلى قرية " دير الأسد " [4].
وظل متكتما حتى لا تعتبره السلطات الإسرائيلية متسللا وترجعه إلى لبنان . حيث لجأ أول مرة وتفاديا لذلك علم أن يقول : "ٌ إنه كان لاجئا لدى إحدى القبائل البدوية في الشمال حيث جرى تعداد أهل " دير الأسد".[5]
أقام الصبي في هذه القرية الفلسطينية وتعلم في مدرستها ، ثم إلى ثانوية " كفر ياسيف" فأتم دروسه الثانوية وانصرف إلى العمل والى ممارسة الشعر، وقد درس اللغات العربية والانجليزية ، والعبرية ،كما دفعته رغبته في المطالعة إلى تكوين ثقافة أدبية عميقة التزم في شعره قضية وطنية بأبعادها السياسية والاجتماعية والفكرية والقومية والإنسانية
واتهم بالقيام بنشاط معاد لدولة إسرائيل، فطورد وأعتقل 5 مرات{1961،1965،1967،1967،1969} وكان يمكث في كل مرة بين عشرين وتسعين يوما، والتهم الموجة إليه طبعا في بذله نشاطا معاديا لدولة إسرائيل،عمل في صحف عربية وفي جريدة "الإتحاد" ومجلة "الجديد " العبريتين التابعين للحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي انتمى إليه فترة من الزمن،وكان شعار السلطة الإسرائيلية تجاه محمود درويش:" أكتب ما تشاء وادفع الثمن الذي تشاء ، والثمن هو فقدان العمل والاضطهاد والحجز في البيت والسجن "[6] ، وفي عام 1970 استطاع محمود درويش الحصول على منحة دراسية في موسكو فسافر إليها ، وبعد إتمام دراسته لم يعد إلى فلسطين ، وإنما صار ينتقل إلى العواصم العربية وينظم قصائده في موقع جديد أرحب صدرا وقد عمل محمود درويش في مؤسسات التحرير الفلسطينية .
كما عمل في مؤسسات النشر والتوزيع والدراسات التابعة لمنظمة التحرير . احتجاجا على اتفاقية " أوسلو" ، أسس مجلة "الكرمل" الثقافية ، وقد كانت إقامته في باريس قبل عودته إلى وطنه ، حيث دخل فلسطين بتسريح لزيارة أمه .
وفي فترة وجوده هناك ، قدم أعضاء "الكنيست " الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء . وقد سمح له بذلك ، بعدها شغل منصب رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين لقد ساهم الشاعر اللبناني"روبير غانم " في نشر قصائد لمحمود درويش على صفحات الملحق الثقافي لجريدة "الأنوار "والتي كان يترأس تحريرها نشر ديوانه الأول "عصافير بلا أجنحة في عمر التاسع عشر عاما فعد شاعر المقاومة .[7] تحصل على العديد من الجوائز منها :
- جائزة لوتس عام 1969 م
-ـ البحر المتوسط عام 1980 م
- درع الثورة الفلسطينية سنة 1981 م
-ـ لوحة أروبيا للشاعر سنة 1981 م
- ابن سينا في الاتحاد السوفياتي 1983 م
- لنين الاتحاد السوفياتي 1983 م
- الصنف الأول من وسام الاستحقاق الثقافي سنة 1993 م
-ـ جائزة الأمير كلاوس الهولندية عام 2004 م
- جائزة الوسام الثقافي السابع من نوفمبر 2007 م
- جائزة القاهرة للشعر العربي سنة 2007 م بتونس
كما أعلنت وزارة الاتصالات الفلسطينية في 27 من يوليو عن إصدارها طابع بريدي يحمل صورة محمود درويش ، كيف لا وهو من قام بكتابة وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني التي تم إعلانها في الجزائر .
توفي محمود درويش في الولايات المتحدة الأمريكية في السبت التاسع من أوت عام 2008 ،بعد إجراءه لعملية القلب المفتوح في المركز الطبي في هيوستن ، حيث دخل في غيبوبة أدت إلى وفاته ، وأعلن رئيس السلطة " محمود عباس " الحداد لثلاثة أيام في كافة الأراضي الفلسطينية حزنا على وفاة الشاعر عاشق فلسطين ورائد المشروع الثقافي الحديث والقائد الوطني اللامع .
وقد وري جثمانه في 13 أوت سنة 2008 في مدينة "رام الله " حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر " رام الله" بعد وصوله إلى العاصمة الأردنية " عمان " وكان هناك العديد من الشخصيات الثقافية والسياسية لتوديعه .
لقد توفي الشاعر الكبير والمناضل الوفي لوطنه وشعبه تاركا العديد من القصائد والدواوين الشعرية والمؤلفات التي خلدت اسمه بأحرف من ذهب على مر الأيام والسنين .[8]
سيرته الأدبية
تبدأ حكاية الشاعر الفلسطيني محمود درويش مع الشعر منذ الصغر أي منذ أن كان تلميذا فقد كان كثير الإطلاع على الأدب العربي ، حاول تقليد كثير من الشعراء الجاهلية ، كما كان يحسن الرسم ، غير أنه توقف عنه لأن أباه كان لايستطيع ، أن يوفر له إلا الأدوات المدرسية وبشق الأنفس تلقى محمود درويش كل التشجيع والمساعدة من المعلمين والمدير ومن بينهم المعلم الشيوعي " نمر قرقس " وقد كان يكتب الشعر ، لكن ذلك الشعر الذي يكتبه ، خلق له المتاعب حتى وهو صغير فكان يذكر لنا حادثة جرت له عندما كان في الصف الثامن ، إبان الاحتفال بدولة إسرائيل ، فنظموا مهرجانا بالقرى العربية باشتراك تلاميذ كل المدارس وكان من بين المشاركين " محمود درويش " ، حيث ألقى قصيدة كانت صرخة من طفل عربي إلى طفل يهودي ، يذكر فيها الفكرة التالية : " يا صديقي بوسعك أن تلعب تحت الشمس كما تشـاء ، ولكني لا أستطيع أن أملك ما تملكه ، لك بيت وليس لي بيت ، فأنا لاجئ ، لك أعياد وأفراح ، وأنا بلا عــيد أو فرح . لماذا لا نلعب معا " . [9]
أما الوطن بالنسبة لمحمود درويش فيقول عنه : " الوطن عندي ليس حقيبة ولكنه ليــس جبلا وسهلا ... إن وطني قضية يجب أن ندافع عنها من أي موقع ، لقي شعبي من العذاب والقهر الجسدي والمعنوي ما لا يوصف إنني أدير أسطوانة ، لكن ملحمة اقتلاع شعب بكامله ، وقذفه إلى التيه ، ليس مسألة فلسطينية إنما خنجرا في كل ضمير إنساني . لقد كنت أتمزق كل يوم ، وأنا أرى منازل أهلي يسكنها الغرباء ، وأسمع أغاني انتصار الفاتحين الذين يلاحقون الضحية حتى منفاها ليقضوا على أثارها ، لقد رأيت كيف يحرث الناس في أجساد الآخرين ولقد رأيت كيف يزيف التاريخ وكيف تجري عملية التنفس في رئات الآخرين " .[10]
لقد صنف محمود درويش في قائمة كبار الأدباء ولكن ذلك لم يتأتى له من فراغ بل إنه كابد وناضل حتى جادت قريحته بشعر كله تعبير عن نضج عميق وإحساس مرهف لذلك يمكن تلخيص مسيرته الشعرية بعدة مراحل هي كالآتي :
المرحلة الأولى :
هي مرحلة الطفولة الفتية وسذاجة المعاني ويمثلها ديوانه الأول " عصافير بلا أجنحة " الصادرة سنة 1960 م ، كان عمر محمود درويش آنذاك تسعة عشر عاما ، يقول عن هذه المرحلة ، " إنه ديوان لا يستحق الوقوف أمامه ، كنت في سنة الدراسة الأخيرة وكان الديوان تعبيرا عن محاولات غير متبلورة فالتعبير فـيه مباشر ، والأفكار فيه محدودة ، والصورة الشعرية قائمة على البلاغة التقليدية .كما أن موسيقى هذا الديوان صاخبة ، فالوطن عنده يماثل أي وطن محتل في أي مكان من العالم ، حيث يسوده القمع وخنق الحريات العامة والظلم[11].
هذا المقطع الشعري الذي نسجله هنا خير ما يمثل هذه المرحلة الشعرية الفنية ،يقول الشاعر على لسان ذلك الطفل اللاجئ المشرد الذي لا يعرف بلاده :
حدثوني علني أذكر شيء
من بلادي عابقا على شفتي
أنا لا أذكر أيام الهنا
فأعيدوها صدى في أذنيا
وأعيدوها نداء صارخا
في شفاهي وأعيدوها دويا
إن لكل كلمة في شعر محمود درويش حتى ولو كان في طفولته دلالاتها الخاصة لذلك لا يمكن لأي كان فهمها إلا إذا كان على معرفة تامة بأدق حقائق المأساة والقضية الفلسطينية .
المرحلة الثانية :
وقد برزت هذه المرحلة في مسيرته الشعرية بشكل واضح في ديوانه الثاني " أوراق الزيتون " الصادر سنة 1964 م . ففي هذا الديوان تظهر درجة عالية من النضج الفني و الروح الغنائية العذبة يقول :
لملمت جرحك يا أبي
برموش أشعاري
فبكت عيون الناس
من حزني ومن ناري
وغمست خبزي في التراب
وما التمست شهامة الجار
ووزعت أزهاري
في تربة صماء عارية
بلا غيم وأمطار
فترقرقت لما نذرت لها
جرحا بكى برموش أشعاري
في هذه المرحلة يتأثر محمود درويش بشعراء التيار الرومانسي ، أمثال علي محمود طه ، إبراهيم ناجي ، الأمر الذي جعل شعره أكثر رقة وأقل خطابة ، وأغنى بالأحلام المجنحة التي قادته إلى حالة الثوري الحالم بواقع ينتفي فيه الاضطهاد[12].
المرحلة الثالثة :
وتأتي هذه المرحلة في دواوينه الثلاث وهي :
عاشق فلسطين عام 1966 م .
آخر الليل 1968 م .
العصافير تموت في الجليل 1969 م [13].
لقد وصل محمود درويش في هذه المرحلة إلى القدرة على الإيحاء ، وهذه القدرة الفنية حلت محل الخطابية والتعابير المباشرة الواضحة المغزى ، فهو يلتجأ إلى الرمز والأسطورة[14].
والصور الذهنية المركبة بإيحاءاتها المختلفة ، التي يستمدها من التراث الإنساني ، وتجنب الغموض والتعقيد في شعره لئلا يخرج عن موضوعه الأساس وهو بالطبع وطنه المحتل وجرح فلسطين ، في هذه المرحلة تأثر محمود درويش تأثرا جليا بكوكبة من أعلام الشعراء العرب أمثال : بدر شاكر السياب ، وعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور ، وأدونيس ، وخليل الحاوي ، ولا يعني هذا التأثر أنه كان مقلدا لهؤلاء ، بل كان ينهل من نفس الثقافات التي كانت سائدة آنذاك ويقاسمهم همومهم العربية والإنسانية من أجل الخلاص الجماعي ومن أجل حياة إنسانية نبيلة المعاني والمرامي يقول :
وباسمك صحت في الوديان
خيول الروم أعرفها
وأيتبدل الميدان
خذوا حذرا
من البرق الذي صكته أغنيتي على الصوان
أنا زين الشباب وفارس الفرسان
أنا ومحطم الأوثان
حدود الشام أزرعها
قصائد تطلقها العقبان
هذه المراحل الثلاث التي قادته إلى مرحلة الملحمة حيث تسربل شعره بصراخ متألم سيتخافت لاحقا إلى أن يصل إلى صمت البحر الزاخر بكل أنواع الكلام لكنه لا يصرخ[15].
