اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

تاريخ ضائع التراث الخالد لعلماء الإسلام ومفكريه وفنانيه

عرض: محمود ثروت أبوالفضل
♦ اسم الكتاب: تاريخ ضائع - التراث الخالد لعلماء الإسلام ومفكريه وفنانيه.
♦ المؤلف: مايكل هاميلتون مورجان.
♦ ترجمة: أميرة نبيه بدوي.
♦ سنة النشر: مارس 2008م.
♦ دار النشر: دار نهضة مصر.
♦ صفحات الكتاب: 313.

يُجيب هذا الكتاب "تاريخ ضائع" للأستاذ "مايكل مورجان"، عن السؤال الذي يُلِح كثيرًا في أذهان الكثير من المسلمين، ومَن يهمهم أمرُ هذا الدين في الوقت الحاضر، ألا وهو: لماذا مع كل هذا التاريخ العريق للحضارة الإسلاميَّة الزاهرة
في عصورها المتتالية، تأخَّرَ ارتقاء وظهور المسلمين، وتأخَّرَ دخولهم عصر "الحضارة الصناعيَّة" بدلاً من"أوروبا"، التي كانتْ حتى بدايات القرون الحديثة ما زالتْ تَرْزح في عصور"الظلاميَّة" و"الانغلاق"؟!

كيف تحوَّل الوضع إلى النقيض تمامًا، وصارَت الدول الإسلاميَّة تَستجدي فُتات موائد الغرب الأوروبي؟ كيف تناسى المسلمون أنه في الوقت الذي كانت فيه "أوروبا" تعيش في ظلام ما يُعرف بـ"العصور الوسطى"، كانت الشوارع في "دمشق" و"قرطبة" و"القاهرة" و"بغداد"، تُنار بالمصابيح الزيتيَّة، وكان ملوك دويلات أوروبا المتناحرة وقادتها يُرسلون بناتهم وأبناءهم إلى بلاط الخلفاء المسلمين في الأندلس؛ لتعلُّم مبادئ القراءة والكتابة العربية، وآداب السلوك واللياقة.

كان العالم الإسلامي مرشحًا بقوَّة حسب استقراء التاريخ البشري لدخول هذا العالم "الصناعي" والرِّيادة فيه؛ تبعًا لتاريخه الزاهر في مجال الفنون والعلوم، والآداب والصناعات، في الوقت الذي تحاول أوروبا فيه اللحاق برَكْب "الحضارة الإسلاميَّة"، حسب قواعد الحتميَّة التاريخية، كيف انقلبَت الآية إذًا؟

"لماذا تخلَّفت عن الرَّكب تلك المجتمعات التي قادَت العالم لقرون في مجالات شتَّى، ووضَعت الأساس لبزوغ الأفكار والعلوم الأوروبيَّة؟"، ص290.

يعدُّ كاتب الكتاب الأستاذ "مايكل مورجان" من أهم الكُتَّاب الدبلوماسيين الأمريكيين المعاصرين، وهو رئيس ومؤسس منظمة "أُسس جديدة للسلام" الأمريكيَّة، وعَمِل دبلوماسيًّا في الخارجية الأمريكية في المدة من 1980م وحتى عام 1987م، كما شَغَل منصب نائب مدير الأفراد باللجنة الثنائيَّة التابعة للبيت الأبيض، حيث كان مشرفًا على برنامج منحة "فولبرايت"، وبرنامج التبادل الثقافي، وتَحظى كتاباته بمتابعة جيِّدة من وسائل الإعلام، واحتفاء من الصحفيين والمُفكرين، وتَمَّ تحويل بعضها إلى أفلام وثائقيَّة في قناة "ناشيونال جيوغرافيك" الوثائقيَّة، ومن أهم مؤلَّفاته الأخرى بالاشتراك مع كُتَّاب آخرين: "التصادم مع التاريخ: البحث عن سفينة جون كينيدي (Pt- 109)"، "جزيرة العرب: العصور الذهبيَّة"، "المقابر في منطقة المحيط الهادئ"، "حرب الشفق".

وضَع مايكل مورجان كتابه "تاريخ ضائع" في ثمانية فصول شرح فيهنَّ - باستفاضة مميزة - تاريخ وتراث المسلمين، وأَوْجه إبداعاتهم الحضارية في كلٍّ من مجالات الرياضيات والفلك، وعلوم البصريات والجغرافيا، والطب والعمارة، والقيادة العسكرية والسياسية عند المسلمين.

وجاءت عناوين فصوله على النحو التالي:

الفصل الأول: أبناء روما:

وضَع فيه الكاتب سردًا تاريخيًّا لبدايات الرسالة المحمديَّة وظهورها بفَتْح مكة، وتوحيد جزيرة العرب تحت راية الإسلام، ثم وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم توالي الفتوحات الإسلامية على يد الخلفاء الراشدين: سيدنا أبي بكر الصِّديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - واتِّساع رُقعة الدولة الإسلامية، وتمدُّدها على حساب الإمبراطوريتين العُظميين: الرومانية والفارسية؛ حتى وصَل الفاتحون المسلمون إلى حدود أوروبا في إسبانيا والبرتغال، وتوقُّفها عند حدود "باريس" بفرنسا في موقعة "بلاط الشهداء" الشهيرة، والتي استُشْهِد فيها القائد الإسلامي "عبدالرحمن الغافقي" وأغلب قوَّاته؛ حيث أوقَفَت هذه الهزيمة المفاجئة الزحف الإسلامي تُجاه قلب أوروبا حتى حين.

الفصل الثاني: مُدُن العباقرة المفقودة:

يذكر فيه الكاتب تاريخ المسلمين خلال عهد الخلافتين: الأموية والعباسية، وإنشاء المدن الزاهرة على أيدي خلفائهما، في مختلف الأراضي التي تَمَّ فَتْحها والتوسُّع فيها؛ كدمشق وبغداد، وسامراء وقرطبة وغيرها، ويذكر أيضًا تاريخ الخلافة الأمويَّة الزاهرة في بلاد الأندلس على يد عبدالرحمن الداخل، آخر الناجين وأخيه من البيت الأموي من مذبحة العباسيين، وصعود الحضارة الإسلامية وتوهُّجها في بلاد الأندلس، ووصولها لأَرْقى مظاهر الحضارة الإنسانيَّة قبل سقوطها أمام توحُّد ملوك النصارى ضدها، ويَسرد الكاتب - إلى جانب تلك المدن التي تُبرز تاريخ الإسلام وحضارته - تاريخ مدن أخرى عريقة؛ كالقاهرة عاصمة الخلافة الفاطميَّة بعد سقوط بغداد على يد المغول، وكأصفهان في بلاد فارس تحت حُكم السلاجقة الأتراك خلال القرن 11م، وسمرقند في وسط آسيا تحت حكم "تيمور لنك" المغولي، و"دلهي، وأكرا" في بلاد الهند خلال عهد ملوك الهند المسلمين كبابر وجلال الدين أكبر، وشاه جهان.

الفصل الثالث: تجلي عَظمة الله في الأرقام:

يَذكر الكاتب في هذا الفصل إبداعات العلماء المسلمين في علوم الرياضيَّات، ومن أهم هؤلاء العلماء "محمد بن موسى الخوارزمي" الفارسي مُنشِئ عِلم الجبر، والذي احتضَن موهبته الخليفة "المأمون"، الذي كان مهتمًّا برعاية أرباب العلوم المختلفة، وأنشأ لهم ببغداد خصِّيصًا "بيت الحكمة"، وضمَّ فيه سائر العلماء والمفكرين والفلاسفة، والمناطقة والفلكِيِّين، ومن أهم إنجازات الخوارزمي وَضْع "الصفر" في مركز عالم الرياضيات تُحيط به القِيَم الحسابية بالموجب والسالب، إلى جانب تعزيز دور الأرقام "الهندية"، واعتمادها في الترقيم الحسابي، وسوف يَحترم الأوروبيون الخوارزمي، وسيَقدرون كلَّ ما كتَبه بعد وفاته بسبعة قرون، وسيَعتبرونه من المسلَّمات، حتى إنَّ الحواشي السفلية لمؤلَّفاتهم ستحتوي على ملحوظة: "كما قال ذلك الخوارزمي"، وأيضًا يذكر الكاتب جهود العالم "ثابت بن قرَّة" في مجال علوم الرياضيات المتقدِّمة؛ حيث عَمِل ثابت بن قرَّة في مجال القطع المكافئ، وتقسيم الزاوية إلى ثلاث قطع متساوية، والمربَّعات السحرية وغيرها، وأيضًا نجد "البتاني" العالم المسلم الذي قدَّر طول السنة، واختلَفَت دِقَّة حساباته بضع دقائق فقط عن طول السنة الصحيح حاليًّا، والذي تَمَّ حسابه بالتلسكوبات الدقيقة، وأيضًا برَع في علوم الرياضيات كلٌّ من "النيريزي" و"الإقليديسي" و"أبو الوفا الفارسي"، ولهم جهود بارزة في تطوُّر علوم الرياضيات، أما في عهد "الحاكم بأمر الله الفاطمي"، فنجد إبداعات العالم الفذِّ "الحسن بن الهيثم" الحضارية؛ حيث ألَّف أكثر من 200 مؤلَّف في علوم مختلفة، ووضَع حجر الزاوية للنظريات الرياضية والبصريَّة التي ستمكِّن علماء، مثل: "جاليليو" و"كوبرنيكوس"، من فَهْم العلاقة بين الأرض والنجوم السماوية الأخرى، فضلاً عن حجم الكواكب نفسها، وفي عهد السلاجقة يَلمع نجم الشاعر المشهور والرياضي "عمر بن إبراهيم الخيَّام"، والذي يَبتكر منهجًا لحلِّ المعادلات التكعيبيَّة، والتي لن يَفهمها إلاَّ الطلاب المتفوقون في الرياضيَّات بعد ألف سنة تالية، ويبدأ في تنقيح معادلات "إقليدس" الهندسيَّة؛ حيث يساعد في التطوُّر التدريجي لعلوم الهندسة خارج نظريات "إقليدس" العتيقة، هذا إلى جانب نبوغه في علوم الفلك كذلك.


الفصل الرابع: أشكال النجوم:

لا يُمكننا التفرقة بين علماء الرياضيات وعلماء الفلك المسلمين أنفسهم، ونجد أنَّ الفلك تطوَّر في العصور الإسلامية من كونه رَجمًا بالغيب واستنباءً، إلى معادلات رقميَّة وبحوث حسابيَّة، ونظريَّات كونيَّة، تَلتزم جانب التجربة العلمية والعمليَّة، هذا إلى جانب أهميَّة علوم الفلك في خدمة الجانب الديني للإسلام، من حيث تحديد مواقيت الصلاة، واتِّجاه القِبلة، ووَضْع التقويم السنوي، وملاحظة حركة الهلال، ونجد من أهم علماء المسلمين في مجال الفلك "الطوسي"، و"البيروني"، و"إبراهيم الفزاري"، و"المجريطي"، و"الفرغاني"، و"أبو إسحاق الزرقالي"، و"نور الدين البطروجي"، و"موسى بن ميمون"، و"ابن رشد الحفيد"، و"عمر الخيَّام".


ونجد أنَّ المسلمين قد سبَقوا العلماء الغربيين في اكتشاف كرويَّة الأرض، واعتماد خطوط الطول على أنَّ الأرض دائريَّة، ودون ذلك لَم يكن للهندسة الكروية أن تتطوَّر، وأيضًا إثبات دوران الأرض وعدم ثباتها، إلى جانب اختراع الآلات الفلكيَّة مُعقدة التركيب، التي تُساعد على معرفة البيانات الفلكيَّة وتحديد الوقت بدقَّة، وكان من أهمِّها "الأسطرلاب"، الذي عُدَّ أساس عمل الملاحة حتى القرن 18 الميلادي، وأغلب أسماء النجوم السماوية مشتقة من أسماء عربيَّة، أطْلَقها عليها فلكيون مسلمون منسيُّون، وساعَدَهم في ذلك بناء المراصد الفلكية في بغداد ودمشق وغيرها، ونجد أنَّ المسلمين نوَّهوا في كتاباتهم بالكثير من الظواهر الفلكية المتعاقبة، واستطاعوا تفسير حدوثها وأوقاتها زمنيًّا؛ مثل: كسوف الشمس، وخسوف القمر، بل إن أحد الفلكيين الأطبَّاء وهو "ابن رضوان" استطاع تفسير وملاحظة حادثة مهمَّة وهو في الثامنة عشرة من عُمره عن طريق الملاحظة؛ حيث نوَّه في أحد كتاباته بمشاهدته لانفجار نجم ساطع أضاءَسماء القاهرة في عام 1006م، خلال عهد"الحاكم بأمر الله"، ويأتي العلماء الفلكيُّون بعده بمئات السنين ليؤكِّدوا صحة أقواله، ويُطلقوا على هذا النجم اسم "المستعر أو الطارف الأعظم"، وفي الأندلس يَبتكر"الزرقالي" ساعة وقتيَّة تُعرف باسم:"ساعة طليطلة المائية الضخمة"، ولا تُشير هذه الساعة لساعات الليل والنهار فقط، ولكن أيضًا إلى أيام التقويم القمري، ويكتب "الزرقالي" واحدًا من أوائل الكتب في المناخ، وقد أُدْخِلت كلمة المناخ بعد ذلك للغات اللاتينيَّة من العربية، وأصبَحت (almanac)، إلاَّ أنَّ أعظم ما يحسب للفلكيين المسلمين هو عدم تسليمهم بصحة كتابات اللاتينيين من قبلهم، كبطليموس وغيره، واعتمادهم على مذهب التجربة في أكثر بحوثهم وأفكارهم، ومعظم تلك التجارب اعتمَد عليها كلٌّ من "جاليليو" و"كوبرنيكوس" في العصر الحديث، ونَسَبوا أغلبها لأنفسهم، يكتب المؤرِّخ العلمي "ديفيد كينج" قائلاً: "ما أظهَرته آخر البحوث العلمية في وقتنا الحاضر، هو أنَّ كلَّ الابتكارات في الأجهزة الفلكية في أوروبا حتى عام 1550، كانت مأخوذة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر من الحضارة الإسلاميَّة، أو تَحدَّث عنها الفلكيون المسلمون في مكانٍ ما"، ص 149.

الفصل الخامس: المخترعون والعلماء:

عرَفت الحضارة الإسلاميَّة كثيرًا من المخترعين الذين كانت اختراعاتهم أساسَ وأصل الحضارة الصناعية التي ترفُل فيها أوروبا في الوقت الحاضر؛ حيث كانت أفكارهم بمثابة "نواة" عصر "الماكينات" الذي دخَلته أوروبا، وصارَت به سيدة العالم المتحضِّر، فنجد في قرطبة ببلاد الأندلس عام 875م بزوغَ نجم العالم الأندلسي "عباس بن فرناس"، الذي أبدَع محاولته الأولى للطيران من فوق جبال قرطبة غرب المدينة، وذلك باستخدام شكل مُبَسَّط لمحاكاة الطائر، لكنَّه نَسِي أثناء تركيبه مُجَسِّم الطائر على جسده "ذيل الطائر"؛ لإحداث التوازُن، وتقليل حركة السقوط عند الهبوط، وعلى الرغم من أنَّ محاولته باءَت بفشل جزئي، فإنها كانت أُولى محاولات ما يُعرف بـ"الطيران الحديث"، أمَّا في بغداد عام 805م، فنجد العالم المسلم "جابر بن حيان"، والذي عُرِف بلقب: "أبو الكيمياء"، والذي كان من أهم مُخترعاته ابتكاره أوَّل "أمبيق" لتقطير الكحول، واكتشافه الحمض "الهيدروكلوريدي"، وهو المكوِّن الرئيسي للجهاز الهضمي البشري، واكتشافه حمضَ"النترات"، وهو حمض سام قوي، وابتكاره ما يُعرف بـ"المياه الملكية" من مَزْج المادتين السابقتين، والتي تستطيع إذابة عددٍ من المعادن الثمينة كالذهب والبلاتين، وقام بابتكار طُرق لجَعْل الحديد والصلب مقاومين للصَّدأ، وإزالة الآثار الخضراء من المنتجات الزجاجيَّة، بالإضافة إلى ابتكاره طُرقًا للحفر على الذهب، واكتشافه "الإيثانول"، وهو نوع بديل للوقود مُشتق من السكر، وابتكاره كلمة ومفهوم "قلوي"، وتضمينها مؤلَّفاته، كما أنه صنَع ميزانًا معمليًّا دقيقًا للغاية، وقام أيضًا باختراع صبغات للشعر، واخترع طريقةً لاستخدام معدن "بيريت الحديد" للكتابة بالأحرف الذهبيَّة، كما أنه سيضع تقدُّمه المعرفي لعمل أوَّل مسبوكات للمعادن وصَقْل للخزف، أما "الكندي"في عهد "المأمون"، فسوف يكمل نتاج "جابر بن حيان"، ويقوم بكتابة مجلد ضخم عن الروائح والعطور، والزيوت والمراهم والمُرطبات، كما أنه يعد واضعَ أُسس ما يُعرف بـ"علم العقاقير"، وسيخلص إلى نظام رقمي معقَّد؛ من أجْل عمل الأدوية وتنظيمها، ونجد أنَّ من أهم أعماله كذلك الخروج بأول بدائل منخفضة التكلفة للعلاجات المهمَّة باهظة التكاليف، لكنَّ أشهر أعماله المَنسية وأهمها على الإطلاق، هو أفكاره حول النسبيَّة والعلاقات بين الأمور، والزمان والمكان، وإن لَم يُصَرِّح باسم "النسبيَّة" إلاَّ مفهومًا في كتاباته؛ مما يَجعلنا نعتبر الكندي هو واضع ما يعرف ببدايات فكرة "النسبية"التي أكْمَلها "إينشتاين" في العصر الحديث، كما أنه اخترَع طريقة للكتابة بالشفرة السريَّة، أما "أبو الريحان البيروني"، والذي خدَم في رعاية الأسرة الغزنويَّة، فسوف يضع بيانًا مصوَّرًا لمائة نوع من الأحجار الكريمة والمعادن، مُحللاً إيَّاها، وكيفيَّة صُنعها وصَقْلها، والاستفادة منها، والقياسات المعدنيَّة التي توصَّل إليها هي أكثر القياسات دقة لقُرابة 700 عام، كما أنه سيُفسر كيفيَّة خروج المياه من الآبار المتدفِّقة والينابيع الطبيعية، عَبر نظرية أُطْلِق عليها الاتصال الهيدروستاتي للمراكب، إلى جانب أنه وضَع في كتابه المهم"الظلال" أسلوبًا جديدًا؛ لإيجاد نقطة الالتقاء في مكان ثلاثي الأبعاد، وقام بتطوير نظريات "الحسن بن الهيثم" في علم البصريات، أما جنوب شرق الأناضول فنجد العالم البارع "الجزري"، والذي وضَع في كتابه المهم المصور "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحِيَل"، العديدَ من الاختراعات بالصور والرسومات التوضيحيَّة، والتي كانت هي أساس كافة اختراعات ما يُعرف بـ"المَيكنة" في وقتنا الحالي، وقد وضَعها "الجزري" بمنتهى الدقة والبراعة الوصفيَّة، بحيث كانت هذه الرسوم هي دليلَ العلماء الأوروبيين المعاصرين للعمل عليها وتطويرها بشكلٍ أو بآخر، ثم نسبة أغلب هذه المخترعات لأنفسهم، وتَناسِي اسم "الجزري" عمدًا، ومن أهم ما صوَّره الجزري العمود المرفقي المنخفض، وهو أمر أساسي للكثير من الماكينات التي تُساعد في الحياة الحديثة حاليًّا، كما أنه اخترَع مضخَّة عبقرية لنَقْل المياه مستقلة عن دواليب المياه، وصَوَّرها بتروسها وأنابيبها النحاسية وأعمدتها بدقة، وصنَع أكثر من نسخة لذلك النوع من المضخَّات، التي كان يهدف من ورائها إلى استغلال تدفُّق النهر؛ فتقوم المضخة بدَفْع المياه إلى أعلى عبر الأنابيب، ثم إلى الخارج، حتى شوارع المدينة أو حقول الفلاَّحين، إلى جانب اختراعه ما سمَّاه "ساعة الفيل"، والتي تقودها الجاذبيَّة والتروس وتدفُّق المياه معًا؛ حتى يقوم طائر مزقزق فوق رأس الفيل بإصدار صوت بعدد الساعات، ويُعَدُّ"الجزري" عن حقٍّ أبا الماكينات الحديثة.



أما في القرن الثالث عشر الميلادي، فنجد عالِمًا مسلمًا اسمه "باسم الرمَّاح"، يقوم باستيعاب الأسلوب المغولي لخَلْط الملح الصخري والفحم النباتي والكبريت، ويضع نصًّا توضيحيًّا عن كيفية عمل ذلك، سيُستخدم بعد ذلك لصناعة ما يُعرف بالصواريخ النارية التي تَعتمد على مَلْء أنابيب النار بهذه المكونات والبارود وإطلاقها، في أوَّل تطبيق حربي لِمَا يُعْرَف بـ"الصواريخ النارية الحارقة"، كما أنه سيقوم برسْم ووصْفِ "بيضة" نفَّاثة لها رأس حربي، يَنطلق على سطح المياه في مقابل سفن الأعداء، وسوف يُطلق عليها المحلِّلون فيما بعد "قذائف طوربيديَّة" في العصر الحديث، وأغلب ما وضَعه الرماح في اختراعاته - وطوَّره من تراث وأفكار الصينيين والمغول السابق - هو أساس "علم صناعة الأسلحة" الحالي دون مبالغة.

الفصل السادس: المعالجون والمستشفيات:

امتصَّت أوروبا الطب الإسلامي عن طريق المترجمين الوسطاء، ويُعَدُّ أغلب ما تَحويه كتب الطب الحديث، هو خلاصة أفكار الأطباء المسلمين طوال عصور الخلافة الإسلاميَّة المتعاقبة، ونجد من أهم الأطباء المسلمين الذين ذاع صِيتهم في كتابات الأوروبيين، الطبيب المسلم الشهير أبا بكر الرازي، والذي فنَّد أغلب كتابات الطبيب الإغريقي الأشهر "جالينوس" باكتشافاته الطبيَّة المُذهلة، كتَب الرازي ما يزيد على مائتي مخطوطة حول كلِّ جوانب الطب المعروفة، وهو أوَّل طبيب يَصِف علميًّا ويلات الجدري، ومرض الحصبة، ويُفرِّق بينهما إكلينيكيًّا، كما أنه فسَّر مرض "الربو" الناتج عن الحساسية، ومصدر ما يُعْرَف بـ"حُمَّى القش"، كما أنه ربَط بين مرض الجسد والعقل، وقام باختراع العديد من الملاط والملوق، والقوارير الصيدلانية، والمراهم الزئبقيَّة؛ لعلاج أمراض الإمساك والصداع، ونزلات البرد والسعال، وغيرها من الأمراض، وأغلب الأدوية المستخدمة حاليًّا كيميائيًّا تَعتمد في تركيبها على ما كتبَه ووصَفه الرازي، بل إنه ابتكَر علاجًا لمرض الاكتئاب كذلك! وقام بكتابة أوَّل كُتَيِّب طبي للعامة، كما أن له دورًا بارزًا في إنشاء أول بيمارستان، أو مستشفى عام في بغداد، وبرَع أيضًا من الأطباء "ابن سينا"، والذي لُقِّب بـ"أمير الأطباء"، ويعد كتابه "القانون" في الطب مرجعًا عامًّا من مراجع الطب الحديث؛ حيث أعطى ابن سينا الطبَّ الهيكل العلمي الرسمي الخاص به، فقد قام ابن سينا طوال مدة عمله بوصْف ما يزيد عن 700 نوع من الدواء، كما أنه وصَل إلى نتيجة أنَّ السُّلَّ مرضٌ مُعْدٍ، وإن أخطأ في كيفيَّة انتقاله، مُعتقدًا أنه يَنتشر من خلال التربة وليس الهواء، كما أنه اقترَح علاج الناسور الدمعي، وهو تورُّم في الغُدة الدمعية، كما أنه قام باختراع أداة لسَبْر القناة الدمعيَّة، وهي إحدى العمليَّات المعقَّدة في طب العيون، كما أنه شرَح وظيفة الأعصاب، وكيف يعمل الشريان الأورطي في جسد الإنسان بدقَّة، كما أنه كرَّس مجلدات من كُتبه لعلاج كسور العظام وأنواعها ودرجاتها، كما أنه شرَح بإسهاب أسبابَ وطُرق علاج أمراض الكلب وسرطان الثدي، والأورام والقيلة، وسائر أنواع السُّمِّيَّات والقرحة، ومرض الكلى وشَلل الوجه، كما أنه خلص في بحوثه مُبكرًا إلى أن الدودة الخطافيَّة تتسبَّب في بعض الأمراض المعويَّة.

غير أنَّ أطرف ما شرَحه ابن سينا في دراساته الطبيَّة والفلسفيَّة، هو ما يُعرف بنظرية "الرجل العائم" أو "الرجل الطائر"، والتي وجَدت لها أساسًا وتطبيقًا في علم النفس الحديث كذلك؛ حيث يقول ابن سينا: "تخيَّل وجود رجل يعوم في الغرفة، بدون أيِّ مدخلات حسيَّة، فما من ضوء وما من جاذبية؛ أي: ما من أمرٍ حسي من أي نوع، فهذا الرجل يعوم في ظلام حالك، وهو لا يحس بأيِّ شيءٍ بما فيه جسده؛ وذلك لأن أعضاء جسده لا تتلامَس مع بعضها البعض - ولنَقُل: إنَّ هذا الرجل خُلِق على هذا الوضع، فهل سيكون قادرًا على التفكير؟ هل يستطيع العقل البشري التفكير في أي شيء دون أيِّ مدخلات حسيَّة خارجيَّة؟ وإذا ما استطاع، فما الذي قد يُفَكِّر فيه هذا الرجل؟ أيُمكن أن يكون الرجل العائم على وعي بأي شيء؟".

وجواب ابن سينا الشهير عن ذلك السؤال: "نعم، فعلى الرغم من عدم وعي الرجل ببيئته، أو أي شيء خارجي، فإنه على الأقل سيكون على وعي بوجوده"، هذه الفكرة سبقَت زعم ديكارت الشهير: "أنا أفكر، إذًا أنا موجود".

أما في بلاد الأندلس، فيُذاع صِيت أطباء كثيرين؛ لتقدُّم صنعة الطب في إمارات الأندلس المختلفة، غير أنَّ ما وصَل إلينا من أسمائهم القليل، مقارنة بعددهم الكبير في ذلك الوقت، ونجد "الزهراوي" أشهر أطباء الأندلس، والذي يعرف بـ(أبو الجراحة الحديثة)، هذا الطبيب قَدَّم للعالم أوَّل وصف للهيموفيليا، وأوَّل نصٍّ وثائقي لمرض استسقاء الرأس، (أو المياه على المخ)، وقدَّم أول علاج فعَّال لمرض القلب والإمساك، والخلايا التجميليَّة والنظام الغذائي، وقياسات كميَّات الدواء، كما كتَب بتفصيل حول علاجات عِدَّة، ككيِّ الجروح وعلاجها، وإصلاح العظام المكسورة، واستخراج الأسهم أو الشظايا المنغرسة في جسد الإنسان، وأجاد تدابير متطوِّرة من قبيل استعمال أمعاء الحيوانات والصوف والحرير؛ لعملِ أوَّل خيوط للعمليات الجراحية، كما هو صاحب فكرة استئصال الثدي في حالات سرطان الثدي، واقتلاع كيس الغدة الدرقيَّة، وتفتِيت حصوات المثانة، ووصَف كيفية بَتْر الأطراف، دون موت الشخص المبتور، إلى جانب براعته في جراحات الأسنان، إلى حدِّ القيام ببعض العمليَّات التي تتفوَّق على طب الأسنان المعوجَّة الحديث، أما في الولادة فقد ابتكَر استخدام كُلاَّب الولادة؛ لتعديل وضْع الجَنين، وابتكَر أدوات لفحْصِ الأذن الداخلية والإحليل، وأداة أخرى؛ لإزالة الأجسام الغريبة والأورام من الحَلْق.

أما في دولتي المرابطين والموحدين، فنجد عائلة "ابن زهر" الطبيب الأندلسي الشهير، والتي بَرَعت في مجال التوليد؛ حيث كانت تعمل معه ابنته وحفيدته في مجال الطب وتوليد النساء، و"ابن زهر" هو أول مَن وصَف الطفيليَّات بإسهاب والأمراض التي تُسبِّبها، كما أنه هو الذي وضَع منهجًا لعمليَّات فتح القصبة الهوائيَّة في حالات الاختناق، وقد وضَع في كتابه الشهير "التيسير في المداواة والتدبير" خلاصة تجاربه الطبيَّة العديدة، أما في عهد الدولة الأيوبيَّة، فيبرز صِيت الطبيب والفيلسوف اليهودي الشهير "موسى بن ميمون"، وقد كتَب ابن ميمون عشرة مجلدات في الطب والصحة والمرض والعلاج، وقام بشَرْح السكتة الدماغية وأمراض الكبد، والسكر والصحة الجنسية والبواسير، وحدَّد أعراض التهاب الكبد الوبائي الثمانية، ورَسَم طريقة للعلاج من لَدغات الثعابين والحيَّات، والتي ما زالت مستعملة حتى وقتنا الحالي بحذافيرها، عن طريق رَبْط ما فوق الموضع الملسوع، ومَصِّ السُّمِّ سريعًا، ومحاولة إرغام الملدوغ أن يَقيء ما في بطنه؛ لاجْتثاث أثر السمِّ من السَّريان في الدم والمَعِدَة.

أما تاريخ البيمارستانات والصيدليَّات في تاريخ دولة الإسلام، فيدعو للفخر؛ فقد عرَفت ديار الإسلام قبل أوروبا بوقت طويل المستشفيات العامَّة والبيمارستانات المُجَهَّزة بأحسن التدابير الصحيَّة؛ لضمان بَرْء المريض من مرضه، وتَمَّ بناء العديد من البيمارستانات في بغداد وقرطبة وإشبيلية، ودمشق والقاهرة، حتى إنه في بغداد وحدها كان يوجد خمس مستشفيات رئيسيَّة عام 1000 ميلادية، وكانت تقدِّم خدماتها الطبيَّة للغني والفقير، وكانت أغلب تلك المستشفيات مزوَّدة بصيدليَّاتها الخاصة؛ حيث يتمُّ صَرْف الدواء للمريض لإتمام علاجه، ونجد أنَّ أغلب المستشفيات الحديثة الآن في أوروبا هي صورة لِمَا كانت عليه المستشفيات الإسلامية والبيمارستانات في بلاد الأندلس، وميراث الطب الإنساني يُعتبر مَحض إعادة إنتاج لِمَا وضَعه الأطباء المسلمون على مدى قرون الخلافة الإسلامية الزاهرة..

الفصل السابع: رؤية وصوت وقلعة:

يذكر الكاتب تاريخ العمارة الإسلاميَّة الرائعة عبر عصور الخلافة المختلفة، فكل خليفة مسلم كان يَطمح - من خلال التوسُّع عمرانيًّا وتشييد المدن - إلى تخليد ذكراه واسمه؛ لذلك شَهِد العصر الإسلامي العديد من المدن الزاهرة التي كانت حواضر للعالم القديم، وفاقَت في بَذَخها ورفاهيتها الممالك البيزنطيَّة الرومانيَّة والفارسيَّة القديمة، ونجد من أهم ما شادَه الأمويون في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان "قبة الصخرة" في القدس الشريف، تكريمًا لمَسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد وضع عبدالملك نقشًا يُشير فيه إلى بنائه ورعايته لهذا المشروع، وذلك عام 691م، أمَّا في الأندلس فنجد الخليفة "عبدالرحمن الناصر" يَبدأ في تشييد مدينة "الزهراء" على أطراف مدينة قرطبة؛ إهداءً لزوجته المحبوبة "الزهراء"، وعلى الرغم من أنَّ المدينة قد دُمِّرت تمامًا، ولَم يَبْقَ منها سوى أطلال، فإن تراجِم المؤرخين المعاصرين تَذكر مدى السَّعة وجَوِّ الترف الذي كانت ترفُل فيه المدينة، "فطول المدينة ما يزيد عن ميل، وعَرْضها ما يزيد على نصف ميل، وتحتوي على ثلاثة شوارع عريضة، تَنزلق نحو الوادي الكبير، إضافة إلى أنه يوجد بالمدينة مكان للطيور وحديقة حيوان، وأربعة بِرَك للأسماك، و300 حمام في القصر وحده، كما أنَّ بها 400 مسكن لإيواء خادمي القصر وموظَّفيه، كما كان لهذا المجمع مستودع خاص بالأسلحة"، ص 225.

وقد استفاضَ في ذِكر عجائبها وما تَحتويه كثيرٌ من المؤرِّخين، منهم: ابن حيَّان وغيره، أما مدينة غرناطة، والتي كانت آخر المدن الأندلسيَّة صمودًا أمام هجمات الإسبان، وتَمَّ تسليمها في النهاية لهم على يد محمد الثاني عشر آخر الملوك المسلمين في الأندلس، فقد انبهَر الإسبان مما وجَدوه من معمار المدينة فائق الإتقان بعد دخولهم المدينة، وسوف يحاكي الإسبان فيما بعد الفنَّ المعماري لهذه المدينة وجاراتها لمدة 500 عام أخرى في إسبانيا؛ اعترافًا بقيمة العمارة الإسلاميَّة في أرض الأندلس الضائعة، يَصِف لنا "كريستوفر كولمبس" - صاحب اكتشاف القارة الجديدة أمريكا - تسليم المدينة؛ حيث كان حاضرًا وقت التسليم في مذكراته، قائلاً: "بعد انتهاء جلالتك من حرب الموريين، ممن حكَموا أوروبا، وحرب مدينة غرناطة العظيمة، وفي هذا العام 1492 في الثاني من يناير، رأيت الأعلام الملكيَّة لجلالتكم توضَع بقوَّة السلاح على أبراج "الحمراء"، وهو حِصن المدينة المشار إليها، ورأيت الملك "الموري" يخرج من البوَّابات، ويُقَبِّل يدي جلالتكم الملكيَّتين"، ص230.

أما في "أوزبكستان" على طريق الحرير القديم، فيؤسِّس "تيمورلنك" مدينة"ريجستان" على الطراز الإسلامي، ويَجعلها عاصمة لإمبراطوريته المترامية الأطراف عام 1370م، وتوضِّح أبنية ريجستان المتبقِّية مدى دقَّة الأنماط القطرية والدائرية والهندسية المصنوعة من القرميد الأزرق والفيروزي، والذهبي والأصفر في معمار المدينة، أما في بلاد "الهند"، فيُشيِّد"شاهبودين محمد شاه جهان" حاكم المغول المسلم في مدينة "أكرا"نُصبًا تذكاريًّا؛ وفاءً لذكرى زوجته المحبوبة "ممتاز"، هذا البناء الذي سُمِّي"تاج محل" تكلَّف تقريبًا 500 مليون دولار، في استنفاذ لخزينة الدولة العامرة، وكانت جدرانه مرصَّعة بالأحجار الكريمة التي سَلَبها البريطانيون عند احتلال الهند، وكان "شاه جهان" ينوي كتابة القرآن الكريم على جدران هذا البناء كذلك، لكنَّ سَرعان ما انقلَب عليه ابنه ونزَعه من على كرسي العرش، وأوْقَف تَكملة زخرفة باقي البناء العجيب.

أما في مجال الأدب والشعر، فقد كان لازدهار الموشَّحات في بلاد الأندلس دورُه البالغ في التأثير على النتاج الشعري للشعراء الأوروبيين بعد سقوط الأندلس، وخاصة في إسبانيا؛ حيث نجد في القرن 13 الميلادي الملك"ألفونسو" حكيم كاسيل وليون يقوم بكتابة 400 أنشودة نصرانيَّة أغلبها مستوحى من شكلٍ الموشَّحات الإسلاميَّة المشهورة والمتداولة في تلك المدة، كتُراث شعبي متوارَث، كما أنَّ أناشيد الحب التي كان يُنشدها المنشدون المعروفون باسم "التروبادور" في فرنسا و"التروفاتور" في إيطاليا، أغلبها مشابه لقصائد الغزل والحب العُذري التي شاعَت في جوِّ الأندلس المترف المُنعَّم الرغيد، كما برَز تأثير الرُّباعيَّات الصوفية لكلٍّ من جلال الدين الرومي وعمر الخيَّام في التراث الأدبي الأوروبي والعالمي بعد مرور 700 عام على وفاتهما، إلى جانب انتشار حكايات ذات جوٍّ عربي، يَغلب عليها اللغة العامية المُبتذلة، عُرِفَت بحكايات "ألف ليلة وليلة"، لَم يُعرف لها مؤلِّف معيَّن، ويَعتقد المؤرخون أنها تجميع لفنِّ القَصص الشعبي العربي الذي كان يُحكى مشافهة في جلسات السمر، هذه الحكايات انتشرَت في أوروبا في القرون التالية انتشارَ النار في الهشيم، واقتبَسَها معظم الأدباء المعروفين في قَصصهم؛ كما نرى في قَصص الكاتب الإيطالي "جيوفاني بوكاتشيو" المسمَّاة بـ"الديكاميرون"، وكذلك في مجموعة قَصص المؤلِّف الإنجليزي "جيوفري تشوسر" تحت عنوان "حكايات كانتيربري"، ونجد تأثير الأدب والتراث العربي واضحًا أيضًا في رائعة الأديب الإسباني "ميجيل دي ثربانتس" المُعَنْوَنة، بعنوان: "دون كيشوت دي لامانشا"، وكذلك في ملحمة الكاتب الإيطالي "دانتي الإليجيري" المعنونة بعنوان: "الكوميديا الإلهيَّة".

الفصل الثامن: القيادة المستنيرة:

ضرَب المسلمون أروعَ المثل في "صناعة الرجال"، وما كانت الحضارة الإسلاميَّة لتبلغ مدى العظمة التي وصَلَت إليها دون قادة يستطيعون إحكام سيطرتهم القيادية على تلك المساحات الشاسعة التي كانت تحت ملكهم، فعنصر القيادة الإسلامية المستنيرة للخلافة الإسلامية على امتداد عصورها، كان سببًا في ظهور العصور الذهبيَّة العديدة حسب رأي الكاتب، ويؤكِّد الكاتب أنَّ الغالب على قادة المسلمين - رغم بعض النماذج الشاذَّة - هو المَثَل الأعلى المستنير الأخلاقي المتمسِّك بقِيَم العدل والرحمة طوال أغلب مُدَد التاريخ الإسلامي، حتى وإن ضاع في التاريخ أو في غيابات الزمان، وسيوجد على الدوَّام نموذج القيادة العادلة والرحيمة على مَرِّ التاريخ الإسلامي، ويوضِّح الكاتب أبرز القيادات الإسلاميَّة التي صارَت مثلاً في العدل والحكمة ومن أبرزهم: سيدنا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حيث يَصِف مدة حُكمه بقوله: "ببساطة، إرث القيادة الذي خلفه أبو بكر الصديق يبدو في خُلقه نموذجًا من التواضع والتسوية والأمانة، والاهتمام بفِعْل الخير ورفاهة العامَّة، سوف توفِّر هذه القيم نموذجًا صامدًا للقيادة في العالم الإسلامي وما وراءه"، ص 255.

ويستمر الكاتب في انتقاء نماذج معيَّنة مختارة، تُبَيِّن أوجه القيادة المستنيرة في تصوُّره، والذي ذَخَر به العالم الإسلامي، فحكمة الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في أغلب خُطَبه ووصاياه وقيادته الرائعة في وقتٍ سادَت فيه الاضطرابات السياسيَّة، كان له أبلغ الأثر في إبراز معنى القائد المستنير الرحيم برعيَّته، كما أنَّ نموذج الخليفة العباسي"هارون الرشيد" الذي ملَك أطراف الدنيا، واهتمامه بأمر الرعيَّة ورعايته للعلماء، وترفُّقه بأمر العامة، كان له أبلغ الأثر في ضَرْب الأمثال بعَظَمة"هارون الرشيد"، إلى جانب أنَّ مراسلات "هارون الرشيد" مع الملك"شارلمان الفرنجي" في ذلك الوقت، والهدايا المتبادلة بينهما، رسَّخت صورة الدبلوماسية السياسيَّة، وهو ما رأيناه بصورة أوضَح بين الملكين العربي "صلاح الدين الأيوبي" والإنجليزي "ريتشارد قلب الأسد"، خلال مدة الحروب الصليبيَّة، وقد ضرَب صلاح الدين المَثَل بنُبْل أخلاقه عند فَتْح بيت المقدس، وتعامُله مع نصارى الرومان بكافة أَوْجه التسامح والرَّأْفة الإسلامية، والذين سبَق لأجدادهم التنكيل بمسلمي بيت المقدس، عندما استولوا عليه سابقًا في مذبحة مُرَوِّعة، ذكَرتها كتب التاريخ عام 1099م؛ مما جعَل صورة صلاح الدين ترتبط في كتب الأدب الغربي بعد ذلك بوقتٍ طويل في صورة الملك المتسامح العطوف؛ حتى إن "دانتي" في ملحمته الشهيرة سوف يَضَعه في مرتبة خاصة به في العالم الآخر، أَطْلَق عليها مرتبة "الأرواح عظيمة القلوب"؛ وذلك بسبب سياسته النبيلة أثناء الحروب الصليبيَّة على بلاد الشرق الإسلامي، ويَضْرِب الكاتب نماذج أخرى عديدة من كافة نواحي الدولة الإسلاميَّة وتعاقُبها الزمني، كعبدالرحمن الداخل في الأندلس، ووَرَعه أثناء إقامة الخلافة الأمويَّة في بلاد الأندلس، وكنموذج الوزير الأعظم "نظام الملك" أثناء تسلُّط "السلاجقة" سياسيًّا، والذي وضَع كتابًا ضخمًا سمَّاه "سياساتنامه"، أو كتاب "الحكومة" بالفارسيَّة، يَضِع فيه مقاييس وأمثلة حول الحكومة الصالحة العادلة، وكنموذج السلطان "جلال الدين أكبر" في بلاد الهند، والذي استطاع بتسامحه الديني التوحيد والتأليف بين طوائف القارة الهنديَّة مُختلفة المِلل والديانات، واستخدام نفوذه؛ لجَعْل الهند أكثر قوَّة واتحادًا وعدلاً خلال عهد أُسرته، أما في عهد المسلمين الأتراك خلال الخلافة العثمانيَّة، فنجد منتهى التسامح الديني من جانب السلطان "بايزيد الثاني"، عندما قام بإيواء اليهود "السيفرديون"المطرودين من الأندلس، هذا التسامح الذي مكَّن الخلافة العثمانية من أن تَبْسُط سيطرتها على أغلب أجزاء أوروبا لمدَّة دامَت 600 عام، وصولاً إلى القرن 20، ولكن سَرعان ما تكالَبَت عليها دول الغرب الأوروبي، وقاموا بزَرْع الشقاقات والنزاعات بين طوائفها؛ مما أدى في نهاية الأمر لسقوطها وانتهاء آخر عصور الخلافة الإسلاميَّة.

صدفة تاريخية:

يرى الكاتب أنَّ "صعود الغرب" بمثابة "صدفة" غير متوقَّعة، وأنه "لَم توجد أيُّ حتمية لظهور الغرب" من قبلُ، وأن "أوروبا" استفادَت من تاريخ المسلمين في مختلف أوجه حضارتها الحديثة، ونَسَبته لنفسها كما لو كان "تاريخًا ضائعًا" لا أصحاب له، وأنه "كان ممكنًا للعالم الإسلامي أن يقود مزايا عصر النهضة والاستنارة التي غرَسَ بذورها، إضافة إلى الاستمتاع بها، كان يمكن للمسلمين أن يقودوا عصر الاكتشاف والإمبرياليَّة الذي تولاَّه الأوروبيون النصارى بدلاً منهم"، ص301.

ويُرجِع الكاتب سببَ انحدار المسلمين وعدم استكمالهم مشروعهم الحضاري، في مقابل نهضة الغرب الأوروبي وتسلُّمه قيادة العالم إلى العصر الصناعي الجديد - إلى ثلاثة أسباب رئيسة، وهي:

1- الأثر الذي خلَّفته الأمواج المتتالية من الغزوات الآسيوية الوسطى من الشرق بقيادة المغول على قلب الأراضي الإسلاميَّة من الدمار التدريجي لمراكز الابتكار الإسلامي، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا الوسطى والغربية بمنأًى عن إحباطات وتمزُّقات هذا الوقت؛ مما سمَح لهم باستكمال تطوُّرهم في الآونة التي كان على الشرق الأوسط وإيران وتركيا القيام بعمليَّة إعادة البناء من جديد.

2- اكتشاف أوروبا الأمريكتين: (كندا والولايات المتحدة والمكسيك، ودول أمريكا الجنوبية)، أو ما يُعرف باسم "العالم الجديد"، وواكَب هذا التوسُّع المكاني للقارة الأوروبية اكتشافات جغرافية أخرى جديدة، رغم سَبْق العرب أيضًا - إلى جانب الصينيين - من قبلُ في مجال اكتشاف العوالم والأراضي الجديدة؛ لنَشْر الحضارة والدين الإسلامي.

3- الهجمات الاستعمارية التي بدأها الغرب الأوروبي على دول العالم الإسلامي؛ نتيجة ضَعف هذه الدول، والصراعات التي كانت بين بعضها البعض، وعدم اتحادها في مواجهة الأطماع الجديدة، إلى جانب تحلُّلها وتفسُّخها تاريخيًّا وحضاريًّا من الداخل، فبدأ الغرب التوغُّل إلى بلدان العالم الإسلامي من ناحية المغرب العربي، وأسقطوا دولة الأندلس الزاهرة التي لَم يَشهد لها العالم مثيلاً من قبلُ، ثم أكملوا مشروعهم الاستعماري بإسقاط الخلافة الإسلامية، وتفكيك إماراتها إلى شبه دويلات متفسِّخة، وأسقطوا هذه الدويلات في المشاكل الاقتصادية المتعاقبة، وحوَّلتها إلى مناطق طفيليَّة تُعرف الآن باسم: "العالم الثالث".

ملاحظات على الكتاب:

1- ذكَر الكاتب في مقدمة كتابه سببَ تأليفه هذا الكتابَ بأنه: "طُلِب مني كتابة كلمة لسيدة أعمال كبرى في أمريكا بعد أحداث سبتمبر 2001م، وبدلاً من التركيز على الواقع المُظلم على جنبات المكان، قرَّرت أن أتحدَّث عن التاريخ المُذهل لهذا العالم الإسلامي، والذي اكْتَشَفته من خلال قراءاتي وأبحاثي، فقد كان تاريخًا يَزخر بالاختراع والإبداع، والأفكار العظيمة، والعلماء العظام"، وفي إحدى حواراته عن الكتاب ذكَر أيضًا أنَّ "حادث الحادي عشر من سبتمبر‏، وما تَبِعه من حرب على أفغانستان ثم العراق‏، دفَعني لأن أُفَكِّر في جَعْل العالم مكانًا أفضلَ يُمكن العيش فيه‏، خصوصًا لِمَن هم في مثل سنِّي‏، وبالأخص لِمَن سيأتي بعدي، وأتمنَّى أن يعيشوا حياة أفضلَ مما عشناها، ‏وليس هناك موقف محدَّد أو طارئ دفَعني إلى تأليف هذا الكتاب"[1].

2- قد يكون هذا سببًا ظاهريًّا "رومانتيكيًّا" من ذِكْر ذلك "التاريخ الضائع"للمسلمين، وجهدًا مشكورًا يُحمَد عليه قلمُ الكاتب، لكنَّ تركيز الكاتب على التحسُّر على ذلك التاريخ الضائع، واستقراء ذلك التاريخ كما لو كان ماضيًا لا يُمكن العودة إليه مرة أخرى، يَجعلنا نَفهم "ضمنيًّا" أنَّ هذا نتاج طبيعي لنظرية "صدام الحضارات" الشهيرة - وإن كان الكاتب قد حاوَلَ نوعًا ما الإيهامَ بعدم أهميَّتها في مقدمة كتابه - والتي بَنَى عليها المقابلة بين انحطاط المسلمين، وارتقاء العالم الغربي، أو بوجه أكثر إيضاحًا أن تقدُّمَ الغرب وتخلُّف المسلمين هما وجهان لعُملة واحدة، فإمَّا أن يتقدَّم المسلمون ويرضى الغرب بموقف التابع، أو تُواصِل الحضارة الغربية المادية أَوْجَ مَجدها في ظلِّ تسلُّطهم على العالم الإسلامي، فتاريخ المسلمين ببساطة من وجهة نظر الكاتب مَحض "تاريخ ضائع" أضاعَته أيديهم.

3- يقول الكاتب في بداية كتابه: "يعلِّمنا التاريخ الضائع أنَّ هذا اللقاء القدري بين أوروبا والمسلمين، كان أكثر تعقيدًا من مجرَّد وصْفه على أنه صدام بين الحضارات أو حرب بين الأديان، فبالنسبة للأوروبيين كان الأمر بمثابة الصدمة التي تستمدُّ بعض أجزائها من قَصص الإنجيل، بيد أنَّها كانت في ذات الوقت بداية تَلَقِّيهم للتكنولوجيا والأفكار المتفوِّقة التي جاء بها المسلمون"، ص50، وهذا الإيضاح الجيِّد للكاتب، ومحاولته استقراءَ التاريخ الإسلامي بمختلف أوجه حضارته طوال فصول كتابه، يَجعلنا نتساءل عن المقابل الذي نالَه العالم الإسلامي من ذلك الحوار الفعَّال التبادلي الخالي من أيِّ شُبهة"تصادم حضاري"، أو "حروب أصوليَّة دينيَّة" كما يراه ويتمنَّاه الكاتب؟! بالطبع مغالطة واضحة أراد بها الكاتب تبسيطَ الموضوع بصورة هيِّنة، تَبعث على الحسرة حقًّا، وتُخالِف السبب الرئيسي لنَكْبة العالم الإسلامي في العصر الحديث.

4- ذكرَ الكاتب تاريخ المسلمين كما لو أنه بمثابة "أطلال" لحضارة عظيمة، وهذه الرؤية التشاؤميَّة تتَّضِح في أغلب فصول الكتاب الثمانية، فكلُّ فصل يَختمه الكاتب بتحسُّر انفعالي على ذلك التاريخ الضائع؛ يقول الكاتب: "تلك مأساة تاريخ ضائع، ينتاب المرء شعور باليأس عند التفكير في ضياع كلِّ هذا، بل وظهور أشياء جديدة، هل تتعلَّم البشرية؟ أم أنَّ الناس تنسى ببساطة، وتُحاول اكتشاف أمور أخرى؟"، ص287.

ويقول في ختام فصل آخر: "وكلُّ هذا تاريخ ضائع"، ص41، ويقول في ختام فصل ثالث: "وما يلي ذلك ضاعَ مع ما ضاع من التاريخ"، ص150، ويقول في خاتمته: "ولَّت عصور المسلمين الذهبيَّة الأولى، ولكن على ما يبدو أنَّ هناك عصورًا جديدة تخرج إلى النور، على الرغم من أن العناوين اليومية تشير إلى عكس ذلك"، ص291.

كل هذا "الضياع" الذي يركِّز عليه الكاتب، يَختصره فيما ذكَره في مقدمة كتابه أن الحضارات تَندثر، ومن الصعوبة بحال انبعاثها ثانية، اللهمَّ إلاَّ في تقابُل الثقافات وتفاهُمها!

5- يركِّز الكاتب على التفتُّح ورُوح التجديد التي اتَّسَم بها بعض خلفاء المسلمين "المتحرِّرين" في مقابل "الأصوليَّة المتزمِّتة"، التي واجهوها من جانب المجتمع الإسلامي وعلمائه في ذلك الوقت، ويحتفي بهذه الجوانب"المضيئة!" في أغلب فصول كتابه، كما نرى عند الحديث عن الخليفة"المأمون" في العصر العباسي، أو "الحاكم بأمر الله" في العصر الفاطمي، أو"جلال الدين أكبر" في عصر الأسرة التيموريَّة المغوليَّة، أو "ملوك الطوائف"في الأندلس، ويرى أنَّهم ساعَدوا على بلوغ الحضارة الإسلاميَّة أَوْجَ تألُّقها التاريخي، رغم أنه يُصَرِّح بأنَّ الانفتاح الظاهري لهذه الأُسر على العناصر الخارجيَّة، وكثرة العناصر غير العربية المتناحرة سياسيًّا ساعتها، كان أحد أهم أسباب سقوطها وانحدارها تاريخيًّا؛ لتَعقبها أُسَر وممالك جديدة، ففتنة "خَلْق القرآن" المعتزليَّة التي خلَقها "المأمون"، والتي أدَّت لانقسام المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت، كانت إلى جانب تفشِّي "النزعات الشعوبيَّة" في المجتمع العباسي، أحدَ أهم الأسباب الرئيسية التي أدَّت لضَعْف وسقوط الخلافة العباسية، كما أنه إلى جانب تفتُّح "الحاكم بأمر الله"النوعي في مجال الإقبال على العلوم وإكرام العلماء، كانت شَطَحاته أحد أسباب سقوط الدولة الفاطميَّة في نَفَقٍ مُظلم طوال مدة حُكمه حتى اختفائه الغريب نهاية الأمر، إلى جانب أنه في ظلِّ تنافس "ملوك الطوائف"بالأندلس على اجْتذاب العلماء والشعراء، ورعاية الآداب والفنون، كان التنافس والتناحر الداخلي سببًا في طمع الجيران النصارى الأعداء، وتغلُّب ملوك أوروبا عليهم، والْتِهام ممالكهم الواحدة بعد الأخرى، وتآكُل مساحة مُلكهم، وتبلغ أَوْجُه المغالطة أَوْجَها عندما يصوِّر الكاتب الملوك الذين صحَّحوا صورة مراحل الضَّعف تلك في الحكم الإسلامي، على أنهم ملوك متزمِّتون طُغاة متوحِّشون؛ كما صُوِّر بذلك السلطان محمود الغزنوي رأس الأُسرة الغزنوية، أو مُنغلقون برابرة كما صُوِّر ملوك دولتي المرابطين والموحدين في الأندلس؛ مما يَجعلنا نطرح سؤالاً مهمًّا: هل هناك تقابُل فعلاً بين صعود خَطِّ الدولة التاريخي والسياسي مع خَطِّها الحضاري، أم إنها إحدى مُغالطات الكاتب؟

6- يبرز أيضًا أحد أوجه عدم الإنصاف التاريخي للكاتب في كتابه من ذِكره عهدَ الملكين "إيزابيلا" و"فرناندو الثاني" الإسبانِيَّيْن بأنه كان عهدَ تسامُح ومَحبَّة، ظهَر أثرها في الدولة في تجاور اليهود والنصارى والمسلمين جنبًا إلى جنب بعد سقوط الأندلس على أيديهما، وهي مغالطة تاريخيَّة فَجَّة؛ فبداية عهدهما هي بداية ما يُعرف "بمحاكم التفتيش" الرهيبة التي لاقى فيها آخرُ المسلمين في الأندلس ويلات العذاب والثبور؛ لإرغامهم على التخلِّي عن دينهم، فيما يُعرف بمِحنة "الموريسيكيين"، وأيضًا يبرز عدم الدقة التاريخيَّة للكاتب في عدم الاستقصاء والتدقيق عند ذِكْره أخبار الملك "هارون الرشيد"؛ حيث يصوِّره ملكًا يغلب عليه المجون الذي صوَّره طابعًا عامًّا لجوِّ الدولة العباسية كذلك، وهو ما يُخالف التراجِِم التاريخيَّة الصحيحة الموثوقة عن تاريخ "هارون الرشيد" خاصة، والخلافة العباسية عامة.

7- يدعو الكاتب في نهاية كتابه إلى ضرورة الحوار والتبادل الحضاري؛ للتغلب على "النفق المظلم" الذي تنساق إليه العلاقة بين العالم الإسلامي وأوروبا بعد 11 سبتمبر، ولا ندري حقيقةً أي تحاور يرجوه الكاتب وقد سرَقوا - على حدِّ تعبيره - "تاريخنا الضائع"، ودخلوا بجيوشهم حواضر تاريخنا الإسلامي المجيد في بغداد وكابول، وسمرقند وتركستان، وقرطبة وإشبيلية، وغرناطة وبلنسية، وما زالوا يسرقون ثروات أوطاننا الإسلامية، بعد أن أتمُّوا سرقة أمجاد تاريخنا وحضارتنا الإسلامية "الضائعة"؟

وهذا سؤال بديهي يتغافل عنه كثير من كُتَّاب ومُفكري التقريب والتبادل الثقافي والحضاري الغربيين وأذنابهم في بلاد الإسلام، فهل من إجابة؟!

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

  • فيلم (كال وكمبريدج).. هموم الجيل الثاني من المغتربين العراقيين
  • ⏪⏬ا: (اختبار سياقة) عام 1991 و (ساعتا تأخير) 2001 و (عينان مفتوحتان على ... اكمل القراءة
  • المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي
  • ⏪⏬صدرت للكاتب والشاعر والرسام أحمد إبراهيم الدسوقي.. ثلاثة مسرحيات.. هم ... اكمل القراءة
  • فيلم "بين الجنة والأرض" يختتم عروض "أيام فلسطين السينمائية"
  • ✋✋اختتم مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، دورته السابعة والاستثنائية بالفيلم ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة جدا

  • عناد | قصص قصيرة جدا ...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪اشاعاتاقتنع بمقولة أن وراء كل عظيم امراة.. تزوج أربعة.. وضعوه فى مستشفى ... اكمل القراءة
  • حنين | قصص قصيرة جدا...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪تعليماتنزل القبر.. استقبلوه بالترحيب.. طلبوا منه أربعة صور وشهادة وفاته لضمه ... اكمل القراءة
  • الحسناءوالحصان | قصة قصيرة جدا ...*رائد العمري
  • ⏪⏬في الاسطبل كان يصهلُ كعاشقٍ أضناه الاشتياق، هي لم تكن تفهم صهيله جيدا، جاءت ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة

  • ابن جلَّا | قصة قصيرة ...*حسان الجودي
  • ⏪⏬رفضت بعض خلايا الدماغ المشاركة في عملية التفكير التي همَّ بها ابن جلاّ .فقد ... اكمل القراءة
  • أطول مما يتخيل العمر | قصة فصيرة..!.. * عبده حقي
  • ⏪⏬فجأة وجد رأسه معلقا بحبل بين أغصان الشجرة وعيناه جاحظتان إلى السماء .كان جسده ... اكمل القراءة
  • مسافر في الليل | قصة قصيرة ...*على السيد محمد حزين
  • ⏪⏬ارتدى آخر قطار متجه إلي القاهرة , حشر نفسه وسط الكتل البشرية المعتركة الأجسام ... اكمل القراءة

    قراءات أدبية

  • قراءة لنص "ميلاد تحت الطاولة" ...* لـ حيدر غراس ...*عبير صفوت حيدر غراس
  • "الدارسة المعمقة والجزيلة للأديبة الكبيرة (عبير صفوت) لنص ميلاد تحت ... اكمل القراءة
  • الرواية التاريخية في الأدب الفلسطيني ...*جواد لؤي العقاد
  • رإن أفخم وأهم الرويات في الأدب العربي تلك التي تقدم لنا معلومات تاريخية موثوقة ... اكمل القراءة
  • الأهازيج الشعبية في رواية “ظلال القطمون” لإبراهيم السعافين
  • *د. مخلد شاكر تدور أحداث رواية “ظلال القطمون” حول الأدب الفلسطيني, وحول ... اكمل القراءة

    أدب عالمي

  • إعتذار .. مسرحية قصيرة : وودي آلان - Woody Allen: My Opology
  • ترجمة:د.إقبال محمدعلي*"من بين مشاهير الرجال الذين خلدهم التاريخ،كان "سقراط" هو ... اكمل القراءة
  • الأسطورة والتنوير ...* فريدريك دولان ..*ترجمة: د.رحيم محمد الساعدي
  • ⏪⏬الأسطورة هي بالفعل )تنوير( لأن الأسطورة والتنوير لديهما شيئا مشتركا هو الرغبة ... اكمل القراءة
  • أدب عالمي | الموت يَدُق الباب.. مسرحية لـ وودي آلان
  • ⏪بقلم: وودي آلان،1968⏪ترجمة: د.إقبال محمدعلي(تجري أحداث المسرحية في غرفة نوم ... اكمل القراءة

    كتاب للقراءة

  • صدر كتاب "الفُصحى والعامية والإبداع الشعبي" ...*د.مصطفى عطية جمعة
  •  ⏪⏬عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة ؛ صدر كتاب « الفُصحى والعامية ... اكمل القراءة
  • رواية"أنا من الديار المُقدَّسة والغربة" للأديب المقدسي جميل السلحوت
  • *نمر القدومي:صدرت رواية الفتيات والفتيان “أنا من الديار المقدسة” للأديب المقدسي ... اكمل القراءة
  • صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- الجزء الثاني”
  • * للباحث “حسين سرمك حسن”صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- ... اكمل القراءة

    الأعلى مشاهدة

    دروب المبدعين

    Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...