اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

امرأة غير معقولة | قصة قصيرة ...*تغريد فياض

⏪⏬
يراقبونها يوميًا كلما نزلوا للَّعِب في الساحة الخلفيَّة للعمارة, يمشون بهدوء ليتأكدوا أنها ليست في البلكونة, حتى لا تطردهم، كانت
تلفِتُ نظرهم جدًا بتجهُّمِها الدائم, وصوتها الرخيم الهادئ, هى، الحاجَّة "مريم"، لا تحتاج كي تُبعدهم غير أن تتوقَّف عن قراءة الكتاب الذي في يدها، وهى جالسة في بلكونة شقتها بالطابق الأرضي من العمارة, وتُحِدِّق فيهم بعبوس ثم تنهرهم بكلمة واحدة: "معقول!", عندها يسارع الولدان والبنت بالهرب، ويتوقف لعبهم فى الساحة القريبة منها.

كان جميع الأولاد في العمارة, حتى الأمهات يخافون الحاجَّة “مريم”، وحَزْمِها في التعامل مع الجميع، هى وحيدة أغلب الوقت، فزوجها يعمل فى مكان بعيد ربما، أو يضطره عمل للسفر، ولا يقضى معها غير أيام قليلة على فترات متباعدة.

نَسَجَ الجميع حولها الحكايات والقصص الخياليَّة, وحصلَتْ على ألقاب كثيرة، من بينها ” دراكيولا”، أطلقه عليها صديقنا “رضا”، الصبىّ الأكبر فى مجموعتنا الثلاثيَّة, وكان يسكن بالطابق الأول فوق شقتها تمامًا. اخترع “رضا” حولها قصصًا مرعبة, وأكَّد لنا أنها حقيقية، فهو يضع أذنه على أرضيَّة منزله ليتصنَّتَ عليها، وكثيرًا ما سمِعَ صراخ أولاد تُعذِّبهم، أو تأكلهم أحيانًا. تنخلعُ منّى روحي وأسأله: “تأكلهم؟”، فيؤكِّد لى بعينَين مرعوبتين: “نعم تأكلهم، أسمع صراخهم بنفسى، وأسنانها وهى تُقطِّع لحمهم”.

كنا نصدِّقه، أنا البنت، التى لم تتجاوز الثانية عشرة، وتحب القراءة، ويمكنها بسهولة أن تتخيَّل منظر الحاجَّة “مريم” وهى تأكل الأولاد، ومعي الولد الثانى، “عبد الله”، ابن الثالثة عشرة، الذى يُرحِّبُ بتصديق كل القصص الخياليَّة عن السيدة المتجهِّمَة، التي تطردنا بعيدًا عن ساحة اللعب، بنظرتها، وكلمتها الوحيدة: “معقول!”.

لكن أكثر ما كان يثير دهشتنا أنَّ الحاجَّة “مريم” لديها قطة فارسية جميلة جدًا، ورقيقة, فكيف تستطيع تلك القطة الرقيقة أن تعيش مع هذه “الدراكيولا”؟ الأغرب من ذلك، أنَّ “الدراكيولا” كانت تُدلِّلها, رأيناها من خلف باب البلكونة شبه المفتوح أغلب الوقت، وهى، لا أصدق عينيّ، نعم، تُدَلِّل قطتها.

حاول “رضا” أن يُغرينا بمحاولة التسلُّل إلى شقة الحاجة “مريم” من البلكونة, الأمر سهل، فهى تسكن الطابق الأرضى، يمكننا الوصول إليه، لا نحتاج غير أن يكون باب البلكونة مفتوحًا، وعندها يمكننا التعرُّف على أسرار “وحش العمارة” كما أسماها “عبدالله”، الولد الثاني في المجموعة الثلاثيَّة، لكن أنا، وبالمناسبة، اسمى “سوسن”، لم أُطْلِق عليها أىّ اسم، حتى الآن على الأقل.

اتفقنا على مراقبة الحاجَّة “مريم” وباب بلكونتها، وزَّعْنا أوقات المراقبة بيننا، وعندما تحين الفرصة، يُطلِقُ صاحب نوبة المراقبة صافرة معينَّة، نستخدمها فى استدعاء بعضنا بعضًا، ونتسلَّلُ إلى مخبأ “الوحش” مثلما يقول صديقىّ عنها.

وفى أحد الأيام سمِعْتُ الصافرة من نافذة شقتى بالطابق الثالث, ورأيتُ “رضا” و”عبد الله” يشيران إلىّ بالنزول، نزلْتُ على الفور، وفى الساحة الخلفيَّة للعمارة، عند الطابق الأرضى، شقة الحاجَّة “مريم”، أخبرنى “رضا” أنهما يراقبان الشقة منذ ساعتين، ولم يريا أثرًا للوحش، كما أن باب البلكونة مفتوح، والقطة المُدَلَّلَة لم تظهر، حتى أنهما اقتربا من سور البلكونة، ورأيا تلك الغرفة، التى ربما تكون غرفة نومها، مظلمة، والآن، هذه فرصتنا للتسلُّل, الحاجَّة “مريم” غير موجودة في الشقة.

اقتربَ الثلاثة من سور البلكونة، وساعدوا بعضهم بعضًا في تسلُّقه, حتى صاروا داخل البلكونة, لكن الخوف جعلهم ينتظرون قليلاً بمكانهم، ثم تسلَّلَ “رضا” إلى الشقة، وتَبِعَه “عبدالله”، و”سوسن”، وجدوا أنفسهم في صالة كبيرة تحتوي على مكتبة ضخمة تحتل ثلاثة جدران من الصالة, وهناك تماثيل أفريقية وهندية لأشخاص، وحيوانات وطيور مختلفة الأحجام والألوان، منتشرة في كل أركان القاعة على حوامل وطاولات, لوحات رائعة عجيبة، كبيرة، وصغيرة, نباتات وزهور صناعية متناثرة هنا وهناك، أحسَّ الأولاد بالذهول، كأنهم دخلوا عوالم ألف ليلة وليلة، التى قرأوا بعضها.

استلقَتْ “سوسن” على إحدى الأرائك الوثيرة, وأخذَتْ تتأمَّل المكتبة الضخمة بأرففها التي تحتضن كل أنواع الكتب, وأحسَّتْ كأنها في الجنة, فهذا ما كانت تحلم به كل الوقت, أن تعيش قرب مكتبة وتماثيل ولوحات بهذا الجمال, القراءة كانت حبها الكبير, اعتقدَتْ وهي تنظر بعينين حالمتَين أنها لن تحتاج لأىّ مكان آخر في العالم.

لكنى استيقظْتُ من أحلامى سريعًا على صوت أعرفه جيدًا, صوت الحاجة “مريم”، كانت تُمسِكُ بى، وفى اللحظة نفسها كان “رضا”، و”عبد الله” يهربان من البلكونة.

“كيف تجرأتم على التسلُّل إلى بيتي؟ وما الذي كنتم تُخطِّطون له أيها الأشقياء؟ لقد غدَرَ بكِ أصدقاؤك أيتها الشقيَّة, وهربوا”، قالت لى “الحاجة “مريم”، تعلثَمْتُ أنا وبدأتُ بالبكاء, تأسفَّتُ لها، و…، لا أعرف، فلم أتوقَّع ذلك، على الأقلّ ليس بهذه السرعة، تغيَّرتْ ملامح الحاجة “مريم”، صارت طيِّبَة، قالت لى بصوت به وعد وتحذير: “كُفّى عن البكاء، وأخبريني فقط ماذا كنتم تريدون, وسوف أسامحك وأدعكِ تذهبين, هذا وعد”، لم أتخلَّص من خوفى كله بعد، غالَبْتُ دموعها وبدأتُ أُتمتمُ بصوت باك: “كنا.. كنا نريد أن نعرف كيف يكون شكل البيت الذي تسكنينه, لأنك لوحدك أغلب الوقت, ولم يدخل أىّ شخص من العمارة أبدًا إلى منزلك ولو مرة واحدة، أنا آسفة، هذا ليس من حقِّنا, لكن الفضول قتلنا لنعرف عنك كل شيء, خصوصًا أننا نخاف منك كثيرًا”، مسَحْتُ حفنة كبيرة من دموعى وقلت: “أنا قلت الحقيقة، لأنكِ وعدتني أن تسامحيني وتتركينى أذهب”، وفاجأتنى الحاجة “مريم” مرة أخرى وهى تقول لى بصوت حنون: “لا تخافي يا صغيرة, سأدعكِ تذهبين, ولكن يجب أن أُكرمك أولاً بسبب صراحتك الكبيرة معي, ولسببٍ آخر أيضًا”، صدَّقتُها، واطمأنَنْتُ لها، قلت: “ما هو حاجة مريم؟ في الحقيقة أحسُّ وكأني أتكلم مع شخص آخر, لأنني أول مرة أسمع صوتكِ بهذه الرقة والجمال”، قالت الحاجة “مريم”: “رأيتك كيف كنت تنظرين إلى الكتب بحب وطريقة لم أرها في طفل، أو حتى شخص أعرفه، كما أنني لاحظتُك أغلب الأوقات وأنت جالسة فى ركن من الساحة وبيدك كتاب تقرأين فيه، أنتِ فتاة مميزة”، قالتها الحاجة “مريم” وابتسمَتْ، وكانت ابتسامتها جميلة، لماذا تُخبِّئ كل هذا الجمال، فرِحْتُ وابتسمْتُ لها، قلت: “هذا صحيح، أنا أعشق القراءة, لكني لا أجد كتبًا لأقرأها مثلما أتمنى”، قالت الحاجة “مريم”: “سأعطيكِ كتاب كل إسبوع لتقرأيه، وعندما تُعيدينه إلىّ نتناقش فيه معًا، وفى نهاية كل شهر أعطيك كتابًا هدية منى، اتفقنا؟”، ردَدْتُ بسعادة: “اتفقنا”، قالت الحاجة “مريم”: “والآن، قبل أن تذهبى، سنبدأ صداقتنا بتناول الحلوى التي أعدَدْتُها اليوم بنفسى, وفي كل إسبوع سوف أُعدُّ لك حلوى جديدة وأختار كتابًا جديدًا لتقرأيه”، مسَحَتْ الحاجة “مريم” على رأسى، وابتسَمَتْ ابتسامتها الجميلة وقالت: “سوف نصبح صديقتين، يا سوسن”، ابتسَمْتُ وقلت: “أنتِ تعرفين اسمى أيضًا”، قالت: “طبعًا، وسأعرف عنك وتعرفين عنى أشياء أخرى فى المرات القادمة”، نظرْتُ فى عينيها بعمق وقلت: “غير معقول! أنتِ امرأة مذهلة حاجة “مريم”، أكاد لا أصدِّق أنك أنتِ نفسك مَنْ كنا نهرب منك عندما تقولين لنا كلمتك الوحيدة: معقول!”.

ضحكَتْ الحاجة “مريم”، وقالت كلمتها الأثيرة من جديد، لكن بطريقة مختلفة هذه المرة: “معقول!”.

*تغريد فياض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*شاعرة وكاتبة ومترجمة لبنانية -ولدت بالكويت مؤسسة ورئيسة صالون تغريد فياض الثقافي اللبناني في القاهرة صدر لها: 1- قلب على سفر -2006 2- هل من مرافيء -2009 3- لأحلامها قوس قزح -2014 - تحت الطبع: 1- قصص عالقة في الهواءـ قصص 2- ميناء أخير لطائر العنقاءـ شعر 3- سندبادة ـ رواية

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

  • فيلم (كال وكمبريدج).. هموم الجيل الثاني من المغتربين العراقيين
  • ⏪⏬ا: (اختبار سياقة) عام 1991 و (ساعتا تأخير) 2001 و (عينان مفتوحتان على ... اكمل القراءة
  • المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي
  • ⏪⏬صدرت للكاتب والشاعر والرسام أحمد إبراهيم الدسوقي.. ثلاثة مسرحيات.. هم ... اكمل القراءة
  • فيلم "بين الجنة والأرض" يختتم عروض "أيام فلسطين السينمائية"
  • ✋✋اختتم مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"، دورته السابعة والاستثنائية بالفيلم ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة جدا

  • عناد | قصص قصيرة جدا ...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪اشاعاتاقتنع بمقولة أن وراء كل عظيم امراة.. تزوج أربعة.. وضعوه فى مستشفى ... اكمل القراءة
  • حنين | قصص قصيرة جدا...*على حسن بغداى
  • ⏬⏪تعليماتنزل القبر.. استقبلوه بالترحيب.. طلبوا منه أربعة صور وشهادة وفاته لضمه ... اكمل القراءة
  • الحسناءوالحصان | قصة قصيرة جدا ...*رائد العمري
  • ⏪⏬في الاسطبل كان يصهلُ كعاشقٍ أضناه الاشتياق، هي لم تكن تفهم صهيله جيدا، جاءت ... اكمل القراءة

    قصص قصيرة

  • ابن جلَّا | قصة قصيرة ...*حسان الجودي
  • ⏪⏬رفضت بعض خلايا الدماغ المشاركة في عملية التفكير التي همَّ بها ابن جلاّ .فقد ... اكمل القراءة
  • أطول مما يتخيل العمر | قصة فصيرة..!.. * عبده حقي
  • ⏪⏬فجأة وجد رأسه معلقا بحبل بين أغصان الشجرة وعيناه جاحظتان إلى السماء .كان جسده ... اكمل القراءة
  • مسافر في الليل | قصة قصيرة ...*على السيد محمد حزين
  • ⏪⏬ارتدى آخر قطار متجه إلي القاهرة , حشر نفسه وسط الكتل البشرية المعتركة الأجسام ... اكمل القراءة

    قراءات أدبية

  • قراءة لنص "ميلاد تحت الطاولة" ...* لـ حيدر غراس ...*عبير صفوت حيدر غراس
  • "الدارسة المعمقة والجزيلة للأديبة الكبيرة (عبير صفوت) لنص ميلاد تحت ... اكمل القراءة
  • الرواية التاريخية في الأدب الفلسطيني ...*جواد لؤي العقاد
  • رإن أفخم وأهم الرويات في الأدب العربي تلك التي تقدم لنا معلومات تاريخية موثوقة ... اكمل القراءة
  • الأهازيج الشعبية في رواية “ظلال القطمون” لإبراهيم السعافين
  • *د. مخلد شاكر تدور أحداث رواية “ظلال القطمون” حول الأدب الفلسطيني, وحول ... اكمل القراءة

    أدب عالمي

  • إعتذار .. مسرحية قصيرة : وودي آلان - Woody Allen: My Opology
  • ترجمة:د.إقبال محمدعلي*"من بين مشاهير الرجال الذين خلدهم التاريخ،كان "سقراط" هو ... اكمل القراءة
  • الأسطورة والتنوير ...* فريدريك دولان ..*ترجمة: د.رحيم محمد الساعدي
  • ⏪⏬الأسطورة هي بالفعل )تنوير( لأن الأسطورة والتنوير لديهما شيئا مشتركا هو الرغبة ... اكمل القراءة
  • أدب عالمي | الموت يَدُق الباب.. مسرحية لـ وودي آلان
  • ⏪بقلم: وودي آلان،1968⏪ترجمة: د.إقبال محمدعلي(تجري أحداث المسرحية في غرفة نوم ... اكمل القراءة

    كتاب للقراءة

  • صدر كتاب "الفُصحى والعامية والإبداع الشعبي" ...*د.مصطفى عطية جمعة
  •  ⏪⏬عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة ؛ صدر كتاب « الفُصحى والعامية ... اكمل القراءة
  • رواية"أنا من الديار المُقدَّسة والغربة" للأديب المقدسي جميل السلحوت
  • *نمر القدومي:صدرت رواية الفتيات والفتيان “أنا من الديار المقدسة” للأديب المقدسي ... اكمل القراءة
  • صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- الجزء الثاني”
  • * للباحث “حسين سرمك حسن”صدور كتاب “أمريكا وجرائم استخدام أسلحة الدمار الشامل- ... اكمل القراءة

    الأعلى مشاهدة

    دروب المبدعين

    Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...