مصادر ثقافته
أقر محمود درويش في لقاء صحفي أن المظاهر المدمرة للاحتلال الإسرائيلي قد امتدت إلى الحصار الثقافي حتى يغادر من بقي في أرضه مثل عملية التهجير الجماعي والمذابح " كدير ياسين " و " كفر قاسم " بالرغم من ذلك فقد أصرت مجموعة على البقاء بالرغم من معاناتها ، فاقتلاع الأرض الفلسطينية هدف واضح لتهويد العقلية العربية فكنا ملتزمين بالإصرار على البقاء والتركيز على الهوية ، وكانت ثقافتنا العربية غير منتظمة ونطلع على ما يصلنا من كتب مترجمة إلى اللغة العربية ، وكان محمود درويش أول شاعر يحفز فينا هذا الميل للثورة ويدعو إلى الحرية[16] .
لقد كان محمود درويش على علاقة وطيدة بالعديد من الشعراء من أمثال " نزار قباني" و " سعيد عقل " و"أنسي الحاج"حيث كانت تربطهم صداقة خاصة وحوارات مستمرة ومفيدة حيث أقر محمود درويش بأن :
" خير تعايش هو تعايش التيارات الإبداعية في مناخ ديمقراطي ، فحمل من هؤلاء وغيرهم إبداع لامسه حب بيروت لتدريبنا وهؤلاء الكبار وكل واحد يحافظ على نمطه الخاص ويستطيع التعايش مع الآخرين دون هيمنة مفهوم التيار المناقض لحركة الإبداع الحقيقي[17].
أهم الأعمال الأدبية التي خلفها محمود درويش :
لقد توفي محمود درويش إلا أنه ترك بصماته التي ما تزال الأجيال تتناقلها ، والنقاد يدرسونها ، والشعراء يستلهمون منها فقد ترك من وراءه العديد من الدواوين والمؤلفات منها :
أ / الأعمال النثرية :
شيء عن الوطن ، الكتابة على ضوء البندقية سنة 1971 م ، يوميات الحزن العادي 1976 م ، وداعا أيتها الحرب وداعا أيها السلام .
ذاكرة النسيان 1987 م .صور عن حالتنا سنة 1987 م .
عمل مشترك مع سميح القاسم الرسائل سنة 1989 م .
ب/ المجموعات الشعرية :
- عصافير بلا أجنحة سنة 1960 م .
- أوراق الزيتون 1964
- عاشق من فلسطين 1966 م .
- آخر الليل 1967 م
- آخر الليل نهار سنة 1967 م.
- حبيبتي تنهض من نومها سنة 1969 م.
-العصافير تموت في الجليل سنة 1970 م .
-أحبك أولا أحبك سنة 1972 م.
- محاولة رقم 7 سنة 1974 م .
- أعراس سنة 1977 م .
- مديح الظل العالي سنة 1983 . [18]
- حصار لمدائح البحر سنة 1983 .
ورد أقل سنة 1986 م .
- هي أغنية هي أغنية سنة 1986 م
- مأساة النرجس وملهاة القصة سنة 1989 م
- أرى ما أريد سنة1990 م .
- أحد عشر كوكبا 1992 م .
- لماذا ترك الحصان وحيدا سنة 1995 م .
- سرير الغريبة سنة 1989 م .
- جدارية محمود درويش سنة 2000 م
- كزهر اللوز أو أبعد [19].
في الأخير يمكن القول إن يأتي محمود درويش في رأس أدب النضال الفلسطيني الملتزم ، من حيث الغزارة في الإنتاج والعمق في العرض ويتصف بفهم فكري في عقيدة سارية . وبحب أبدي للأرض ، فالحب والوطن كانا يتوازيان في أدبه ، كما أنه يميل إلى بساطة الحقيقة وبساطة الإحساس الصادق بها . فقد التزم بقضايا وطنه ، وأخلص لقضيته المصيرية ، فكان صوتا من أصوات الدفاع عن فلسطين ، ولكنه اتخذ الرمز وسيلة لتنمية أغراضه وطريقا يسمح لشعره بالانتشار [20] .
درويش يرى نفسه جزءا من أرض وطنه، توحد بترابطها فكان التراب امتدادا لروحه ، إنه ينسج من ملحمة الموت انطلاقة للبعث والحياة ، بالرغم من الانسحاق العربي ، فيتوحد مع وطنه في المصير ويبعث الأمل والتفاؤل في النفوس ويِكد قضية الانتماء من خلال العلاقة بين فلسطين وأصحابها الأصلين ، ويبرز عشقه للأرض مثل صوفي متوحد بحب الله[21].
لقد اختار محمود درويش لشعره شكلا فنيا جديدا بناه على إيقاعات متنوعة من الخطاب والسرد والرمز والحلم و الشعر الحر . فوظيفة الفن تكمن في بحث الوجدان وإبراز القيم التي يحملها الإنسان ودمجها بأمانيه ، وتوحدها به ، حيث يغدو الواقع جزء من تطلعات الإنسان .
محمود درويش تميز ببراعة التناول وروعة التجديد الشعري ، حتى تغدو القصيدة عنده في شكلها الفني أداة مهمة من أدوات الجمال الفني المبدع عن المضامين بما فيها من حيوية وتركيز للصور وتكثيف الإيحاءات الشعرية[22].
ولا يسعنا إلا أن نقف وقفة ترحم على الشاعر الذي كان ممثلا للالتزام بشعره ونبضه ، ففي كل خطوة من خطواته التزم بقضية وطنه وفي كل نفس من أنفاسه كان التحاما بوطنه ، وفي سمة من سماتها كانت حلما في تحرر فلسطين الحبيبة .
قائمة المراجع :
- محمود درويش : شيء عن الوطن ، بيروت ، دار العودة ، ص1 ، 1971 ص 22 .[1]
- هاني الخير : محمود درويش . رحلة غي دروب الشعر ، دار فلتيس للنشر ط1 د. ت .ص07[2]
- رجاء النقاش : محمود درويش شاعر الأرض المحتلة. دار الهلال بالقاهرة . ط2 – 1971 م ص97 . [3]
- المرجع نفسه،ص96 .[4]
- نفسه ،الصفحة نفسها .[5]
- رجاء النقاش:محمود درويش شاعر الارض المحتلة، ص116 .[6]
- المرجع نفسه ،ص 253.[7]
- هاني الخير : محمود درويش ، رحلة عمر في دروب الشعر ص30 .[8]
- فتيحة محمود : محمود درويش ومفهوم في شعره ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، د ط ، 2001 ص 106.[9]
- المرجع نفسه ، الصفحة نفسها .[10]
- هاني الخير : محمود درويش رحلة عمر في دروب الشعر ص22 .[11]
- هاني الخير : محمود درويش رحلة عمر في دروب الشعر ص22 .[12]
- المرجع نفسه ص 23[13]
- خالد عبد الرؤوف :غواية سيدوري ،قراءات في شعر "محمود درويش"، ط 1 1430 هجري- 2009 ميلادي- ص 21.[14]
- هاني الخير: محمود درويش شاعر الأرض المحتلة ص 26.[15]
- هاني الخير : محمود درويش رحلة عمر في دروب الشعر ص35[16]
- المرجع نفسه ص 36[17]
- معاذ السرطاوي : مختارات من الشعر الحديث {دراسة وتحليل } ،دار المستقبل للنشر والتوزيع ، عمان ، ط1 ، 1432 – 2011 ص 112 .[18]
- خالد عبد الرؤوف جبر : " غواية سيدوري ، قراءات في شعر محمود درويش ص261 .[19]
- محمود بوزواوي : موسوعة الشعراء العرب، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع، د،ط ، دت ،ص 165 . [20]
- المرجع نفسه، ص166[21]
- المرجع نفسه، نفس الصفحة .
قائمة المصادر والمراجع :
- محمود درويش : شيء عن الوطن ، بيروت ، دار العودة ، ص1 ، 1971.
- هاني الخير : محمود درويش . رحلة غي دروب الشعر ، دار فلتيس للنشر ط1 د.ت .
- رجاء النقاش : محمود درويش شاعر الأرض المحتلة. دار الهلال بالقاهرة . ط2 – 1971 م .
- فتيحة محمود : محمود درويش ومفهوم في شعره ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، د ط ، 2001 .
- خالد عبد الرؤوف : غواية سيدوري ،قراءات في شعر "محمود درويش"،ط 1 1430 ه-2009 م
- معاذ السرطاوي : مختارات من الشعر الحديث {دراسة وتحليل } ،دار المستقبل للنشر والتوزيع ، عمان ، ط1 ، 1432 – .2011
- محمود بوزواوي : موسوعة الشعراء العرب، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع، د،ط ، دت .
عندما نتحدث عن الشعر الفلسطيني، ، تقفز أسماء إلى ذاكرتنا. ومن بينهم :
سميح القاسم : وقد بلغت مؤلفاته أكثر من سبعين رواية وديواناً شعرياً وقصة ومقالة مترجمة، صدرت أعماله في سبعة مجلدات في بيروت والقدس والقاهرة وترجمت قصائده إلى عدة لغات عالمية منها : الألمانية والإنكليزية والفرنسية.. من دواوينه: مواكب الشمس، أغاني الدروب، دخان البراكين، سقوط الأقنعة، ديوان الحماسة.
ابراهيم طوقان : هو من كتب قصيدة موطني الي أصبحت النشيد غير الرسمي للشعب الفلسطيني. نشر شعره في الصحف والمجلات العربية، لتجمع في ديوان بعد وفاته عام 1941 عن عمر 36 عاماً فقط .
فدوى طوقان: من مدينة نابلس ولقبت بشاعرة فلسطين، حيث مثّل شعرها أساساً قوياً للتجارب الأنثوية في الحب والثورة واحتجاج المرأة على المجتمع. أول دواوينها كان ” وحدي مع الايام ” والذي رثت فيه أخيها إبراهيم بعدة قصائد. قدمت سيرة حياتها في جزءين: “رحلة جبلية رحلة صعبة” و”الرحلة الأصعب”.
الشاعرة فدوى طوقان |
عبد الكريم الكرمي : من جيل الشعراء الرّواد، ويلقب بأبو سلمى. يكاد يكون شعره سجلاً للنكبة بكل أبعادها، فهو ينقل الحالة الذهنية والنفسية للشعب الفلسطيني إثر النكبة حتى مرحلة الكفاح المسلح. جمعت أعماله الكاملة في بيروت عام 1978.
الشاعر سميح القاسم |
كل هؤلاء الأدباء وغيرهم عبروا عن حياتهم وواقعهم المرير وظروفهم الصعبة التي نسأل الله جل وعلا أن يفرج همومهم ويكشف كروبهم وينصرهم على أعدائنا وأعدائهم ويرد كيدهم في نحورهم
كل هؤلاء ومن لاتسعنا الصفحات للإشادة بأسمائهم وتضحياتهم في سبيل وطنهم العزيز أدركوا أن علاقة الأدب بالحياة علاقة جدلية ،لأنه ابنها البار الذي يكشف عن مثل اللؤلؤ المنظوم ، وهي أمه الحنون التي يزينها بكل حلة بهية تسر الناظرين،ويلحنها بشتى النغمات فتطرب لها آذان السامعين .
وأن الأدب يؤسس دائما للجزء البهيج فيها ويبرز مفاتنها فهو كان ولا يزال أحد أعظم وسائل الخلاص من واقع مرير، لأنه ينشأ عند مفترق الناس وواقعهم ، وذواتهم .
بل قد يلعب دور رجل المرور في تنظيم العلاقة بين الناس ومجتمعاتهم ، وهو ما جعل التاريخ يفرز لنا " أدباء ومفكرين "وأخص بالذكر في هذا المقام محمود درويش ، فمن منا لا يعرف شخصية هذا الشاعر الفذ ، الذي ناضل وكافح بشعره ، وبقلمه في سبيل الدفاع ، والذود عن أهله.
وهو القائل عن شعره " إن الشعر الفلسطيني ، يكمن في التحامه بكل ذرة من تراب الأرض الفلسطينية وصخورها وجبالها و أطلالها وإنسانها الذي قاوم ، ولا زال يقاوم الظلم والاضطهاد ، ومحاولة طمس الكيان والكرامة القومية و الإنسانية .[1]
حياته الشخصية :
محمود درويش شاعر فلسطيني ولد في 13 مارس 1941 م ، في قرية تدعى " البروة " تقع على مسيرة تسعة كيلومترات شرقي"عكا" ولقد تأثرت هذه القرية بالمأساة الفلسطينية تأثرا مباشرا ، إذ هدمها اليهود كما فعلوا بكثير من القرى العربية الأخرى وغيروا اسمها إلى "أحيهود".
أما أهلها فقد لجأ بعضهم إلى القــرى المجاورة التي سلمت من الهدم وبعضهم الآخر فر إلى سوريا ولبنان .[2]
وقد نشأ محمود درويش في أسرة تتكون من ثمانية أبناء ، خمسة أولاد ، وثلاث بنات وهو الابن الثاني واسمه الكامل "محمود سليم حسين درويش"، أبوه فلاح بسيط كان يملك بعض الأراضي في قرية البروة . أما أمه فهي من قرية "الدامون" وقد كان لمحمود درويش أخ أكبر منه سنا يدعى "أحمد"، كان أخوه مهتما وميالا للأدب فقد بدأ حياته الأدبية وانشغل بعدها بالتدريس في قرية " الجديدة " وعنه اخذ درويش الأدب .[3]
وصف محمود درويش مأساة تشرده فيما عدا الشعر بجملة أحاديث توزعتها الصحف والمجلات منها حديث نشرته مجلة " الآداب " في عددها الصادر في شهر نيسان عام 1970 وتتضمن مقتطفا من الحياة المأساوية للشاعر فلما كان في السنة السادسة من عمره ، أخرج من قريته وسائر سكان القرية عام 1948 م حيث راح يعدو في الغابات تحت دوي الرصاص ويتنقل من مكان إلى مكان مع أحد أقربائه الضائعين في كل الجهات حتى وصل إلى لبنان ، وفيها أقـام سنة وبعض السنة عاد بعدها مع عمـه خلسة إلـى فلسطين فوصل إلى قرية " دير الأسد " [4].
وظل متكتما حتى لا تعتبره السلطات الإسرائيلية متسللا وترجعه إلى لبنان . حيث لجأ أول مرة وتفاديا لذلك علم أن يقول : "ٌ إنه كان لاجئا لدى إحدى القبائل البدوية في الشمال حيث جرى تعداد أهل " دير الأسد".[5]
أقام الصبي في هذه القرية الفلسطينية وتعلم في مدرستها ، ثم إلى ثانوية " كفر ياسيف" فأتم دروسه الثانوية وانصرف إلى العمل والى ممارسة الشعر، وقد درس اللغات العربية والانجليزية ، والعبرية ،كما دفعته رغبته في المطالعة إلى تكوين ثقافة أدبية عميقة التزم في شعره قضية وطنية بأبعادها السياسية والاجتماعية والفكرية والقومية والإنسانية
واتهم بالقيام بنشاط معاد لدولة إسرائيل، فطورد وأعتقل 5 مرات{1961،1965،1967،1967،1969} وكان يمكث في كل مرة بين عشرين وتسعين يوما، والتهم الموجة إليه طبعا في بذله نشاطا معاديا لدولة إسرائيل،عمل في صحف عربية وفي جريدة "الإتحاد" ومجلة "الجديد " العبريتين التابعين للحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي انتمى إليه فترة من الزمن،وكان شعار السلطة الإسرائيلية تجاه محمود درويش:" أكتب ما تشاء وادفع الثمن الذي تشاء ، والثمن هو فقدان العمل والاضطهاد والحجز في البيت والسجن "[6] ، وفي عام 1970 استطاع محمود درويش الحصول على منحة دراسية في موسكو فسافر إليها ، وبعد إتمام دراسته لم يعد إلى فلسطين ، وإنما صار ينتقل إلى العواصم العربية وينظم قصائده في موقع جديد أرحب صدرا وقد عمل محمود درويش في مؤسسات التحرير الفلسطينية .
كما عمل في مؤسسات النشر والتوزيع والدراسات التابعة لمنظمة التحرير . احتجاجا على اتفاقية " أوسلو" ، أسس مجلة "الكرمل" الثقافية ، وقد كانت إقامته في باريس قبل عودته إلى وطنه ، حيث دخل فلسطين بتسريح لزيارة أمه .
وفي فترة وجوده هناك ، قدم أعضاء "الكنيست " الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء . وقد سمح له بذلك ، بعدها شغل منصب رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين لقد ساهم الشاعر اللبناني"روبير غانم " في نشر قصائد لمحمود درويش على صفحات الملحق الثقافي لجريدة "الأنوار "والتي كان يترأس تحريرها نشر ديوانه الأول "عصافير بلا أجنحة في عمر التاسع عشر عاما فعد شاعر المقاومة .[7] تحصل على العديد من الجوائز منها :
- جائزة لوتس عام 1969 م
-ـ البحر المتوسط عام 1980 م
- درع الثورة الفلسطينية سنة 1981 م
-ـ لوحة أروبيا للشاعر سنة 1981 م
- ابن سينا في الاتحاد السوفياتي 1983 م
- لنين الاتحاد السوفياتي 1983 م
- الصنف الأول من وسام الاستحقاق الثقافي سنة 1993 م
-ـ جائزة الأمير كلاوس الهولندية عام 2004 م
- جائزة الوسام الثقافي السابع من نوفمبر 2007 م
- جائزة القاهرة للشعر العربي سنة 2007 م بتونس
كما أعلنت وزارة الاتصالات الفلسطينية في 27 من يوليو عن إصدارها طابع بريدي يحمل صورة محمود درويش ، كيف لا وهو من قام بكتابة وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني التي تم إعلانها في الجزائر .
توفي محمود درويش في الولايات المتحدة الأمريكية في السبت التاسع من أوت عام 2008 ،بعد إجراءه لعملية القلب المفتوح في المركز الطبي في هيوستن ، حيث دخل في غيبوبة أدت إلى وفاته ، وأعلن رئيس السلطة " محمود عباس " الحداد لثلاثة أيام في كافة الأراضي الفلسطينية حزنا على وفاة الشاعر عاشق فلسطين ورائد المشروع الثقافي الحديث والقائد الوطني اللامع .
وقد وري جثمانه في 13 أوت سنة 2008 في مدينة "رام الله " حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر " رام الله" بعد وصوله إلى العاصمة الأردنية " عمان " وكان هناك العديد من الشخصيات الثقافية والسياسية لتوديعه .
لقد توفي الشاعر الكبير والمناضل الوفي لوطنه وشعبه تاركا العديد من القصائد والدواوين الشعرية والمؤلفات التي خلدت اسمه بأحرف من ذهب على مر الأيام والسنين .[8]
سيرته الأدبية
تبدأ حكاية الشاعر الفلسطيني محمود درويش مع الشعر منذ الصغر أي منذ أن كان تلميذا فقد كان كثير الإطلاع على الأدب العربي ، حاول تقليد كثير من الشعراء الجاهلية ، كما كان يحسن الرسم ، غير أنه توقف عنه لأن أباه كان لايستطيع ، أن يوفر له إلا الأدوات المدرسية وبشق الأنفس تلقى محمود درويش كل التشجيع والمساعدة من المعلمين والمدير ومن بينهم المعلم الشيوعي " نمر قرقس " وقد كان يكتب الشعر ، لكن ذلك الشعر الذي يكتبه ، خلق له المتاعب حتى وهو صغير فكان يذكر لنا حادثة جرت له عندما كان في الصف الثامن ، إبان الاحتفال بدولة إسرائيل ، فنظموا مهرجانا بالقرى العربية باشتراك تلاميذ كل المدارس وكان من بين المشاركين " محمود درويش " ، حيث ألقى قصيدة كانت صرخة من طفل عربي إلى طفل يهودي ، يذكر فيها الفكرة التالية : " يا صديقي بوسعك أن تلعب تحت الشمس كما تشـاء ، ولكني لا أستطيع أن أملك ما تملكه ، لك بيت وليس لي بيت ، فأنا لاجئ ، لك أعياد وأفراح ، وأنا بلا عــيد أو فرح . لماذا لا نلعب معا " . [9]
أما الوطن بالنسبة لمحمود درويش فيقول عنه : " الوطن عندي ليس حقيبة ولكنه ليــس جبلا وسهلا ... إن وطني قضية يجب أن ندافع عنها من أي موقع ، لقي شعبي من العذاب والقهر الجسدي والمعنوي ما لا يوصف إنني أدير أسطوانة ، لكن ملحمة اقتلاع شعب بكامله ، وقذفه إلى التيه ، ليس مسألة فلسطينية إنما خنجرا في كل ضمير إنساني . لقد كنت أتمزق كل يوم ، وأنا أرى منازل أهلي يسكنها الغرباء ، وأسمع أغاني انتصار الفاتحين الذين يلاحقون الضحية حتى منفاها ليقضوا على أثارها ، لقد رأيت كيف يحرث الناس في أجساد الآخرين ولقد رأيت كيف يزيف التاريخ وكيف تجري عملية التنفس في رئات الآخرين " .[10]
لقد صنف محمود درويش في قائمة كبار الأدباء ولكن ذلك لم يتأتى له من فراغ بل إنه كابد وناضل حتى جادت قريحته بشعر كله تعبير عن نضج عميق وإحساس مرهف لذلك يمكن تلخيص مسيرته الشعرية بعدة مراحل هي كالآتي :
المرحلة الأولى :
هي مرحلة الطفولة الفتية وسذاجة المعاني ويمثلها ديوانه الأول " عصافير بلا أجنحة " الصادرة سنة 1960 م ، كان عمر محمود درويش آنذاك تسعة عشر عاما ، يقول عن هذه المرحلة ، " إنه ديوان لا يستحق الوقوف أمامه ، كنت في سنة الدراسة الأخيرة وكان الديوان تعبيرا عن محاولات غير متبلورة فالتعبير فـيه مباشر ، والأفكار فيه محدودة ، والصورة الشعرية قائمة على البلاغة التقليدية .كما أن موسيقى هذا الديوان صاخبة ، فالوطن عنده يماثل أي وطن محتل في أي مكان من العالم ، حيث يسوده القمع وخنق الحريات العامة والظلم[11].
هذا المقطع الشعري الذي نسجله هنا خير ما يمثل هذه المرحلة الشعرية الفنية ،يقول الشاعر على لسان ذلك الطفل اللاجئ المشرد الذي لا يعرف بلاده :
حدثوني علني أذكر شيء
من بلادي عابقا على شفتي
أنا لا أذكر أيام الهنا
فأعيدوها صدى في أذنيا
وأعيدوها نداء صارخا
في شفاهي وأعيدوها دويا
إن لكل كلمة في شعر محمود درويش حتى ولو كان في طفولته دلالاتها الخاصة لذلك لا يمكن لأي كان فهمها إلا إذا كان على معرفة تامة بأدق حقائق المأساة والقضية الفلسطينية .
المرحلة الثانية :
وقد برزت هذه المرحلة في مسيرته الشعرية بشكل واضح في ديوانه الثاني " أوراق الزيتون " الصادر سنة 1964 م . ففي هذا الديوان تظهر درجة عالية من النضج الفني و الروح الغنائية العذبة يقول :
لملمت جرحك يا أبي
برموش أشعاري
فبكت عيون الناس
من حزني ومن ناري
وغمست خبزي في التراب
وما التمست شهامة الجار
ووزعت أزهاري
في تربة صماء عارية
بلا غيم وأمطار
فترقرقت لما نذرت لها
جرحا بكى برموش أشعاري
في هذه المرحلة يتأثر محمود درويش بشعراء التيار الرومانسي ، أمثال علي محمود طه ، إبراهيم ناجي ، الأمر الذي جعل شعره أكثر رقة وأقل خطابة ، وأغنى بالأحلام المجنحة التي قادته إلى حالة الثوري الحالم بواقع ينتفي فيه الاضطهاد[12].
المرحلة الثالثة :
وتأتي هذه المرحلة في دواوينه الثلاث وهي :
عاشق فلسطين عام 1966 م .
آخر الليل 1968 م .
العصافير تموت في الجليل 1969 م [13].
لقد وصل محمود درويش في هذه المرحلة إلى القدرة على الإيحاء ، وهذه القدرة الفنية حلت محل الخطابية والتعابير المباشرة الواضحة المغزى ، فهو يلتجأ إلى الرمز والأسطورة[14].
والصور الذهنية المركبة بإيحاءاتها المختلفة ، التي يستمدها من التراث الإنساني ، وتجنب الغموض والتعقيد في شعره لئلا يخرج عن موضوعه الأساس وهو بالطبع وطنه المحتل وجرح فلسطين ، في هذه المرحلة تأثر محمود درويش تأثرا جليا بكوكبة من أعلام الشعراء العرب أمثال : بدر شاكر السياب ، وعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور ، وأدونيس ، وخليل الحاوي ، ولا يعني هذا التأثر أنه كان مقلدا لهؤلاء ، بل كان ينهل من نفس الثقافات التي كانت سائدة آنذاك ويقاسمهم همومهم العربية والإنسانية من أجل الخلاص الجماعي ومن أجل حياة إنسانية نبيلة المعاني والمرامي يقول :
وباسمك صحت في الوديان
خيول الروم أعرفها
وأيتبدل الميدان
خذوا حذرا
من البرق الذي صكته أغنيتي على الصوان
أنا زين الشباب وفارس الفرسان
أنا ومحطم الأوثان
حدود الشام أزرعها
قصائد تطلقها العقبان
هذه المراحل الثلاث التي قادته إلى مرحلة الملحمة حيث تسربل شعره بصراخ متألم سيتخافت لاحقا إلى أن يصل إلى صمت البحر الزاخر بكل أنواع الكلام لكنه لا يصرخ[15].
مصادر ثقافته
أقر محمود درويش في لقاء صحفي أن المظاهر المدمرة للاحتلال الإسرائيلي قد امتدت إلى الحصار الثقافي حتى يغادر من بقي في أرضه مثل عملية التهجير الجماعي والمذابح " كدير ياسين " و " كفر قاسم " بالرغم من ذلك فقد أصرت مجموعة على البقاء بالرغم من معاناتها ، فاقتلاع الأرض الفلسطينية هدف واضح لتهويد العقلية العربية فكنا ملتزمين بالإصرار على البقاء والتركيز على الهوية ، وكانت ثقافتنا العربية غير منتظمة ونطلع على ما يصلنا من كتب مترجمة إلى اللغة العربية ، وكان محمود درويش أول شاعر يحفز فينا هذا الميل للثورة ويدعو إلى الحرية[16] .
لقد كان محمود درويش على علاقة وطيدة بالعديد من الشعراء من أمثال " نزار قباني" و " سعيد عقل " و"أنسي الحاج"حيث كانت تربطهم صداقة خاصة وحوارات مستمرة ومفيدة حيث أقر محمود درويش بأن :
" خير تعايش هو تعايش التيارات الإبداعية في مناخ ديمقراطي ، فحمل من هؤلاء وغيرهم إبداع لامسه حب بيروت لتدريبنا وهؤلاء الكبار وكل واحد يحافظ على نمطه الخاص ويستطيع التعايش مع الآخرين دون هيمنة مفهوم التيار المناقض لحركة الإبداع الحقيقي[17].
أهم الأعمال الأدبية التي خلفها محمود درويش :
لقد توفي محمود درويش إلا أنه ترك بصماته التي ما تزال الأجيال تتناقلها ، والنقاد يدرسونها ، والشعراء يستلهمون منها فقد ترك من وراءه العديد من الدواوين والمؤلفات منها :
أ / الأعمال النثرية :
شيء عن الوطن ، الكتابة على ضوء البندقية سنة 1971 م ، يوميات الحزن العادي 1976 م ، وداعا أيتها الحرب وداعا أيها السلام .
ذاكرة النسيان 1987 م .صور عن حالتنا سنة 1987 م .
عمل مشترك مع سميح القاسم الرسائل سنة 1989 م .
ب/ المجموعات الشعرية :
- عصافير بلا أجنحة سنة 1960 م .
- أوراق الزيتون 1964
- عاشق من فلسطين 1966 م .
- آخر الليل 1967 م
- آخر الليل نهار سنة 1967 م.
- حبيبتي تنهض من نومها سنة 1969 م.
-العصافير تموت في الجليل سنة 1970 م .
-أحبك أولا أحبك سنة 1972 م.
- محاولة رقم 7 سنة 1974 م .
- أعراس سنة 1977 م .
- مديح الظل العالي سنة 1983 . [18]
- حصار لمدائح البحر سنة 1983 .
ورد أقل سنة 1986 م .
- هي أغنية هي أغنية سنة 1986 م
- مأساة النرجس وملهاة القصة سنة 1989 م
- أرى ما أريد سنة1990 م .
- أحد عشر كوكبا 1992 م .
- لماذا ترك الحصان وحيدا سنة 1995 م .
- سرير الغريبة سنة 1989 م .
- جدارية محمود درويش سنة 2000 م
- كزهر اللوز أو أبعد [19].
في الأخير يمكن القول إن يأتي محمود درويش في رأس أدب النضال الفلسطيني الملتزم ، من حيث الغزارة في الإنتاج والعمق في العرض ويتصف بفهم فكري في عقيدة سارية . وبحب أبدي للأرض ، فالحب والوطن كانا يتوازيان في أدبه ، كما أنه يميل إلى بساطة الحقيقة وبساطة الإحساس الصادق بها . فقد التزم بقضايا وطنه ، وأخلص لقضيته المصيرية ، فكان صوتا من أصوات الدفاع عن فلسطين ، ولكنه اتخذ الرمز وسيلة لتنمية أغراضه وطريقا يسمح لشعره بالانتشار [20] .
درويش يرى نفسه جزءا من أرض وطنه، توحد بترابطها فكان التراب امتدادا لروحه ، إنه ينسج من ملحمة الموت انطلاقة للبعث والحياة ، بالرغم من الانسحاق العربي ، فيتوحد مع وطنه في المصير ويبعث الأمل والتفاؤل في النفوس ويِكد قضية الانتماء من خلال العلاقة بين فلسطين وأصحابها الأصلين ، ويبرز عشقه للأرض مثل صوفي متوحد بحب الله[21].
لقد اختار محمود درويش لشعره شكلا فنيا جديدا بناه على إيقاعات متنوعة من الخطاب والسرد والرمز والحلم و الشعر الحر . فوظيفة الفن تكمن في بحث الوجدان وإبراز القيم التي يحملها الإنسان ودمجها بأمانيه ، وتوحدها به ، حيث يغدو الواقع جزء من تطلعات الإنسان .
محمود درويش تميز ببراعة التناول وروعة التجديد الشعري ، حتى تغدو القصيدة عنده في شكلها الفني أداة مهمة من أدوات الجمال الفني المبدع عن المضامين بما فيها من حيوية وتركيز للصور وتكثيف الإيحاءات الشعرية[22].
ولا يسعنا إلا أن نقف وقفة ترحم على الشاعر الذي كان ممثلا للالتزام بشعره ونبضه ، ففي كل خطوة من خطواته التزم بقضية وطنه وفي كل نفس من أنفاسه كان التحاما بوطنه ، وفي سمة من سماتها كانت حلما في تحرر فلسطين الحبيبة .
قائمة المراجع :
- محمود درويش : شيء عن الوطن ، بيروت ، دار العودة ، ص1 ، 1971 ص 22 .[1]
- هاني الخير : محمود درويش . رحلة غي دروب الشعر ، دار فلتيس للنشر ط1 د. ت .ص07[2]
- رجاء النقاش : محمود درويش شاعر الأرض المحتلة. دار الهلال بالقاهرة . ط2 – 1971 م ص97 . [3]
- المرجع نفسه،ص96 .[4]
- نفسه ،الصفحة نفسها .[5]
- رجاء النقاش:محمود درويش شاعر الارض المحتلة، ص116 .[6]
- المرجع نفسه ،ص 253.[7]
- هاني الخير : محمود درويش ، رحلة عمر في دروب الشعر ص30 .[8]
- فتيحة محمود : محمود درويش ومفهوم في شعره ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، د ط ، 2001 ص 106.[9]
- المرجع نفسه ، الصفحة نفسها .[10]
- هاني الخير : محمود درويش رحلة عمر في دروب الشعر ص22 .[11]
- هاني الخير : محمود درويش رحلة عمر في دروب الشعر ص22 .[12]
- المرجع نفسه ص 23[13]
- خالد عبد الرؤوف :غواية سيدوري ،قراءات في شعر "محمود درويش"، ط 1 1430 هجري- 2009 ميلادي- ص 21.[14]
- هاني الخير: محمود درويش شاعر الأرض المحتلة ص 26.[15]
- هاني الخير : محمود درويش رحلة عمر في دروب الشعر ص35[16]
- المرجع نفسه ص 36[17]
- معاذ السرطاوي : مختارات من الشعر الحديث {دراسة وتحليل } ،دار المستقبل للنشر والتوزيع ، عمان ، ط1 ، 1432 – 2011 ص 112 .[18]
- خالد عبد الرؤوف جبر : " غواية سيدوري ، قراءات في شعر محمود درويش ص261 .[19]
- محمود بوزواوي : موسوعة الشعراء العرب، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع، د،ط ، دت ،ص 165 . [20]
- المرجع نفسه، ص166[21]
- المرجع نفسه، نفس الصفحة .
قائمة المصادر والمراجع :
- محمود درويش : شيء عن الوطن ، بيروت ، دار العودة ، ص1 ، 1971.
- هاني الخير : محمود درويش . رحلة غي دروب الشعر ، دار فلتيس للنشر ط1 د.ت .
- رجاء النقاش : محمود درويش شاعر الأرض المحتلة. دار الهلال بالقاهرة . ط2 – 1971 م .
- فتيحة محمود : محمود درويش ومفهوم في شعره ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، د ط ، 2001 .
- خالد عبد الرؤوف : غواية سيدوري ،قراءات في شعر "محمود درويش"،ط 1 1430 ه-2009 م
- معاذ السرطاوي : مختارات من الشعر الحديث {دراسة وتحليل } ،دار المستقبل للنشر والتوزيع ، عمان ، ط1 ، 1432 – .2011
- محمود بوزواوي : موسوعة الشعراء العرب، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع، د،ط ، دت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق