اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

قطعةُ خبز | قصص قصيرة ....* نهلة عبد العزيز السحلي

⏪1
 ابتسامةٌ على وجهِ الموت

جلسَت في بركةٍ من دماءٍ لأوَّل مرة. يداها لا ترتعدانِ، ولا يدُقُّ قلبُها مُتسارِعًا.
هذيانٌ منطقِيٌّ؛ وكأنكَ وصلتَ مهزومًا لآخر رحلة الألف ميل، ولكن تملؤكَ السعادة!

مدَّت يدها إلى شعرِها المنكوشِ تملؤها الدماء، أَخَذَت تربتُ عليه وتلملمُ تَبَعثُرَهُ، وتَذَكَّرَت أنَّ أحدًا لم يُلملِم تبعثُرَها طيلةَ عقدين من الزمن.
نظرَت إلى وجهه الساكن أمامها..الغارق في دمائه؛ وقد قطعَت لسانَهُ ووضَعَته أمامَها تُحَدِّثه:
هل أنا الآنَ ما ذَكَرتَ طيلة عشرين عامًا؟!
هل أنا الآن تلك الفاشلة ؟!
هل أنا الآن تلك الفاجرة؟!
هل أنا من أخبرتَ الناسَ عنِّي؟!
ملقًى هو أمامَها بعشرين طعنة في الصدر، ولكنَّ قلبَه كانَ ميِّتًا قبلَ أن تَمَسَّه؛ عشرون عامًا من الإهانات النَّفسية اللاذعة والقهر.
قفَزَت من بركةِ أحزانها الخَرِبَة بمنتهى الثبات.. وكأنَّ شيئا لم يكن!
وهو مضرَّجٌ بدمائه على الأرضِ، وجسدُه الباردُ يميلُ إلى الزُّرقة. استدَارَت كالمُنَوَّم مغناطِيسِيًّا واتَّجَهَت نحو البانيو واجمةً مُغَيَّبة.
وقفَت في البانيو بملابسها؛ تبكي.. ثم تبتسم!
جلسَت شاردةً مايزيد عن العشر دقائق، والمياه تنصبُّ عليها.
لا ندمَ بعد اليوم.. ولا ألم..خرجَت إلى المرآة التي يملؤها البخار، مَحَته لتنظرَ إلى وجهها
مرحبًا بك أيها الموتُ؛ كنتَ قبلًا تُواجهني خفيًّا من خلف قناعٍ.. ولا تجيء.
كنتَ تتوارى خلف الباب ولا تدخل، مرحبًا بك الآن.
لا داعيَ للخجل، تفضَّل ..افتح البابَ والنوافذَ.. وأطبِق على أنفاسي.
لا مزيدَ من الألم؛ الموت مرة واحدة أرحمُ من الموت ألف مرة.
ارتدَت ملابسها، وجلسَت، تضعُ ساقًا على ساق وتتنفسُ؛ وكأنها أولُ أنفاسها بعد أن وُلِدَت.
وضَعت يدَها على الفِراش.. تمرِّرها وتبتسم: أنا حرَّة
رنَّ الهاتف..فتحت..تسمعُ ولا ترد؛ إنَّهُ أخوها. رجلٌ مثله. هو الذي وقف بجواره وفي صفِّه وعنَّفها: ( لا طلاق؛ معندناش حد بيطلق..احنا كده.. شرعنا كده. احمِدي ربنا؛ عندك سقف وبيت وزوج بيصرف عليكِ ويأكِّلك).
يُحدِّثها ولا تردُّ.ألقَت بالهاتف دون أن تُغلقه، وهو ما زال يتحدَّث.
نظَرَت إلى اللوحة التي اشتراها وعلَّقها بيديه (وجعَلنا بينَكُم مودَّةً ورحمةً). قهقَهت في شراسة وأطلقت العنانَ لشعرِها، وبدأت تدور حول نفسها.. وتدور وتدور.
الموتُ حياةٌ والحياةُ موت!
دارت في المنزل تحدِّث الكراسي. هذا المقعد.. صفعني عليه حين طالبتُه بحاجيات المنزل.
وهذه الأريكة هنا..مزَّق فستاني الأزرق عليها، وكسر قرطي، وقال: انتِ ملكي، ولم أنبِس ببنتِ شفة!
وعلى هذه الطاولة وبَّخني ألف مرة على ملح الطعام ومذاق الأكل السيء.
وهنا وضعَ أوراقَ قضاياه، وقال: إنِّي أضعتُها وضيَّعتُ مُستقبله، وتسبَّبتُ في فشلِهِ في القضية؛ مع أنه قد وجدها في حقيبته بعدَ ذلك.
وعلى تلك السجادة سقطت -حين صفَعنِي- أُقَبِّلها ودموعي تملؤها!
كم نمتُ عليها ساعاتٍ منكمشةً كالرضيعِ، غارقةً في حزني، ولا أحد في هذا العالم يَسمعني؛ العالمُ كلُّهُ أصم، العالمُ كلُّهُ أعمى، العالم كلُّهُ هناك..ولا أحدَ هنا معي!
ظلَّت تلمِسُ الأشياءَ، ثم وضَعَت يدها تلامس جسدَها.. كم أكرهُكَ لأنَّكَ جميل!
آهٍ.. لو كنتَ دميمًا لتركني!
أنا لا أريدُك؛ ولكنِّي مقيدةٌ داخلك.
أنا أنتَ.. ولكنَّك لستَ أنا؛ أنتَ سجني النَّضِر. تَمَلَّكَك هو.. وأنتَ تَمَلَّكتَنِي.
هي تخافُ الألم؛ ولكنَّها تجرَّأَت وغرَزَت السِّكِّين في مِعصَمِها بعنف.
سالت الدماء
مبتسمةٌ هي.. ودمُها ينزف ألمًا!
جلسَت في الغرفة المجاورة للغرفة التي تركَتهُ فيها..وتركت دماءَها تُطَهِّرها.
لقد وُلِدَت أُنثى؛ عليها الطاعة والقبول والإذعان بورقةٍ تُكتَبُ عند المأذون.
أقنَعَها والدُها يومها أنها ستكون زوجةً سعيدةً لزوجٍ بارٍّ.
رفض المجتمعُ والأخُ طلاقَها منه؛ فلا وظيفةَ لها ولا راتبَ يعولُها، وهي جميلةٌ ومطمعٌ، وأخوها يخاف فسادَها.
لا مسكنَ لها، لا أولادَ، لا أمَّ.. ولا أصحاب؛ لأنَّه يغلقُ عليها الباب طيلة اليوم، ولا تخرجُ إلا معه. حتَّى حينَ اشترى لها الهاتفَ؛ ظلَّ يُراقبه!
قاطَعَتها ابنةُ خالتِها الوحيدة؛ لأنَّ زوجها سليط اللسان، ولا يحبُّ زيارة أحد، فلم تَعُد تزورها أو تحدثها.
بدأت تشعر بهبوطٍ حادٍّ؛ وكأنَّ صوتَ قلبها يتلاشى في الأفق. أهو يموت أم يحيا؟!
طرقاتٌ قويةٌ على الباب، وهي مبتسمة على أرضية الغرفة، وربما دماؤهما تقطران معًا من الباب إلى الخارج.
أخيرًا.. ابتسامة الرضا على وجه الموت!


⏪2-
 انعتاق

ماذا لو خلعتُ ذلك المعطف السميك، وذلك الحذاء الأسود الكريه؟!
ماذا لو قذفتُ بتلك النظارة السميكة؟!
ماذا لو لوَّحتُ بتلك الحقيبة في الهواء، وأرسلتها- بلا رجعة - إلى المريخ؛ بكلِّ أوراق هويَّتها ورخصة قيادتها؟!
ماذا لو أزلت ذلك الإيشارب العفِن من على رأسي، فمزقته، وأطلقت العنان لجدائلي تتبعثر كذَرَّات الليل، وتنام على خدِّي من جديد؟!
ماذا لو خلعتُ وجهي المحمَّل بزمنٍ كهلٍ يتكيءُ على جلدي غصبًا وقهرًا؟!
ماذا لو خرجتُ من قهري ألهو حافيةً، تتنفسُ روحي رمالَ الشاطىء، وأرمي بنفسي وسط تلك الموجة الباردة القادمة من بعيد؟!
إذن سأخلع وجهي.. معطفي.. حذائي.. رفضي وأمضي.
هل من الممكن أن أتمرَّد على ذلك الشبح الذي يُقيِّدني ويُغلِقُ بوَّاباتِ أضلُعي، ويتَّهمُني بالفسق لأنَّني أنثي في زمنٍ تُبَاعُ فيه النساءُ وتُشتَرَى؟!
بماذا أبدأ؟ بالحذاء؟ ها هو، والجورب الأسود الصُّوفي القاتم، ثم المعطف، ثم النظارة..ثم ..ثم!

لماذا أشعر بالبرد ولا أرى؟
ولكني ألامس الرمل البارد. شيءٌ ما يُداعب أصابعي. سأعتقنِي من زنازيني، وأُفلِتُنِي من جمجمةٍ حمقاءَ تتربَّص بما أُريد فترفضه، وتُذعن دومًا لهم.
فلنتقدَّم؛ أنا وقدمي الخالية من الأقفال، وعيني العارية من الخوف، وعقلي الحر.
أشعرُ بالنشاط وأسمع صدى الصَّمت الجميل؛ الموجُ يحدِّثني.
هنا لا أحد يراني..لا أحد يتَّهمني. ها هو الغطاء الحديدي على رأسي وجدائلي. هل ما زالت لديَّ جدائل؟!
إنها خيوطٌ بيضاءُ نحيلة، بقايا ليل أسود كثيف ..لا يهمٌّ؛ فهي لعانس في الخامسة والأربعين!
ها هي المياه تُدغدغ أصابعي على استحياء. لن يلتفت أحد. هل أركض؟ ربما..هيا بنا.
سأقفز كما كنتُ أفعل قبلًا. القفصُ العظميُّ الأبلهُ يُحاوطني؛ سأرفضه..سأنساه..سأُرَوِّضه. لنركض معًا؛ لا أحد يرانا ..حرةٌ أنا.. حرةٌ متجمدةٌ، ولكنِّي حرة. منذ متى لم أركض؟!
منذ متى أغلقوا كلَّ النوافذ، وكفَّنوني بـ (لا يجب ..لا يجب).
ألواحٌ خشبيةٌ تلتفُّ حول أضلعِي، وأقفالٌ من وهمٍ تحميني من حيوانيَّتهم؛ إنهم يفترسون النساء، ويُكبِّلونهم.. ولا يُكبِّلون أنفسهم؛ يُكبِّلون ضعفي خوفًا من شراستهم.
يجب.. نعم يجب ألا أسمع، ألا أستجيب، وألا أُذعِن.

تتطاير خصلاتي البيضاء. يهمسُ لي الموج، تعلو سيمفونية عزفه، ودقات طبول ثوراته مثلي؛ كلانا حرٌّ في ذلك المساء. هل أذهب إليه ليحتويني ويحتوي ألمي؟!
ربما يمتزج قلبُه بقلبي لمرة واحدة ..المياه تتربصُ بوريدي.. هل أتجمَّد..لا.. إنَّني أتحرَّر من قمعهم ومن قهري.
حرةٌ أنا أبتلُّ.. أصرخُ..أغنِّي.. قدماي حافيتان بلا خجل!
عاريةٌ رأسي من حزني.
ها أنا ذا أبلِّل وجهي وشعري، من حوَّله إلى مسخٍ، وحوَّل جلدي إلى جدران؟!
إنَّهم يُهَلِّلون خلفي... لماذا؟!
يُهللون لانعتاقي أخيرًا؛ لقد خرقت قوانينَ غبائهم، وخلعتُ قمعهم.
كم عذب صوتُك أيها الموج! وكم نقي شدوُك في أمسيتنا الهادئة معًا!
أيهللون؟!
دعهم وخذني، احتضن روحي، واحجب أيديهم السوداء عنِّي. حوِّلني إلي ذراتِ نور،ٍ أو موجة غاضبة، رافضة، قوية، متمردة، تُسافر حرَّة.
يُهلِّلون .. دعهم؛ احتضنِّي.. يا لأنفاسك الباردة فوق وجهي.. دعني أنام وأهدأ. تركتُ لهم جلدي ومعطفي، وحقيبتي، وحذائي، وهويتي..فدعني الآن أغفو!

⏪3- 
قطعةُ خبز
لم يلاحظني أحدٌ هذا الصباح. كل الطرقات ممتلئة بمن يطأطئون الرأس، لم يبتسم لي السائق حين مررت بجواره؛ حتى من سحقني بكتفه عابرًا لم يلتفت إليَّ معتذرًا.
الطرقات صماء وكذا الجدران. لم يلاحظني أحد على هذا المقعد، حتى كلاب الشارع والقطط! أنا وحيد منذ ما يقرب من الساعة ولم يُلق عليَّ أحد التحية؛ حتى من ابتسمت في وجوههم لم يردوا على ابتسامتي؛ بل تجهَّموا ومضوا.
هل يمكن أن يكون الجاكيت القديم الذي أرتديه هو السبب؟ لكني أنا من ابتسم لهم، وليسوا هم! قلبي من يحييه؟!
أيكون حذائي المفتق.. ولكن ما علاقة حذائي بعقلي وآدميتي؟!
ربما تلك الطاقية السوداء المثقوبة التي تستر رأسي هي السبب، ومن أجلها ينفرون مني
هل أبدو غريبًا؟
هل أبدو مهاجرًا من بلد آخر؟
قدماي متورمتان؛ ربما سأضطر لقطعهما قريبًا.. لكن لا... لا، لن أقطعهما؛ من سيحملني إذن؟!
إنهم لا يلتفتون إليَّ وأنا كامل الأعضاء، فكيف إن كنت مبتور القدمين؟
ربما لو كنت أعمى لكان أفضل لي؛ حتى لا أراهم... كلهم عميان، يهرولون على الطرقات وأنا أبصرهم، فلماذا أشعر بالوحدة؟
لا أحد يهتمُّ بأن أخبره، فلن أخبره. لعلَّ هذا القط الجائع يسمعني إن منحته بعضًا من الخبز... ولكني لا أحمل خبزًا، ولا مالًا. لن يجيء هذا القط إذن.
هل أخبر القط بأن كلينا جائع؟
هو يعلم كيف تزمجر الأمعاء، ويجف الحلق. يأكل القط... فلأشاركه إذن... لا، لا يليق بي فأنا بشر!
متى أنام؟ لا يأتي النوم حين يحاربه الجوع. أنا لست بجائع فقط... مرَّ عليَّ الليل كلُّه والصباح كلُّه، أشرقت الشمس وغابت وأنا بلا طعام، فلماذا أتألم إذن؟
هل يجب أن أفكر في طريقة لقتل الألم؟ لأصرع الجوع؟ هل أمدُّ يدي ليُلقي لي البعض بالدراهم؟
لا... لا يصح.
يا الله... هذا طفل مع أمه، ترك قطعة خبز على المقعد حيث يجلسان.
كم تبدو شهية!
قطعة صغيرة؛ لكنها قد تهديء ثورة أمعائي، إنه يلعب بالكرة الآن، تراقبه أمه... تحطُّ ذبابات على قطعة الخبز... حتى الذبابات تأكل، ومعدتي تزمجر!
سأسير في اتجاه الأم، وأجلس على طرف المقعد الخالي، ربما نهرتني؛ ولكني أتألم.
يا الله! عاد الطفل بالكرة، ها هو يقضمُ لقمةَ خبز. اُترك لي قطعة رجاءً!
الحمد لله. لقد ترك الخبز وعاد للعب ثانية. سأذهب الآن. ها أنا ذا أقترب. سأمدُّ يدي في غفلة من الأم ولن تلاحظني؛ لم يلاحظني أحدٌ اليوم، فهل ستلاحظني هي؟ ربما لا.
أسرِع الخطى قبل أن يعود الطفل، ويأكل ما تبقَّى... أقول لنفسي: (اجلس الآن، وضعها في جيبك خفية).
يقفز قطٌّ في حركة بهلوانية سريعة، يلتقط قطعة الخبز في سباق للجوعى.
يرنو إليه في شرود، بينما يتشبث فمُه بابتسامةٍ ضائعة.

* نهلة عبد العزيز السحلي
مصر

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...