يقول الكاتب البريطاني فرانسيس بيكون: "نتذوّق بعض الكتب وأخرى نبتلعها، وفقط القليل منها نمضغها ونلتهمها بنهم ثم نهضمها. أي بعض الكتب نقرأ أجزاء منها فقط، وبعضها نقرؤها كلها لكن دون فضول أو اهتمام حقيقي، والقليل منها نقرؤها كاملة بتمعن واجتهاد وعناية". أعتقد أن كتاب شهرزاد ما زالت تروي لمؤلفه الأستاذ فراس حج محمد ينتمي إلى الفئة الثانية من الكتب التي يتحدث عنها بيكون، أي أننا من وجهة نظري نقرأ الكتاب لكن دون اهتمام أو فضول وكأننا في رحلة مملة تفتقر إلى عناصر التّشويق.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول، وعدا الفصل الأخير يحتوي الكتاب على مجرد انطباعات ذاتية مكتوبة بشكل اعتباطي، وباقتضاب شديد عن مكانة المرأة العربية في التاريخ العربي القديم والحديث، ويحتوي الفصل الثاني على مقالات نقدية، بعضها يطول وبعضها يقصر، لعدة كاتبات منهن الشاعرات، كاتبات القصّة القصيرة والرّواية (باستثناء فيروز بالطبع) دون أن يبيّن للقارئ سبب اختياره لأولئك الكاتبات دون غيرهن. من وجهة نظري لا يوجد رابط منطقيّ بين الفصل الأوّل والفصل الثاني، وعامة يفتقر الكتاب إلى الوحدة العضويّة.
لا يقدّم الفصل الأول من الكتاب أي جديد، وهو يعجّ بالكليشيهات أو التعابير المبتذلة الفضفاضة التي تشير إلى مكانة المرأة، ويبدو أن اهتمام الكاتب كان منصبّا أكثر على تسليط الضّوء على الشكل الخارجي للمرأة وجمالها، فيما لم يحظ الحديث عن قدرات المرأة العقلية وقوّة شخصيتها سوى القليل. فالمرأة بالنسبة للمؤلف "أيقونة عشق" يتلذذ بجمالها الرجل ابتداء من آدم إلى توفيق الحكيم (ص 16). بل أن المؤلف لا يسميها إمرأة بل يدعوها "أنثى" (ص 17) وهي الكلمة التي تستخدم للدّلالة على الجانب البيولوجي للمرأة وعلى جسدها وعلى خصوبتها. فكلمة "أنثى" تستخدم للدّلالة على المرأة التي تحبل وتلد، كما في الآية الكريمة 45 من سورة النّجم في القرآن الكريم: "وأنّه خلق الزّوجين الذّكر والأنثى". والمسألة نفسها يتطرق إليها الكاتب في مقالته بعنوان "مقاييس الجمال الأنثوي عند العرب" (ص 18) وكيف يتغنّى الشعراء العرب بالجمال الجسدي للمرأة: "امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيمة البطن ولا مسترخية، وصدرها براق اللون متلألئ الصّفاء كتلألؤ المرآة" (ص 18). وبحسب الكاتب، "فالشّاعر العربيّ لا يحبّ أن تكون المرأة متلوّهة، تدلق مشاعرها في كل مناسبة، بل يحب المرأة المتزنة التي تعشق بصمت، وتحبّ بكل جوانحها، ولكن دون أن تتردّى في سعير الغرام المفضي لقلة الحياء" (ص 20). أي بكلمات أخرى ممنوع على المرآة أن تعبّر عن حبّها، فعليها أن تكون سلبيّة في عشقها أمام الرّجل، وأن لا يكون لها شخصيّة مساوية لشخصيّة الرّجل على الأقلّ في التّعبير عن الحبّ.
يتحدّث الكاتب عن صورة المرأة في الإعلام (ص 25) وعن التغير الكبير في الأدوار الاجتماعية ما بين الرّجل والمرأة (ص 28). وهو يدّعي – مع شيء من الصّحة في حديثه – بأنّ النظام الرأسمالي والحضارة الحديثة (ص 29) هما المسؤولان عن تغير الدّور التقليدي للمرأة متجاهلا قدرات المرأة الذاتية في تقرير مصيرها، والخيارات التي تقوم بها من أجل تحسين أوضاع حياتها، وتحقيق ذاتها والتأقلم مع واقعها.
يشير عنوان الرّواية إلى شخصية شهرزاد، وهي آخر جواري الملك شهريار في حكايات ألف ليلة وليلة. كانت شهرزاد شديدة الذّكاء والبراعة المطلقة في تأليف القصص، وكانت تروي لشهريار الملك حكايات مسلسلة حتى ينتهي الليل، وكانت شهرزاد تروي القصص على أجزاء مترابطة حتى تضمن عدم قتلها. لم ينجح الأستاذ فراس حج محمد في تسليط الضوء على دلالة شخصية شهرزاد وأهمّيتها، كما فشل تماما في توضيح العلاقة بين شهرزاد والكاتبات والمطربة اللواتي يتحدث عنهنّ في كتابه. يفتخر المؤلف بفكر ودهاء ومكر شهرزاد (14) وهو بذلك يشدّد على الصورة النّمطية للمرأة، أنّها ماكرة وداهية يتوجب الحذر منها – تمامّا كما فعلت حواء بدهائها ومكرها، وأقنعت آدم من أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر حتى هلك – ويغفل الدّور الهامّ الذي تؤدّيه شهرزاد. نعم، شهرزاد مفكرة، لكنها ليست داهية وليست ماكرة. هي ذكية وتتمتّع بخيال خصب يساعدها في سرد القصص المثيرة. فهي حكواتية من الطراز الأول. فهي ليست شخصية خيالية فحسب، بل هي أيضا أداة أدبية لسرد الحكايات والمغامرات والدروس الأخلاقية والعبر، التي يحبها الكبار والصغار على حد سواء.
إضافة إلى قدرة شهرزاد على السرد الروائي الذي أثّر بدرجة كبيرة على شهريار، وجعله يغّير من فكره تجاه المرأة ويتزوج شهرزاد، تتمتع شهرزاد بقوة شخصية واستقلالية تُمكّنها من اتخاذ قرارها بنفسها وعدم الانصياع إلى أمر أبيها بالتراجع عن رغبتها في الذهاب إلى بلاط شهريار الملك. فشهرزاد وضعت اللبنة الأولى لاستقلالية المرأة وحرية قرارها ورأيها. لا يبيّن الأستاذ فراس حج محمد هذا الجانب الهامّ من شخصية شهرزاد في كتابه. فالقصد من وراء كتابه على ما أظن هو أن الكاتبات العربيات في المجتمع العربي يؤدّين نفس الدور الذي تؤديه شهرزاد، أي عن طريق الكتابة وعن طريق الأدب يمكن للمرأة تحرير ذاتها وإنقاذ نفسها من جبروت الرجل، بل وأيضا الارتقاء بقدراته العقلية والفكرية. وكما تقول الدكتورة عالية يونس في جامعة زايد في دولة الإمارات: "أصبحت شهرزاد تروي الحكايات نتيجة غريزتها الطبيعية في حبّ البقاء". فالأدب والقصص والحكايات والروايات والشعر وغيرها من الوسائل الهامّة، التي يمكن أن تستخدمها المرأة من أجل تغيير واقعها.
يستخدم المؤلف عبارات وجمل تتّسم بالعمومية كأن يقول مثلا "بيّنت المرويات التاريخية العربية ..." (ص 21) دون أن يعطي ولو مثالا واحدا على تلك المرويّات، وقوله "والأدلة ساطعة على ذلك ..." (ص 21) دون إعطاء ولو دليل واحد، وغيرها من الجمل والعبارات. فهذا أسلوب غير أكاديميّ ويفتقر إلى المصداقية.
لا يوجد رابط واضح بين الفصل الأول والفصل الثاني. ويحتوي الفصل الثاني على مقالات نقديّة لبعض المؤلفات معظمهنّ فلسطينيات، ومطربة واحدة هي السيدة فيروز. ويفترض المؤلف أن يكون القارئ قد قرأ ما كتبت المؤلفات اللواتي يتحدّث عنهنّ، وهذا افتراض مشروع. وبالفعل لن يستطيع القارئ أن يقدّر أو يستوعب كل ما يقوله المؤلف دون معرفة مسبقة عن المؤلفات وعن كتاباتهن. من ناحية أخرى، أرجو أن يكون الكتاب قد أثار فضول بعض القراء كما أثار فضولي، وحثهم على الاطلاع على ما كتبت أولئك الكاتبات، خاصة الكاتبات اللواتي لم يحققن شهرة كبيرة بعد.
من ناحية أخرى، بعض المقالات انطباعية أكثر منها تحليلية. فهناك فرق كبير في مستوى النقد بين ما يقوله الكاتب عن فدوى طوقان ونازك الملائكة وإيمان بدران، وبين ما يقوله عن فيروز أو آمال عوض أو صابرين فرعون أو عبلة جابر أو عبير عودة. في الحالة الأولى يتحدث المؤلف بثقة كبيرة ويستفيض في التحليل، ويعطي الكثير من الأمثلة النصية على ما يقول. أمّا في الحالة الثانية فيبدو على المؤلف أنه غير واثق مما يقول، ويكتفي ببعض التصريحات العامة الجذابة التي برأيي لا تقدّم ولا تؤخر. ومن هذه الجمل أعطي مثالا واحدا فقط مأخوذ من مقالة بعنوان "صونيا عامر وكتبها الثلاثة": "وهذه هي مهمة الأديب العضوي الذي يعيش همّ الناس، لا لينقل أوجاعهم فقط، بل ليساعدهم، وليكون لهم عونا وسندا في إشعال فتيل الأمل في النفوس" (92). جملة جميلة لكنها لا تفي بالغرض عند تقييم الأداء الأدبي للأستاذة صونيا عامر. وبعض المقالات ليس فيها عمق في التحليل ومن أمثلة ذلك المقالة بعنوان "إيمان مصاروة تلك الشاعرة اللطيفة" (ص 75) والمقالة بعنوان "الخطيئة المغفورة ولغة البوح والشجن" (ص 104). وبعض المقالات ليس نقدا بالمرة مثل المقالة بعنوان "رسالة إلى أمي حنا بكير" (ص 76). وبعضها يبيّن انعدام حيادية الكاتب فيما يكتب مثل المقال عن الأستاذة صونيا عامر. وبعض المقالات تخلو تماما من الأمثلة الدّاعمة لما يقوله المؤلف مثل المقالة بعنوان "الأناقة التعبيرية في جريمة نصف زرقاء" (ص 89).
تركّز جل اهتمام الأستاذ فراس حج محمد على النقد الشكلي أو الفني الذي يرتكز على التحليل اللغوي. وفي هذا السياق يسلط المؤلف الضّوء على الخصائص التي تجعل من العمل عملا أدبيا. فهو يتحدث عن الأخطاء النّحوية التركيبية، وعن جزم الفعل المضارع، وعن القواعد النّحويّة، وعن الرّتابة الموسيقية في الألفاظ، وعن الأخطاء المطبعية، وعن رفع ما حقه النّصب، وعن أشباه الجمل، واستخدام اسم المفعول مذكّرا مع أنّ حقه التأنيث، والتفعيلة، واستخدام الفعل المضارع، ووزن البحر الكامل، الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي، إلخ. فلنقرأ هذه الجملة مثلا مأخوذة من مقالته عن نازك الملائكة: "لم تكن هذه المقاطع متساوية، أو أنها واحدة في النغم الموسيقي، فجاءت المقاطع (1/2/4/5/7/8/9) متساوية في عدد الأبيات؛ إذ أن كل مقطع يتكون من بيتين له قافية مختلفة عن بقية مقاطع القصيدة" (ص 140). بالطبع هذا نقد موضوعي وشرعي، لكن بالنسبة للقارئ العادي فمثل هذا النقد لا يساعده على فهم أنه شريك مع الأدباء في الإنسانية، وأن الإنسانية مفعمة بالوجدان، وأن الشعر وقراءة الأدب هما الجمال بحد ذاته، وهما الحبّ والرومانسية التي نحيا من أجلهما.
من ناحية أخرى، يتحدث المؤلف لكن باختصار عن الدلالات السياقية للغة وأسلوب الكاتبات، خاصّة عندما يتحدث عن فدوى طوقان. فمن ناحيته، وهذا جيد، هنالك علاقة وثيقة ما بين التعبير اللغوي والواقع المُعاش، إذ عن طريق اللغة تستطيع الكاتبة أن تعكس واقعها. يقول الأستاذ فراس حج محمد عند حديثه عن الكاتبة الجزائرية الأستاذة ليلى رابح، بأنه عن طريق اللغة "يقدم المضمون، وبها ترسم الشخصيات" (130). وهذا ما يسميه بالتوظيف اللغويّ.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول، وعدا الفصل الأخير يحتوي الكتاب على مجرد انطباعات ذاتية مكتوبة بشكل اعتباطي، وباقتضاب شديد عن مكانة المرأة العربية في التاريخ العربي القديم والحديث، ويحتوي الفصل الثاني على مقالات نقدية، بعضها يطول وبعضها يقصر، لعدة كاتبات منهن الشاعرات، كاتبات القصّة القصيرة والرّواية (باستثناء فيروز بالطبع) دون أن يبيّن للقارئ سبب اختياره لأولئك الكاتبات دون غيرهن. من وجهة نظري لا يوجد رابط منطقيّ بين الفصل الأوّل والفصل الثاني، وعامة يفتقر الكتاب إلى الوحدة العضويّة.
لا يقدّم الفصل الأول من الكتاب أي جديد، وهو يعجّ بالكليشيهات أو التعابير المبتذلة الفضفاضة التي تشير إلى مكانة المرأة، ويبدو أن اهتمام الكاتب كان منصبّا أكثر على تسليط الضّوء على الشكل الخارجي للمرأة وجمالها، فيما لم يحظ الحديث عن قدرات المرأة العقلية وقوّة شخصيتها سوى القليل. فالمرأة بالنسبة للمؤلف "أيقونة عشق" يتلذذ بجمالها الرجل ابتداء من آدم إلى توفيق الحكيم (ص 16). بل أن المؤلف لا يسميها إمرأة بل يدعوها "أنثى" (ص 17) وهي الكلمة التي تستخدم للدّلالة على الجانب البيولوجي للمرأة وعلى جسدها وعلى خصوبتها. فكلمة "أنثى" تستخدم للدّلالة على المرأة التي تحبل وتلد، كما في الآية الكريمة 45 من سورة النّجم في القرآن الكريم: "وأنّه خلق الزّوجين الذّكر والأنثى". والمسألة نفسها يتطرق إليها الكاتب في مقالته بعنوان "مقاييس الجمال الأنثوي عند العرب" (ص 18) وكيف يتغنّى الشعراء العرب بالجمال الجسدي للمرأة: "امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيمة البطن ولا مسترخية، وصدرها براق اللون متلألئ الصّفاء كتلألؤ المرآة" (ص 18). وبحسب الكاتب، "فالشّاعر العربيّ لا يحبّ أن تكون المرأة متلوّهة، تدلق مشاعرها في كل مناسبة، بل يحب المرأة المتزنة التي تعشق بصمت، وتحبّ بكل جوانحها، ولكن دون أن تتردّى في سعير الغرام المفضي لقلة الحياء" (ص 20). أي بكلمات أخرى ممنوع على المرآة أن تعبّر عن حبّها، فعليها أن تكون سلبيّة في عشقها أمام الرّجل، وأن لا يكون لها شخصيّة مساوية لشخصيّة الرّجل على الأقلّ في التّعبير عن الحبّ.
يتحدّث الكاتب عن صورة المرأة في الإعلام (ص 25) وعن التغير الكبير في الأدوار الاجتماعية ما بين الرّجل والمرأة (ص 28). وهو يدّعي – مع شيء من الصّحة في حديثه – بأنّ النظام الرأسمالي والحضارة الحديثة (ص 29) هما المسؤولان عن تغير الدّور التقليدي للمرأة متجاهلا قدرات المرأة الذاتية في تقرير مصيرها، والخيارات التي تقوم بها من أجل تحسين أوضاع حياتها، وتحقيق ذاتها والتأقلم مع واقعها.
يشير عنوان الرّواية إلى شخصية شهرزاد، وهي آخر جواري الملك شهريار في حكايات ألف ليلة وليلة. كانت شهرزاد شديدة الذّكاء والبراعة المطلقة في تأليف القصص، وكانت تروي لشهريار الملك حكايات مسلسلة حتى ينتهي الليل، وكانت شهرزاد تروي القصص على أجزاء مترابطة حتى تضمن عدم قتلها. لم ينجح الأستاذ فراس حج محمد في تسليط الضوء على دلالة شخصية شهرزاد وأهمّيتها، كما فشل تماما في توضيح العلاقة بين شهرزاد والكاتبات والمطربة اللواتي يتحدث عنهنّ في كتابه. يفتخر المؤلف بفكر ودهاء ومكر شهرزاد (14) وهو بذلك يشدّد على الصورة النّمطية للمرأة، أنّها ماكرة وداهية يتوجب الحذر منها – تمامّا كما فعلت حواء بدهائها ومكرها، وأقنعت آدم من أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر حتى هلك – ويغفل الدّور الهامّ الذي تؤدّيه شهرزاد. نعم، شهرزاد مفكرة، لكنها ليست داهية وليست ماكرة. هي ذكية وتتمتّع بخيال خصب يساعدها في سرد القصص المثيرة. فهي حكواتية من الطراز الأول. فهي ليست شخصية خيالية فحسب، بل هي أيضا أداة أدبية لسرد الحكايات والمغامرات والدروس الأخلاقية والعبر، التي يحبها الكبار والصغار على حد سواء.
إضافة إلى قدرة شهرزاد على السرد الروائي الذي أثّر بدرجة كبيرة على شهريار، وجعله يغّير من فكره تجاه المرأة ويتزوج شهرزاد، تتمتع شهرزاد بقوة شخصية واستقلالية تُمكّنها من اتخاذ قرارها بنفسها وعدم الانصياع إلى أمر أبيها بالتراجع عن رغبتها في الذهاب إلى بلاط شهريار الملك. فشهرزاد وضعت اللبنة الأولى لاستقلالية المرأة وحرية قرارها ورأيها. لا يبيّن الأستاذ فراس حج محمد هذا الجانب الهامّ من شخصية شهرزاد في كتابه. فالقصد من وراء كتابه على ما أظن هو أن الكاتبات العربيات في المجتمع العربي يؤدّين نفس الدور الذي تؤديه شهرزاد، أي عن طريق الكتابة وعن طريق الأدب يمكن للمرأة تحرير ذاتها وإنقاذ نفسها من جبروت الرجل، بل وأيضا الارتقاء بقدراته العقلية والفكرية. وكما تقول الدكتورة عالية يونس في جامعة زايد في دولة الإمارات: "أصبحت شهرزاد تروي الحكايات نتيجة غريزتها الطبيعية في حبّ البقاء". فالأدب والقصص والحكايات والروايات والشعر وغيرها من الوسائل الهامّة، التي يمكن أن تستخدمها المرأة من أجل تغيير واقعها.
يستخدم المؤلف عبارات وجمل تتّسم بالعمومية كأن يقول مثلا "بيّنت المرويات التاريخية العربية ..." (ص 21) دون أن يعطي ولو مثالا واحدا على تلك المرويّات، وقوله "والأدلة ساطعة على ذلك ..." (ص 21) دون إعطاء ولو دليل واحد، وغيرها من الجمل والعبارات. فهذا أسلوب غير أكاديميّ ويفتقر إلى المصداقية.
لا يوجد رابط واضح بين الفصل الأول والفصل الثاني. ويحتوي الفصل الثاني على مقالات نقديّة لبعض المؤلفات معظمهنّ فلسطينيات، ومطربة واحدة هي السيدة فيروز. ويفترض المؤلف أن يكون القارئ قد قرأ ما كتبت المؤلفات اللواتي يتحدّث عنهنّ، وهذا افتراض مشروع. وبالفعل لن يستطيع القارئ أن يقدّر أو يستوعب كل ما يقوله المؤلف دون معرفة مسبقة عن المؤلفات وعن كتاباتهن. من ناحية أخرى، أرجو أن يكون الكتاب قد أثار فضول بعض القراء كما أثار فضولي، وحثهم على الاطلاع على ما كتبت أولئك الكاتبات، خاصة الكاتبات اللواتي لم يحققن شهرة كبيرة بعد.
من ناحية أخرى، بعض المقالات انطباعية أكثر منها تحليلية. فهناك فرق كبير في مستوى النقد بين ما يقوله الكاتب عن فدوى طوقان ونازك الملائكة وإيمان بدران، وبين ما يقوله عن فيروز أو آمال عوض أو صابرين فرعون أو عبلة جابر أو عبير عودة. في الحالة الأولى يتحدث المؤلف بثقة كبيرة ويستفيض في التحليل، ويعطي الكثير من الأمثلة النصية على ما يقول. أمّا في الحالة الثانية فيبدو على المؤلف أنه غير واثق مما يقول، ويكتفي ببعض التصريحات العامة الجذابة التي برأيي لا تقدّم ولا تؤخر. ومن هذه الجمل أعطي مثالا واحدا فقط مأخوذ من مقالة بعنوان "صونيا عامر وكتبها الثلاثة": "وهذه هي مهمة الأديب العضوي الذي يعيش همّ الناس، لا لينقل أوجاعهم فقط، بل ليساعدهم، وليكون لهم عونا وسندا في إشعال فتيل الأمل في النفوس" (92). جملة جميلة لكنها لا تفي بالغرض عند تقييم الأداء الأدبي للأستاذة صونيا عامر. وبعض المقالات ليس فيها عمق في التحليل ومن أمثلة ذلك المقالة بعنوان "إيمان مصاروة تلك الشاعرة اللطيفة" (ص 75) والمقالة بعنوان "الخطيئة المغفورة ولغة البوح والشجن" (ص 104). وبعض المقالات ليس نقدا بالمرة مثل المقالة بعنوان "رسالة إلى أمي حنا بكير" (ص 76). وبعضها يبيّن انعدام حيادية الكاتب فيما يكتب مثل المقال عن الأستاذة صونيا عامر. وبعض المقالات تخلو تماما من الأمثلة الدّاعمة لما يقوله المؤلف مثل المقالة بعنوان "الأناقة التعبيرية في جريمة نصف زرقاء" (ص 89).
تركّز جل اهتمام الأستاذ فراس حج محمد على النقد الشكلي أو الفني الذي يرتكز على التحليل اللغوي. وفي هذا السياق يسلط المؤلف الضّوء على الخصائص التي تجعل من العمل عملا أدبيا. فهو يتحدث عن الأخطاء النّحوية التركيبية، وعن جزم الفعل المضارع، وعن القواعد النّحويّة، وعن الرّتابة الموسيقية في الألفاظ، وعن الأخطاء المطبعية، وعن رفع ما حقه النّصب، وعن أشباه الجمل، واستخدام اسم المفعول مذكّرا مع أنّ حقه التأنيث، والتفعيلة، واستخدام الفعل المضارع، ووزن البحر الكامل، الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي، إلخ. فلنقرأ هذه الجملة مثلا مأخوذة من مقالته عن نازك الملائكة: "لم تكن هذه المقاطع متساوية، أو أنها واحدة في النغم الموسيقي، فجاءت المقاطع (1/2/4/5/7/8/9) متساوية في عدد الأبيات؛ إذ أن كل مقطع يتكون من بيتين له قافية مختلفة عن بقية مقاطع القصيدة" (ص 140). بالطبع هذا نقد موضوعي وشرعي، لكن بالنسبة للقارئ العادي فمثل هذا النقد لا يساعده على فهم أنه شريك مع الأدباء في الإنسانية، وأن الإنسانية مفعمة بالوجدان، وأن الشعر وقراءة الأدب هما الجمال بحد ذاته، وهما الحبّ والرومانسية التي نحيا من أجلهما.
من ناحية أخرى، يتحدث المؤلف لكن باختصار عن الدلالات السياقية للغة وأسلوب الكاتبات، خاصّة عندما يتحدث عن فدوى طوقان. فمن ناحيته، وهذا جيد، هنالك علاقة وثيقة ما بين التعبير اللغوي والواقع المُعاش، إذ عن طريق اللغة تستطيع الكاتبة أن تعكس واقعها. يقول الأستاذ فراس حج محمد عند حديثه عن الكاتبة الجزائرية الأستاذة ليلى رابح، بأنه عن طريق اللغة "يقدم المضمون، وبها ترسم الشخصيات" (130). وهذا ما يسميه بالتوظيف اللغويّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق