59
((المقامة الجمادية))
حكى الأديب العبادي قال: أقيم في بلادي بعيدا عن أهلي وأعيش في موطني وهويتي الإبداع
وحرفتي الإختراع ومهنتي هي سبك الأسجاع وميزتي هي فن الإقناع ولست مرتدي أي قناع ولا أنتمي إلى أتباع السباع ولم أكن يوما ما مع كتيبة الإستطلاع ولا أحب النفوذ والإطماع بل أسكن القاع قبل الإرتفاع وأنزه الأوجاع وأتذوقها بإستمتاع وأتلذذ بالجوع قبل تذوق الشبع ولست متبع تبع بل متبع سبيل الحق ومنتهج نهج الصدق ولا أنتمي إلى أي جهة أو حزب إلا جهة الأدب فوجهتي إليها وعضويتي فيها فالبيان عندي أقوى من الكيان وأغزى لكل مكان فكلمة اللسان لها
ثقل وميزان فهي حجة على الإنسان في كل زمان وإن كانت جميلة الأقوال ومسموع الأفعال وبعد أكتب لكم هذا المنوال وأحمد الله على كل حال وما زال الدهر يمر بي بين ليلة أحليها بمقامة أدبية أو صبيحة أطريها بمعلومة ذهبية وما عات بي أدبي المرغوب وما فتئ حرفي المكتوب حتى هرعت في نظم الأساليب وأقمت بنيان التراكيب وليس بعجيب على الأديب الأديب أن يستخدم الإشارة ليوصل رسالة العبارة وإن أذهب في السفارة فقد تسلق بالجدارة قبل الصدارة وأبدع في تحبير المحبرة بالمقامات المحبرة ومن قال ممنوع فقد جهل هذا النوع من الإبداع المنطق لأرشية الرقاع والمتكلم بلسان حال الواقع وإن كان من سقط المتاع ولكن هو الإبداع والإختراع في إبتكار أفكار شأنها إستنطاق الجمادات والحكي بالسان حال الموجودات وذلك هي سنن البيان حتى في القرآن إستنطق الجماد في بعض الآيات كما في قوله ((فما بكت عليهم السماء والأرض ))وقوله (( فوجدا فيها جدار يريد أن ينقض)) وقوله ((أشتدت به الريح في يوم عاصف))وغيرها وهذه من أساليب لغة الكتاب وهو تجسيد الجماد وأستعمل هذا الأسلوب في مواضع كثيرة فخشوع الحجارة وقشعريرة الجلد وكلام جهنم وسلام الجنة والحوار مع الجمادات يختلف إذا كان الخطاب موجه من الله عز وجل إلى الجمادات فهو خطاب حقيقي وهو الحق المبين أما خطاب الإنسان للجماد ليس إلا خطاب مجازي كاذب منسوج بلغة الأدب والبيان والتبيبن وخطاب الله للجماد هو الحق اليقين الذي لا يخالطه شك ولا ريب فتمعن لتدرك الخطاب الرباني في آيات الكتاب (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) ..فالخطاب في الآية الكريمة يتجلى بحقيقة عظيمة يتمثل بالخطاب الإلهي الصادق المنطق لكل سيء فالإنسان عاجز وضعيف جدا ولا يعلم بأن كل شيء ينطق من حوله ولا يدرك طبيعة الأشياء ولا يفهم لغة الجمادات من حوله وهي تنطق وتسبح وتبكي وتنوح والإنسان لا يفهم إلا القليل من لغة الروح لأنه خلق من روح عظيمة.. لذا الإنسان لا يفهم إلا جنسه وأساسه فقط ويسمع لغات الأرواح الأخرى لكن لا يفهم معناها فهو لا يفهم منطق الطير ومنطق الكائنات وإن كان يسمعها في كل وقت وحين.. أما الجمادات لا يسمعها ولا يفهما أبدا فلغة الجماد لا يدركها الإنسان ولا يسمعها تماما وأن كلمها مجازا أو حوارها لا ترد بتاتا بل هي من شواهد الوجود على الإنسان وستشهد عليه وستنطق بأمر الله وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ..(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .)...والأرض تنطق وتحدث (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا) ..فإن إستنطق الإنسان الجماد فهو من سبيل الكلام المقصود به دلالة معينة تحكمها أساليب اللغة ولا يفهم خطاب الإنسان مع الجماد إلا بلغة البيان فالبيان ينطق الجمادات ويكلم الموجودات بأسلوب الإستعارة ويستعير من صمت الجماد كلام مستعار وهو من خيال الأفكار ومن قبيل الإحلام والخيال ..والجماد في الحقيقة يفهم وينطق ويشهد ويسبح ويخشع من عظمة الله قال تبارك وتعالى لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ...فيا سبحان الله الجبل الذي مادته من الصخر يخشع يتصدع عند سماع القرآن وكأنه يعقل ويشعر ويدرك وهذا يريك التجسيد القرآني في إشاعة الحياة في الجبل والخشية من عظمة الله والجبال تسبح بحمده والطير كذلك يا جبال أوبي معه والطير بل كل الكائنات والجمادات تسبح بحمد الله تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ..إذا الجماد يتكلم ويسبح ولكن نحن البشر لا نفهم لغته قدرتنا ضعيفة جدا لذلك لا نستطيع حواره وتكليمه ولكن نستطيع إستنطاقه والله وحده لا شريك له هو القادر على تكليم الجماد وفهم كلامه وحواره وتكليمه وإنطاقه وهو الذي أنطق كل شيء ..ونحن البشر نستطيع إستنطاق الجماد في لغتنا وهو أسلوب تجسيد وظيفة من وظائف الإستعارة ويدخل فيها تعقيل ما لا يعقل من الجماد ونستطيع أيضا إستنطاق الجماد لصالحنا وبلغتنا فقد إستنطق الإنسان الجماد وأجاد في صنع أجهزة ناطقة وآلآت مطابقة للنطق والإستماع البشري فالاجهزة الالكترونية تنطق وتسجل وتدون وتخزن وتتحدث بلغة الإنسان الذي صنعها بلغته لا بلغتها إذا الإنسان المفكر والعقل المتدبر صنع الأجهزة التكنولوجية وإستنطقها بلغته وجعلها تتكلم حين تنطق وتسمع حين تسجل وتحفظ حين تخزن وتسترجع حين تستوعب وتأرشف حين تكتب وتعرض حين تشاهد وتبث وترسل وتسلسل وتتذكر حين تبحث لكنها لا تفكر إطلاقا بل عرضة لطمس والفرمتة وهي عقلية غير ثابتة وضعت لخدمة الإنسان وهي لا تساوي العقل البشري في صفتها وإن كانت مختلفة وظائفها التي تتميز بالسعة والسرعة والخزن الكبير ولكنها لا تعقل بل عقلها الإنسان لإجله وذلك ناتجة عن نضج التفكير الذي أثمره الإنسان عن طريق العلم لإن العلم يستنطق الجماد كذلك اللغة تترجم وتستنطق الجماد بلغة البيان والحمد الله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان ..فيا ربي زدني علما ...
((المقامة الجمادية))
حكى الأديب العبادي قال: أقيم في بلادي بعيدا عن أهلي وأعيش في موطني وهويتي الإبداع
وحرفتي الإختراع ومهنتي هي سبك الأسجاع وميزتي هي فن الإقناع ولست مرتدي أي قناع ولا أنتمي إلى أتباع السباع ولم أكن يوما ما مع كتيبة الإستطلاع ولا أحب النفوذ والإطماع بل أسكن القاع قبل الإرتفاع وأنزه الأوجاع وأتذوقها بإستمتاع وأتلذذ بالجوع قبل تذوق الشبع ولست متبع تبع بل متبع سبيل الحق ومنتهج نهج الصدق ولا أنتمي إلى أي جهة أو حزب إلا جهة الأدب فوجهتي إليها وعضويتي فيها فالبيان عندي أقوى من الكيان وأغزى لكل مكان فكلمة اللسان لها
ثقل وميزان فهي حجة على الإنسان في كل زمان وإن كانت جميلة الأقوال ومسموع الأفعال وبعد أكتب لكم هذا المنوال وأحمد الله على كل حال وما زال الدهر يمر بي بين ليلة أحليها بمقامة أدبية أو صبيحة أطريها بمعلومة ذهبية وما عات بي أدبي المرغوب وما فتئ حرفي المكتوب حتى هرعت في نظم الأساليب وأقمت بنيان التراكيب وليس بعجيب على الأديب الأديب أن يستخدم الإشارة ليوصل رسالة العبارة وإن أذهب في السفارة فقد تسلق بالجدارة قبل الصدارة وأبدع في تحبير المحبرة بالمقامات المحبرة ومن قال ممنوع فقد جهل هذا النوع من الإبداع المنطق لأرشية الرقاع والمتكلم بلسان حال الواقع وإن كان من سقط المتاع ولكن هو الإبداع والإختراع في إبتكار أفكار شأنها إستنطاق الجمادات والحكي بالسان حال الموجودات وذلك هي سنن البيان حتى في القرآن إستنطق الجماد في بعض الآيات كما في قوله ((فما بكت عليهم السماء والأرض ))وقوله (( فوجدا فيها جدار يريد أن ينقض)) وقوله ((أشتدت به الريح في يوم عاصف))وغيرها وهذه من أساليب لغة الكتاب وهو تجسيد الجماد وأستعمل هذا الأسلوب في مواضع كثيرة فخشوع الحجارة وقشعريرة الجلد وكلام جهنم وسلام الجنة والحوار مع الجمادات يختلف إذا كان الخطاب موجه من الله عز وجل إلى الجمادات فهو خطاب حقيقي وهو الحق المبين أما خطاب الإنسان للجماد ليس إلا خطاب مجازي كاذب منسوج بلغة الأدب والبيان والتبيبن وخطاب الله للجماد هو الحق اليقين الذي لا يخالطه شك ولا ريب فتمعن لتدرك الخطاب الرباني في آيات الكتاب (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) ..فالخطاب في الآية الكريمة يتجلى بحقيقة عظيمة يتمثل بالخطاب الإلهي الصادق المنطق لكل سيء فالإنسان عاجز وضعيف جدا ولا يعلم بأن كل شيء ينطق من حوله ولا يدرك طبيعة الأشياء ولا يفهم لغة الجمادات من حوله وهي تنطق وتسبح وتبكي وتنوح والإنسان لا يفهم إلا القليل من لغة الروح لأنه خلق من روح عظيمة.. لذا الإنسان لا يفهم إلا جنسه وأساسه فقط ويسمع لغات الأرواح الأخرى لكن لا يفهم معناها فهو لا يفهم منطق الطير ومنطق الكائنات وإن كان يسمعها في كل وقت وحين.. أما الجمادات لا يسمعها ولا يفهما أبدا فلغة الجماد لا يدركها الإنسان ولا يسمعها تماما وأن كلمها مجازا أو حوارها لا ترد بتاتا بل هي من شواهد الوجود على الإنسان وستشهد عليه وستنطق بأمر الله وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ..(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .)...والأرض تنطق وتحدث (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا) ..فإن إستنطق الإنسان الجماد فهو من سبيل الكلام المقصود به دلالة معينة تحكمها أساليب اللغة ولا يفهم خطاب الإنسان مع الجماد إلا بلغة البيان فالبيان ينطق الجمادات ويكلم الموجودات بأسلوب الإستعارة ويستعير من صمت الجماد كلام مستعار وهو من خيال الأفكار ومن قبيل الإحلام والخيال ..والجماد في الحقيقة يفهم وينطق ويشهد ويسبح ويخشع من عظمة الله قال تبارك وتعالى لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ...فيا سبحان الله الجبل الذي مادته من الصخر يخشع يتصدع عند سماع القرآن وكأنه يعقل ويشعر ويدرك وهذا يريك التجسيد القرآني في إشاعة الحياة في الجبل والخشية من عظمة الله والجبال تسبح بحمده والطير كذلك يا جبال أوبي معه والطير بل كل الكائنات والجمادات تسبح بحمد الله تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ..إذا الجماد يتكلم ويسبح ولكن نحن البشر لا نفهم لغته قدرتنا ضعيفة جدا لذلك لا نستطيع حواره وتكليمه ولكن نستطيع إستنطاقه والله وحده لا شريك له هو القادر على تكليم الجماد وفهم كلامه وحواره وتكليمه وإنطاقه وهو الذي أنطق كل شيء ..ونحن البشر نستطيع إستنطاق الجماد في لغتنا وهو أسلوب تجسيد وظيفة من وظائف الإستعارة ويدخل فيها تعقيل ما لا يعقل من الجماد ونستطيع أيضا إستنطاق الجماد لصالحنا وبلغتنا فقد إستنطق الإنسان الجماد وأجاد في صنع أجهزة ناطقة وآلآت مطابقة للنطق والإستماع البشري فالاجهزة الالكترونية تنطق وتسجل وتدون وتخزن وتتحدث بلغة الإنسان الذي صنعها بلغته لا بلغتها إذا الإنسان المفكر والعقل المتدبر صنع الأجهزة التكنولوجية وإستنطقها بلغته وجعلها تتكلم حين تنطق وتسمع حين تسجل وتحفظ حين تخزن وتسترجع حين تستوعب وتأرشف حين تكتب وتعرض حين تشاهد وتبث وترسل وتسلسل وتتذكر حين تبحث لكنها لا تفكر إطلاقا بل عرضة لطمس والفرمتة وهي عقلية غير ثابتة وضعت لخدمة الإنسان وهي لا تساوي العقل البشري في صفتها وإن كانت مختلفة وظائفها التي تتميز بالسعة والسرعة والخزن الكبير ولكنها لا تعقل بل عقلها الإنسان لإجله وذلك ناتجة عن نضج التفكير الذي أثمره الإنسان عن طريق العلم لإن العلم يستنطق الجماد كذلك اللغة تترجم وتستنطق الجماد بلغة البيان والحمد الله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان ..فيا ربي زدني علما ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق