⏪⏬
إن كانت الرواية هي سرد موغل في أبعاد الزمان والمكان لأحداث كثيرة, يقوم بها أشخاص كثر, فإن القصة القصيرة هي سرد موغل في أبعاد النفس أكثر, أبطالها بين واحد أو اثنين أو ثلاثة لا أكثر, هي اقتناص لموقف واحد لحظي, أو انفعال لحظي مثار بحدث
خاررجي, هذا الحدث الخارجي قد يكون عاديًّا, أو يكون غير مكافئ لذاك الانفعال الذي يبني عليه الكاتب قصته القصيرة, مستخدمًا انزياحًا سحريًّا نحو الخيال والرمز والجمال, حاملًا القارئ عبر عنصر التشويق, ليوصل إليه رسالة إنسانية تكشف عن بؤرته الأخلاقية الثابتة, التي تجعل من استراتيجيته في الكتابة قيمة إنسانية تسند القيمة الأدبية. تكرر تلك الاستراتيجية في نصوصه تجعل لنصوص الكاتب ثيمة مميزة.
والعمل الذي بين أيدينا هو قصة قصيرة بكل أركانها, ببنائيها الفني والجمالي, استطاعت الكاتبة أن تنقل لنا بمشهدية أجرتها على مسارين: خارجي (بوصفها الحدث والمكان بمتحركاته), وداخلي (بوصفها الانفعالات النفسية بمتحركاتها أيضًا) وتماهي المسارين كفعل ورد فعل, لكن ردّ الفعل كان أقوى من الفعل عندما تطور ردّ الفعل بتقدّمه اتجاه لحظة التنوير التي سبقت الفعل.
هذه المشهدية بمساريها نقلتها لنا الكاتبة عبر تقنية (المونولوج) وهي تقنية كتابية معاصرة.
البناء الفني
نبدأ من العنوان : قطعة خبز, عتبة من جملة اسمية قصيرة نكرة, يبدأ من عندها عنصر التشويق لمعرفة قصة قطعة الخبز تلك.
الاستهلال أو المقدمة: حدث+ زمكانية ( لم يلحظني أحد هذا الصباح, كل الطرقات ممتلئة ...
حدث زمان مكان
ثم ينطلق الكاتب ليعرفنا ببطل قصته, ليس بطريقة مباشرة, وإنما بدلالات ومدلولات أتخطاها مباشرة إلى المفهوم, تكرار (لم يلحظني أحد) دلالة تقودنا إلى مفهوم التهميش, فالبطل شخص مهمش, لم يلحظه أحد رغم أنه ألقى التحية ووزع الابتسامات على الناس الذين ابتلعتهم الحياة وهم يسعون فيها, رجّح تجاهلهم له إلى ما يرتديه من أسمال بالية, لكنه استدرك أنه إنسان, له قلب وعقل وروح, مشيرًا إلى حقيقة سائدة في عالم المهمشين, وهي أن البشر لا يدخل في كفتَي ميزانهم الجوهر, وإنما يزنون فيهما المظهر, فقيمة المرء عندهم فيما تراه أبصارهم لا فيما تراه بصيرتهم. لعل الزمن المتسارع هو السبب؟ يحاول أن يضع لهم الأعذار, وفي ذلك كشفٌ عن جوانب شخصيته الطيبة الراضية المتسامحة رغم كل العوز والفاقة والمرض,( هل يمكن أن يكون الجاكيت القديم الذي ارتديه هو السبب؟ لكني أنا من ابتسم لهم وليس هو! قلبي من يحييهم. أو ربما يكون حذائي المفتق! ولكن ماعلاقة حذائي بعقلي وآدميتي؟ ربما تلك الطاقية السوداء المثقوبة التي تستر رأسي هى السبب؟ من أجلها ينفرون مني؟ . هل أبدو غريبا ؟ هل أبدو مهاجرا من بلد آخر .؟ قدماي متورمتان ..ربما سأضطر لقطعهما قريبا، لكن لا، لا لن أقطعهما.. من سيحملني إذن ؟ وأنا كامل الأعضاء ولا يلتفتون إلي فكيف إن كنت مبتور القدمين؟!)
هو يعلن أنه لا يستغني عنهم رغم أنهم لا يلتفتون إليه, وفي الحقيقة هو يعلن إصراره على الانتماء للإنسانية, رغم جفائها معه, رغم كل جوعه يشعر بالتعاطف مع قط جائع مثله, يعلن عن إفلاسه حتى باستدراج قط يتشارك معه وحدته وجوعه, هذا القط سيكون غريمه في التنافس على قطعة خبز يقضمها طفل صغير يجلس على مقعد في حديقة إلى جانب أمه, يترك قطعة الخبز ليلعب, وإلى قطعة الخبز هذه ترنو أمعاء البطل الجائعة, تسبقه إليها أسراب الذباب, التي تأخذ منها رزقها, صراع ينشب في ذاته بين غريزة الجوع وفضيلة الكرامة الإنسانية, تنجح الغزيرة في تسويغ المبررات( أخذ قطعة الخبز خفية, أي سرقتها ) لتصل إلى الغاية المرجوة( إسكات الجوع) وهنا يبلغ الصراع ذروته ( العقدة), لكن المفاجأة أن هذا الصراع لاينتصر فيها ولا طرف, بل يحسم الأمر القط الجائع الذي يقتنص الغنيمة, ينقض عليها بسرعة, يسبق الإنسان الجائع ويفوز بقطعة الخبز, هنا انتصرت الغريزة فعليًّا, إذ لا يملك الحيوان إلا غريزته التي تلبي احتياجاته, ولا يحتاج إلى صراع داخلي ليقرّر, هذا الحدث ينهي الصراع, ليبدأ بعدها انفراج وحل يتمثّل باحتفاظ البطل بنصيبه من الرزق, ابتسامة! لكن ماهي مهيّتها؟ ابتسامة خيبة ضائعة جادت بها عليه الحياة ساخرة...
نهاية محزنة
البناء الجمالي :
السرد: على لسان البطل أو الشخصية المحورية.
الأسلوب: واقعي, استخدم فيه الكاتب تقنية التدوير, الابتداء بابتسامة رضا والانتهاء بابتسامة خيبة.
الحوار : مونولوج داخلي كثرث فيه التساؤلات بهدف عرض الدواخل.
الصور:
الطرقات صماء و كذا الجدران، حتى كلاب الشارع والقطط! استعارة
هو يعلم كيف تزمجر الأمعاء استعارة
لا يأتي النوم حين يحاربه الجوع . استعارة
هل يجب أن أفكر في طريقة لأقتل الألم ؟ استعارة
بينما يتشبث فمه بابتسامة ضائعة استعارة
⏪ نص القصة :
قطعة خبز .. " لم يلحظني أحد هذا الصباح ..كل الطرقات ممتلئة بمن يطأطئون الرأس, لم يبتسم لي السائق حين مررت بجواره! حتى من سحقني بكتفه عابرا لم يلتفت إلي معتذرا .. الطرقات صماء و كذا الجدران، حتى كلاب الشارع والقطط! لم يلحظني أحد على هذا المقعد! أنا وحيد منذ مايقرب من الساعة ولم يلق علي أحد التحية! حتى من ابتسمت في وجوهم لم يردوا على ابتسامتي! لا بل تجهموا ومضوا . هل يمكن أن يكون الجاكيت القديم الذي ارتديه هو السبب؟ لكني انا من ابتسم لهم وليس هو! قلبي من يحييهم. أو ربما يكون حذائي المفتق! ولكن ماعلاقة حذائي بعقلي وآدميتي؟ ربما تلك الطاقية السوداء المثقوبة التي تستر رأسي هى السبب؟ من أجلها ينفرون مني؟ . هل أبدو غريبا ؟ هل أبدو مهاجرا من بلد آخر .؟ قدماي متورمتان ..ربما سأضطر لقطعهما قريبا، لكن لا، لا لن أقطعهما.. من سيحملني إذن ؟ وأنا كامل الأعضاء ولا يلتفتون إلي فكيف إن كنت مبتور القدمين؟! ..ربما لو كنت أعمى لكان أفضل لي حتى لا آراهم . هم كلهم عميان يهرولون على الطرقات، أنا أبصرهم . لماذا أشعر بالوحدة؟! لا أحد يهتم بأن أخبره . لن أخبرهم ..ربما هذا القط الجائع سوف يسمعني إن منحته بعضا من الخبز.. ولكني لا أحمل خبزا ولا مالا. لن يجيء هذا القط إذن، هل أخبر القط بأن كلانا جائع؟ هو يعلم كيف تزمجر الأمعاء ويجف الحلق؟! . القط يأكل ..إذن أشاركه ..لا لا يليق بي، فأنا بشر . متى أنام ؟! لا يأتي النوم حين يحاربه الجوع . أنا لست بجائع، فقط مر علي كل الليل وكل الصباح أشرقت الشمس وغابت . لماذا أتألم إذن ؟! هل يجب أن أفكر في طريقة لأقتل الألم ؟ لأصرع الجوع؟ هل أمد يدي فيلقي لى البعض بالدراهم؟! ..لا لا يصح . يالله هذا طفل مع أمه، ترك قطعة من الخبز على المقعد حيث يجلسان.كم تبدو شهية! قطعة صغيرة لكنها قد تهدأ ثورة أمعائي . هو يلعب بالكرة الآن، وأمه تراقبه . ذبابات تحط على قطعة الخبز، حتى الذبابات تأكل، ومعدتي تزمجر! سأسير فى اتجاه الأم وأجلس إلى طرف المقعد الخالي . ربما نهرتني! ولكني أتألم! يالله! عاد الطفل بالكرة ها هو يقضم قضمة من الخبز ..أترك لي قطعة رجاء. الحمدلله ترك الخبز وعاد إلى اللعب ثانية .. سأذهب، الآن، ها أناذا أقترب سأمد يدي، فى غفلة من الأم ولن تلحظني، فالكل لم يلحظنى اليوم! هل ستلحظنى هي؟ ، ربما لا . أسرع الخطى قبل أن يعود الطفل ويأكل ما تبقى . "الآن اجلس، ضعها فى جيبك خفية". يقفز قط فى حركة بهلوانية سريعة، يلتقط قطعة الخبز في سباق للجوعى .. يرنو إليه في شرود بينما يتشبث فمه بابتسامة ضائعة.
إن كانت الرواية هي سرد موغل في أبعاد الزمان والمكان لأحداث كثيرة, يقوم بها أشخاص كثر, فإن القصة القصيرة هي سرد موغل في أبعاد النفس أكثر, أبطالها بين واحد أو اثنين أو ثلاثة لا أكثر, هي اقتناص لموقف واحد لحظي, أو انفعال لحظي مثار بحدث
خاررجي, هذا الحدث الخارجي قد يكون عاديًّا, أو يكون غير مكافئ لذاك الانفعال الذي يبني عليه الكاتب قصته القصيرة, مستخدمًا انزياحًا سحريًّا نحو الخيال والرمز والجمال, حاملًا القارئ عبر عنصر التشويق, ليوصل إليه رسالة إنسانية تكشف عن بؤرته الأخلاقية الثابتة, التي تجعل من استراتيجيته في الكتابة قيمة إنسانية تسند القيمة الأدبية. تكرر تلك الاستراتيجية في نصوصه تجعل لنصوص الكاتب ثيمة مميزة.
والعمل الذي بين أيدينا هو قصة قصيرة بكل أركانها, ببنائيها الفني والجمالي, استطاعت الكاتبة أن تنقل لنا بمشهدية أجرتها على مسارين: خارجي (بوصفها الحدث والمكان بمتحركاته), وداخلي (بوصفها الانفعالات النفسية بمتحركاتها أيضًا) وتماهي المسارين كفعل ورد فعل, لكن ردّ الفعل كان أقوى من الفعل عندما تطور ردّ الفعل بتقدّمه اتجاه لحظة التنوير التي سبقت الفعل.
![]() |
د.عبير خالد يحيي |
البناء الفني
نبدأ من العنوان : قطعة خبز, عتبة من جملة اسمية قصيرة نكرة, يبدأ من عندها عنصر التشويق لمعرفة قصة قطعة الخبز تلك.
الاستهلال أو المقدمة: حدث+ زمكانية ( لم يلحظني أحد هذا الصباح, كل الطرقات ممتلئة ...
حدث زمان مكان
ثم ينطلق الكاتب ليعرفنا ببطل قصته, ليس بطريقة مباشرة, وإنما بدلالات ومدلولات أتخطاها مباشرة إلى المفهوم, تكرار (لم يلحظني أحد) دلالة تقودنا إلى مفهوم التهميش, فالبطل شخص مهمش, لم يلحظه أحد رغم أنه ألقى التحية ووزع الابتسامات على الناس الذين ابتلعتهم الحياة وهم يسعون فيها, رجّح تجاهلهم له إلى ما يرتديه من أسمال بالية, لكنه استدرك أنه إنسان, له قلب وعقل وروح, مشيرًا إلى حقيقة سائدة في عالم المهمشين, وهي أن البشر لا يدخل في كفتَي ميزانهم الجوهر, وإنما يزنون فيهما المظهر, فقيمة المرء عندهم فيما تراه أبصارهم لا فيما تراه بصيرتهم. لعل الزمن المتسارع هو السبب؟ يحاول أن يضع لهم الأعذار, وفي ذلك كشفٌ عن جوانب شخصيته الطيبة الراضية المتسامحة رغم كل العوز والفاقة والمرض,( هل يمكن أن يكون الجاكيت القديم الذي ارتديه هو السبب؟ لكني أنا من ابتسم لهم وليس هو! قلبي من يحييهم. أو ربما يكون حذائي المفتق! ولكن ماعلاقة حذائي بعقلي وآدميتي؟ ربما تلك الطاقية السوداء المثقوبة التي تستر رأسي هى السبب؟ من أجلها ينفرون مني؟ . هل أبدو غريبا ؟ هل أبدو مهاجرا من بلد آخر .؟ قدماي متورمتان ..ربما سأضطر لقطعهما قريبا، لكن لا، لا لن أقطعهما.. من سيحملني إذن ؟ وأنا كامل الأعضاء ولا يلتفتون إلي فكيف إن كنت مبتور القدمين؟!)
هو يعلن أنه لا يستغني عنهم رغم أنهم لا يلتفتون إليه, وفي الحقيقة هو يعلن إصراره على الانتماء للإنسانية, رغم جفائها معه, رغم كل جوعه يشعر بالتعاطف مع قط جائع مثله, يعلن عن إفلاسه حتى باستدراج قط يتشارك معه وحدته وجوعه, هذا القط سيكون غريمه في التنافس على قطعة خبز يقضمها طفل صغير يجلس على مقعد في حديقة إلى جانب أمه, يترك قطعة الخبز ليلعب, وإلى قطعة الخبز هذه ترنو أمعاء البطل الجائعة, تسبقه إليها أسراب الذباب, التي تأخذ منها رزقها, صراع ينشب في ذاته بين غريزة الجوع وفضيلة الكرامة الإنسانية, تنجح الغزيرة في تسويغ المبررات( أخذ قطعة الخبز خفية, أي سرقتها ) لتصل إلى الغاية المرجوة( إسكات الجوع) وهنا يبلغ الصراع ذروته ( العقدة), لكن المفاجأة أن هذا الصراع لاينتصر فيها ولا طرف, بل يحسم الأمر القط الجائع الذي يقتنص الغنيمة, ينقض عليها بسرعة, يسبق الإنسان الجائع ويفوز بقطعة الخبز, هنا انتصرت الغريزة فعليًّا, إذ لا يملك الحيوان إلا غريزته التي تلبي احتياجاته, ولا يحتاج إلى صراع داخلي ليقرّر, هذا الحدث ينهي الصراع, ليبدأ بعدها انفراج وحل يتمثّل باحتفاظ البطل بنصيبه من الرزق, ابتسامة! لكن ماهي مهيّتها؟ ابتسامة خيبة ضائعة جادت بها عليه الحياة ساخرة...
نهاية محزنة
البناء الجمالي :
السرد: على لسان البطل أو الشخصية المحورية.
الأسلوب: واقعي, استخدم فيه الكاتب تقنية التدوير, الابتداء بابتسامة رضا والانتهاء بابتسامة خيبة.
الحوار : مونولوج داخلي كثرث فيه التساؤلات بهدف عرض الدواخل.
الصور:
الطرقات صماء و كذا الجدران، حتى كلاب الشارع والقطط! استعارة
هو يعلم كيف تزمجر الأمعاء استعارة
لا يأتي النوم حين يحاربه الجوع . استعارة
هل يجب أن أفكر في طريقة لأقتل الألم ؟ استعارة
بينما يتشبث فمه بابتسامة ضائعة استعارة
⏪ نص القصة :
قطعة خبز .. " لم يلحظني أحد هذا الصباح ..كل الطرقات ممتلئة بمن يطأطئون الرأس, لم يبتسم لي السائق حين مررت بجواره! حتى من سحقني بكتفه عابرا لم يلتفت إلي معتذرا .. الطرقات صماء و كذا الجدران، حتى كلاب الشارع والقطط! لم يلحظني أحد على هذا المقعد! أنا وحيد منذ مايقرب من الساعة ولم يلق علي أحد التحية! حتى من ابتسمت في وجوهم لم يردوا على ابتسامتي! لا بل تجهموا ومضوا . هل يمكن أن يكون الجاكيت القديم الذي ارتديه هو السبب؟ لكني انا من ابتسم لهم وليس هو! قلبي من يحييهم. أو ربما يكون حذائي المفتق! ولكن ماعلاقة حذائي بعقلي وآدميتي؟ ربما تلك الطاقية السوداء المثقوبة التي تستر رأسي هى السبب؟ من أجلها ينفرون مني؟ . هل أبدو غريبا ؟ هل أبدو مهاجرا من بلد آخر .؟ قدماي متورمتان ..ربما سأضطر لقطعهما قريبا، لكن لا، لا لن أقطعهما.. من سيحملني إذن ؟ وأنا كامل الأعضاء ولا يلتفتون إلي فكيف إن كنت مبتور القدمين؟! ..ربما لو كنت أعمى لكان أفضل لي حتى لا آراهم . هم كلهم عميان يهرولون على الطرقات، أنا أبصرهم . لماذا أشعر بالوحدة؟! لا أحد يهتم بأن أخبره . لن أخبرهم ..ربما هذا القط الجائع سوف يسمعني إن منحته بعضا من الخبز.. ولكني لا أحمل خبزا ولا مالا. لن يجيء هذا القط إذن، هل أخبر القط بأن كلانا جائع؟ هو يعلم كيف تزمجر الأمعاء ويجف الحلق؟! . القط يأكل ..إذن أشاركه ..لا لا يليق بي، فأنا بشر . متى أنام ؟! لا يأتي النوم حين يحاربه الجوع . أنا لست بجائع، فقط مر علي كل الليل وكل الصباح أشرقت الشمس وغابت . لماذا أتألم إذن ؟! هل يجب أن أفكر في طريقة لأقتل الألم ؟ لأصرع الجوع؟ هل أمد يدي فيلقي لى البعض بالدراهم؟! ..لا لا يصح . يالله هذا طفل مع أمه، ترك قطعة من الخبز على المقعد حيث يجلسان.كم تبدو شهية! قطعة صغيرة لكنها قد تهدأ ثورة أمعائي . هو يلعب بالكرة الآن، وأمه تراقبه . ذبابات تحط على قطعة الخبز، حتى الذبابات تأكل، ومعدتي تزمجر! سأسير فى اتجاه الأم وأجلس إلى طرف المقعد الخالي . ربما نهرتني! ولكني أتألم! يالله! عاد الطفل بالكرة ها هو يقضم قضمة من الخبز ..أترك لي قطعة رجاء. الحمدلله ترك الخبز وعاد إلى اللعب ثانية .. سأذهب، الآن، ها أناذا أقترب سأمد يدي، فى غفلة من الأم ولن تلحظني، فالكل لم يلحظنى اليوم! هل ستلحظنى هي؟ ، ربما لا . أسرع الخطى قبل أن يعود الطفل ويأكل ما تبقى . "الآن اجلس، ضعها فى جيبك خفية". يقفز قط فى حركة بهلوانية سريعة، يلتقط قطعة الخبز في سباق للجوعى .. يرنو إليه في شرود بينما يتشبث فمه بابتسامة ضائعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق