وحيدا كنبتة العرجون أتانا ذاك الغريب، بلا أغصان تقيه عواصف الأيام ، هكذا أوجز والدي ذات استفسار..
بينما كنت أراه طويلا بقدر طيبته ، قليل الكلام أو عديمه...
وباستثناء الإبتسامة التي يخصني كلما لاحظ احمرار أنفي إذ مررت به، كانت كل القرية تكن له ذات الود و الرهبة ...
و بما أنه يحمل ملكة غريبة ، تمكنه من شم كل ما يحدث خارجا، فقد تجده في كل المناسبات،تارة مهنئا،و أخرى معزيا..
لن أنسى حين هرعت إليه عقب أول يوم لي بالمدرسة،و كيف مسد على رأسي، مصلحا ما أتلفته أصابع من يشاطرني الطاولة،ومسح وجهي الذي صار أقرب منه إلى بندورة،حتى هدأ روعي...
فيما بعد،صار وقوفي عنده طقسا يوميا، أخبره أني حصلت أعلى نقطة،وأني ما عدت أخشى زميلي في الفصل،حتى أننا تصادقنا ،و حين تبدأ مخيلتي الصغيرة بالتأليف،يحك أنفه.كما ليعلمني أن للكذب رائحة عطنة..
لست وحدي من أعود إليه في كل أموري،فقد رأيته برفقة المقدم الذي زف إليه خبر وصول الكهرباء أخيرا،و يشاوره في اقتناء تلفاز سيجمعهم كل مساء،ويكون نافذتهم على العالم...
لوحظ في الأيام الأخيرة أن أنفه يتضخم يوما بعد يوم،كلما تحلقو في المقهى ،حول نشرة الأخبار،
قبل أن يختفي تماما، إلا أن أخباره لم تنقطع فهناك من يقول: أنه انتبذ مكانا قصيا أعلى التل، قريبا من السماء،و قال اخر:أنه مسجون في العاصمة و سيتم جذع أنفه...
بينما قالت أمي أني توهمت كل هذا ولا يجب أن أخبر أحد...