من خلال حوار داخلي , ينمو ويتصاعد, بين (فضلو )المرئي وفضلو غير المرئي بطل رواية عبد العزيز الموسى /بغل الطاحون/ .
يشرئب البغل حيناً فحيناً من أعماق (فضلو) يرفع قائمتيه الخلفيتين , يرفس ... يلبط ... غير أنّ الهواء والأشياء تبقى كما هي , تستمر في الخارج غير آبهة لذلك المجهول الذي يتكشّف باستمرارشرارات خاطفة .تضيئ حوالك الداخل المكتظّ بالبطلان , والمترع بافتراعات حركية تركض وراء أشكالها التي تفلت منها على الدوام .
يتمحور الحدث حول البطل في حوار الأعماق التي ما إن يطفو خبؤها على السطح , حتى تتشظّى صورة المعاش المثقل بالمفارقات .
لعبد العزيز الموسى رؤية فنية متميزة , تنهض على أسس من ثقافة رفيعة المستوى , ترقى إلى اندماج المألوف باللا مألوف , وتلازم النفساني بالاجتماعي , في صيرورة تأثيرية متنامية , متبادلة, حيث يفضي الاستبطان الدائم لأعماق المخلوقات التي تشكل العالم المرئي المحيط ب(فضلو) بطل الرواية , إلى تماس قريب من درجة الوعي ,حيث تولد شرارات خاطفة تومض في حركيتها النامية من خلال المغاير والمفارق للحلم ,تكشف الكمونات الراسبة في قاع الذات , موقظة تلك اللكمات المريرة التي تترنح تحتهاالروح, روح البطل المحكومة بالقهر والاستلاب .
من خلال ارتكازه على النفسي يعري عبد العزيز الموسى الاجتماعي الزائف من بهارج الحضارة وأكاذيب المظاهر , وأساطير العدالة .
فهو في مواجهة سافرة تجمع بين البدائي الراقد فينا , والعصري الهابط من شبكة المعلوماتية .
تنسج اللغة في روايته خصوصيتها المتميزة في اندماج عفوي بين الشكل والمضمون , فإذا الألفاظ كائنات تسعى على قدمين أوتطير بجناحين , بينما تزحف أخرى ما شاءت لها نواميس القوة ودساتير القهر , وبرمجات الإحباط .
لبغل الطاحون عربة ملأى بالأحداث , حيث تتصارع كائناتها في سباق محموم للوصول , وماإن تقترب لحظة التّماس حتى ينشرخ الواقع المحكوم ببطلانه وتشيوئه.
يحاول (فضلو) بطل الرواية أن يخرج من مستنقع يأسن بجراثيم التناقضات وحمّيات السير على جثث الآخرين , يحاول أن يطلق صوته من علبة الصدأ ,وحين يهمّ بالصراخ يتولاه شعور ضاغط موتور يحاصر الروح ويستلب كل مقاومة , ويلقي بالحسد المشلول على قارعة التدمير .
تتسيّد المرأة في رواية عبد العزيز الموسى سدّة السبب , إنها في تأثيرها الأنثوي الطاغي تتبدى لنا في صور تتكامل لتعطي رؤيا شخصية لمؤلف الرواية ,ترسم فيها مسارات تؤدي بالمرأة إلى هيمنة سوداء على منافذ الزمن و حيث يستحيل الماضي إلى إحساس مثقل بالصدمات والخيبات والتشوهات , ويتبدّى الحاضر محكوماً بالتفاهة والشهوة والخبث . حاضرٌ لا مستقبل له ,إنه يدمرّ نفسه باستمرار .
هذا الوجه الأسود للمراة في رواية عبد العزيز الموسى يكاد يقابله شبح هزيل لنموذج أنثوي أبصر أكثر بقليل ممّا يبصر الآخرون .
وعندما حاول هذا النموذج المتجسّد في (ربوة) أن يواجه السيل المندفع من تحت بكل ما يعج به من التلوّث جرفه ذلك السيل في اجتياحه العارم , وصفّاه جسدياً , وبالتالي فكرياّ .
كلّ محاولة فردية للمواجهة محكومة بالفشل . هل يمكن لإيديولوجية ثورية أن تستمرّ في براءتها حين ينتهي بها الطموح إلى الكرسيّ ؟
(بغل الطاحون) صورة البغل ذلك الكائن الهجين والمضنى بالشك في نسبه وانتمائه الطبقي , في أخوّته ل (ربوة ) في علاقته الحميمة بالمرأة , حيث تتراجع فحولته منسحبة في هلامية يفرزها ضباب الذاكرة , وينضجها مرجل اللاشعور .
في البرهة الّلذية يطغى الاإحساس بالرضوخ لآلية اللحظة, لحتمية القوى الضاغطة من أعلى , ولاندفاعات الشروخ المشرئبة من أعماق الذات , في ماضيها الذي سُرقت براءته ,وتشوهت عفويته .
ذلك الإحساس المهيمن , بآلية حياتها يتحول إلى وسيلة , إلى دمية تحركها خيوط سرّية , لتدمير ذاتها وعقوبتها .
بتطبيق وصفة عدوانية تتقنّع بالتطهير , وتطالب بالاغتسال , لتنتقل من حالة الخمود إلى حالة الإخماد .
عبد العزيز الموسى يتغلغل من خلال روايته في نفوس شخصياته معريّاً ومحلّلاً , تلك الشخصيات المحكومة بمنطق عبثيّ , تتواترحوادثها ,وتستفحل حالاتها, وترتفع درجة حرارتها لتبلغ ذروة التأزّم .
ذلك الشعور القاتل بالبؤس وفوضى الأشياء , وانفلات السيطرة على ما يحيط بالذات من خارجها , وما يفيض من أعماقها تنتهي بسوداوية تكرّس عالماً يحكمه الشرّ, وتطعن كلّ ما هو صميمي فينا ,وتبيد كلّ ماهو شخصيّ
وتؤكّد العبث , وتدمغ بالباطل جبهة الحق .
إنها تفترع بكارة الأمل وتتركه يتأرجح على ذاكرة المشنقة واقفاً على ذلك الكرسيّ القابل لانسحاب من تحت قدميه في أية لحظة .
(بغل الطاحون ) رواية تشق طريقها بجهدها الخاص , حيث تؤسلب الحدث , وتدفعه في سياق متنام ومتصاعد يحمل ألقه معه أينما حلّ ويلقي ظلاله وراءه كلما غادر المكان في محاولة لاصطحاب الزمان ممتطياً صهوة الموج في أبدية المد والجزر .
كتب هدا النّص عام 1998
ولدة محمد عنتابي
يشرئب البغل حيناً فحيناً من أعماق (فضلو) يرفع قائمتيه الخلفيتين , يرفس ... يلبط ... غير أنّ الهواء والأشياء تبقى كما هي , تستمر في الخارج غير آبهة لذلك المجهول الذي يتكشّف باستمرارشرارات خاطفة .تضيئ حوالك الداخل المكتظّ بالبطلان , والمترع بافتراعات حركية تركض وراء أشكالها التي تفلت منها على الدوام .
يتمحور الحدث حول البطل في حوار الأعماق التي ما إن يطفو خبؤها على السطح , حتى تتشظّى صورة المعاش المثقل بالمفارقات .
لعبد العزيز الموسى رؤية فنية متميزة , تنهض على أسس من ثقافة رفيعة المستوى , ترقى إلى اندماج المألوف باللا مألوف , وتلازم النفساني بالاجتماعي , في صيرورة تأثيرية متنامية , متبادلة, حيث يفضي الاستبطان الدائم لأعماق المخلوقات التي تشكل العالم المرئي المحيط ب(فضلو) بطل الرواية , إلى تماس قريب من درجة الوعي ,حيث تولد شرارات خاطفة تومض في حركيتها النامية من خلال المغاير والمفارق للحلم ,تكشف الكمونات الراسبة في قاع الذات , موقظة تلك اللكمات المريرة التي تترنح تحتهاالروح, روح البطل المحكومة بالقهر والاستلاب .
من خلال ارتكازه على النفسي يعري عبد العزيز الموسى الاجتماعي الزائف من بهارج الحضارة وأكاذيب المظاهر , وأساطير العدالة .
فهو في مواجهة سافرة تجمع بين البدائي الراقد فينا , والعصري الهابط من شبكة المعلوماتية .
تنسج اللغة في روايته خصوصيتها المتميزة في اندماج عفوي بين الشكل والمضمون , فإذا الألفاظ كائنات تسعى على قدمين أوتطير بجناحين , بينما تزحف أخرى ما شاءت لها نواميس القوة ودساتير القهر , وبرمجات الإحباط .
لبغل الطاحون عربة ملأى بالأحداث , حيث تتصارع كائناتها في سباق محموم للوصول , وماإن تقترب لحظة التّماس حتى ينشرخ الواقع المحكوم ببطلانه وتشيوئه.
يحاول (فضلو) بطل الرواية أن يخرج من مستنقع يأسن بجراثيم التناقضات وحمّيات السير على جثث الآخرين , يحاول أن يطلق صوته من علبة الصدأ ,وحين يهمّ بالصراخ يتولاه شعور ضاغط موتور يحاصر الروح ويستلب كل مقاومة , ويلقي بالحسد المشلول على قارعة التدمير .
تتسيّد المرأة في رواية عبد العزيز الموسى سدّة السبب , إنها في تأثيرها الأنثوي الطاغي تتبدى لنا في صور تتكامل لتعطي رؤيا شخصية لمؤلف الرواية ,ترسم فيها مسارات تؤدي بالمرأة إلى هيمنة سوداء على منافذ الزمن و حيث يستحيل الماضي إلى إحساس مثقل بالصدمات والخيبات والتشوهات , ويتبدّى الحاضر محكوماً بالتفاهة والشهوة والخبث . حاضرٌ لا مستقبل له ,إنه يدمرّ نفسه باستمرار .
هذا الوجه الأسود للمراة في رواية عبد العزيز الموسى يكاد يقابله شبح هزيل لنموذج أنثوي أبصر أكثر بقليل ممّا يبصر الآخرون .
وعندما حاول هذا النموذج المتجسّد في (ربوة) أن يواجه السيل المندفع من تحت بكل ما يعج به من التلوّث جرفه ذلك السيل في اجتياحه العارم , وصفّاه جسدياً , وبالتالي فكرياّ .
كلّ محاولة فردية للمواجهة محكومة بالفشل . هل يمكن لإيديولوجية ثورية أن تستمرّ في براءتها حين ينتهي بها الطموح إلى الكرسيّ ؟
(بغل الطاحون) صورة البغل ذلك الكائن الهجين والمضنى بالشك في نسبه وانتمائه الطبقي , في أخوّته ل (ربوة ) في علاقته الحميمة بالمرأة , حيث تتراجع فحولته منسحبة في هلامية يفرزها ضباب الذاكرة , وينضجها مرجل اللاشعور .
في البرهة الّلذية يطغى الاإحساس بالرضوخ لآلية اللحظة, لحتمية القوى الضاغطة من أعلى , ولاندفاعات الشروخ المشرئبة من أعماق الذات , في ماضيها الذي سُرقت براءته ,وتشوهت عفويته .
ذلك الإحساس المهيمن , بآلية حياتها يتحول إلى وسيلة , إلى دمية تحركها خيوط سرّية , لتدمير ذاتها وعقوبتها .
بتطبيق وصفة عدوانية تتقنّع بالتطهير , وتطالب بالاغتسال , لتنتقل من حالة الخمود إلى حالة الإخماد .
عبد العزيز الموسى يتغلغل من خلال روايته في نفوس شخصياته معريّاً ومحلّلاً , تلك الشخصيات المحكومة بمنطق عبثيّ , تتواترحوادثها ,وتستفحل حالاتها, وترتفع درجة حرارتها لتبلغ ذروة التأزّم .
ذلك الشعور القاتل بالبؤس وفوضى الأشياء , وانفلات السيطرة على ما يحيط بالذات من خارجها , وما يفيض من أعماقها تنتهي بسوداوية تكرّس عالماً يحكمه الشرّ, وتطعن كلّ ما هو صميمي فينا ,وتبيد كلّ ماهو شخصيّ
وتؤكّد العبث , وتدمغ بالباطل جبهة الحق .
إنها تفترع بكارة الأمل وتتركه يتأرجح على ذاكرة المشنقة واقفاً على ذلك الكرسيّ القابل لانسحاب من تحت قدميه في أية لحظة .
(بغل الطاحون ) رواية تشق طريقها بجهدها الخاص , حيث تؤسلب الحدث , وتدفعه في سياق متنام ومتصاعد يحمل ألقه معه أينما حلّ ويلقي ظلاله وراءه كلما غادر المكان في محاولة لاصطحاب الزمان ممتطياً صهوة الموج في أبدية المد والجزر .
كتب هدا النّص عام 1998
ولدة محمد عنتابي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق