لم أكن أعرف عن نازك الخنيزي سوى إنها محررة في مجلة الآداب والفنون، ولم أقرأ لها سابقاً، وحين شرفني الدكتور علي لعيبي بكتابة مقدمة هذا الديوان تملكتني الرغبة الملحة في الاطلاع على نصوص الشاعرة نازك الخنيزي.
بعد أيام أرسل لي الدكتور علي النصوص وبدأت بقراءتها، وقد أخذتني الدهشة لتلك الصور المترادفة في النص الواحد، وكذلك رصانة التعبير، وتمكن الشاعرة من انسيابية الحدث الذي أظهر لي تمكنها من بلاغتها ونحوها .
في قصيدة "أوتار تحلق" تقول نازك :
سأنثر خرز الفيروز على جسدي
في جنائن الأنعام
لتتضامن طهارة الأنهار
ويغني النبض
وأرفع يدي بآيات
بأسمائه الحسنى كخارق للصوت
نعم إنها تتجه لخالق الكون في هذا الزمن الموحش الذي يسير بالضد من رغبات الإنسان وآماله، وبما إن نازك هي ابنة الجزيرة العربية فقد نرى صوراً كثيرة تعيد صياغتها من بلاغة القرآن الكريم عندما نقرأ لها :
خارج خارطتك
في وادٍ غير ذي زرع
أطلقت غزلان أريجك
القيت برأسي على صدر
يتحدى جلاد العصر
لاحقتني شظايا الموت
تذكرت إني أبحث عن وطن
وها هي شاعرتنا تنتفض على العرف القبلي فتضع خطوط حريتها كما تصورها لنا :
أنا لا أتقن التبخير
في زمن مسور بالحزن
ولا في زمن مات شاهراً سيف الحرف
أو سيموت
تحيطه الأسوار كالوباء
خارطته ممحوة التضاريس
وتعود نازك الى عشقها في نص "رسائل على مشارف الهمس" وهو العنوان الذي حمل اسم الديوان المشترك، ليقفز شوقها من نافذة اللوعة والوجد حين تخاطبه :
قرة عيني
ها أنذا أهدهد شوقي المذبوح
وأسكب التمتمات في جوف حمام الأحلام
وأحكي ألف حكاية
عن رجلٍ هو أنت
يا من نزعتَ جذوة إحتمت بذاكرتي
وتعود الشاعرة لمناجاة الخالق في أروع لحظات الوقوف بين يديه :
يا سامع النجوى
إمسح بكفٍّ على جسد من لحم ودم
غرس الحزن إبرة في أوردتها
إستوطن دمها
وأدمنت كأسه ...
حين أرهقها طيف العابرين
وبقي ظلها مبتهلاً
في سرمدية الوجع
الظل لا يشبه الأصل
على الصخور الضفاف
الصدى يرتوي من أجراس العواء
فتوقف البوصلة في عين الإعصار
ونتهجى دماء الشفاه
ومن جميل ما نرى في هذه المجموعة المشتركة هو تطابق الرؤى لدى نازك الخنيزي والدكتور علي لعيبي، وكذلك الصور، وإن إختلفت كلمات التعبير بينهما في النصوص ... أو ربما هي تلك المشاعر التي يعيشها المثقف العربي والتي تتحدث عن ثلاثة أبعاد رئيسية، أو بالأحرى ثلاثة هموم، هي الوطن والمعاناة الإنسانية والجانب الشخصي الوجداني .
وهاهو الدكتور علي لعيبي يحدثنا عن الجانب الإنساني في إحدى قصائده فيقول:
هكذا تبدو الإرادة
عندما تحلم بكابوس
أو بأفق أبيض جميل
تتساءل الطفلة المنكوبة
تحت خيمة الموت
ما ذنبي أنا؟
نعم إنه يجسد إحدى الحالات المشتركة لهموم المثقف العربي بهذا التساؤل للطفلة، حين تناشد الضمير الإنساني ... ماذنبي أنا؟
وفي جانبه الإنساني بصورة أخرى جديدة يحدثنا شاعرنا عن صورة قلما نجدها في قصائد الشعراء :
لكن أنا
والشارع والبيوت والساحات
نتبادل نخب الإنحسار
والبعض عند بار الخمرة
يحتسي نفسه
ماذا لو جمعنا أشتاتنا ...
وغمرنا أرواحنا ببعضٍ من فرحٍ مسلوب؟
ماذا لو عدنا نسمع فيروز؟
ويعود الدكتور في نفس القصيدة ليضع لنا صورة أخرى :
كلب جيراني الأبيض
يبدو بحاجةٍ الى وعاء حليب
وتلك الطفلة أيضاً
ابنة جيراننا
تطلب رغيف خبز
وفي جانبه الوجداني الجميل كان الدكتور علي يرسم لنا لوحة اللقاء الأول بشكل ينم عن أفق واسع وبتفاصيل تصل الى حد الدقة :
بلا موعد
كانت البداية لقاءً إستثنائياً
ربما تلك الكنبة
ستكتب يوماً ذلك اللقاء المدهش
شيئان يتبادلان العشق المخفي
تحت وسادةٍ من ورد
وفي قصيدة أخرى يرفض شاعرنا العودة الى عشق ربما جاء دون وعي :
لم أغادر حلقة العشق
الرقص خلف أكوام الوهم نزهة
ومسك الأنامل دون ودٍّ خدعة
لن أغامر بلون وجهي
لأن قلبي دون وعي يأتي
ولوطنه وللواصلين على أكتاف غيرهم يقول الشاعر :
لا أفقه الفرح خلف منصاتكم
مهما فرح المتعطشون
نخلتنا فيء يعرف صاحبه
وصورة أخرى من صور الوطن الموجوع يتجسد فيها الحزن والخوف من المجهول معاً:
حملنا بعض أوجاعنا
نتجول بين أروقةٍ راكدة
لكن مضت دون أن تدري
خلف جبال من جليد
مللنا التسلق الأملس
وحبال الشد والجر
متى نغادر الفزع ونعيش الأرض؟
لست بناقدِ ولاأنا ممن ينتمون لهذه الفئة الأدبية، لكنني متذوق للشعر، وقد استمتعت كثيراً بقراءة المجموعة المشتركة "رسائل على مشارف الهمس" للشاعرة نازك الخنيزي والشاعر الدكتور علي لعيبي .
بعد أيام أرسل لي الدكتور علي النصوص وبدأت بقراءتها، وقد أخذتني الدهشة لتلك الصور المترادفة في النص الواحد، وكذلك رصانة التعبير، وتمكن الشاعرة من انسيابية الحدث الذي أظهر لي تمكنها من بلاغتها ونحوها .
في قصيدة "أوتار تحلق" تقول نازك :
سأنثر خرز الفيروز على جسدي
في جنائن الأنعام
لتتضامن طهارة الأنهار
ويغني النبض
وأرفع يدي بآيات
بأسمائه الحسنى كخارق للصوت
نعم إنها تتجه لخالق الكون في هذا الزمن الموحش الذي يسير بالضد من رغبات الإنسان وآماله، وبما إن نازك هي ابنة الجزيرة العربية فقد نرى صوراً كثيرة تعيد صياغتها من بلاغة القرآن الكريم عندما نقرأ لها :
خارج خارطتك
في وادٍ غير ذي زرع
أطلقت غزلان أريجك
القيت برأسي على صدر
يتحدى جلاد العصر
لاحقتني شظايا الموت
تذكرت إني أبحث عن وطن
وها هي شاعرتنا تنتفض على العرف القبلي فتضع خطوط حريتها كما تصورها لنا :
أنا لا أتقن التبخير
في زمن مسور بالحزن
ولا في زمن مات شاهراً سيف الحرف
أو سيموت
تحيطه الأسوار كالوباء
خارطته ممحوة التضاريس
وتعود نازك الى عشقها في نص "رسائل على مشارف الهمس" وهو العنوان الذي حمل اسم الديوان المشترك، ليقفز شوقها من نافذة اللوعة والوجد حين تخاطبه :
قرة عيني
ها أنذا أهدهد شوقي المذبوح
وأسكب التمتمات في جوف حمام الأحلام
وأحكي ألف حكاية
عن رجلٍ هو أنت
يا من نزعتَ جذوة إحتمت بذاكرتي
وتعود الشاعرة لمناجاة الخالق في أروع لحظات الوقوف بين يديه :
يا سامع النجوى
إمسح بكفٍّ على جسد من لحم ودم
غرس الحزن إبرة في أوردتها
إستوطن دمها
وأدمنت كأسه ...
حين أرهقها طيف العابرين
وبقي ظلها مبتهلاً
في سرمدية الوجع
الظل لا يشبه الأصل
على الصخور الضفاف
الصدى يرتوي من أجراس العواء
فتوقف البوصلة في عين الإعصار
ونتهجى دماء الشفاه
ومن جميل ما نرى في هذه المجموعة المشتركة هو تطابق الرؤى لدى نازك الخنيزي والدكتور علي لعيبي، وكذلك الصور، وإن إختلفت كلمات التعبير بينهما في النصوص ... أو ربما هي تلك المشاعر التي يعيشها المثقف العربي والتي تتحدث عن ثلاثة أبعاد رئيسية، أو بالأحرى ثلاثة هموم، هي الوطن والمعاناة الإنسانية والجانب الشخصي الوجداني .
وهاهو الدكتور علي لعيبي يحدثنا عن الجانب الإنساني في إحدى قصائده فيقول:
هكذا تبدو الإرادة
عندما تحلم بكابوس
أو بأفق أبيض جميل
تتساءل الطفلة المنكوبة
تحت خيمة الموت
ما ذنبي أنا؟
نعم إنه يجسد إحدى الحالات المشتركة لهموم المثقف العربي بهذا التساؤل للطفلة، حين تناشد الضمير الإنساني ... ماذنبي أنا؟
وفي جانبه الإنساني بصورة أخرى جديدة يحدثنا شاعرنا عن صورة قلما نجدها في قصائد الشعراء :
لكن أنا
والشارع والبيوت والساحات
نتبادل نخب الإنحسار
والبعض عند بار الخمرة
يحتسي نفسه
ماذا لو جمعنا أشتاتنا ...
وغمرنا أرواحنا ببعضٍ من فرحٍ مسلوب؟
ماذا لو عدنا نسمع فيروز؟
ويعود الدكتور في نفس القصيدة ليضع لنا صورة أخرى :
كلب جيراني الأبيض
يبدو بحاجةٍ الى وعاء حليب
وتلك الطفلة أيضاً
ابنة جيراننا
تطلب رغيف خبز
وفي جانبه الوجداني الجميل كان الدكتور علي يرسم لنا لوحة اللقاء الأول بشكل ينم عن أفق واسع وبتفاصيل تصل الى حد الدقة :
بلا موعد
كانت البداية لقاءً إستثنائياً
ربما تلك الكنبة
ستكتب يوماً ذلك اللقاء المدهش
شيئان يتبادلان العشق المخفي
تحت وسادةٍ من ورد
وفي قصيدة أخرى يرفض شاعرنا العودة الى عشق ربما جاء دون وعي :
لم أغادر حلقة العشق
الرقص خلف أكوام الوهم نزهة
ومسك الأنامل دون ودٍّ خدعة
لن أغامر بلون وجهي
لأن قلبي دون وعي يأتي
ولوطنه وللواصلين على أكتاف غيرهم يقول الشاعر :
لا أفقه الفرح خلف منصاتكم
مهما فرح المتعطشون
نخلتنا فيء يعرف صاحبه
وصورة أخرى من صور الوطن الموجوع يتجسد فيها الحزن والخوف من المجهول معاً:
حملنا بعض أوجاعنا
نتجول بين أروقةٍ راكدة
لكن مضت دون أن تدري
خلف جبال من جليد
مللنا التسلق الأملس
وحبال الشد والجر
متى نغادر الفزع ونعيش الأرض؟
لست بناقدِ ولاأنا ممن ينتمون لهذه الفئة الأدبية، لكنني متذوق للشعر، وقد استمتعت كثيراً بقراءة المجموعة المشتركة "رسائل على مشارف الهمس" للشاعرة نازك الخنيزي والشاعر الدكتور علي لعيبي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق