اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أكاذيبُ الموتى | قصة قصيرة ...* تنديار الجاموس

⏫⏬
يخرج العصفورُ المأسورُ من صندوقه الخشبيّ ليغرِّدَ معلنًا وصولَ رحلة الظلام إلى منتصفها. تغلقُ كتابَ موباسان الذي أنهتْ قراءتَه
للتوّ. تخلع نظّارتيْها، فتتماوج المرئيّاتُ أمام عينيها، ويغدو نظرُها أشبهَ بنظر ثملٍ يتسكّع في أزقة الليل بين الحانات. ترمي برأسها إلى الوسادة، فينسكب عليها ما فيه من ذكريات. تتقلّب يمينًا ويسارًا، قبل أن تُسمِّر ناظريْها في السقف. تستحضر حكاياتِ جدَّتها؛ كانت تغفو ما إنْ تبدأ السردَ، ولكنْ لا جدوى من ذلك الآن.

  تنديار الجاموس
  تنديار الجاموس
بعد مجهود كبير، تذبل أهدابُها وتستسلم للنوم. ولكنّها سرعان ما تستيقظ جزعةً. خلف نافذتها هرجٌ ومرج، وأصواتٌ مبهمة كأنّها عزفٌ على أوتار غير مدوزنة. يضيء البرقُ غرفتَها لحظةً ثمّ ينطفئ، مخلّفًا وراءه الظلامَ والوحشة. تصطكّ أسنانُها بردًا وخوفًا. تنهض من سريرها بخطًى بطيئةٍ متّئدة. تقف خلف النافذة وتختلس نظراتٍ حذرةً إلى الخارج. لكنّ ليالي قريتها التي تنام باكرًا حالكةُ السواد، وغزارةُ المطر تحجب الرؤية. تستجمع قواها وفضولَها. تأخذ نفَسًا عميقًا. وبأناملَ مرتجفةٍ، تفتح النافذة محاولةً اكتشافَ مصدر الصوت.

تصفعها الرياحُ دافعةً بها إلى الخلف. تتمسّك بحافّة النافذة، وتُطلّ بنصفها العلويّ إلى الخارج. تجحظ عيناها ذهولًا: سكّانُ المقبرة المجاورة ينهضون من قبورهم. تتشابك ظلالُهم المتحرّكة مع ظلال الأشجار الساكنة. تعْبر الظلالُ من خلال أكوام الأتربة المتبقّية على حوافّ الطريق المؤدّي إلى "مملكة النهاية،" كأنّهم يطوفون حول مثواهم الأخير. تندّ عنهم ضحكاتٌ غريبة، وكلماتٌ مبهمة، ثمّ يتفرّقون، فيقف كلٌّ منهم أمام قبره، ممسِّدًا شاهدتَه، فيصدر عنها أزيزٌ تقشعرّ له الأبدان.

أمام هول المشهد تجد نفسَها واقفةً في منطقةٍ وسطى بين الحلم واليقظة. ثمّ تتذكر أنَّ "الموتى لا يكذبون."

تواصل التحديق، يتنازعها شعوران متلازمان: الخوف والاستغراب. تتذكّر اتصالَ ذلك الصديق، فيبدأ قلبُها بالخفقان بسرعة. لقد جاءت الفرصةُ التي ستفتك بكلّ علامات الاستفهام التي تؤرِّقها منذ سنوات. يتحرّك جسدُها لاإراديًّا كدميةٍ تهزّها يدان خفيّتان، فتنتعل فردتيْ حذاء متنافرتيْن وتتّجه نحو المقبرة.

هل سيحرّرها من نقر إزميل الضمير؟

تتذكّر ما قاله موباسان عن اعترافات الموتى الذين - وحدهم - لا يكذبون؛ عن صحوة ضميرهم المتأخّرة. تتساءل: ماذا عساه سيكتب هو؟ دفع بنفسه إلى الحرب؟ الموت؟ الخلاص؟ بجسدٍ خاوٍ من روحٍ احترقتْ خذلانًا منها كما كان يزعم؟ أم أنَّه ألقى باللوم عليها ليخرج من الحكاية كجلّادٍ يتقن تعذيبَ سجينه؟

هل أحبَّها حقًا؟

هل حاول نسيانَها بكلّ الطرق فعلًا ولم يفلح؟

هل يستحقّ ما أحرقتْه من سنوات، زهدًا ووحدةً وألمًا على ما حلَّ به؟ وهل من شأن ذلك أنْ يغفرَ ذنبَها؟

وهل كانت مذنبةً أصلًا؟ أم أنَّ رحيلها كان حقنًا لدماءِ حبٍّ حرَّمتْه القبيلة؟ وإنْ كان الأمر كذلك، فلماذا يزورها كلَّ ليلة متجّهمًا ومعاتبًا، غاسلًا وجهَها بدمعه؟

قبل زمن بعيد مرَّ بها ذلك الرجلُ ليعصف بداخلها. لم يكن حبًّا بقدرِ ما كان بقعةَ أمان. لم يكن يعلم أنَّها ستُجبَر على إفلات يده في منتصف الطريق. كيف للحبّ أن ينقلب نقمةً ويتحوَّلَ إلى حربٍ يموت بها الصادقون؟ عندما سمعتْ بخبر استشهاده، شعرتْ أنّها هي الرصاصةُ التي أرْدته. بدأت تشتمّ رائحةَ الموت في كلِّ ما يحيط بها، وسياطُ الضمير تجلدها كلما ذُكِر اسمُه في حضرتها.

كانت تتوقّع أنْ يوديَ به الشعورُ بالخذلان إلى أحد المصحّات، ولكنه اختار طريقًا لم يخطر في بالها: طريقًا أكثر إيلامًا لها، يشبه الانتحارَ المقنّع.

نعم، هي مَن تخلّت تحت ذريعة العجز والظروف. هي من حَزَمتْ أمتعتَها وذهبتْ بعيدًا، تاركةً وراءها قلبًا نازفًا. حاول إقناعَها بالعودة حتى جفَّ دمعُه. وحين خارت قواه، أقسم لها أنْ لا حياةَ بعدها. ظنّت أنّ الوقت كفيل بترميم جراحه، وأنَّه سينساها بتعاقب السنوات التي جعلته ذكرى بعيدةً، كلّما هبَّت رياحُ أيلول أعادته أمامها.

***

في أحد الصباحات الشتويّة رنّ هاتفُها. صديقُهما المشترك في الجانب الآخر من العالم هاتفَها بعد مرور سنوات ليطمئنّ إلى حالها. حديثُه عن مغامرات الصبا وذكريات البلاد ساقهما إلى سؤالٍ لطالما كانت تخشاه.

- أتذكرينَه؟

سكتتْ لوهلة. كان سؤالُه معولًا يحفر عميقًا في رأسها. أجابت مصطنعةً اللامبالاة:

- ايييه... أيّام!

- أتعلمين أنّ زوجتَه تقيم في المقاطعة التي أعيش فيها؟

- حقًّا؟

- بعد استشهاده، تقدَّم كثيرون للزواج منها، ولكنها رفضتْ. ثمّ هاجرتْ مع عائلتها هربًا من الحرب. لم ترضَ أن تعيش في كنف غيره، وقد تحابّا أكثر من ثماني سنوات، وأثمر حبُّهما طفلةً جميلة. لعلّه حدّثكِ عنها؛ فقد كنتِ الصديقةَ الأقربَ إلى قلبه. تبًّا للقذيفة التي حرمتْ هذه الطفلةَ والدَها!

كان يتحدّث وهي مصدومة تمامًا. ماذا يقول هذا الرجل؟ وعن أيّ زوجة مزعومة يتحدّث؟

تقاطعه:

- أحقًا ما تقول؟ ولكنّه أرسل إليّ يُعْلمني برغبته الانضمامَ إلى الثوّار. وقد حاولتُ إقناعَه بالعدول عن قراره رمْيَ نفسه في التهلكة.

- لا يا صديقتي، هو لم ينضمَّ إلى أيٍّ من الطرفيْن المتحاربيْن. كان يهاب الحربَ والسلاح. عندما استُشهد بقذيفة ضلّت طريقَها، لم أكن قد هاجرتُ بعد. وكنتُ أعرف تمامًا رجالَ المنطقة الذين انضمّوا إلى الثورة، ولم يكن منهم.

ابتلعتْ ريقَها بصعوبة، وسألتْ بصوت مرتجف تقاوم غصَّةً وشيكة:

- ماذا عن زوجته؟ لم أكن أعلم أنّ ثمّة امرأةً في حياته.

- كنتُ أظنّ أنّه أخبركِ. تعلمين أنّنا في مجتمع ريفيّ. وهذا ما دفعهما إلى إخفاء الأمر، ولم يعلنا عنه إلّا بعد أن تقدّم لخطبتها.

***

وسط بحثها عنه بين أطياف الموتى، ووسط عثراتها ونهوضها المتكرّر، سألتْ نفسها: ما الذي قاله هذا الصديقُ المشترك؟ أأحبَّ امرأةً غيري ثماني سنوات قبل أن يتزوّجها، وأنا التي أسَرْتُ نفسي بذكراه طويلًا، أطلبُ المغفرةَ كلَّ يومٍ على خذلاني إيّاه؟! لعنتُ الوطنَ والقبيلةَ والطائفة وكلّ الأشياء التي أجبرتني على الرحيل هربًا من عشق مستحيل. لعنت الحرب والموت اللذين اجتثّا أحد أطرافي.

ومرَّت الأيام ولا يزال ذلك الاتصالُ يهوي بها إلى المزيد من الضياع. وكلّما تقصَّدت التواصلَ مع الأقارب والأصدقاء، كانت تختلق حديثًا عنه لتصل إلى حقيقةِ ما قيل. وكان كلامُهم جميعًا يتقاطع مع ما ذكره ذلك الصديق المشترك.

واصلتْ دورتَها بين أطياف الموتى لاهثةً. تلاحقتْ أنفاسُها، وهي تطالع شواهدَ القبور، علّ الموتى كتبوا عليها حكاياتِ رحيلهم. تابعت البحثَ منهارةً، قبل أن تجثو أمام قبرٍ يفوح منه شذًى طيّبٌ لا يزال عالقًا بروحها. لم يكن ثمّة شاهدٌ على القبر. اجتاحتها هستيريا مجبولةٌ بدمعٍ حارق. حاولت الصراخَ، فأبى صوتُها الخروج. ثمّ أخذت الأطيافُ تتلاشى وتعود إلى مستقرّها. هدأ المكان إلّا من حفيف أوراق الشجر. أحسَّت بيد دافئة تربّت كتفَها، ثمّ سمعتْ صوتًا يخاطبها باسمها. استدارت منتفضةً، فزاغ نظرُها من أثر ضوءٍ باهرٍ تكشَّف تدريجيًّا عن صورة الممرّضة اللطيفة وهي تفتح الستائرَ لأشعّة الصباح.

- انهضي يا جميلتي. لديّ خبرٌ مفرحٌ لكِ. لقد استطعتُ أن أهرّب إليكِ كتابًا جديدًا خفيةً عن مدير المصحّ. هذا الرجل الجشع يمدّد إقامتكِ هنا كلما أغدقتْ عائلتُكِ المالَ عليه. أعلم أنك تعقلين كلَّ كلمةٍ أقولها. هذا العالم مخيف جدًّا، وعاجز عن احتضان أوجاعنا. ليتني أستطيع إخراجَكِ من هنا، وإقناعَهم بأنّك معافاة. ولكنْ أنّى لي أنْ أجد إلى ذلك سبيلًا مع أولئك المختلّين؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أرشيف الآداب

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

  • فيلم (كال وكمبريدج).. هموم الجيل الثاني من المغتربين العراقيين
  • ⏪⏬ا: (اختبار سياقة) عام 1991 و (ساعتا تأخير) 2001 و (عينان مفتوحتان على ... اكمل القراءة
  • المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي
  • ⏪⏬صدرت للكاتب والشاعر والرسام أحمد إبراهيم الدسوقي.. ثلاثة مسرحيات.. هم ... اكمل القراءة
  • فيلم "بين الجنة والأرض" يختتم عروض "أيام فلسطين السينمائية"
  • ✋✋اختتم مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، دورته السابعة والاستثنائية بالفيلم ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة جدا

  • عناد | قصص قصيرة جدا ...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪اشاعاتاقتنع بمقولة أن وراء كل عظيم امراة.. تزوج أربعة.. وضعوه فى مستشفى ... اكمل القراءة
  • حنين | قصص قصيرة جدا...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪تعليماتنزل القبر.. استقبلوه بالترحيب.. طلبوا منه أربعة صور وشهادة وفاته لضمه ... اكمل القراءة
  • الحسناءوالحصان | قصة قصيرة جدا ...*رائد العمري
  • ⏪⏬في الاسطبل كان يصهلُ كعاشقٍ أضناه الاشتياق، هي لم تكن تفهم صهيله جيدا، جاءت ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة

  • ابن جلَّا | قصة قصيرة ...*حسان الجودي
  • ⏪⏬رفضت بعض خلايا الدماغ المشاركة في عملية التفكير التي همَّ بها ابن جلاّ .فقد ... اكمل القراءة
  • أطول مما يتخيل العمر | قصة فصيرة..!.. * عبده حقي
  • ⏪⏬فجأة وجد رأسه معلقا بحبل بين أغصان الشجرة وعيناه جاحظتان إلى السماء .كان جسده ... اكمل القراءة
  • مسافر في الليل | قصة قصيرة ...*على السيد محمد حزين
  • ⏪⏬ارتدى آخر قطار متجه إلي القاهرة , حشر نفسه وسط الكتل البشرية المعتركة الأجسام ... اكمل القراءة

    قراءات أدبية

  • قراءة لنص "ميلاد تحت الطاولة" ...* لـ حيدر غراس ...*عبير صفوت حيدر غراس
  • "الدارسة المعمقة والجزيلة للأديبة الكبيرة (عبير صفوت) لنص ميلاد تحت ... اكمل القراءة
  • الرواية التاريخية في الأدب الفلسطيني ...*جواد لؤي العقاد
  • رإن أفخم وأهم الرويات في الأدب العربي تلك التي تقدم لنا معلومات تاريخية موثوقة ... اكمل القراءة
  • الأهازيج الشعبية في رواية “ظلال القطمون” لإبراهيم السعافين
  • *د. مخلد شاكر تدور أحداث رواية “ظلال القطمون” حول الأدب الفلسطيني, وحول ... اكمل القراءة

    أدب عالمي

  • إعتذار .. مسرحية قصيرة : وودي آلان - Woody Allen: My Opology
  • ترجمة:د.إقبال محمدعلي*"من بين مشاهير الرجال الذين خلدهم التاريخ،كان "سقراط" هو ... اكمل القراءة
  • الأسطورة والتنوير ...* فريدريك دولان ..*ترجمة: د.رحيم محمد الساعدي
  • ⏪⏬الأسطورة هي بالفعل )تنوير( لأن الأسطورة والتنوير لديهما شيئا مشتركا هو الرغبة ... اكمل القراءة
  • أدب عالمي | الموت يَدُق الباب.. مسرحية لـ وودي آلان
  • ⏪بقلم: وودي آلان،1968⏪ترجمة: د.إقبال محمدعلي(تجري أحداث المسرحية في غرفة نوم ... اكمل القراءة

    كتاب للقراءة

  • صدر كتاب "الفُصحى والعامية والإبداع الشعبي" ...*د.مصطفى عطية جمعة
  •  ⏪⏬عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة ؛ صدر كتاب « الفُصحى والعامية ... اكمل القراءة
  • رواية"أنا من الديار المُقدَّسة والغربة" للأديب المقدسي جميل السلحوت
  • *نمر القدومي:صدرت رواية الفتيات والفتيان “أنا من الديار المقدسة” للأديب المقدسي ... اكمل القراءة
  • صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- الجزء الثاني”
  • * للباحث “حسين سرمك حسن”صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- ... اكمل القراءة

    الأعلى مشاهدة

    دروب المبدعين

    Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...