97
حكى المفكر باعباد قال:أنهكتني مراجعة المواد الجامعية ،وما أسعدني بكتابة الافكار الإبداعية وبعد الإفراغ من مراجعة الإمتحان أمتص شرود الاذهان بلعاب البيان وأجلي وعثاء الدروس بأدب الطروس وأفرز عصارة الفكر بعد أن كنت أذاكر وأبدع بعد أن كنت أراجع فما أكثر مهام الأعمال لكن تسعدني مآل الآمال وعلى هذا المنوال قادني منال التفكير في علم الجمال وهو آية من آيات الكمال وليس كل شيء جميل في حياتنا مكتمل والجمال الحقيقي هناك ليس هنا في جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر هناك هو الجمال الحقيقي وإنما أوتينا في
حياتنا أجزاء بسيطة من الجمال حتى نعرف حقيقة الكمال ولا نغتر بما أوتينا من جمال فإن من سمات الجمال الغرور بالمظهر وإلفات المنظر فهو ملفت للمناظر ومغري للمفاخر ومثيري للمشاعر ومصفي للخواطر ومؤسر للعيون فالعين تدمن الجمال والقلب يبتهج من الجمال والنفس ترتاح من الجمال فلولا الجمال لما أحدقت العيون وأنتم حين إذا تنظرون شمش النهار وتبلج القمر في كبد السماء وتراقص الأسماك تحت الماء وتموج البحار وسكون الإسحار وإنهمار الامطار وجمال الاطيار وتدفق الانهار وتلون الأنوار وتفتح الازهار وتهدل الاشجار وجمال الورود المقطوفة بالباقات وجمال الحشرات والشرنقات وجمال الفراشات واجنحتها الملونة بألوان الحياة والطيور المغردة على أغصان الحدائق الغناء كذلك جمال الألحان العازفة من لحن الحياة الممتع المباح في الشرع فما أجمل الانماط المعسجدة وما أجمل المناظر الموجودة على بؤبؤ الجمال وما أجمل الأفكار المجردة من الهوى وما أحلى المبادئ المورقة والأراء المنمقة والضمائر الصادقة وما أجمل الألسن الناطقة وما أجمل العيون المدققة لعشق الجمال فالجمال لا يوصف في الأجسام فحسب فجمال النفوس أنفس وأفضل وإن كانت الماديات والمجسمات والأسكال والمحسوسات والملموسات تفضل لروعة الأنظار الملفتة للتأمل والمحجمة عن التكلم عن وصف جمالها ولولا جمال الورود في الحدائق الفيحاء والرياض الغناء لما أتخذت الزهور والورود منظر لزينة وقدمت كهدايا حسينة عند الأفراح لأن الأرواح تحب الجمال والذي خلق هذه الأرواح جميل يحب الجمال..فلم يجعل الله في هذا الحياة كل شيء جميل بل أعطانا جزء واحد من الجمال لنكثرة التأمل وندرك جمال الوجود فنخضع بالسجود لله وحده خالق الجمال فهو رب الكمال فلو كان كل شيء جميل في هذه الحياة لما كان للكمال معنى وما كان للجمال ذوق لأن نفوس البشر شهوانيه وتحب الأشياء الحسينة لذلك أعطيت شطر من الجمال حتى تميز كل ذي جمال فما أجمل الوردة الفائحة في بستان وريف بالأغصان الخضراء والرياض الناظرة والزهرة الحمراء والصفراء والبنفسجية والتي خلقت لتكسي العين نظرة وتشنف الأنف عطره وتسعد القلب بهجة وتحلي الفم مذقا رطبا وتشدوا بالنفس طربا وتكسي الأرض ربيعا خصبا فتدبر معنى الجمال في هذه الآيات من سورة عبس (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا(27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ..ذلك متاع الحياة الدنيا فقد قال ربنا عز وجل (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾فالجمال أنواع وأصناف لا نقدر إحصاؤه ببعض الأوصاف ليس الجمال مقصود به الأجسام فحسب بكل هناك جمال الكلام وجمال البيان وجمال المكان وجمال الزمان وجمال الأيام والأعوام فإنك تقول عام جميل ويوم جميل وذلك لجمال روحك وصفاء شعورك فالزمان هو الزمان وإن كان المكان يوصف جمال الأشياء الظاهرة التي تتغير مع مجريات الزمان لكن جمال الباطن أعظم من جمال الظاهر فجمال الأوراح وجمال النفوس من مشاعر وحنين وحب وشوق وخلق وغيرها لا توصف بوصف لأنها معنوية لا نلتمسها بل نحس بها فكم من قلب مطرب وخاطر منزعج يرى المكان المبهج ليس جميل وذلك لأن معيار الجمال وتقديره ومعرفة جوهره يكمن في النفوس قبل المنظر المحسوس فالمشاهد هي المشاهد والمشهد هو المشهد لكن تختلف العيون من حيث مدى النظر وتختلف القلوب من حيث الإبصار فكم من إنسان حرم نعمة النظر لكنه لم يحرم نعمة البصر فالإبصار من البصيرة ومكانها القلب لذلك سمي الإنسان الأعم بالبصير لأنه يدرك الأشياء ببصيرة القلب فيوصف الشيء الجميل أحسن من الإنسان الكامل النظر معظم الناس متكل النظر وقلبه يخلو من البصر فلا يدرك حقيقة الأمور لأنها لا تعمى الإبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ..فجمال الشعور لا يوصف وجمال العقول لا يعرف إلا بجمال البصيرة وعمق الدراية قال المفكر بهذه الفلسفة وهو كاتب هذه الحروف المنسفة من مشكاة الإقناع والنابضة من منبع الإبداع وهو الأديب باعباد يقول: ليس كل جميل في نظرك جميل كما تظن حينما تنظر إلى مشاهد لا تكون جميلة إن كانت في معصية الخالق بل هي منافية لأخلاق الجمال التي ينبغي أن تكون في حدود الجمال المسموح لغريزة الروح التي تتغذى على فطرة الكون وتسبر روحها من وحي الدين فكم من الأشياء الجميلة هي قبيحة إن كانت من جمال المعاصي المرتكبه أو من أهواء النفوس المحبة للخروج عن قاعدة الفطرة السليمة والقيم العظيمة التي يقوم عليها الجمال فالنفس بطبعتها أمارة بالسوء إلا من رحم ربي فكم من جميل هو أقبح شيء على الوجود إن كان منافي لحقيقة الوجود وكم من قبيح هو أجمل الأشياء إن كان من ثوابت الكون وسننه العظيمة فالحياة ليست جميلة بظنك إن كانت أمامك بئيسة وشقية وتعيسة ولكنها جميلة في نظر غيرك إن كانت في نعيم وهناء وسعادة لكن طبعية المعتقدات لها ثوابت وطبيعة الأشياء لها إستثناءات وطبعية المشاعر لها متغيرات وطبيعة النفوس لها مزاجات تتغير في كل وقت وحين ومشاعر النفس البشرية ليست مستقرة والمبادئ المعنوية ليست ثابتة بل لها إستثناءات فالتذلل في طاعة الله عباده والإلحاح عند مناجاته فلاح كذلك من الذل رحمة عندما يكون في طاعة الوالدين ومن الخوف شجاعة في مواقف الحذر ومن الشجاعة خوف عند الخطر ومن الكذب منجاة في موقف الحرب ودواعب الحب ومن الصدق مهلكة في بعض الأفعال ومن السحر حلال عندما يكون في لغة البيان ومن العلم جهل إذا إنطوى على الكتمان كذلك السكوت كلام في لغة القبول والصمت كلام في لغة الأحاسيس والإشارة كلام في لغة المشاعر والكلام يتجاوز عن معناه إذا أصبح هذيان ومن العزم هزيمة إن كان وسيلة إلى الإنهزام ومن النجاح فشل إن زاد عن حد النضج فهناك ثمرة بازغة وثمرة ناضجة وثمرة يانعة فالبزوغ لا زال في أول مرحلة من مراحل النجاح والينوع آخر مرحلة من مراحل النجاح فالوصول إلى مرحلة الينوع هو في الحقيقة فشل وفساد لأنه زاد عن الحد الطبيعي له فكم من ثمرة يانعة يرمى بها في الكداديف وكم من فكرة ناضجة جاوزت حدها فتحولت إلى فكرة متتطرقة وكم من شهوة وصلت إلى حد الترف وكم من نجاح وصل إلى درجة الشرف ثم تحول إلى فشل معترف به أمام مجتمعات تقترف الجهل بوسيلة العلم وتحارب العلم بوسائل الجهل فكل نجاح ليس نجاح كما تظن إذا جاوز الحد الطبيعي وهو النضوج لذلك يجب أن تقوم الأشياء والمعتقدات والتصرفات والأقوال والأفعال على مستوى واحد وهو الوسطية لا زيادة فيها ولا غلو ولا نقصان بل الوسطية هي تمام كل بنيان حتى في الجمال إن زاد عن حد الوسطية وما زاد عن تبهرج الجمال فهو ماذر عن نظر العين لأنه إزداد عن تبهرج الجمال وتحول إلى منظر مزعج بكثرة الأوان التي أخرجته عن حده الطبيعي وكم من مذاق حلو يتحول إلى ماسج في طعم اللسان لأنه إزداد عن حد الحلوة الطبيعية عندما تتذوق شيء حلو وتتذوق بعده شيء آخر حلو يفسد المذاق عندك لأنك خلطت شيئين ذو طعم واحد لذا ينبغي الأخذ بمبدأ واحد وهو الوسطية في كل شيء قال الأديب باعباد جمال الألوان ليس في رونقها بل في تنوعها وأجمال الأحجار بتعددها وجمال الأرض والطبيعة بطبعتها التي خلقت عليها من نجوم ومجرات وشمس وقمر وجبال وأنهار وبحار وثلوج ومياه وأرض وكثبان وتراب وسماء وسحاب وضباب وغازات وغيرها وتكون جميلة بمظاهرها التي نرها أو لا نرها بل نحس بها مثل الريح والهواء والنسيم والنور والظلام وتكون جميلة بأصواتها التي نسمعها وروائحها التي نستنشقها ولكن لا نرها بل نحسها كذلك مذاقاتها التي نتذوقها وتكون جميلة الأرض والطبيعة حية بكائناتها وحيواناتها وحشاراتها وطيورها وتكون جميلة بأشكالها وتضاريسها ومناخها وخضرتها وتدفق أمواجها وبروق برقها ورعود رعدها وخرير مائها وزفير ريحها ونسيم هوائها وبرودة جوها وحرارة نارها وكل هذه الأشياء هي صفات الجمال ومقومات الحياة وقبل الوصول إلى النهاية قال المخبر بهذه المقامة وناسج هذه الحكاية لا نستتطيع وصف الجمال بكلمات ولا نستطيع تقدير الجمال ببعض السمات وإنما تتطرقنا إلى لمسات فكرية بهذه المقامة السردية فالجمال يتعدد والجمال يتجدد والجمال لا يمكن أن يتحدد على إطار معين أو شكل معين أو لون ملون بل كل شيء وجد في هذه الحياة له صفات معينة من الجمال فعندما تتذوق المأكولات تتلذذ بمذاقها وعندما تنظر إلى الأشياء تنبهر من مظاهرها وحين تنظر إلى الأشكال تتعجب من شكلها وحين تلحظ المشاهد تندهش من مشاهدتها وكذلك الأخلاق عندما تسلك مبادئها تستمتع بإنفردها عن الأخلاق السلبية فما أجمل جمال الأخلاق وما أجمل جمال الأذواق وما أجمل جمال المشاعر وما أجمل جمال الخواطر وما أجمل جمال الأحاسيس فهي نفائس النفوس ومكانها في الروح لذلك كن جميلا ترى الوجود جميلا كن جميل النفس قبل أن تكون جميل المنظر كن جميل القلب قبل أن تكون جميل المظهر كن جميل الروح قبل أن تكون ذو زهاء ووضوح وعليك أن تهتم بجمال المعنويات قبل جمال الماديات..
أيّها الشّاكي وما بك داء كن جميلا تر الوجود جميلا
والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا
..فيا من تقرأ حروفي الآن خذ ما تراه جميل ودع ما تراه رذيل وأن أعجبك جمال يوسف في هذا الأسلوب فلا تندهش فعندي حزن يعقوب فيا رب أسعد جميع القلوب وجنبنا الذنوب...
فمقامتي مذ فارقت كتابتها
لم يبرح الدمع من عيني سكوبا
كأنها يوسف في الحسن إذ خلقت
لفظا وعندي خزن يعقوبا.....
حسين خلف موسى
حكى المفكر باعباد قال:أنهكتني مراجعة المواد الجامعية ،وما أسعدني بكتابة الافكار الإبداعية وبعد الإفراغ من مراجعة الإمتحان أمتص شرود الاذهان بلعاب البيان وأجلي وعثاء الدروس بأدب الطروس وأفرز عصارة الفكر بعد أن كنت أذاكر وأبدع بعد أن كنت أراجع فما أكثر مهام الأعمال لكن تسعدني مآل الآمال وعلى هذا المنوال قادني منال التفكير في علم الجمال وهو آية من آيات الكمال وليس كل شيء جميل في حياتنا مكتمل والجمال الحقيقي هناك ليس هنا في جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر هناك هو الجمال الحقيقي وإنما أوتينا في
حياتنا أجزاء بسيطة من الجمال حتى نعرف حقيقة الكمال ولا نغتر بما أوتينا من جمال فإن من سمات الجمال الغرور بالمظهر وإلفات المنظر فهو ملفت للمناظر ومغري للمفاخر ومثيري للمشاعر ومصفي للخواطر ومؤسر للعيون فالعين تدمن الجمال والقلب يبتهج من الجمال والنفس ترتاح من الجمال فلولا الجمال لما أحدقت العيون وأنتم حين إذا تنظرون شمش النهار وتبلج القمر في كبد السماء وتراقص الأسماك تحت الماء وتموج البحار وسكون الإسحار وإنهمار الامطار وجمال الاطيار وتدفق الانهار وتلون الأنوار وتفتح الازهار وتهدل الاشجار وجمال الورود المقطوفة بالباقات وجمال الحشرات والشرنقات وجمال الفراشات واجنحتها الملونة بألوان الحياة والطيور المغردة على أغصان الحدائق الغناء كذلك جمال الألحان العازفة من لحن الحياة الممتع المباح في الشرع فما أجمل الانماط المعسجدة وما أجمل المناظر الموجودة على بؤبؤ الجمال وما أجمل الأفكار المجردة من الهوى وما أحلى المبادئ المورقة والأراء المنمقة والضمائر الصادقة وما أجمل الألسن الناطقة وما أجمل العيون المدققة لعشق الجمال فالجمال لا يوصف في الأجسام فحسب فجمال النفوس أنفس وأفضل وإن كانت الماديات والمجسمات والأسكال والمحسوسات والملموسات تفضل لروعة الأنظار الملفتة للتأمل والمحجمة عن التكلم عن وصف جمالها ولولا جمال الورود في الحدائق الفيحاء والرياض الغناء لما أتخذت الزهور والورود منظر لزينة وقدمت كهدايا حسينة عند الأفراح لأن الأرواح تحب الجمال والذي خلق هذه الأرواح جميل يحب الجمال..فلم يجعل الله في هذا الحياة كل شيء جميل بل أعطانا جزء واحد من الجمال لنكثرة التأمل وندرك جمال الوجود فنخضع بالسجود لله وحده خالق الجمال فهو رب الكمال فلو كان كل شيء جميل في هذه الحياة لما كان للكمال معنى وما كان للجمال ذوق لأن نفوس البشر شهوانيه وتحب الأشياء الحسينة لذلك أعطيت شطر من الجمال حتى تميز كل ذي جمال فما أجمل الوردة الفائحة في بستان وريف بالأغصان الخضراء والرياض الناظرة والزهرة الحمراء والصفراء والبنفسجية والتي خلقت لتكسي العين نظرة وتشنف الأنف عطره وتسعد القلب بهجة وتحلي الفم مذقا رطبا وتشدوا بالنفس طربا وتكسي الأرض ربيعا خصبا فتدبر معنى الجمال في هذه الآيات من سورة عبس (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا(27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ..ذلك متاع الحياة الدنيا فقد قال ربنا عز وجل (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾فالجمال أنواع وأصناف لا نقدر إحصاؤه ببعض الأوصاف ليس الجمال مقصود به الأجسام فحسب بكل هناك جمال الكلام وجمال البيان وجمال المكان وجمال الزمان وجمال الأيام والأعوام فإنك تقول عام جميل ويوم جميل وذلك لجمال روحك وصفاء شعورك فالزمان هو الزمان وإن كان المكان يوصف جمال الأشياء الظاهرة التي تتغير مع مجريات الزمان لكن جمال الباطن أعظم من جمال الظاهر فجمال الأوراح وجمال النفوس من مشاعر وحنين وحب وشوق وخلق وغيرها لا توصف بوصف لأنها معنوية لا نلتمسها بل نحس بها فكم من قلب مطرب وخاطر منزعج يرى المكان المبهج ليس جميل وذلك لأن معيار الجمال وتقديره ومعرفة جوهره يكمن في النفوس قبل المنظر المحسوس فالمشاهد هي المشاهد والمشهد هو المشهد لكن تختلف العيون من حيث مدى النظر وتختلف القلوب من حيث الإبصار فكم من إنسان حرم نعمة النظر لكنه لم يحرم نعمة البصر فالإبصار من البصيرة ومكانها القلب لذلك سمي الإنسان الأعم بالبصير لأنه يدرك الأشياء ببصيرة القلب فيوصف الشيء الجميل أحسن من الإنسان الكامل النظر معظم الناس متكل النظر وقلبه يخلو من البصر فلا يدرك حقيقة الأمور لأنها لا تعمى الإبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ..فجمال الشعور لا يوصف وجمال العقول لا يعرف إلا بجمال البصيرة وعمق الدراية قال المفكر بهذه الفلسفة وهو كاتب هذه الحروف المنسفة من مشكاة الإقناع والنابضة من منبع الإبداع وهو الأديب باعباد يقول: ليس كل جميل في نظرك جميل كما تظن حينما تنظر إلى مشاهد لا تكون جميلة إن كانت في معصية الخالق بل هي منافية لأخلاق الجمال التي ينبغي أن تكون في حدود الجمال المسموح لغريزة الروح التي تتغذى على فطرة الكون وتسبر روحها من وحي الدين فكم من الأشياء الجميلة هي قبيحة إن كانت من جمال المعاصي المرتكبه أو من أهواء النفوس المحبة للخروج عن قاعدة الفطرة السليمة والقيم العظيمة التي يقوم عليها الجمال فالنفس بطبعتها أمارة بالسوء إلا من رحم ربي فكم من جميل هو أقبح شيء على الوجود إن كان منافي لحقيقة الوجود وكم من قبيح هو أجمل الأشياء إن كان من ثوابت الكون وسننه العظيمة فالحياة ليست جميلة بظنك إن كانت أمامك بئيسة وشقية وتعيسة ولكنها جميلة في نظر غيرك إن كانت في نعيم وهناء وسعادة لكن طبعية المعتقدات لها ثوابت وطبيعة الأشياء لها إستثناءات وطبعية المشاعر لها متغيرات وطبيعة النفوس لها مزاجات تتغير في كل وقت وحين ومشاعر النفس البشرية ليست مستقرة والمبادئ المعنوية ليست ثابتة بل لها إستثناءات فالتذلل في طاعة الله عباده والإلحاح عند مناجاته فلاح كذلك من الذل رحمة عندما يكون في طاعة الوالدين ومن الخوف شجاعة في مواقف الحذر ومن الشجاعة خوف عند الخطر ومن الكذب منجاة في موقف الحرب ودواعب الحب ومن الصدق مهلكة في بعض الأفعال ومن السحر حلال عندما يكون في لغة البيان ومن العلم جهل إذا إنطوى على الكتمان كذلك السكوت كلام في لغة القبول والصمت كلام في لغة الأحاسيس والإشارة كلام في لغة المشاعر والكلام يتجاوز عن معناه إذا أصبح هذيان ومن العزم هزيمة إن كان وسيلة إلى الإنهزام ومن النجاح فشل إن زاد عن حد النضج فهناك ثمرة بازغة وثمرة ناضجة وثمرة يانعة فالبزوغ لا زال في أول مرحلة من مراحل النجاح والينوع آخر مرحلة من مراحل النجاح فالوصول إلى مرحلة الينوع هو في الحقيقة فشل وفساد لأنه زاد عن الحد الطبيعي له فكم من ثمرة يانعة يرمى بها في الكداديف وكم من فكرة ناضجة جاوزت حدها فتحولت إلى فكرة متتطرقة وكم من شهوة وصلت إلى حد الترف وكم من نجاح وصل إلى درجة الشرف ثم تحول إلى فشل معترف به أمام مجتمعات تقترف الجهل بوسيلة العلم وتحارب العلم بوسائل الجهل فكل نجاح ليس نجاح كما تظن إذا جاوز الحد الطبيعي وهو النضوج لذلك يجب أن تقوم الأشياء والمعتقدات والتصرفات والأقوال والأفعال على مستوى واحد وهو الوسطية لا زيادة فيها ولا غلو ولا نقصان بل الوسطية هي تمام كل بنيان حتى في الجمال إن زاد عن حد الوسطية وما زاد عن تبهرج الجمال فهو ماذر عن نظر العين لأنه إزداد عن تبهرج الجمال وتحول إلى منظر مزعج بكثرة الأوان التي أخرجته عن حده الطبيعي وكم من مذاق حلو يتحول إلى ماسج في طعم اللسان لأنه إزداد عن حد الحلوة الطبيعية عندما تتذوق شيء حلو وتتذوق بعده شيء آخر حلو يفسد المذاق عندك لأنك خلطت شيئين ذو طعم واحد لذا ينبغي الأخذ بمبدأ واحد وهو الوسطية في كل شيء قال الأديب باعباد جمال الألوان ليس في رونقها بل في تنوعها وأجمال الأحجار بتعددها وجمال الأرض والطبيعة بطبعتها التي خلقت عليها من نجوم ومجرات وشمس وقمر وجبال وأنهار وبحار وثلوج ومياه وأرض وكثبان وتراب وسماء وسحاب وضباب وغازات وغيرها وتكون جميلة بمظاهرها التي نرها أو لا نرها بل نحس بها مثل الريح والهواء والنسيم والنور والظلام وتكون جميلة بأصواتها التي نسمعها وروائحها التي نستنشقها ولكن لا نرها بل نحسها كذلك مذاقاتها التي نتذوقها وتكون جميلة الأرض والطبيعة حية بكائناتها وحيواناتها وحشاراتها وطيورها وتكون جميلة بأشكالها وتضاريسها ومناخها وخضرتها وتدفق أمواجها وبروق برقها ورعود رعدها وخرير مائها وزفير ريحها ونسيم هوائها وبرودة جوها وحرارة نارها وكل هذه الأشياء هي صفات الجمال ومقومات الحياة وقبل الوصول إلى النهاية قال المخبر بهذه المقامة وناسج هذه الحكاية لا نستتطيع وصف الجمال بكلمات ولا نستطيع تقدير الجمال ببعض السمات وإنما تتطرقنا إلى لمسات فكرية بهذه المقامة السردية فالجمال يتعدد والجمال يتجدد والجمال لا يمكن أن يتحدد على إطار معين أو شكل معين أو لون ملون بل كل شيء وجد في هذه الحياة له صفات معينة من الجمال فعندما تتذوق المأكولات تتلذذ بمذاقها وعندما تنظر إلى الأشياء تنبهر من مظاهرها وحين تنظر إلى الأشكال تتعجب من شكلها وحين تلحظ المشاهد تندهش من مشاهدتها وكذلك الأخلاق عندما تسلك مبادئها تستمتع بإنفردها عن الأخلاق السلبية فما أجمل جمال الأخلاق وما أجمل جمال الأذواق وما أجمل جمال المشاعر وما أجمل جمال الخواطر وما أجمل جمال الأحاسيس فهي نفائس النفوس ومكانها في الروح لذلك كن جميلا ترى الوجود جميلا كن جميل النفس قبل أن تكون جميل المنظر كن جميل القلب قبل أن تكون جميل المظهر كن جميل الروح قبل أن تكون ذو زهاء ووضوح وعليك أن تهتم بجمال المعنويات قبل جمال الماديات..
أيّها الشّاكي وما بك داء كن جميلا تر الوجود جميلا
والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا
..فيا من تقرأ حروفي الآن خذ ما تراه جميل ودع ما تراه رذيل وأن أعجبك جمال يوسف في هذا الأسلوب فلا تندهش فعندي حزن يعقوب فيا رب أسعد جميع القلوب وجنبنا الذنوب...
فمقامتي مذ فارقت كتابتها
لم يبرح الدمع من عيني سكوبا
كأنها يوسف في الحسن إذ خلقت
لفظا وعندي خزن يعقوبا.....
حسين خلف موسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق