*ميرفت صادق - رام الله
توثق مجموعة "قصص الخواجا" للكاتبة الفلسطينية الشابة فدى جريس -التي أُطلقت في متحف محمود درويش برام الله- حكايات تعود لنصف قرن أو أكثر بلسان أهالي قرية "فسوطة" الجليلية شمال فلسطين المحتلة عام 1948.
وتقول جريس إن القصص (13 قصة) تناولت حياة الأهالي في قرية فلسطينية صغيرة، تتكون من عدد قليل من البيوت ويقطنها بضع مئات من السكان يعيشون حياتهم على الزراعة وتربية المواشي متصلين اتصالا وثيقا بالطبيعة ودورة الحياة.
واستوحي اسم المجموعة من عنوان القصة الخامسة التي تحكي تجربة الخواجا سميث الرجل الأشقر القادم من لندن من أجل الكتابة عن منطقة الجليل، وحُمل على حمار المختار من "ترشيحا" القرية المجاورة.
فدى جريس: القصص توثق لمرحلة قاسية من حياة أهل قرية "فسوطة"
النسيج المجتمعي
وفي التجربة -التي قالت جريس إنها تعكس زيارات المستشرقين الذين يكتبون عن البلاد من منظورهم- سيمرض سميث بسبب اختلاف الأجواء والعادات الغذائية، لكنه سيحظى بترحيب كل البيوت، إلى أن يطلب منه مغادرة القرية بسبب مخالفته عاداتها عندما حاول الرقص مع إحدى الفتيات.
تقول جريس في تقديم قصير لكتابها إن القصص توثق لمرحلة قاسية ومتعبة من حياة هؤلاء الناس، تتطلب ساعات طويلة من الكدح لضمان العيش، لم يكن الماء والكهرباء قد وصلا القرية بعد، يهجعون بعد المغيب بقليل ويستيقظون قبل بزوغ الشمس للعمل قبل قيظ النهار.
أما من مرض مرضا شديدا فعليه السفر إلى مدينة عكا حيث الطبيب، سواء بالحافلة أو بإحدى السيارات القليلة التي بدأت تصل فسوطة أواخر الأربعينيات، و"في هذه الظروف القاسية نمت أجيال وترعرعت غير متخيلة عصرنا هذا بثورة المعلومات، والإنترنت، والتنقل حول الكوكب في ساعات".
وتتذكر جريس جدها الذي توفي عن تسعين عاما دون أن يشكو المرض سوى الشيخوخة، ولم يتناول طعاما مصنعا يوما وكان يمشي عشرة كيلومترات على امتداد سبعين عاما سارحا بمواشيه.
وتظهر جريس من خلال قصصها النسيج المجتمعي القوي الذي كان يربط الناس، وتقول إن غريزة البقاء كانت تستدعي الكفاح الجماعي والتعاون ونجدة الغير، حيث تنبع القصص أساسا من هذه الحياة البسيطة الغنية بالتوافق والتكاتف والإنسانية، وهي سمات -كما ترى- تتلاشى اليوم لصالح زمن يرتكز على الفردية.
وتعكس قصص الخواجا ولع الكاتبة بالحياة البسيطة، وهي التي عاشت حتى عام 1995 متنقلة مع عائلتها بين لبنان وقبرص وبريطانيا حتى عادت إلى فلسطين، وتقول جريس إنها بدأت الكتابة بعد أن قضت ثماني سنوات في فسوطة منتصف التسعينيات.
سافرت بعدئذ إلى كندا، وهناك بدأت الكتابة كحالة حنين إلى الوطن -كما تسميها- في مقالات نشرت في عدة دوريات أجنبية قبل أن يستوي بعضها في مجموعتها القصصية الأولى "حياتنا الصغيرة"، ثم في "قصص الخواجا".
حمولة رمزية
وفي تقديمه لقصص الخواجا يرى الأديب الفلسطيني محمود شقير أن بين كتابي فدى جريس وشائج غير قليلة فكأن الثاني هو امتداد للأول مع فروقات، فالأول هو مجموعة قصص مصوغة بطريقة فنية فيها شخصيات وحدث ونهايات، أما الثاني فأكثره قصص توثيقية التقطتها الكاتبة من أفواه الكبار في السن بقريتها ومن تجربة عائلتها.
وفي الكتاب- كما يقول- قصص لافتة مثل "سفربرلك" التي تتعرض لفترة أخذ الشباب إلى حروب الدولة العثمانية، ولقصة جد فدى "جريس" تحديدا الذي هرب من هذه التجربة كي لا يصبح جنديا "في حرب ليست له".
ورغم بساطة حمولتها فإن قصص الخواجا تعكس أيضا جانبا رمزيا لتاريخ يكرر نفسه، كما جاء في قصة "إن أغمضت عيني" حينما ثارت مشكلة بين قرية فسوطة ومجموعة مشاغبين من قرية مجاورة وتطورت إلى الصراخ والضرب فتدخل "قبضاي القرية" يوسف واحتدم القتال، وعندما حاول صد حجر وجه له تحرك بسرعة وأصاب المهاجم في وجهه بجروح بليغة.
وهبت قرية الجريح إلى بيت مختار قرية يوسف الذي كان خائفا ولديه حنق على "القبضاي" الذي لا يلقي بالا لأوامره. وأمر يوسف بالتوقيع عل معاهدة صلح لكن الأخير رفض، وقال "ما رح أتعهد بشيء لأنكم عملتوا هيك تعهدات من قبل وكسروها قبل ما يمرق شهر". فطلب المختار من وجهاء القرية كفالته، وكان يوسف واثقا بمساندتهم، لكن أغلبهم رفضوا "لأنه صاحب مشاكل وأفعاله غير مضمونة".
ويقول الأديب محمود شقير إن القصص وإن كانت تذكّر بالحالة الفلسطينية الحالية إلا أن قراءتها من زاوية الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد تضعفها.
ويرى شقير أن تجربة "حياتنا الصغيرة" ومن بعدها "قصص الخواجا" لفدى جريس مهمة من حيث التفات كاتبة شابة ما زالت ببداية الطريق إلى القصة القصيرة في عالم ينزح باتجاه الرواية الطويلة.
وفي التجربة -التي قالت جريس إنها تعكس زيارات المستشرقين الذين يكتبون عن البلاد من منظورهم- سيمرض سميث بسبب اختلاف الأجواء والعادات الغذائية، لكنه سيحظى بترحيب كل البيوت، إلى أن يطلب منه مغادرة القرية بسبب مخالفته عاداتها عندما حاول الرقص مع إحدى الفتيات.
تقول جريس في تقديم قصير لكتابها إن القصص توثق لمرحلة قاسية ومتعبة من حياة هؤلاء الناس، تتطلب ساعات طويلة من الكدح لضمان العيش، لم يكن الماء والكهرباء قد وصلا القرية بعد، يهجعون بعد المغيب بقليل ويستيقظون قبل بزوغ الشمس للعمل قبل قيظ النهار.
أما من مرض مرضا شديدا فعليه السفر إلى مدينة عكا حيث الطبيب، سواء بالحافلة أو بإحدى السيارات القليلة التي بدأت تصل فسوطة أواخر الأربعينيات، و"في هذه الظروف القاسية نمت أجيال وترعرعت غير متخيلة عصرنا هذا بثورة المعلومات، والإنترنت، والتنقل حول الكوكب في ساعات".
وتتذكر جريس جدها الذي توفي عن تسعين عاما دون أن يشكو المرض سوى الشيخوخة، ولم يتناول طعاما مصنعا يوما وكان يمشي عشرة كيلومترات على امتداد سبعين عاما سارحا بمواشيه.
وتظهر جريس من خلال قصصها النسيج المجتمعي القوي الذي كان يربط الناس، وتقول إن غريزة البقاء كانت تستدعي الكفاح الجماعي والتعاون ونجدة الغير، حيث تنبع القصص أساسا من هذه الحياة البسيطة الغنية بالتوافق والتكاتف والإنسانية، وهي سمات -كما ترى- تتلاشى اليوم لصالح زمن يرتكز على الفردية.
وتعكس قصص الخواجا ولع الكاتبة بالحياة البسيطة، وهي التي عاشت حتى عام 1995 متنقلة مع عائلتها بين لبنان وقبرص وبريطانيا حتى عادت إلى فلسطين، وتقول جريس إنها بدأت الكتابة بعد أن قضت ثماني سنوات في فسوطة منتصف التسعينيات.
سافرت بعدئذ إلى كندا، وهناك بدأت الكتابة كحالة حنين إلى الوطن -كما تسميها- في مقالات نشرت في عدة دوريات أجنبية قبل أن يستوي بعضها في مجموعتها القصصية الأولى "حياتنا الصغيرة"، ثم في "قصص الخواجا".
حمولة رمزية
وفي تقديمه لقصص الخواجا يرى الأديب الفلسطيني محمود شقير أن بين كتابي فدى جريس وشائج غير قليلة فكأن الثاني هو امتداد للأول مع فروقات، فالأول هو مجموعة قصص مصوغة بطريقة فنية فيها شخصيات وحدث ونهايات، أما الثاني فأكثره قصص توثيقية التقطتها الكاتبة من أفواه الكبار في السن بقريتها ومن تجربة عائلتها.
وفي الكتاب- كما يقول- قصص لافتة مثل "سفربرلك" التي تتعرض لفترة أخذ الشباب إلى حروب الدولة العثمانية، ولقصة جد فدى "جريس" تحديدا الذي هرب من هذه التجربة كي لا يصبح جنديا "في حرب ليست له".
ورغم بساطة حمولتها فإن قصص الخواجا تعكس أيضا جانبا رمزيا لتاريخ يكرر نفسه، كما جاء في قصة "إن أغمضت عيني" حينما ثارت مشكلة بين قرية فسوطة ومجموعة مشاغبين من قرية مجاورة وتطورت إلى الصراخ والضرب فتدخل "قبضاي القرية" يوسف واحتدم القتال، وعندما حاول صد حجر وجه له تحرك بسرعة وأصاب المهاجم في وجهه بجروح بليغة.
وهبت قرية الجريح إلى بيت مختار قرية يوسف الذي كان خائفا ولديه حنق على "القبضاي" الذي لا يلقي بالا لأوامره. وأمر يوسف بالتوقيع عل معاهدة صلح لكن الأخير رفض، وقال "ما رح أتعهد بشيء لأنكم عملتوا هيك تعهدات من قبل وكسروها قبل ما يمرق شهر". فطلب المختار من وجهاء القرية كفالته، وكان يوسف واثقا بمساندتهم، لكن أغلبهم رفضوا "لأنه صاحب مشاكل وأفعاله غير مضمونة".
ويقول الأديب محمود شقير إن القصص وإن كانت تذكّر بالحالة الفلسطينية الحالية إلا أن قراءتها من زاوية الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد تضعفها.
ويرى شقير أن تجربة "حياتنا الصغيرة" ومن بعدها "قصص الخواجا" لفدى جريس مهمة من حيث التفات كاتبة شابة ما زالت ببداية الطريق إلى القصة القصيرة في عالم ينزح باتجاه الرواية الطويلة.
-
*(الجزيرة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق