الفلسطيني في الخارج.. الفلسطيني في الداخل
يستخدم نصار ابراهيم في الغالبية العظمى من قصص هذه المجموعة، أسلوب التقطيع السينمائي، حيث تتشكل القصة من مشاهد متجاورة ومتعاقبة تفصل بين المقطع والآخر أرقام أو أنجم. وهو يكثر من استخدام الجمل الخبرية القصيرة المبدوءة بالأفعال في صيغتي الماضي والحاضر التي تجعل إيقاع السرد سريعاً.
والمكان في عدد من قصص المجموعة غير محدد بدقة. لكننا نتعرف إليه من خلال بعض الإشارات الملازمة له. ثمة قصص تدور أحداثها في أمكنة عربية، وقصص أخرى تدور أحداثها في فلسطين، ذلك أن الكاتب كان يعيش في المنفى، ثم عاد إلى وطنه بعد اتفاقيات أوسلو. وقد تردد ذكر القدس في عدد من قصصه، ربما لأنه يعيش في مدينة مجاورة للقدس هي بيت ساحور (ورد ذكر القدس في قصص أخرى لعدد من الكاتبات والكتاب الذين نتحدث عنهم هنا). أذكر القدس تحديداً دون غيرها من المدن الفلسطينية، بالنظر إلى الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي الآن لتهويدها، وبالنظر إلى اهتمام الكتاب الإسرائيليين بالكتابة عنها، والإكثار من ذكرها في قصصهم ورواياتهم لغاية لا تخفى على أحد.
وتبرز في العديد من قصص هذه المجموعة قضية الوطن والهوية والمعاناة الفلسطينية من الاحتلال، ويكثر ظهور النماذج المثقفة في هذه المجموعة، في حين يقل ظهور المرأة إلا في حالات قليلة. غير أن هذا الظهور القليل، كان يتم عبر تجسيد متقن، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بتصوير مشاعر الأم أو تصوير مفاتن المرأة وفق ما يقتضيه السياق القصصي. كما أن للموت مع تعدد أسبابه، نصيباً ملموساً في قصص هذه المجموعة.
وأسلوب الكاتب سلس فيه ميل إلى الكوميديا، وكتابته من نوع السهل الممتنع، يصدق عليها ما قاله الشاعر زكريا محمد في تقديمه للمجموعة: "المثير في هذا الكاتب أنه لا يتعب في الوصول إلى موضوعاته. إنها تحت يده دوماً. وهي موضوعات بسيطة، حدّ أنني كنت أقول حين أبدأ قراءة قصة من قصصه: كيف يمكن أن يخرج قصة من هذا الموضوع؟ لا بد أنها ستكون قصة فاشلة. لكنه يفاجئني ويشدني. ثم أقول: لكن كيف سينهيها، فهذه قصة لا تحتمل نهاية موفقة! لكنه ينهيها بشكل جميل" ص5 .
وفي عدد من قصصه تتوشى اللغة ببعض لمسات شعرية دون إيغال في استحضار الشعر في القصة القصيرة، ويصدق عليها ما قاله زكريا محمد أيضاً: "لا يحل الموضوع في قصصه محل اللغة، ولا اللغة تبلع الموضوع" ص5 .
ربما كانت القصة الأولى التي حملت المجموعة اسمها: "اغتيال كلب" من نوع القصص التي تستقصي النزعات الداخلية المترسخة في نفوس الكائنات الحية، مثل الشر والحقد والانتقام، والدفاع عن الكرامة المهانة والرد على العدوان.
ففي هذه القصة وصف حي للكلب في سكناته وحركاته، وهو يتلقى الإهانات من الراعي سلمان دون أن يتمكن من الدفاع عن نفسه لأنه مقيد بسلسلة من حديد. غير أنه يتمكن من ذلك حينما تنفلت السلسلة بالصدفة، فيهجم على الراعي ويدميه، لكن أحد الرجال يقتله برصاص بندقيته. والقصة تتأسس على لحظة خاطئة متمثلة في سلوك سلمان العدواني تجاه الكلب، وهي تدعو إلى التعاطف مع الكلب في دفاعه عن كرامته، حدّ اعتبار قتله عملية اغتيال سافرة كما هو واضح في العنوان وفي كل تفاصيل القصة! والكاتب يؤكد حقيقة يمكن تعميمها على صعيد عام حينما يقول: "ما يتأسس على الظلم يحفر عميقاً ويستقر مؤلماً جارحاً" ص13. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا كل هذه القسوة من بني البشر؟ وما هو مبرر سلوك الراعي ضد الكلب على هذا النحو المستفز وغير المعقول؟
في قصة "عشرة أمتار فقط" ص16 ندخل منطقة الصراع مع العدو. محمود العربي في يده خنجر، والجندي الذي نقدر أنه إسرائيلي في يده بندقية. القصة تصف الصراع غير المتكافئ. الصراع بين الخنجر والبندقية، والمسافة بين المتصارعين تسمح بتغلب البندقية على الخنجر. مع ذلك، حاول محمود بعد أن أطلق الجندي عليه النار، أن يندفع نحوه، غير أنه لم يتمكن من الوصول إليه. القصة تصف الحدث بمهارة واقتدار، وفيها إعلاء لقيمة الشجاعة في مواجهة العدو رغم اختلال موازين القوة.
عن تلك القوة يتحدث الكاتب في قصة أخرى هي: "صديق الفراشة" ص77 ، فالشاب القادم من روسيا الذي أصبح مجنداً في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يقتل ابن المخيم، الطفل أيمن، بدم بارد ودون سبب، اللهم إلا الرغبة في القتل و"لاختبار الأعصاب واختبار البندقية بعد حفلة التنظيف وإعادة التركيب" ص81 .
شيء شبيه بذلك، قد يحدث في بلد مؤسس على القمع والاضطهاد. ففي قصة "مائة غرام من البن" ص34 نقرأ قصة من نوع مفجع، لكن الكاتب لا يتورط في الميلودراما، وهو يرصد فعل القتل الذي تسببت فيه صدفة محضة.
تبدأ القصة بجملة افتتاحية مشحونة بالتوقعات. ومن صدفة صغيرة تتوالد مجموعة أحداث غير متوقعة، تفضي إلى مقتل الشاب الذي غادر البيت في الصباح ليشتري مائة غرام من البن، لأن رجال الأمن اشتبهوا بأن الشاب يحمل قنبلة وهو يركض عائداً إلى البيت، مقترباً بمحض الصدفة من موكب شخص يبدو أنه مهم. يقتلونه وهو يحمل كيساً صغيراً فيه مائة غرام من البن!
ويواصل الكاتب استقصاءه لثيمة الموت من زوايا عديدة. هذه المرة، وفي قصة "أعطانا عمره" ص39 يضع الكاتب طفلاً فلسطينيا أمام موت عادي لابن عمه. وهو بداية لا يفهم الصيغة التي يستخدمها الكبار في وصف الموت، فقد جاء زائر في الصباح وتوجه إلى والد الطفل بالقول: "يعقوب أعطاكم عمره" ص39 . والطفل عرف من حزن والده ودموعه أن ابن عمه قد مات، غير أن لم يفهم "كيف أعطانا عمره!" ص39 . وهو مع ذلك حزين لكنه يشعر في غمرة الحزن بومضة غبطة لأنه لن يذهب إلى المدرسة، ثم يستطرد الكاتب في وصف سلوك الأطفال الذين لم يقيدهم الحزن على الميت، ولم يمنعهم من استثمار المناسبة وتحويلها إلى فرصة للعب وللعبث، وتلك واحدة من مفارقات الحياة.
ثمة قصص في المجموعة ترصد المعاناة من الاحتلال على نحو جيد. قصة "العائد" ص47 وهي قصة واقعية محبوكة في شكل متقن، تتحدث عن رجل فلسطيني يعود إلى الوطن زائراً بعد غياب عشرين عاماً. يودع زوجته وطفلتيه المقيمات معه في المنفى ويتجه نحو الجسر. قبل الدخول إلى البلاد، يتصور تفاصيل المشهد الذي سيراه: القدس وقبة الصخرة، جبل أبو غنيم وبيت لحم. غير أنه يفاجأ بالمجندة الإسرائيلية وهي تقول له إنه ممنوع من الدخول إلى البلاد. حاول أن يستفسر منها عن السبب ثم شعر بتفاهة المحاولة! فالأمر المتوقع هو أن يقوم العدو بمنعه من الدخول إلى البلاد، ولذلك يركب السيارة ويعود إلى الشرق.
وفي حين يمنع الفلسطيني المقيم في المنفى من زيارة وطنه، فإن الفلسطيني المقيم في وطنه يمنع من السفر إلى الخارج، وذلك لكي تكتمل دائرة القمع ضد الفلسطينيين. قصة "ممنوع من السفر" ص68 هي قصة سياسية تلعب دوراً في تشكيل مادتها عناوين الصحف والحوارات المباشرة، التي تكشف بعضاً من أحوال الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، كما تكشف سبب إعادة د. مجدي من الحدود ومنعه من السفر لأنه "شخص خطير على أمن الدولة وشعب إسرائيل" ص73 ، وتلك هي تهمة جاهزة يلصقها المحتلون بالكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني، لتبرير قمعهم لهم.
تلعب الكوميديا السوداء دوراً في التخفيف من وطأة المباشرة في القصة، ومن وطأة الاستغراق في طرح الموضوعات الخاصة بممارسات المحتلين الإسرائيليين ضد الشعب الفلسطيني، وتبلغ هذه الكوميديا درجة مبالغاً فيها حينما يقترح حامد على صديقه مجدي أن يكتب على يافطة: "عاش الاحتلال" "الموت للعرب" ص74، غير أن إنهاء القصة بالسخرية وهما، أي حامد ومجدي، في حالة سكر، أمر مبرر فنياً ومفهوم باعتباره رد فعل على ما وقع.
ولا يقتصر أمر المنع من السفر على منطقة الحدود، فقد يمنع السفر الداخلي بين مدينة وأخرى، وبخاصة إلى مدينة القدس. في قصة "رأس ملفوف" ص89 وهي قصة سردية واقعية مكتوبة بلغة إخبارية، وفيها رصد لجانب من رحلة قرويين فلسطينيين في حافلة. أحدهم، أبو محمد، ما زال يحتفظ بهويته الأردنية! وهو يستثير ضحك الجنود الذين فحصوا بطاقات هوية الركاب، حينما تظاهر بأنه لا يعرف أن الإسرائيليين موجودون في البلاد، في حين تتكشف نهاية القصة عن موقف وطني لأبي محمد: "لقد أقسمت ألا أحمل هويتهم ما دمت حياً" ص88 .
اللافت للانتباه في القصة ما أظهره الكاتب من جانب إنساني في مسلك الجنود، حينما ضحكوا من كلام أبي محمد، وحينما سمحوا له بالمضي في الرحلة رغم عدم حيازته بطاقة هوية من سلطات الاحتلال. لعل هذا المسلك يشكل استثناء نادراً لمعاملة جنود الاحتلال الفظة للمواطنين الفلسطينيين.
في المجموعة قصص أخرى تتجه إلى معالجة قضايا وجودية وإنسانية عامة. ففي قصة "البحث عن شيء ما" ص25 . نحن هنا أمام شخص يتصدق على متسول من نمط خاص، يشعر "برضى صغير عن الذات" ص25. في القصة تجاذب نفسي بين المتصدق والمتسول، وثمة إحساس بفقد شيء ما يجري البحث عنه دون معرفة كنهه أو طبيعته. القصة مكرسة للتأمل في حياة الكائن الإنساني وأفعاله وتصرفاته (لفتت انتباهي قصة للكاتب أمين دراوشة موسومة بـ "شيء ما" تنتهي نهاية معاكسة لنهاية هذه القصة، حيث انتهت كما يلي: "بغتة فاض البحر، والتهم المطر التراب، والنيران، وانطلق يبحث عن شيء يعرف كنهه) (أمين دراوشة/ الحاجة إلى البحر/ ص57 ). وأما في قصة نصار ابراهيم فقد جاءت النهاية كما يلي: "بقيت واقفاً أتابعه بنظراتي ودهشتي. استدرت ومضيت بدوري أبحث عن شيء ما لا أدري ما هو".
وفي قصة "ذكرى" ص37 التي يمكن اعتبارها "قصة قصيرة جداً" ثمة مفارقة بين منتهى الجد ومنتهى عدم الاكتراث. فالتلميذ الذي كان يستمع إلى المذياع في الليل، يوقظ والده من نومه ليقول له: لقد هبط الأميركان على سطح القمر، فيجيبه والده: "طيب، وماذا تريدني أن أفعل؟ أغلق الراديو ونم" ص38.
في قصة "رائع وأحمق" ص45 ثمة احتفاء بالطبيعة وبمظاهرها المختلفة، غير أن منسوب الشحنة الشعرية فيها يعلو إلى درجة كبيرة، وهي أقرب إلى النص منها إلى القصة القصيرة، ويمتد الزمن فيها بحيث يصبح أطول مما تتطلبه قصة قصيرة.
وفي قصة "الساعة" ص102 تصوير مرهف لأساليب البيروقراطيين في هدر الوقت دون عمل منتج. إنها قصة جميلة.
⏬
⏪لأني أحبك/ أحلام بشارات
المرأة في مجتمع ذكوري متسلط
اثنتا عشرة قصة هي أقرب إلى النمط السردي المألوف والمتعارف عليه في كتابة القصة القصيرة، لكنها في الوقت نفسه ليست قصصاً تقليدية. ثمة تداخل بين أسلوب القصة وأسلوب النص في بعض الأحيان.
وثمة تنويع في استخدام الضمائر وبخاصة ضمير المتكلم وضمير المخاطب. ثمة لغة سردية متقنة تنقل الحالة الموصوفة بدقة، وثمة قدرة على تصوير المشاهد وإيداعها ما هو مطلوب من مشاعر وأحاسيس.
وتتغلغل الأيديولوجيا في نسيج بعض القصص، كما في قصة "لأني أحبك" فيصبح القارئ محكوماً بموقف بطلة القصة، الذي هو في شكل ما موقف كاتبة القصة، فالشاب الذي يستشهد والده برصاص المحتلين، محكوم بأن يحيا حياته وهو واقع تحت الإحساس بأن والده قد قتل، ولا ينبغي عليه أن يلعب دوراً مزدوجاً. أي ينبغي عليه ألا يذهب إلى العمل لدى الإسرائيليين، وبالطبع فهو يذهب إلى هناك لأنه مضطر إلى أن يعول أسرته. وقد سبق لهذه القضية أن أثيرت في سنوات سابقة عبر الكتابات السردية وكذلك عبر الأدبيات السياسية الفلسطينية، وكانت هنالك مواقف متباينة منها، رفضتها بعض القوى السياسية من باب ضرورة مقاطعة العدو وعدم التعامل معه، وسكتت عنها قوى أخرى من باب أن العمال مضطرون إلى كسب عيشهم، ولا بد من توفير بديل مقنع لهم قبل مطالبتهم بعدم الذهاب إلى سوق العمل الإسرائيلي.
وحينما لا تتدخل الأيديولوجيا على نحو سافر، تصبح القصص أكثر عفوية وصدقاً. يظهر هذا في قصة "المدينة مغلقة ظلت" ص73 حيث تتحول مفردات الحياة اليومية تحت الاحتلال، وما فيها من مفارقات ومنغصات وتفاصيل مثيرة للأعصاب، إلى مادة ملائمة لقصة قصيرة ناجحة، لما فيها من صدق فني وسرد يتوخى البساطة، للكشف عن قبح الاحتلال الذي يمنعنا من ممارسة حياة طبيعية، ويعيق حركتنا اليومية العادية التي لنا كل الحق في ممارستها على النحو الذي نريد.
تنشغل أحلام بشارات في مناقشة همومنا تحت الاحتلال في عدد من قصص مجموعتها. وفي بعض هذه القصص نعثر على القضايا إياها التي لطالما ظهرت في الأدب الفلسطيني تحت الاحتلال، ولربما كان الفارق هنا في أسلوب الطرح وطريقة صياغة المواقف وتلوينها. ففي قصة "مواسم قطاف وحصاد" ص24 تحضر المفردات التي لها علاقة بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ونجد أنفسنا أمام حالة غير جديدة بالنسبة للأدب الفلسطيني: الفلاح الملتصق بالأرض/ المستوطنة التي تهدد أمن القرية/ قتل الفلسطيني الأعزل/ الانتقام من المحتلين القتلة، وتحمل العسف والاضطهاد قبل ذلك وبعد ذلك.
غيرأن قصتين من هذه القصص تميزتا بجدة في الطرح وبتوسيع دائرة الرؤية. الأولى هي "الرقص من جديد" ص 11، حيث العروس الفلسطينية المضطرة إلى اجتياز أحد الحواجز في الضفة الغربية للذهاب إلى عريسها في يوم عرسها، تذهب إليه نزولاً عند رغبة أبيها وأمها بعد أن أرغماها بالموافقة على الزواج منه. وهناك، عند الحاجز، يضطرها الجنود إلى الرقص لكي يسمحوا لها بالمرور. ترقص لفترة غير قصيرة بسبب إلحاح الجنود، وإلحاح أمها كذلك، ما يتسبب في إصابتها بالإنهاك حد الموت. هنا يتداخل إكراه الاحتلال مع إكراه التخلف الاجتماعي ممثلاً في سلطة العائلة في مجتمع ذكوري، على البنت/ فاطمة.
الثانية هي "فكرة من لحم وحبر" ص 35، وفيها أيضاً تداخل بين قمع الاحتلال وقمع الأب للمرأة في مجتمع ذكوري متسلط.
ثمة قصص تتطرق للعلاقة بين المرأة والرجل، وتكون العلاقة مختلة لصالح الرجل بسبب طبيعة المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه النساء الفلسطينيات. النساء في القصص لديهن رغبة في علاقة سوية مع رجال يتوسمن فيهم الخير، غير أنهم يخيبون آمالهن، حيث لا يجرؤ أحدهم على الزواج من الفتاة التي اقترحت عليه الزواج لكي تختبر صدقه، وحيث يعمد آخر وهو كاتب مثقف إلى خداع الفلاحة الطيبة بائعة العسل الراغبة في المعرفة، إلى أن يحقق مأربه منها ثم يتركها ويختفي، تاركاً لها الخيبة وطعم العسل الذي أصبح مثل العلقم هذه المرة.
اثنتا عشرة قصة هي أقرب إلى النمط السردي المألوف والمتعارف عليه في كتابة القصة القصيرة، لكنها في الوقت نفسه ليست قصصاً تقليدية. ثمة تداخل بين أسلوب القصة وأسلوب النص في بعض الأحيان.
وثمة تنويع في استخدام الضمائر وبخاصة ضمير المتكلم وضمير المخاطب. ثمة لغة سردية متقنة تنقل الحالة الموصوفة بدقة، وثمة قدرة على تصوير المشاهد وإيداعها ما هو مطلوب من مشاعر وأحاسيس.
وتتغلغل الأيديولوجيا في نسيج بعض القصص، كما في قصة "لأني أحبك" فيصبح القارئ محكوماً بموقف بطلة القصة، الذي هو في شكل ما موقف كاتبة القصة، فالشاب الذي يستشهد والده برصاص المحتلين، محكوم بأن يحيا حياته وهو واقع تحت الإحساس بأن والده قد قتل، ولا ينبغي عليه أن يلعب دوراً مزدوجاً. أي ينبغي عليه ألا يذهب إلى العمل لدى الإسرائيليين، وبالطبع فهو يذهب إلى هناك لأنه مضطر إلى أن يعول أسرته. وقد سبق لهذه القضية أن أثيرت في سنوات سابقة عبر الكتابات السردية وكذلك عبر الأدبيات السياسية الفلسطينية، وكانت هنالك مواقف متباينة منها، رفضتها بعض القوى السياسية من باب ضرورة مقاطعة العدو وعدم التعامل معه، وسكتت عنها قوى أخرى من باب أن العمال مضطرون إلى كسب عيشهم، ولا بد من توفير بديل مقنع لهم قبل مطالبتهم بعدم الذهاب إلى سوق العمل الإسرائيلي.
وحينما لا تتدخل الأيديولوجيا على نحو سافر، تصبح القصص أكثر عفوية وصدقاً. يظهر هذا في قصة "المدينة مغلقة ظلت" ص73 حيث تتحول مفردات الحياة اليومية تحت الاحتلال، وما فيها من مفارقات ومنغصات وتفاصيل مثيرة للأعصاب، إلى مادة ملائمة لقصة قصيرة ناجحة، لما فيها من صدق فني وسرد يتوخى البساطة، للكشف عن قبح الاحتلال الذي يمنعنا من ممارسة حياة طبيعية، ويعيق حركتنا اليومية العادية التي لنا كل الحق في ممارستها على النحو الذي نريد.
تنشغل أحلام بشارات في مناقشة همومنا تحت الاحتلال في عدد من قصص مجموعتها. وفي بعض هذه القصص نعثر على القضايا إياها التي لطالما ظهرت في الأدب الفلسطيني تحت الاحتلال، ولربما كان الفارق هنا في أسلوب الطرح وطريقة صياغة المواقف وتلوينها. ففي قصة "مواسم قطاف وحصاد" ص24 تحضر المفردات التي لها علاقة بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ونجد أنفسنا أمام حالة غير جديدة بالنسبة للأدب الفلسطيني: الفلاح الملتصق بالأرض/ المستوطنة التي تهدد أمن القرية/ قتل الفلسطيني الأعزل/ الانتقام من المحتلين القتلة، وتحمل العسف والاضطهاد قبل ذلك وبعد ذلك.
غيرأن قصتين من هذه القصص تميزتا بجدة في الطرح وبتوسيع دائرة الرؤية. الأولى هي "الرقص من جديد" ص 11، حيث العروس الفلسطينية المضطرة إلى اجتياز أحد الحواجز في الضفة الغربية للذهاب إلى عريسها في يوم عرسها، تذهب إليه نزولاً عند رغبة أبيها وأمها بعد أن أرغماها بالموافقة على الزواج منه. وهناك، عند الحاجز، يضطرها الجنود إلى الرقص لكي يسمحوا لها بالمرور. ترقص لفترة غير قصيرة بسبب إلحاح الجنود، وإلحاح أمها كذلك، ما يتسبب في إصابتها بالإنهاك حد الموت. هنا يتداخل إكراه الاحتلال مع إكراه التخلف الاجتماعي ممثلاً في سلطة العائلة في مجتمع ذكوري، على البنت/ فاطمة.
الثانية هي "فكرة من لحم وحبر" ص 35، وفيها أيضاً تداخل بين قمع الاحتلال وقمع الأب للمرأة في مجتمع ذكوري متسلط.
ثمة قصص تتطرق للعلاقة بين المرأة والرجل، وتكون العلاقة مختلة لصالح الرجل بسبب طبيعة المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه النساء الفلسطينيات. النساء في القصص لديهن رغبة في علاقة سوية مع رجال يتوسمن فيهم الخير، غير أنهم يخيبون آمالهن، حيث لا يجرؤ أحدهم على الزواج من الفتاة التي اقترحت عليه الزواج لكي تختبر صدقه، وحيث يعمد آخر وهو كاتب مثقف إلى خداع الفلاحة الطيبة بائعة العسل الراغبة في المعرفة، إلى أن يحقق مأربه منها ثم يتركها ويختفي، تاركاً لها الخيبة وطعم العسل الذي أصبح مثل العلقم هذه المرة.
في قصص أحلام بشارات يكثر استخدام ضمير المتكلم وضمير المخاطب، ما يهب السرد مزيداً من الحميمية، ويكثر استخدام الجمل الإسمية والجمل الفعلية المبدوءة بالفعل المضارع. وفي أغلب القصص نكون أمام بطلات للقصص، لديهن رغبة في الحياة، ولديهن مواقفهن الوطنية ضد الاحتلال. وقد تكرر اسم فاطمة في عدد من القصص، ما يعني ارتياح الكاتبة إلى هذا الاسم والرغبة في إحاطة صاحبته بمزيد من الإضاءة في غير قصة ومن جوانب مختلفة، وهذا منحى إيجابي بطبيعة الحال.
"إنسانة تشبهني" ص18، أقرب إلى النص منها إلى القصة القصيرة. وقد لاحظت أننا حينما نكون أمام حدث متبلور كما هو الحال في قصة "عسل" ص54، فإن القصة تنكتب من لحظتها الأولى حتى لحظتها الأخيرة بإيقاع متلاحق لا مجال فيه للتهويمات اللغوية. وحينما نكون أمام حالة نفسية متوترة وتلاعب باللغة ومحاولة شعرنتها لرصد هذه الحالة، وأمام جزئيات متلاحقة لا يكتمل السرد إلا بتضافرها معاً، نكون أمام نص أكثر من كوننا أمام قصة قصيرة محكمة البناء. لنقرأ ما يلي: هنا سأظل، الشمس تشرق من فمي وتغيب تحت جناحي وتظل تطل من عينيك، وأظل أذكرك بك وأمضي إليك كل يوم، أظل أرتقي أرتقي ولا نلتقي، وأحبك أكثر وأمقتك أكثر" ص20.
ثمة مهارة في الحذف، كما في قصة "عسل" ص54 وترك مساحة من الغموض الشفاف، لكي يسهم المتلقي في إعادة بناء القصة وتحقيق متعة القراءة. وثمة حميمية في استخدام ضميري المتكلم والمخاطب، واعتماد عناوين فيها لمسات رومانسية.
أسلوب السرد لدى أحلام بشارات، واقعي يتسم بدقة في الوصف ورشاقة في تشكيل المشهد، كما في قصة "دمعة ساخنة" حيث التصاق الرجل وحبيبته إلى حد تمكن البطلة من المرور بحرية "من مسرب لا يتسع إلا لاثنين، هما وأنت" ص66، وحيث نلمس في هذه القصة كيف لا تتوفر حياة طبيعية في ظل الاحتلال، وحيث الحب يجري اغتياله أو عدم تمكينه من فرصة مواتية.
⏬
⏪انفلات الموج/ عبد الله تايه
"إنسانة تشبهني" ص18، أقرب إلى النص منها إلى القصة القصيرة. وقد لاحظت أننا حينما نكون أمام حدث متبلور كما هو الحال في قصة "عسل" ص54، فإن القصة تنكتب من لحظتها الأولى حتى لحظتها الأخيرة بإيقاع متلاحق لا مجال فيه للتهويمات اللغوية. وحينما نكون أمام حالة نفسية متوترة وتلاعب باللغة ومحاولة شعرنتها لرصد هذه الحالة، وأمام جزئيات متلاحقة لا يكتمل السرد إلا بتضافرها معاً، نكون أمام نص أكثر من كوننا أمام قصة قصيرة محكمة البناء. لنقرأ ما يلي: هنا سأظل، الشمس تشرق من فمي وتغيب تحت جناحي وتظل تطل من عينيك، وأظل أذكرك بك وأمضي إليك كل يوم، أظل أرتقي أرتقي ولا نلتقي، وأحبك أكثر وأمقتك أكثر" ص20.
ثمة مهارة في الحذف، كما في قصة "عسل" ص54 وترك مساحة من الغموض الشفاف، لكي يسهم المتلقي في إعادة بناء القصة وتحقيق متعة القراءة. وثمة حميمية في استخدام ضميري المتكلم والمخاطب، واعتماد عناوين فيها لمسات رومانسية.
أسلوب السرد لدى أحلام بشارات، واقعي يتسم بدقة في الوصف ورشاقة في تشكيل المشهد، كما في قصة "دمعة ساخنة" حيث التصاق الرجل وحبيبته إلى حد تمكن البطلة من المرور بحرية "من مسرب لا يتسع إلا لاثنين، هما وأنت" ص66، وحيث نلمس في هذه القصة كيف لا تتوفر حياة طبيعية في ظل الاحتلال، وحيث الحب يجري اغتياله أو عدم تمكينه من فرصة مواتية.
⏬
⏪انفلات الموج/ عبد الله تايه
قصص تجريدية وأخرى واقعية
تشتمل قصص هذه المجموعة على أنماط مختلفة لكتابة القصة القصيرة، وهي تتراوح ما بين كتابة تتخذ من بعض الشخصيات التاريخية قناعاً لنقد الواقع المعيش، وكتابة تجريدية تميل إلى غض النظر عن التفاصيل الواقعية، أو تحوير استخدامها في إطار بنية لغوية حاملة للرموز ومتجاوزة للواقع، وذلك لتقديم رؤى واجتهادات حول المجتمع والواقع، وكذلك كتابة واقعية تعنى بتقديم لوحة للواقع الاجتماعي بأسلوب بسيط لا التباس فيه ولا تعقيد.
ففي قصة "لماذا غضب الخليفة؟" ص4، يستخدم عبد الله تايه شكلاً قصصياً سبق للقصة العربية أن استخدمته منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث يتم استحضار شخصية تراثية هي الخليفة في هذه القصة، لرصد واقعنا الراهن وتعريته وتسليط الضوء على ما فيه من عيوب وأخطاء، والقصة من خلال أسلوبها هذا لا تدخل في تفاصيل محددة لشخوص محددين، وإنما تصف الوضع الإجمالي في شكل عام، والكاتب يميل فيها إلى استخدام لغة مشتملة على شيء من السجع، محتذياً بعض سمات نثرنا التراثي للملاءمة بين شكل القصة ولغتها.
إذا تجاوزنا هذه القصة المكرسة لنقد الوضع الاجتماعي، فسوف نجد أن بقية قصص المجموعة مشغولة بالهم الفلسطيني وبالمعاناة من الاحتلال، على تفاوت فيما بينها من حيث الجودة الفنية واكتمال الصياغة.
