ديفيد فارنلاد
يمكن
للقصص صنع الكثير. عادةً ما نستخدم القصص لإمتاع الآخرين، وأحيانًا لتحسين
مزاجهم. لكننا أيضًا نستخدمها للتعلّم والتغيّر أحيانًا أخرى.
في
الواقع، إذا كان هدف القصة لغرض المتعة وحسب، ولم يكن لها معنى أعمق من
ذلك، عندها أحس بأنها من النوع الخفيف بعض الشيء. عندما آتي للحكم على عملٍ
قصصي لأغراض النشر، وكانت لدي قصة ممتعة لا أكثر، خالية من أية دلالات
عميقة، فإنها ستبدو باهتة وضعيفة إذا ما قورنت بالتي ستلامس قضيةً بصورة
أكثر عمقًا وشمولية.
بعض
الكُتّاب سيعترضون قطعًا على فكرة استخدام القصص بغرض التعليم قائلين:
“إننا لا نحاول كتابة أدبٍ وعظي”. أولاً، إن ملاحظة التفاصيل المتعلقة
بالحياة والحالة الإنسانية ليست بالضرورة مشابهة للوعظ. يمكنك أن تكون
واعيًا دون أن تُبالغ في ملاحظاتك. أولئك الذين يستخدمون الأسلوب الوعظي
غالبًا ما تكون كلماتهم كالهراوات؛ يضربون بها جمهورهم. إنهم سيئي السمعة
كذلك لتعنتهم الشديد تجاه آرائهم، فلا يدرسون كل جوانب الموضوع جيدًا.
في
الواقع، إن الذين يدّعون بأنهم لا يريدون الإرشاد من خلال ما يكتبون من أدب
قد يكونوا صادقين، إلا أنهم سيفشلون في مسعاهم. كما ترى، فإن كل شيء نكتبه
يعلمنا أمرًا ما. ككُتاب، فإن لكل واحد منّا قيَمهُ الخاصة، وقيمنا تظهر
دون وعي منّا فيما نكتب.
في كل
مرة أسمع فيها كاتبًا يقول: ” لا أريد أن أكون وعظيًا ” أتذكر مقولةً لأحد
المحررين حين قال:” إن خلاصة كل رواية هي (كيف تكون أكثر شبهًا بي).”
الحقيقة
هي أننا جميعًا نحس بأن رؤانا وخبراتنا الحياتية قد علّمتنا أمرًا ما، وأن
الدروس التي تعلمناها من الحياة تستحق أن نشاركها. وبينما تغيير الآخرين قد
لا يكون له المقصد الأساسي لما نكتب؛ فإن رؤانا وقيمنا لها تأثير فيما
نكتب.
حين تقرأ
رواية ما وتنتقل إلى عالم مختلف، فإنك تعبُر -وبصورة غير مباشرة- إلى عالم
المؤلف الخيالي، وفعل القراءة هذا سيغيرك. على سبيل المثال، حينما كنت
أقرأ “سيد الخواتم” في بداياتي، لازلت أتذكر حاجتي لأن أتوقف لالتقاط
أنفاسي حين كان الخيالة التسعة يطاردون “فرودو”! لا أحد يطاردني! إلا أن
جسدي استجاب للحكاية لدرجة عالية من الحسيّة. أتذكر تأملي لكلمات الشخصية
“غاندالف” المتسامحة “لفرودو”، ” إن العديد من الأحياء يستحقون الموت، وبعض
الذين ماتوا يستحقون الحياة. هل تقدر على أن تهبها لهم؟ إذن لا تكن
متحمسًا في حكمك بالموت.” إن مُثل “تولكين” العليا قد أثّرت بي وأنارتني
على مستوى عميق جدًا، لقد أصبحت جزءًا من كينونتي ــ وبهذه الصورة، أصبحت
أشبه تولكين نفسه أكثر فأكثر. أشاركه بعضًا من قيَمه… أنا وملايين الأشخاص
من جمهوره.
بالطبع
هناك بعض الكُتّاب الذين يؤمنون بأننا يجب أن نكافح باستمرار لتغيير العالم
من خلال الكتابة. تباً! أعترف بأنني أريد لهذا العالم أن يصبح أفضل. إلا
أن تعصُبنا لأخذ الدور التبشيري يمكن أن يتمادى كثيرًا. في أحد المرات،
بينما كنت ألقي محاضرة عن أهمية إمتاع القارئ، غضبت واحدة من الكاتبات
الشابات وقالت بصوت عالٍ: “يجب أن يكون الغرض من حكاية القصص هو نشر ثقافات
الشعوب.” بدل أن أندهش من كون أحد الكُتّاب الجدد يرى هذا هدفه الأسمى،
إلا أنني لا أتذكر أن أحدًا من طلابي عارض فرضياتي بهذه الطريقة، ولابد أن
أقول بأنني احترمت شغفها وذكائها، لذلك قلت مقترحًا: “حتى لو كان هذا
هدفك، فإنكِ لن تستطيعي نقل ثقافتك للجمهور ما لم يكن مستمتعًا أصلًا.”
ويبدو أنها أخذت نصيحتي هذه على محمل الجد، لأنها باعت ملايين النسخ من
كُتبها بعد ذلك.
لذلك،
سأقوم بكتابة بعض المقالات حول كيفية تغيير جمهورك، ولكن أرجو أن تأخذ بعين
الاعتبار بأني أقوم بذلك بحذر. ليس هناك خطأ في أن تحاول خلق عالمٍ أفضل
من خلال فنك، ولكنني أعتقد كفنان بأنني مسؤول بصورة كبيرة في أن أنظر لما
أؤمن به من قيم ومُثُل.
يمكن للقيمة أن تكون شائعة، وكذلك تظل خطيرة، ومجنونة، وشريرة في نفس الوقت، تمامًا كما عرض أدولف هتلر ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : ديفيد فارنلاد
ترجمة : فهد جاسم
مراجعة : ريم الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق