اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

شوك صغير و قصص أخرى …** فداء الحديدي ــ الأردن

1
شوك صغير


تهوي برأسها إلى المكتب، تنهمر الدموع من عينيها كنهر جريح، تنهدات من روحها شهقاتها تتعالى كهدير موج متراكم فوق شاطئ حزين، تنظر إلى صورة طفل، تحضنها، تعود إلى البكاء من جديد، يد رقيقة تداعب خصلات شعرها الداكن كليل مظلم. صوت هامس يطرق أذنيها , جعل بريق عينيها يخمد شيئا فشيئا كجمر متّقد في مدفأة مشتعلة …كنسمة ربيعية هادئة أطلّت صديقتها برقة لتضم يديها , تساعدها على الوقوف للخروج , و هي ترفع لها رأسها بهدوء من على طاولة المكتب .تأخذ يدها برفق إلى ذلك الطريق، حيث التقت به أول مرة، الأشجار المتزاحمة يختبئ خلفها ضباب البرد القاسي، الرذاذ يسقط بقوة على نافذة السيارة، عيونها تنظر بحزن وقسوة، كقسوة الريح على المطر، كقسوة المطر على أوراق الشجر، كأنها تلاحقه .. تعاقبه على الحياة .

الموسيقى تتعالى في داخل السيارة، تعبث بأشجانها، الهدوء يخيم داخل قلبها، الضجيج في الخارج يسمعه قلبها، ضباب في الروح، كأنما يختلط ويمتزج بالمطر المنهمر فينسكب على خدودها الورديتين في بكاء جارح، أجساد بالية تتحرك في كل مكان، قلوب مسكونة بالخوف والهلع تمضي وتبتعد، وهي تمضي وصديقتها إليه في ذلك المكان الذي استوطنت فيه جراحاته وآلامه.

توقف الزمن لحظات حيت توقفت سيارة صديقتها قرب الشاطئ الحزين، على نافذة السيارة يطل الصغير الأسمر، يملؤ وجهه الغبار الشقي، القميص الممزق ذاته يرتديه، كحال قلوب من حولها، عيونه تستجدي، تلمع، ابتسامة خجلى تخفي ذل وضعف مهين.

رمقها بنظرة رقيقة، خطفت قلبها، وهو يعطيها وردة الأسبوع الصفراء، كلما مرّت به وابتاعت الورد، جففّت دموعها وهي تأخذها من يده، تبتسم برقة، تغادر وصديقتها المكان ببطء شديد، تغلق النافذة بهدوء، تغرق عينيها بالدموع من جديد وهي تضمّ بيدها الوردة الصفراء، تسير السيارة ببطء وهي لازالت تنظر خلفها إلى ذلك الصغير وهو يلوّح لها بيده مودعا.

أسندت رأسها على المقعد، تنظر إلى أوراق الوردة بحزن وألم، تلتفت إلى الطفل وتنظر إليه وهو يجلس وحيدا ينتظر مرور العابرين وهويحمل شقاء العمر على ظهره

مزّقت بغضب أوراق الزهرة الصفراء، نظرت إليه وهو يبتعد، يصغر، لم يبق من الزهرة إلا عودها الغض الندي الأخضر، أشواك حادة تحيط به، غرزت أظافرها في ثناياه، كأنها استلت شوكها لتغرسها في صدر ندي.

صوت من بعيد جعلها تطلب من صديقتها أن تتوقف، سيارة سريعة تقترب بسرعة فائقة تقترب منه، الصغير ينتظر بلهفة، خرجت من السيارة، بخوف، هلع، تركض صوبه بسرعة، تصرخ، تستغيث، ترجو، الصغير متسمر يقف أمام السيارة المسرعة.

عندما يقتحم الغدر أرواحنا، يسلب منا إرادتنا، يجبرنا على المضي في غربة لا نعرف طريقها أو عنوانها، نستجدي القدر أن يسمع، أن يتدخل، أن ينقذ ما تبقى من أحلامنا أو أمانينا قبل أن تسحق، قبل أن تدفن، قبل أن ترديها دموع حمراء تلوّثت بكل دماء الطاهرين.

لحقت به قبل أن يسحق وتدفن أحلامه، تسارعت خطواتي، أصبحت أنا ذلك القدر إليه في لحظة صمود أخيرة، أهرول بقلبي وعقلي، عيونه تنظر إلي، تترقب لحظة وصولي، ذراعيه تجمدت في مكانها، لم يستطع أن يمدّهما إليّ لأضمهم أو حتى استقبل ما تبقى من خوفه، الغبار يلف وجه، يغلفه بغطاء أبيض تحول إلى الأسود كلما اقتربت منه ذلك الجبار على شقاء الحياة.

خطواتي تقترب , العيون غائرة , الكل يترقب بخوف , صمت مقيت . توقفت المكابح بحدة بجواره، خرج السائق الضخم الموسوم بوشم غريب، أخذ باقة الأزهار الصفراء من يد الصغير، تناول بخفة منه مغلفات صغيرة مطوية، ربت على كتفه وناوله نقوده، وقبل أن يضع يده على مقود سيارته، استنشق ما بداخل المغلف ومضى بعيداُ.


2
الجدار الصامت

موهبتي منذ طفولتي كانت السبب في انهاء فترة التدريب قبل تعييني الرسمي في الصحيفة , كنت مجدا مجتهدا , كل الشخصيات كانت تحت أمري و أمر قلمي , احركها كيفما أشاء الاعبها متى أريد.

الجميع حولي ينتظر دوره , ظهوره العلني كان محكوما بقلمي , كنت مجبورا على انهاء العمل الموكول لي قبل أن يحل المساء , كلما انتهيت من رسمة علقوها حولي و أتوا بأخرى , أصبحت الجدران مليئة بكاريكاتيرات قلمي .

في صبيحة ذلك اليوم جاء أمر نقلي من مكاني إلى قسم لا أعرف عنه شيئا و لا يعرفني , أحيك الملابس , وأصلحها يدويا , كان اللون هو ذات اللون في كل مرة , أحيكه ثم يأتوني بمقاس جديد وأصلح كياته .

لم استطيع الاستفسار او الرفض , كنت مكسورا , كنت بحاجة ماسة للبقاء على قيد الحياة , سحبت الأقلام مني , ابقوا لي قلما ابيضا فقط لرسم حدود القميص ذو اللون الأزرق ؟

أصبحت ماهرا في الحياكة , أخيط وأصلح , على المقاس المناسب , الجميع حولي ينتظر دوره كان التاريخ يعيد نفسه لكنه بلون ودور جديد , كلما انتهيت من قميص أوكلوا لي قميصا آخر, تفننت في دقة المقاسات و الحياكة , تفننت في إخفاء البطون الكبيرة , اصبحت ماهرا في اخفاء العقود التي علقت في اعناقهم داخل ياقة القميص بحذر , تعملت أن يكون المقاس مناسبا تعلمت وتمرست أن أخفي اي عيب موجود اواي خلل منتظر ؟

تغير لون القلم الابيض الى الأزرق

اعادوا لي اوراقي البيضاء , أقلامي , الجميع ينتظر دوره حولي , رسمت بدقة حافظت على المقاسات صحيحة , إمتلئت جدران زنزانتي برسوماتهم الجديدة ,

في يومي الأخير قبل أن اغادر , من جديد كان افطارا شهيا , حلاوة شهية مليئة بالمكسرات , غلفت بأوراق الصحف القديمة , أكلتها على عجل , وقبل أن أقذفها بعيدا من يدي,, رأيت قلمي القديم بداخلها وصورة القميص الأزرق تكاد ان تتفق ازراره والحوت الأزرق يرتديه .

3
ذكرى …


في لحظة من دقات قلب تائه، في ساعة من الصمت والشوق المتوّج بالعذوبة إليه، وقبل أن يغفو قلبي ويتسلل الشيب إلى خافقي. قبل أن تغزوني نبضات الحنين، تسلّلت روحي في غربة المكان، شيء مني يرغمني، يجثو أمامي، حنين يأسرني إلى وجد غائب، يقسو على ّ، يكبلني للبوح بسرائر روحي.

طيف من غربة روحي حملني إليه، شوق عاصف يأسرني، يشدّ روحي إلى أيام خلت، حاولت أن أقاوم، أن أصارع ضجيج قلب معذب ينتحب شوقا، وجع يئن يحاججنني في صمودي، في وجودي. يعصف بي في كل كياني …

إلى هناك .. حملت روحي قبل أن أحمل جسدي، إلى ذلك المكان الذي يشدّني إليه كلما ابتعدت عنه، حيث كانت روحي تسكن، تقاوم، حيث كان كياني صادما حد السقوط.

رغبة في روحي عارمة، تنظر في المكان، في وجوه العابرين حولي، وجوه أعرفها، تستنكر وجودي، تمر من أمامي كأنني طيف، تنظر حولي .. لا تراني، خطواتي باتت قريبة منهم، أسمع همسات، أرى وجوه لا تراني، أصوات خافتة، ضجيج هامس مرتبك، أثار رهبتي، خوفي، ريبتي، تراجعت إلى الوراء، تسمرت في مكاني أنظر حولي،

أي ارتباك حلّ بهذا المكان …. !؟
أي روح غادرت ملامح تلك الوجوه الغريبة !؟
أي ملامح في عزلتها تطوف كأشباح طيف أمام ناظري !؟
كل شيء حولي بات غريبا، أطياف تلهث، تصرخ، ترحل، تعود، تطارد أنفاسي المتعبة، تعصف كبركان جاثم فوق صدري المنهك.

إلا تلك الزهرة، بقيت صامدة في مكانها بين الغرباء، شامخة فوق منضدة متهالكة على زاوية محطمة، تصارع بقاءها، تعانق شبح نافذة معلقة.

قاومت جسدي الذي تسمر من دهشته، خطى متثاقلة، أخذت أقدامي إليها، جلست بقربها، تمعنت في خطوط أوراقها النحيلة، عمر من آلام خطها الزمن في أروقتها. شقاء، عزلة، غربة فرضها القدر عليها، كروحي العطشى أحلق معها في ظلام الأنين.

جلست بحذر بجوارها، أسفل نافذة القدر الوحيدة، أحست برعشتي، توددت إليها، لامست أناملي حبات دمع صامدة على خدودها، انحنت كغانية أمامي، تطلب ودّي. وكأنني طرقت باب عزلتها، عانقت طيفها، فتحت ذراعيها كنافذة فُتِحت إلى بوح أسير، كسرت قيودها المكبلة في قلب مأسور، وجع ممتع لذيذ، استوطن قلبي، روحي، كياني، كبوح تسلق مدارج عشق مسجون.

صوت من خلفي، يقطع صدى صوت الماضي .. يقبض مقصّه، يقطع أشواكها التي يبِست، كغيمة عابرة بلا مطر. سقطت دموعها، تفصح عن حزن سنوات العمر الضائعة.
سارت أقدامي بخطى سريعة، أعبر المكان… بين أزهار غريبة، تسارعت خطواتي لأغادر على عجل

وقبل أن تبتل قصاصتي، قبضت يدي على صورتها، ّ، أغلقتها ووضعتها في جيبي، أسدلت الستائر وأحكمت إغلاق نافذتي، على وخز برد ليلة ماطرة.

4
انكسار …
قادني القدر إلى ذاك الطريق الخالي، رأيته كما هو منذ سنوات يجلس وحيداً، خلال كل تلك السنوات التي مضت، لم أفكر يوماً أو حتى أحاول الاقتراب منه ومجاذبته أطراف الحديث، حاولت جهدي أن أترك له خصوصية ألا أقحم نفسي في فسحة المكان الذي اختاره لنفسه.
اليوم كان قراري المفاجئ، أن أكون بقربه، أن استمع إليه، أرتوي من سنين العمر التي ارتسمت على جبينه، وخط الزمن الذي رسم على يديه أوردة زرقاء قاحلة، ظهرت أمام عيوني وأنا أصافحه.

كان يجلس على ذات المعقد الخشبي القديم، متكئاً على جدار في الحي القديم، جلست بقربه، حاولت أن أستمع إليه … كان يقلب قصاصات من الصحف القديمة بين يديه، مبتسماً، وجوه تكررت في صفحات الصحف القديمة منذ تاريخ جلوسه على هذا المقعد الخشبي، مّد يده باتجاهي لأقرأ بعضاً منها.

لم أحاول أن أستفسر أكثر، دهشتي كانت أكبر وأنا أرى دمعة تسقط تلو الأخرى على كفيه وهو يحضن وجهه يحاول أن يخفيها عني، أشار بإصبعه على الطرف المقابل، القصر المشيّد في أعلى الجبل.

حتى هذه اللحظة، لم أكن على يقين ماذا تعني كلمة على الطرف المقابل، كلمات نرددها، نعني بها ما نعني، لكن أن تكون على الطرف المقابل للحياة شيء مختلف، شيء جديد، ربما كانت أسهل لو أنني عرفت أن الطرف المقابل هو الموت. ربما سيكون استيعابي لها أكثر من أن الطرف المقابل هو الحياة لعمر قضى ومرّ وانتهى منذ سنوات وهو ينتظر على نفس المقعد.

الغروب يأتي ببطء، مثل حال هذا الرجل، ينتظر منذ سنوات خلت ومضت أخفت الشمس خدودها في كنف السماء، هّم بالوقوف، بيده عكّاز أبيض حاول أن يستند عليه، كانت المرة الأولى التي أرى بها عكازا أبيض، سمعت كثيراً عنها من قبل، لكنها كان هذا اليوم، المرة الأولى في حياتي أراه بقرب.

كان يقبضه بقوة شديدة، يثّبت قاعدته على الأرض بشدّة، يحاول النهوض من انتظار سنوات، لكن أزيزاً أثار سمعي، جعلني أنحني إلى الأرض إلى منتصف عكازه الأبيض، أنظر بحذر، بحزن، بثورة أيقظت روحي من سبات الحب والأبوة الشاردة في سنين العمر وفي طي النسيان، أيقنت أن الطريق التي نسير بها قد تخذلنا في منتصف العمر، أو حتى في نهايته.

نظرت إلى منتصف العكاز الأبيض، كان يتمزق، حواف حادة تظهر، أصبحت عكازاً هشة لا تسند صاحبها، لا تعينه في مسيره، نهضت من جديد، أنظر إلى عينيه التي كاد بريق دمعته الأن يخطفني من عمري حتى أنا.

الشارع الخالي، أمتلئ بالعابرين، مددت يدي إليه، حتى أعينه، قبل أن يعطيني يده إرتدى معطف الفراء فوق لباسه الرث، وقبل أن يحكم إغلاقه حول جسده النحيل، أخرج من جيبه شاشة بيضاء كبيرة، وضعها في منتصف صدره أثار دماء لم تجف …

*القاصة فداء الحديدي
الأردن

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...