ففي قصة "الرنين ما زال ينتظر" ص11، وهي قصة تستغرقها السياسة من أولها إلى آخرها، تطفو على سطحها المواقف والقضايا السياسية لتعبر عن طموح عام، ما يجعل المستوى الفني للقصة محاصراً بالرغبة في تقديم قضايا مألوفة لها علاقة بهمنا الفلسطيني الممتد منذ أعوام. فالقصة تعبر في ثناياها عن موقف سياسي مرتبط بحق العودة، العودة إلى مخيم الشاطئ الواقع في أرض 1967 تمهيداً للعودة إلى الجورة الواقعة في أرض 1948، والقصة تتطرق إلى اتفاق أوسلو وما نتج عنه من تطورات، حيث ظل هذا الاتفاق ناقصاً لا يلبي التطلعات الفلسطينية التي يجري التعبير عنها في نهاية القصة، على شكل تمنيات تنم عن رغبة مضمرة في العودة إلى الوطن، وهي نهاية فرضها تدخل الكاتب في سياق قصته.
في قصة "انفلات الموج" ص22، ثمة نمط كتابي مختلف عن النمط الذي كتبت من خلاله القصة السابقة، حيث تشتمل القصة على قدر من التعبيرية والتجريد، (التجريد الذي يتحول إلى تذهين في بعض الأحيان) وحيث يعبر بطل القصة عن تذمره من ضيق الجهات المحيطة به، وعن شوقه للرحابة بحيث لا تستطيع الجدران أن تمنع وصول صخب البحر وانفلات الموج. ص25 .
في هذه القصة تغيب اللغة الإخبارية ويبدأ القص بالفعل المضارع وبأسلوب تخالطه لغة الشعر، مثلاً: "يتدفق القمر من وراء الرابية البعيدة ويدخل عبّ الشجر، يتسلق سيقان النخيل والمدى العالي" ص22 .
ففي قصة "الرنين ما زال ينتظر" ص11، وهي قصة تستغرقها السياسة من أولها إلى آخرها، تطفو على سطحها المواقف والقضايا السياسية لتعبر عن طموح عام، ما يجعل المستوى الفني للقصة محاصراً بالرغبة في تقديم قضايا مألوفة لها علاقة بهمنا الفلسطيني الممتد منذ أعوام. فالقصة تعبر في ثناياها عن موقف سياسي مرتبط بحق العودة، العودة إلى مخيم الشاطئ الواقع في أرض 1967 تمهيداً للعودة إلى الجورة الواقعة في أرض 1948، والقصة تتطرق إلى اتفاق أوسلو وما نتج عنه من تطورات، حيث ظل هذا الاتفاق ناقصاً لا يلبي التطلعات الفلسطينية التي يجري التعبير عنها في نهاية القصة، على شكل تمنيات تنم عن رغبة مضمرة في العودة إلى الوطن، وهي نهاية فرضها تدخل الكاتب في سياق قصته.
في قصة "انفلات الموج" ص22، ثمة نمط كتابي مختلف عن النمط الذي كتبت من خلاله القصة السابقة، حيث تشتمل القصة على قدر من التعبيرية والتجريد، (التجريد الذي يتحول إلى تذهين في بعض الأحيان) وحيث يعبر بطل القصة عن تذمره من ضيق الجهات المحيطة به، وعن شوقه للرحابة بحيث لا تستطيع الجدران أن تمنع وصول صخب البحر وانفلات الموج. ص25 .
في هذه القصة تغيب اللغة الإخبارية ويبدأ القص بالفعل المضارع وبأسلوب تخالطه لغة الشعر، مثلاً: "يتدفق القمر من وراء الرابية البعيدة ويدخل عبّ الشجر، يتسلق سيقان النخيل والمدى العالي" ص22 .
على العكس من هذه القصة تأتي القصة التي تليها، الموسومة بـ "السقوط إلى أعلى" ص26، فهي قصة تعتمد السرد الواقعي، وتصف حياة الناس اليومية، وتتراكم أحداثها من خارج السياق الفني للقصة نفسها، وتتسم بعض المواقف فيها بالقصدية التي تهيئ لنهايتها، فمنذ بدأ التركيز فيها على طفل وحيد لأبويه، مصر على المشاركة في المظاهرات ضد المحتلين الإسرائيليين، نتوقع أن هذا الطفل سيتعرض لمكروه ما، حيث ينصحه والده قائلاً: "العلم، العلم يا ولدي" ص28، فيجيبه: "ولا يهمك يا والدي، علم ومظاهرات" ص28، ويستمر الحوار بين الولد وأبيه على هذه الشاكلة التي تفتقر إلى الإقناع، وصولاً إلى نهاية القصة إذ يقتل الطفل برصاص الأعداء.
وتتشابه نهاية هذه القصة من حيث مصير الطفل إلى حد ما مع قصة "أرنب عند المنطار" ص82، حيث في القصة الأولى طفل يصاب برصاص الأعداء ويقتل، وفي القصة الثانية طفل يصاب برصاص الأعداء وينقل إلى المستشفى للعلاج، مع فارق كبير في المستوى الفني للقصتين. ففي قصة "أرنب عند المنطار" ص82، وهي قصة تعتمد السرد الواقعي أيضاً، تتبدى قدرة القاص على تصوير الحياة اليومية للناس بعفوية وصدق ودون افتعال، وينجح في المزج بين ما هو شخصي وما هو عام. وتتقدم شخصيات الأب والأم والابن الطفل إلى مركز السرد في شكل منطقي سلس، وتبدو مقنعة في كل تصرف من تصرفاتها، وتتم إدانة تصرفات جنود الاحتلال على نحو غير مباشر، من خلال المفارقة التي أوضحت على نحو حميم، كيف أن بيع الأرنب تمّ في اليوم نفسه الذي أصيب فيه الطفل برصاص المحتلين.
وتتشابه نهاية هذه القصة من حيث مصير الطفل إلى حد ما مع قصة "أرنب عند المنطار" ص82، حيث في القصة الأولى طفل يصاب برصاص الأعداء ويقتل، وفي القصة الثانية طفل يصاب برصاص الأعداء وينقل إلى المستشفى للعلاج، مع فارق كبير في المستوى الفني للقصتين. ففي قصة "أرنب عند المنطار" ص82، وهي قصة تعتمد السرد الواقعي أيضاً، تتبدى قدرة القاص على تصوير الحياة اليومية للناس بعفوية وصدق ودون افتعال، وينجح في المزج بين ما هو شخصي وما هو عام. وتتقدم شخصيات الأب والأم والابن الطفل إلى مركز السرد في شكل منطقي سلس، وتبدو مقنعة في كل تصرف من تصرفاتها، وتتم إدانة تصرفات جنود الاحتلال على نحو غير مباشر، من خلال المفارقة التي أوضحت على نحو حميم، كيف أن بيع الأرنب تمّ في اليوم نفسه الذي أصيب فيه الطفل برصاص المحتلين.
في قصة "مضوا كأن لم يكونوا" ص34، وهي من النمط السردي الواقعي أيضاً، تستثير التأمل تلك العلاقة التي نشأت بعد لقاء عابر في الباص، بين بطل القصة الذي هو السارد بضمير المتكلم وبين سيدة "في الثلاثينات، ترتدي ملابس عادية، بدا وجهها جميلاً" ص35، هي زوجة مناضل سجين ذاهبة لزيارة زوجها في السجن، يصف تأثيرها عليه حينما يقول: "البريق المنبعث من عيني السيدة تسلل داخلي، (...) كيف أسمح لنفسي بالتأمل في وجه زوجة سجين؟) ص39، ولا يكتفي السارد بذلك، بل إنه يشتري هدية لأطفال المرأة ويذهب لزيارتها في بيتها، حيث نتوقع أن تكون هي التي أعطته عنوان البيت، فقد جاء في القصة قول السارد: "وقبل أن نفترق عرفت أشياء كثيرة عنها. حاولت مواساتها، ثرثرنا" ص40، ويتساءل وهو يقترب من باب البيت: "لماذا أتيت؟ ما الذي أريده؟ حب استطلاع؟ رغبة في المساعدة؟ إعجاب؟خليط من المشاعر المفهومة وغير المفهومة" ص41. تفتح له الباب امرأة عجوز، ربما كانت هي أم زوجها السجين، أما هي فقد ذهبت إلى بيت والدها مع أولادها.
هذه قصة ملتبسة المقاصد، تدخل منطقة حساسة جداً. لكن هذا النموذج الذي تطرقت إليه القصة لا ينعدم وجوده في مجتمع مكبوت مثل مجتمعنا، وبذلك، يصح التساؤل: هل يجوز للقاص أن يدخل هذه المنطقة لاستقصاء بعض خفاياها؟ ربما نعم! وربما لا!
وأما قصة "برقية عبرت حدود الليل" ص44، فهي تنويع على ممارسات العدو ضد الشعب الفلسطيني، حيث يتم حرمان مدرس يعمل في الخارج من العودة إلى الأرض المحتلة حيث يقيم بسبب انتهاء مدة تصريحه، وحيث الموظف الإسرائيلي المسؤول يحاول استثمار هذه الواقعة، لكي يحصل على معلومات من السارد/ بطل القصة وهو أخ للمدرس، الذي لم يستجب لهذا الابتزاز، ولو كان الثمن حرمان أخيه من العودة إلى البلاد.
وأما قصة "برقية عبرت حدود الليل" ص44، فهي تنويع على ممارسات العدو ضد الشعب الفلسطيني، حيث يتم حرمان مدرس يعمل في الخارج من العودة إلى الأرض المحتلة حيث يقيم بسبب انتهاء مدة تصريحه، وحيث الموظف الإسرائيلي المسؤول يحاول استثمار هذه الواقعة، لكي يحصل على معلومات من السارد/ بطل القصة وهو أخ للمدرس، الذي لم يستجب لهذا الابتزاز، ولو كان الثمن حرمان أخيه من العودة إلى البلاد.
تشتمل قصة "الظلال الهابطة" ص19، على قدر من التميز بسبب السرد الظريف واللغة المرهفة، وبسبب أنسنة السلم وتحويله إلى بطل للقصة، حيث يتحدث هذا السلم عن صعود الناس على درجاته وهبوطهم عليها، ويخص بالذكر شخصاً اسمه محمود عبد الدايم الذي يتقدم دون سواه إلى مركز السرد، لأن الجنود تعقبوه ولم يجدوه، فقد اختفى ثم ابتعد الجنود، والسلم ظل مرتكزاً بكتفيه على الجدار، "في انتظار محمود عبد الدايم لينزل" ص21 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق