كنت أعمل مدرسة بإحدى ضواحي صفاقس ... وداخل القسم كان يجلس أمامي تلاميذ السنة الأولى من التعليم الابتدائي... و هم أطفال بكل معاني الطفولة الجميلة .... أطفال من زمن البراءة ... زمن مضى ولم يعد . وفي صبيحة أحد أيام شهر ديسمبر البارد جدا , الحبيب إلى قلبي جدا , تعثر أحد التلاميذ أكثر من مرة في حل المسائل
, فدعوته إلى السبورة ليكون قريبا من المعلومات المرسومة عليها ومني أنا أيضا , وكنت أدرك بحكم التجربة أن ذلك سيساعده على التركيز أكثر وسيجعله يبذل مجهودا أكبر في الفهم نظرا لإحساسه بالمسؤولية لأنّ الأنظار ستكون مسلطة عليه مما سيجعله يضاعف مجهوده , وكذلك لشعوره بأنني أهتم به بصفة خاصة ..كان هذا عقابي المحبب إلى نفس التلميذ .. لكنه يبقى تصرف يرمز للعقاب وقد اكتشفت ذلك لما كنت اسمح للتلميذ بالعودة الى مكانه فيهرع الى مقعده مبتسما وهو يقفز سعيدا بعودته بين خلانه .. إنّه العقاب المثمر.....وصادف ان وضعت يدي على كتف هذا التلميذ وأنا أخاطبه وإذا بجسده يرتعش وقد ارتفعت حرارته .. بل إنّه يتقد حرارة غير عادية ... والذي صدمني أن جسد الطفل كان مجموعة من العظام وإنّي أؤكد على كلمة عظام لأنّ هذا الطفل كان نحيفا جدا إلا أن هنالك شيء آخر غير عادي لدى هذا الطفل .. وأردت أن أتأكد من الأمر فجذبت بلطف طرف ميدعته من جانب الصدر ..فماذا أقول ؟ لقد فجعت بل ذعرت بل لا أجد كلمة تعبر عن شعوري أمام طفل بريء يدفع ثمن سعادة الاخرين من طفولته التي فرضت عليه وانتزعت منه ......هذا الطفل و في يوم من أيام شهر ديسمبر لا يلبس شيئا تحت الميدعة : وسألته عن السبب ..قال .. "أمي غسلت ثوبي " .... فهو إذا يمتلك ثوبا واحدا ....والذي تعجبت له وآلمني جدّا أنّ كبرياء هذا الطّفل منعته أن يخبرنا اليوم أنه لم يتناول فطور الصّباح ..فنحن في الفصل ..أنا والتّلاميذ نتكفّل بتقديم لمجة لمن يأتي من بيته بدون أكل ..ذلك أنّي والأطفال الميسورين "بمقاييس الفصل " نأتي بكميّة من الطّعام تزيد عن حاجتنا لمثل هذه الظروف ونقدمه قبل الدرس لكل من اتي بدون افطار لأسباب مختلفة تتراوح ما بين الفقر وإهمال الأمّ وعدم رغبة الطفل في الأكل صباحا وهذالأخير كان الأكثر شيوعا بين الاطفال وخاصة أنّ الأهالي في ذلك الزّمن كان ينقصهم الوعي ولا يولون الأمر أهمية .....
كانت هذه إذا القسوة المسلطة على الطفولة منذ سبعة وعشرين سنة ونفس القسوة لا تزال تتواصل إلى اليوم ........
نسيمة الهادي اللجمي
صفاقس ...تونس
, فدعوته إلى السبورة ليكون قريبا من المعلومات المرسومة عليها ومني أنا أيضا , وكنت أدرك بحكم التجربة أن ذلك سيساعده على التركيز أكثر وسيجعله يبذل مجهودا أكبر في الفهم نظرا لإحساسه بالمسؤولية لأنّ الأنظار ستكون مسلطة عليه مما سيجعله يضاعف مجهوده , وكذلك لشعوره بأنني أهتم به بصفة خاصة ..كان هذا عقابي المحبب إلى نفس التلميذ .. لكنه يبقى تصرف يرمز للعقاب وقد اكتشفت ذلك لما كنت اسمح للتلميذ بالعودة الى مكانه فيهرع الى مقعده مبتسما وهو يقفز سعيدا بعودته بين خلانه .. إنّه العقاب المثمر.....وصادف ان وضعت يدي على كتف هذا التلميذ وأنا أخاطبه وإذا بجسده يرتعش وقد ارتفعت حرارته .. بل إنّه يتقد حرارة غير عادية ... والذي صدمني أن جسد الطفل كان مجموعة من العظام وإنّي أؤكد على كلمة عظام لأنّ هذا الطفل كان نحيفا جدا إلا أن هنالك شيء آخر غير عادي لدى هذا الطفل .. وأردت أن أتأكد من الأمر فجذبت بلطف طرف ميدعته من جانب الصدر ..فماذا أقول ؟ لقد فجعت بل ذعرت بل لا أجد كلمة تعبر عن شعوري أمام طفل بريء يدفع ثمن سعادة الاخرين من طفولته التي فرضت عليه وانتزعت منه ......هذا الطفل و في يوم من أيام شهر ديسمبر لا يلبس شيئا تحت الميدعة : وسألته عن السبب ..قال .. "أمي غسلت ثوبي " .... فهو إذا يمتلك ثوبا واحدا ....والذي تعجبت له وآلمني جدّا أنّ كبرياء هذا الطّفل منعته أن يخبرنا اليوم أنه لم يتناول فطور الصّباح ..فنحن في الفصل ..أنا والتّلاميذ نتكفّل بتقديم لمجة لمن يأتي من بيته بدون أكل ..ذلك أنّي والأطفال الميسورين "بمقاييس الفصل " نأتي بكميّة من الطّعام تزيد عن حاجتنا لمثل هذه الظروف ونقدمه قبل الدرس لكل من اتي بدون افطار لأسباب مختلفة تتراوح ما بين الفقر وإهمال الأمّ وعدم رغبة الطفل في الأكل صباحا وهذالأخير كان الأكثر شيوعا بين الاطفال وخاصة أنّ الأهالي في ذلك الزّمن كان ينقصهم الوعي ولا يولون الأمر أهمية .....
كانت هذه إذا القسوة المسلطة على الطفولة منذ سبعة وعشرين سنة ونفس القسوة لا تزال تتواصل إلى اليوم ........
نسيمة الهادي اللجمي
صفاقس ...تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق