اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

خالتي فريدة | قصص قصيرة ...*وداد معروف

1
 ➤لكنني أنثى.. قصة قصيرة

دخلت مكتبنا يغشاها سحر الجمال وطلاوته ، طلتها آسرة ، نظرة عينيها الجميلتين ، رأيت حسنهما في أعين الرجال حولي ، وقفَتْ على الباب وألقت السلام ، تنافس إيهاب ورامي في الإسراع بالرد ، بصوت رخيم هامس قالت:
أنا الموظفة الجديدة ، وقد تم تكليفي أن أعمل بهذا القسم . وقف إيهاب وأشار إلى مكتب بجانبه خلا بعد إحالة زميلنا إلى التقاعد قائلا لها:
تفضلي هنا سيضيئ هذا المكتب بجلوسك عليه ،
انبرى رامي قائلا:
لا والله : هذا مكتبي سأتركه لكِ ، ودعي لي هذا المكتب القديم. وكعادة الجميلات ألا يجهدن أنفسهن في التقرب لأحد، فالجمال سفير فوق العادة، خَبَرتُهن كثيرا فقد مر على وجودي في هذه المؤسسة أكثرُ من عشرين عاماً وأعرف ما سيكون من أمر هذه الحسناء إن بدرت منها إشارة أنها أرهقت من العمل سيهرع الرجال ويخففوه عنها وربما أضافوه لي فيكفيهم أن يطالعوا هذا الوجه الجميل ليحفزهم على العمل ، جلستُ على مكتب رامي.. والتفتُّ لها محيية ومرحبة بوجودها بيننا، سألتني وقد علت الدهشة أهداب عينيها:
لماذا أعطيتِ ظهرك للباب واستقبلتِ النافذة بوجهكِ، كانت نظرة إيهاب ورامي لبعضهما تستر كلاما أعرف أنه لو أفرَجَت عنه شفاهُهما لجرحني ، قلت لها:
كما ترين أنا منتقبة وهذا الوضع يساعدني على رفع النقاب والتنفس بحرية، هزت رأسها مقرة بما أقول، أحاط بها رامي وإيهاب ليعلماها أساسيات العمل الجديد، و من آن لآخر يضع كل منهما عبارة يفخر فيها بموقعه ومهارته وتميزه بين زملائه، وهي تسمع بهدوء يتسم بقلة الاكتراث، تشعثت خصلات من شعرها الأصفر فغطت عينيها الزرقاوين كزرقة الفجر إذا شقشق فاكتمل بدرها، ابتسمتُ لهذا المنظر الجميل ابتسامة شاحبة، وعاودني الشعور القديم لا بل لم يزايلني أبدا، هذه المشاعر التي وضعتها في سرداب عميق مظلم كوجهي وأغلقته بإحكام يتحول هذا السرداب أحيانا لغرفة بلا سقف ولا نوافذ فتلفحني الشمس المحرقة وتمصني العواصف العاتية، حين تتلبد الغيوم بالغيوم يصرخ فيَّ هذا السؤال :
لماذا من بين كل تلك الجميلات والبيضاوات حملت فوق أكتافي هذا الوجه الدميم ؟ كرهت النظر في المرآة حتى لا تطل أمامي هذه البشرة الطينية الكثيفة وتلك العيون الجاحظة المتكورة وقد أحاطها سواد أشدّ ، ما هذا الأنف الأفطس؟ هذه الشفاه الزرقاء كرهت أن أبتسم حتى لا تظهر أسناني التي تقترب من حبات الفول الكبيرة، ولذا كان قراري بارتداء النقاب قرارا صائبا، فما ذنب الناس أن يطالعوا هذا القبح كما لا أريد أن أسيء لزملائي الطيبين برؤية هذه الدمامة يوميا ، أفاقت من استغراقها علي صوت إيهاب ينهرها علي أنها لم تقدم التحية للزميلة الجديدة.. منى :
هيا أَخرجي عِدة الشاي وقدمي لها كوبا "على مية بيضة" كبدايتها معنا، أخرج رامي من درجه علبة البسكويت, ابتسمت لها غادة في حياء وقالت:
لولا أنهما أقسما عليّ ألا أقوم لأعددته لكم جميعاً،
رددت على ابتسامتها بابتسامة وقلت:
لا عليكِ يا غادة، هو أول يوم فقط ثم نتركك تعدين لنا الشاي بعدها، مسحت بعينيها المكاتب وتوقفت أمام لوحة وضعتها منى فوق مكتبها واضح أنها قد خطتها بيدها لعفوية الخط وبساطته، قرأَتْها بصوت عالٍ " الفقد أن تنتظر شيئا لا يعود وتحلم بأحلام لا تنتمي إليك" ثم قالت :
يا لها من حكمة عميقة جدا .

لم يمض إلا أسبوع واحد فقط حتي سمعنا عن خطبة غادة لابن المدير العام للمؤسسة، ونقلت من مكتبنا إلى مكتب سكرتارية المدير العام حيث الأسرار وشبكة العلاقات المهمة برجال السياسة والأعمال في محافظتنا، ويوما بعد يوم نجد اسمها في الجوقة التي ستصحب المدير العام إلي المؤتمرات والزيارات المفاجئة لفروع المؤسسة، ومن خلال هواية رامي وإيهاب في تسّقط الأخبار عرفت قيمة الشبكة التي قدمت لها وتفاصيل حفل الخطوبة وموقع شقة العروسين، وأين سيقضيان شهر العسل حيث اختارت غادة أن يكون في تركيا لترى الأماكن الجميلة التي صورت فيها تلك المسلسلات التي امتلأت بها القنوات الفضائية، اسمع هذا وأسائل نفسي ألست أنا أيضا أنثى؟ اقتربت من الأربعين .. نعم، ولكن نفسي تهفو لما تهفو له كل أنثى، بيتا وزوجا وطفلا، أمشي أمام الناس متأبطة ذراعه، أسند رأسي على كتفه في السيارة، أجلس وسط زميلاتي وصديقاتي وقريباتي وأقول قال زوجي، اشترى لي زوجي، رفض زوجي، أقسم عليّ زوجي.
تبا لكما أيها الرجلان، ألا تشعران بي؟ ألا تكفان عن الثرثرة؟ ولكن كيف تشعران بما أشعر؟ فحينما أردتما الزواج دققتما الباب علي أنثاكما وكان لكما ما أردتما، لكني أنا الأنثى التي لو ظلت مائة عام لن تجرؤ على طلب يد الرجل أبداً، وإن حدث فستهزمني الأعراف والتقاليد لا محالة، هذا إذا كنت فتاةً عادية، فكيف وأنا بمثل هذه الدمامة وملامحي التي لا علاقة لها بالأنوثة، الأنوثة ....... آه .... كل كياني ممتلئ بخصائصها وضعفها واحتياجها، تمنيت أن الله حينما خلقني هكذا نزع مني هذا الضعف والاحتياج حتى لا أعيش البؤس مرتين، مرت غادة من أمامي وقد سبقها عطرها الأخاذ، توقَّفتْ أمام مكتبنا تعدِّل وضع الأوراق في يدها، تأملتها، كل ما فيها جميل، وجه وقوام وأناقة، كانت تلبس بنطالا أسودا تعلوه بلوزة بيضاء من الدانتيل، وضعت لمسات خفيفة من الميك اب، جعلت من شفتيها كرزتين، وكان الكحل الأسود كشطين حول عينيها الزرقاوين , نقَّلت خطواتها برشاقة وخفة، عشت أحلم بهذا الوجه الجميل وهذا القوام الرشيق ونظرات الإعجاب تغشاني، وعبارات الغزل تمطرني، يا لتلك الفتيات الكاذبات حينما يحكين عن المعاكسات التي يتعرضن لها، أكاد أنفجر فيهن حينما يعلقن عليها باستياء، أعرف أنهن في غاية السعادة وأن حكيهن نوع من المباهاة، والتوثيق لجمالهن، لم يجربن نظرات النفور بل الشفقة التي كنت أراها في أعين الناس حتى حماني منها النقاب وسترني، هل أنسى أول يوم قدمت فيه إلى هذه المؤسسة وقد امتلأ قلبي بالسعادة أن أخيرا وفقت لعمل؟، وقفت أمام المدير العام وبجرأة وعفوية قدمت أوراقي، توقف قلمه عن التوقيع و رفع عينيه ينظر إلي ثم وضعهما في الأوراق، وقال وهو ممتعض:
ربما لن يعجبك العمل هنا فالدوام عندنا طويل والعمل مرهق، لو أحببت أن أساعدك في الانتقال لمكان آخر أفعل الآن،
وكأنه أخرج عصى التحدي المسندة بداخلي فقلت له:
بل يسعدني العمل معكم ولو كان مرهقا، فوقّع وهو يزوم، تفوقت في عملي على زملائي وأجدته لكن مهما بلغت إجادتي لم أنل حظوة من أي من المديرين الذين تعاقبوا على هذه المؤسسة، وهكذا كل من تفتقد إلي الوسامة.
استدعت شئون العاملين إيهاب لكونه رئيس القسم، عاد ومعه ورقة ناولها لرامي وتهامسا، شعرت أن هذه الورقة لها علاقة بي، ربما الترقية التي انتظرتها ، وهما يتهامسان للاتفاق على ( حلاوة الترقية التي وعدتهما بها ) أو لعلها الدورة التدريبية التي أدرج اسمي بها، سألته وكلي تشوف لأعرف ( أستاذ إيهاب: ما هذه الورقة؟ ) ناولها لي بنظرة حيادية لم أفهم منها شيئا، قرأتُ... منشور معمم على كافة الإدارات يمنع منعا باتا ارتداء النقاب لموظفات المؤسسة في فترة العمل .

2
➤خالتي فريدة.. قصة قصيرة

ةخالتي فريدة امرأة في الخمسين من عمرها، وصفها كاسمها، فهي بين نساء الحي فريدة، أكثر ما يميز خالتنا فريدة هو نصفها الأسفل المفرط في السمنة فردفاها وفخذاها شديدا الامتلاء، نصفها الأعلى كأنه لامرأة رشيقة جدا، لها خصر يدهشك حين تراه، وجهها دسم مستريح، ملامحها دقيقة، عيونها صغيرة سكنت فيهما الطيبة والوداعة، يخرج من شفتيها الرقيقتين أجمل صوت وأنعمه، كان لا يحلو لنا اللعب في الإجازة الصيفية إلا أمام منزلها، فقد كان يقع في عطفة هادئة متفرعة من شارعنا الكبير، نقسمها بيننا وبين الأولاد، لهم أول العطفة من ناحية الشارع ولنا آخرها من ناحيتها المسدودة، لعبتهم أيضا غير لعبتنا، كانت لعبتهم المفضلة (الأحقاق) كما كنا نطلق عليها فيجمعون أغطية زجاجات الكوكاكولا بالمئات ويختارون منها واحدا يملؤونه بالرصاص السائل حتي يجمد فإن لم يجدوا ملأوه بالزفت الأسود أو الطين وهذان خفيفان لا يقويان على خلع الأغطية من الأرض التي غرسوها فيها، ولأن الصرف الصحي لم يكن قد دخل قريتنا بعد وكانت النساء يغسلن على أيديهن ويتخلصن من الماء بإلقائه في الشارع مما يجعل الأرض رطبة تناسب هذه اللعبة، ويقف من عليه الدور على بعد مترين من الأغطية المغروسة في الأرض من جانبها ويمسك (بالطساس) الرصاص أو الطين ويقذف به بتركيز شديد فما كفأه منها فهو له، وكلما كان ماهرا في التصويب وجمع مئات الأغطية عمل تاجرا لها، فيأتيه الأولاد الأصغر أو الأقل مهارة فيشترون منه العشرين بقرش وكان أشهر تجار هذه الأغطية في شارعنا، هو محمد سعيد ابن خالتي بدرية، كنا نرى أثر هذه النعمة عليه في نهاية الإجازة الصيفية فيدفع المصروفات المدرسية كاملة ويشتري ملابس العام الجديد وحقيبته ولا يتردد في شراء الكتب الخارجية مثلنا وقد كان لهذه الأغطية مهمة أخرى، فكان بعض الأولاد ينظمونها في أستك بعد تثقيبها ويصنعون منها عجلة يدفعها الواحد منهم بعصا في يده، وكان صانعها هو جلال زكي ابن خالتي فريدة وهو أيضا متخصص ملء الأغطية بالرصاص، وكان كمحمد سعيد في ثرائه وإنفاقه، أما لعبنا نحن البنات الصغيرات فكان أبسط من ذلك بكثير، كنا نرسم على الأرض بالطباشير مربعا كبيرا نقسمه إلى ستة مربعات ثم نأتي بعلبة ورنيش فارغة نملأها بالزفت الأسود أو الطين ونحكم غلقها جيدا ونحجل بها في هذه المربعات الست حتى نخرج منها جميعا دون أن تلمس قدمنا أيا من الخطوط، تعودنا أن نرى الخالة فريدة جالسة على سلم بيتها تتابع لعبنا لا نعرف تحديدا متى أصبحت حكما دائما في لعبتنا، فعندما نختلف على من لمست بقدمها الخط وتحلف نبيلة أنها ما لمسته وأصر أنا أنها لمسته وتهدد نادية بالانسحاب من اللعبة، هنا تتدخل الخالة فريدة بلهجة آمرة ......
نبيلة ... اخرجي من اللعب رأيت قدمك وهي على الخط
فتنصاع نبيلة دون كلام وتترك الدور لي أو لنادية ويعود للعب انضباطه، إذا أصابنا العطش دخلنا إلى زير خالتي فريدة، وإذا احتجنا إلى دورة المياه استعملنا دورة خالتي فريدة فقد شجعتنا سماحتها على ذلك، كانت لا تدخل بيتها إلا للصلاة أو الطعام أو لنيل بعض القيلولة فقد كفتها ابنتها سميرة مهمة تدبير شئون المنزل، تزوجت أخواتها الثلاث في مدن بعيدة وتأخرت هي في الزواج
أحيانا كانت تنادينا خالتي فريدة : بنات تعالوا ألعب معكم (الإيلان) وهذه اللعبة كانت بالأيدي بخلاف الحجلة التي كانت بالقدم وهي عبارة عن خمس قطع من الخزف صغيرة ومستديرة كأنها القرش نلعب بها على الأرض وعلى ظهر أيدينا وكانت الخالة فريدة محترفة في كليهما لكنها كانت تتعمد أن تخسر اللعب من أجلنا إذا رأت على وجوهنا انكسار الهزيمة، لم يكن ما يشدنا للعب هو الشغف بهذه اللعبة فقط ولكن الأشد سحرا هو صوتها مترف النغمة والذي يحرك في الروح أشجانا، كانت تترنم به وهي تلعب معنا، ظلت معي هذه الأغنيات بصوتها يتردد داخلي دائما ( هان الود ، يا قريب وبعيد ، امتى هتعرف امتى؟ ) ومن هنا تكونت ذائقتي الراقية للسماع، كثيرا ما كنا نوقف اللعب كي نسمعها ونظل في هذه المتعة والسعادة حتى نسمع نحنحة عم زكي في أول العطفة، فتجري كل واحدة منا إلى حذائها فتحمله في يدها ولا تتوقف عن الهرولة إلا في بيتها فتقابلني أمي وأنا ألهث قائلة:
عمكم زكي كبسكم ؟!
كانت أعمارنا حينها لا تزيد عن الثمان سنوات فقد كنت أنا ونادية ونبيلة من نفس الشارع وفي نفس المدرسة ونفس الفصل، لم نكن نحن فقط من تعلقت عقولنا وقلوبنا بالخالة فريدة ولكن أمهاتنا أيضا، فقد كانت لهن وما زالت كما هي لنا، كانت أما لنساء شارعنا تحمل قلب فنانة وعقل حكيم ورصانته في السلوك فبرغم تماهيها مع الأطفال وحبها لهم كانت قليلة الكلام جدا وإن تكلمت فعندها ما يُنصت إليه، كان هناك دائما سؤال يحيرني، كيف لهذه الفنانة الوديعة الراقية أن يكون زوجها عم زكي هذا العابس دائما والساخط أبدا؟
لم يكن الصوت الجميل هو موهبة خالتي فريدة فقط ولكنها كانت أيضا مبدعة في فنون الكروشيه والتريكو رأيت علي عم زكي أجمل الكوفيات من صنع يديها وعلى جلال ابنها أفخم الكانزات لما بدأت في صنع شال لابنتها سميرة جمعتنا أنا ونادية ونبيلة وعلمتنا كيف نصنع الغرزة الأولى حتى امتلكنا هذا الفن بعد ذلك وليس هذا فقط آخر مواهبها، فقد كانت لها موهبة أخرى تسلب الألباب وتطلق العنان للخيال، كانت قدرتها الفائقة على الحكي والسرد، فهي حكَّاءةٌ بارعة، قالت لنا يوما:
يا بنات إذا أذن المغرب وخرج عمكم زكي لمقهاه تعالين أحكي لكن حواديت!
ضج قلبي بالفرحة وقلت لها:
صحيح يا خالتي ستحكين لنا حكايات
وقالت نادية وهي تضحك:
الله يا خالتي فريدة ستحكي لنا كما حكيتِ لأمهاتنا من قبل ؟
ابتسمت الخالة فريدة ابتسامتها الوادعة وقالت:
سقى الله تلك الأيام التي كانت تجمعنا فقد كنَّ يجتمعن عندي فنملأها بالحكايات وندفئها بالحب، وهنا انطلقت نبيلة كالصاروخ:
وأين كان عم زكي فلو رآهم لطردهم،
سُرقت البسمة من على فمها وقالت:
كان يعمل في العراق حينها،
خرجنا من عندها وقد تشابكت أيدينا وأخذنا الشارع جريا حتي منازلنا المتلاصقة ونحن نصيح بصوت واحد:
خالتي فريدة هتحكي لنا حكايات .. خالتي فريدة هتحكي لنا حكايات، كان أجمل ما في ابنتها سميرة تفهمها لسعادة أمها بهذا العطاء، فكانت تبش في وجوهنا إذا قدمنا وتجلس معنا تستمع لصوتها الآسر في الغناء وأسلوبها الذي يشبه كثيرا شهرزاد في ألف ليلة وليلة ولم تكن سميرة تبخل علينا بما عندها من حلوى أو فاكهة وإن لم تجد فربما صنعت لنا شايا أو حلبة، ظللنا مع خالتي فريدة هكذا لسنوات حتى كنا في المرحلة الإعدادية وفي ليلة من الليالي ونحن نتحلق حولها إذ دخل علينا عم زكي ونحن في حالة استماع عجيبة فلم نشعر إلا بكرباجه يلسعنا على أرجلنا فهرولنا إلى الشارع ولم تعد تلك الليالي مرة أخرى لكن الخالة فريدة ظلت تسكننا، وعندما كبرت أجابت أمي على سؤالي الحائر أن عم زكي أجبر خالتي فريدة على بيع أرضها التي ورثتها عن أبيها وبددها على السيارات تبديلا وتغييرا وعلي الحشيش الذي يتعاطاه كل يوم مع زملائه السائقين، ولأنها أصيلة ومن بيت كريم حافظت على بيتها وتجملت بهذا الصبر الطويل الذي قابلت به سوء عشرته وخصامه لها الذي كان يطول لسنة أو ستة أشهر لا يكلمها فيها أبدا
لكن تولد لدي سؤال آخر كيف استطاعت خالتي فريدة المحافظة على هدوئها النفسي وعدم التفريط في لحظاتها السعيدة التي كانت تقضيها معنا ومع من قبلنا ومن جاؤوا بعدنا ... يا لها من فريدة
انسالت عليَّ هذه الذكريات وأنا أجلس أنا ونبيلة ونادية أمام الخالة فريدة، حاولنا أن نذكرها بنا فلم تذكرنا، ابتسمت لنا ابتسامة هتماء، لم تعد تعرف إلا سميرة ابنتها التي عادت لها بعد أن ترملت، انطفأت العيون المشرقة وانكمش الجسد الغض حتي كأنه جسد طفلة في العاشرة، أين العيون المشعة بالحنان؟ لم يبق منها إلا حملقة مذهولة، تبا للسنين التي تسلبنا أجمل ما فينا وتشعل النار في حياتنا فتخلفها رمادا، كان شوقنا لزيارة خالتنا فريدة عارما بعدما فرقتنا الأماكن والسنون، لكننا لم نجد الخالة فريدة.

3
➤ المقعد الدوار.. قصة قصيرة

حالا يا سعيد بك، ثواني ويكون الشاي أمام حضرتك على المكتب يحب الشاي مضبوط سكر وشاي، قبله محسن بك كان يفضله خفيف تسكر خفيف شاي، وقبله كان محمدين بك يطلب مني الشاي بدون سكر تماما، فقد كان مريضا بالسكر، فلأحمله له فسعيد بك روحه في أنفه، لو تأخرت ثانية أخرى فربما دخل علي هنا في غرفة الشاي وطيرني بصوته الذي يشبه الصواعق: الشاي يا سعيد بك، أي أوامر أخرى؟، نحن في إجازة الصيف وإجازات الإعارات للمعلمين مكدسة في المكتب تنتظرني حتى أنهيها وهو يستدير على مقعده الدوار بجسده الممتلئ، تفضل يا جاد، كن رهن ندائي، ربما أحتاج منك إلى شيء، تحت أمرك يا افندم عدت لمكتبي وأنا أفكر في كلمات زميلتي سناء التي رشقتني بها أمس لما رفضت أن أحمل ملفاتها للمديرية وأعود بها موقعة من وكيل الوزارة قالت لي بقسوة وتشفٍ حين نادى عليَّ المدير: ترضي لنفسك أن تقوم بعمل عامل (البوفيه) في غيابه، للمدير ولكل ضيوف مكتبه، قهوة يا جاد شاي يا جاد، وتتسوق له يوميا ولكل من سبق من مديرين، أما قضاء مصلحة محترمة من صميم عملنا؛ تتأبى علينا وتتحجج بالانشغال!! كيف أقول لك إن هذه الطاعة هي التي أبقتني هنا لم أُنقل لمكان يبعد عن بيتي، هذه الطاعة هي التي تجعل المديرين على كثرة تبدلهم وتغيرهم يقربونني منهم، يا سناء يا أختي أنا بطاعتي هذه للبهوات الذين يتغيرون ويتبدلون؛ إما بالمعاش وإما بالنقل أو بالموت وربما أيضا بعد تحقيق واتهام بالفساد، كلهم لا يثقون إلا في جاد، أنا من أذهب لسيارتهم بالمشتريات وأضعها فيها، وأنا أيضا من يسمحون له بالبقاء في المكتب إذا أغلق عليهم وعلى من جاء بوساطة لنقل هذا أو إعادة تلك لعمله أو عملها ، أو هذا الذي جاء بطلب استثناء ما، أو الذي يأتي ليشي بزملائه ويفتري عليهم، أنا بئر هذه الأسرار لطابور طويل من البهوات )الذين حلوا ثم رحلوا وسيأتي غيرهم وسأبقي أنا أقدم الشاي وأدس المشتريات في السيارات، وأرتب لأصحاب الشفاعات والوساطات؛ اتركيني يا سناء لحالي، فجاد سعادات كما كان يناديني أولاد حارتنا زمان، أنا المنسوب لاسم أمي سعادات بائعة العسلية ، لم يكن يحلم بأكثر مما هو فيه الآن.
سناء وهي تضحك وتسألني : جاد ابنك إياد هل قُبل في الوظيفة الجديدة التي أعلنت عنها شركة مياه الشرب؟
أفاقتني ضحكتها التي عقبت بها سؤالها من أفكاري التي حامت في عقلي وأنا أملأ طلب الإجازة، وقلت لها ماذا تقولين يا سناء؟
قالت كنت أسألك : ابنك إياد هل قبل في الوظيفة الجديدة التي أعلنت عنها شركة مياه الشرب؟
نظرت إليها بتحد فأنا أعرف مغزى سؤالها وقلت: نعم، ربنا يبارك لنا في سعيد بك.
وجاء صوته راعدا جعلها تنكمش في مقعدها وهو يقول: القهوة يا جاد
ثواني يا سعيد بك، تكون القهوة المضبوط فوق مكتبك.
-
*وداد معروف 

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

  • فيلم (كال وكمبريدج).. هموم الجيل الثاني من المغتربين العراقيين
  • ⏪⏬ا: (اختبار سياقة) عام 1991 و (ساعتا تأخير) 2001 و (عينان مفتوحتان على ... اكمل القراءة
  • المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي
  • ⏪⏬صدرت للكاتب والشاعر والرسام أحمد إبراهيم الدسوقي.. ثلاثة مسرحيات.. هم ... اكمل القراءة
  • فيلم "بين الجنة والأرض" يختتم عروض "أيام فلسطين السينمائية"
  • ✋✋اختتم مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، دورته السابعة والاستثنائية بالفيلم ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة جدا

  • عناد | قصص قصيرة جدا ...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪اشاعاتاقتنع بمقولة أن وراء كل عظيم امراة.. تزوج أربعة.. وضعوه فى مستشفى ... اكمل القراءة
  • حنين | قصص قصيرة جدا...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪تعليماتنزل القبر.. استقبلوه بالترحيب.. طلبوا منه أربعة صور وشهادة وفاته لضمه ... اكمل القراءة
  • الحسناءوالحصان | قصة قصيرة جدا ...*رائد العمري
  • ⏪⏬في الاسطبل كان يصهلُ كعاشقٍ أضناه الاشتياق، هي لم تكن تفهم صهيله جيدا، جاءت ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة

  • ابن جلَّا | قصة قصيرة ...*حسان الجودي
  • ⏪⏬رفضت بعض خلايا الدماغ المشاركة في عملية التفكير التي همَّ بها ابن جلاّ .فقد ... اكمل القراءة
  • أطول مما يتخيل العمر | قصة فصيرة..!.. * عبده حقي
  • ⏪⏬فجأة وجد رأسه معلقا بحبل بين أغصان الشجرة وعيناه جاحظتان إلى السماء .كان جسده ... اكمل القراءة
  • مسافر في الليل | قصة قصيرة ...*على السيد محمد حزين
  • ⏪⏬ارتدى آخر قطار متجه إلي القاهرة , حشر نفسه وسط الكتل البشرية المعتركة الأجسام ... اكمل القراءة

    قراءات أدبية

  • قراءة لنص "ميلاد تحت الطاولة" ...* لـ حيدر غراس ...*عبير صفوت حيدر غراس
  • "الدارسة المعمقة والجزيلة للأديبة الكبيرة (عبير صفوت) لنص ميلاد تحت ... اكمل القراءة
  • الرواية التاريخية في الأدب الفلسطيني ...*جواد لؤي العقاد
  • رإن أفخم وأهم الرويات في الأدب العربي تلك التي تقدم لنا معلومات تاريخية موثوقة ... اكمل القراءة
  • الأهازيج الشعبية في رواية “ظلال القطمون” لإبراهيم السعافين
  • *د. مخلد شاكر تدور أحداث رواية “ظلال القطمون” حول الأدب الفلسطيني, وحول ... اكمل القراءة

    أدب عالمي

  • إعتذار .. مسرحية قصيرة : وودي آلان - Woody Allen: My Opology
  • ترجمة:د.إقبال محمدعلي*"من بين مشاهير الرجال الذين خلدهم التاريخ،كان "سقراط" هو ... اكمل القراءة
  • الأسطورة والتنوير ...* فريدريك دولان ..*ترجمة: د.رحيم محمد الساعدي
  • ⏪⏬الأسطورة هي بالفعل )تنوير( لأن الأسطورة والتنوير لديهما شيئا مشتركا هو الرغبة ... اكمل القراءة
  • أدب عالمي | الموت يَدُق الباب.. مسرحية لـ وودي آلان
  • ⏪بقلم: وودي آلان،1968⏪ترجمة: د.إقبال محمدعلي(تجري أحداث المسرحية في غرفة نوم ... اكمل القراءة

    كتاب للقراءة

  • صدر كتاب "الفُصحى والعامية والإبداع الشعبي" ...*د.مصطفى عطية جمعة
  •  ⏪⏬عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة ؛ صدر كتاب « الفُصحى والعامية ... اكمل القراءة
  • رواية"أنا من الديار المُقدَّسة والغربة" للأديب المقدسي جميل السلحوت
  • *نمر القدومي:صدرت رواية الفتيات والفتيان “أنا من الديار المقدسة” للأديب المقدسي ... اكمل القراءة
  • صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- الجزء الثاني”
  • * للباحث “حسين سرمك حسن”صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- ... اكمل القراءة

    الأعلى مشاهدة

    دروب المبدعين

    Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...