غزة – خاص – روا
عثرات الحياة صنعت منه شاعرا رغم رحيله باكرا
عن مقاعد الدراسة ، ليكتب على جدران مهنته
قصائده التي ولدت من رحم شمس آذار ونيسان ،
وشمس تموز اللهاب ، ليكتب للوطن وللأجيال قصة
شاعر حفت حياته بألوان قوس قزح السبع ، عصامه
وصدقه دفع لأجلهما الكثير ليحافظ على صفاء
كلماته ونقاء جوهره و أصالة معدنه ، أحب وطنه
فرأى كل ما فيه جميل رغم الوجع والترحال بين
نكباته وأحلامه اللا منتهية ، فامتزج بقلبه عشق
الوطن والحرية ، لم تقتصر كتاباته للوطن بل للجار
والصديق القريب والبعيد ، ليكون كما يحب أن
يكون .
إنه شاعر المطرقة والعجان ، شاعر التجوال
والترحال ، ابن الباب الشامية الحلبية ، الشاعر
السوري الأصل العربي القومي النسب " مصطفى
الحاج حسين " ، فكان لنا معه شرف اللقاء والحوار
رغم الحدود والأسلاك.
نص الحوار :
** - حدثنا عن نفسك ؟.
أنا مصطفى الحاج حسين ، من مدينة الباب التابعة
لمحافظة حلب ، عشت طفولتي في البلدة ، وفي
بداية سن المراهقة ، انتقلت عائلتنا إلى حلب .
حرمت من متابعة الدراسة قبل أن أكمل المرحلة
الإبتدائية ، وعملت مع والدي في مهنة البناء الشاقة
لسنوات عديدة ، وتعلّمت منه صنعة العمارة .. لم
أكن أحب هذه المهنة بسبب صعوبتها ، لكنني كنت
أحترم المهنة وأدرك قيمتها .. ولم أستطع التحرر
منها إلّا بعد أن سرّحت من خدمة العلم ، لأنّ والدي
كان يفرض عليّ العمل معه ، وحين كنت أتركه ،
كان غضبه يطال العائلة بأكملها . توظّفت في
المؤسسة العامة للمخابز ، كأمين مستودع إنتاج في
مخبز آلي ، ولأنّ المدير يعرفني ويعرف أنّي أكتب
الشعر ، كلّفني بذلك .. لأنّي لا يحق لي هذا المنصب
قانونياً ، بسبب عدم استحواذي على شهادة علمية .
ثلاث سنوات وأنا في هذا المخبز ، المدير كان
شريفاً لا يسرق ، لكنه غير مدعوم فهو دون سند
لدى القيادات .. ولهذا كان المدير يخاف على نفسه
ويخشى على منصبه ، وهذا ما كان يجعله يخضع
لكلّ صاحب حظوة ، ويوظّف لأيّ مسؤول كلّ من
يريد ، وهكذا تحوّل المخبز إلى مزرعة من
المدعومين والمسنودين أصحاب الواسطات ..
وانعكس هذا عليّ في المتابعة، وسبّب لي المشاكل
والتعب لأنّي كنت أحارب كلّ من يقصّر بعمله ، أو
يحاول السرقة .. وأخيراً طلبت نقلي إلى مخبز آخر
وهناك كان المدير مدعوماً للغاية ، لذلك كان يسرق
بطريقة شبه علنية .. وكان المطلوب مني غضّ
النظر ، ولقد عرضوا عليّ أضعاف ما أتقاضاه من
راتب شهري .. أردت أن أنجو بنفسي ولا أتلوّث
وأسيء لسمعتي .. قلت للمدير لا أستطيع أن أكون
حرامي وشاعر في وقت واحد . عملتُ في مهنٍ
عديدة .. من البناء ، إلى الوظيفة ، إلى تصليح
الغسالات وأفران الغاز ، إلى بائع الدهانات ، إلى
صاحب كشك ، إلى التطريز الإلكتروني .. لدرجة أن
كتبوا عني في الصحافة ( مسبّع الكارات ) ، وكنت
في كل هذه المهن والأعمال أحصد الخيبة
والفشل .. نعم فشلت ، وسُرقت ، وتدمّرت مراراً ،
وخسرت ، وسجنت ، وهذا لأني أجد نفسي لا أصلح
إلّا للكتابة .. ولكنّ الكتابة حتى الآن لا تطعم خبزاً ،
على الأقل بالنسبة لي .. فما زلت أدفع من جيبي ،
دون أيّ مقابل ، رغم أنني أعمل دون ملل أو كلل ،
أو حتى عطلة أو استراحة .. وهذا ما يجعل معظم
من هم حولي يأسّفون على عمري ووقتي ،
ويعتبرون الكتابة مضيعة للوقت لا أكثر ، فأيّ عمل
مهما كان عظيماً ، يكون دون مقابل مادي يعتبر في
مجتمعنا لا قيمة له ، ولا يستحق التقدير
والاحترام .. فقيمة الشخص عندنا بما يربح ويملك
حتى لو كان عن طرقٍ غير شريفة وشرعية .
** - كيف كانت البداية ؟.
وأنا في الصف الرابع حدث وكان أستاذنا مريضاً ،
فأخذونا أنا وزملائي لنحضر في الصف الآخر ،
الصف الخامس ، وكان الأستاذ يعطي طلابه درساً
عن رحلة السندباد البحري ، وأنشددتُ بقوة لقصة
السندباد ، أعجبتُ ، بل سحرتُ ، وبهرتُ ، تعلقتُ
به .. فاستعرت الكتاب .. وحفظت القصة بكاملها ،
لم نكن نعرف في تلك الأيام أفلام الكرتون
الخيالية ، بل لم نكن نعرف شيئاً عن التلفاز .. ومن
هنا بدأ الاهتمام ، صرت أقرأ السيرة النبوية ، ثم
قصة الزير سالم ، وتغريبة بني هلال .. تركت
المدرسة وأنا في قمة عشقي للقراءة والمطالعة ..
ولكن بشكل غير موجّه ، فلا وجود لمن يوجّهني
ويأخذ بيدي . كنت محباً للقراءة دون أن أتخيل
نفسي أجرؤ على التفكير بكتابة الشعر . وحدث
وكان ابن عمتي رحمه الله ، يكتب الشعر وهو طالب
جامعي وأكبر مني بخمس سنوات ، وهو من دلني
على قراءة الأدب الحديث حين تنبه لحبي للمطالعة
سابقاً ، دلني على نزار قباني ونجيب محفوظ ..
واليوم أراد أن يسمعني بعض كتاباته الشعرية ،
وحين بدأ يقرأ عليّ قصائده ، خطر لي فجأة ، لماذا
أنا لا أكتب الشعر ؟ وشردت عنه ، صرت أتمنى أن
يتوقف عن القراءة لأذهب إلى المنزل وأجرّب كتابة
الشعر بنفسي .. وحين توقفت عن القراءة قفزت من
مكاني لأهرع لبيتنا وأجرب الكتابة ، وحين دخلت
المنزل أحضرت على الفور وبحماس شديد دفتراً
وقلماً وكتبت أولّ قصيدة لي .. كنت أكتب وقلبي
يدق بداخلي بعنف وارتجاف .. ولمّا انتهيت من
كتابتها هرعت وعدت لعند ابن عمتي لأسمعه
ماكتبت حتى أعرف رأيه . وكم فرحت حين
أعجبته القصيدة .. شجعني وطلب مني المتابعة ..
وهكذا ولدت عندي أول قصيدة ، ولقد أسمعتها
لعمي أستاذ المدرسة وأخي الأكبر ، فلاقيت منهم
كل التشجيع والاستحسان .
** - كيف استطعت أن تمزج مابين تخصصك
وكتاباتك الأدبية ؟ .
في البداية كان هناك تنافر بين عملي وموهبتي
الأدبية ، حيث أعمل في الحجر والإسمنت والعرق
والغبار والسّلالم والأدراج والسّقالات ، عمل متعب
وخطر ، وثياب متّسخة وهذا ماكنت أكرهه وأخجل
منه أمام الناس والجيران والأقارب .. حيث كنت
أعيش حالة تكاد تكون فصامية ، ففي النهار أكون
عامل بناء أعايش العمال الجهلة ، وفي المساء
أرتدي الثياب النظيفة والجديدة ، بعد أن أستحم ثم
أتوجه إلى إتحاد الكتاب العرب ، أو المركز الثقافي ،
أو المكتبة الوطنية ، أو المقهى حيث يتواجد
الكتاب والمثقفون . وكنت وأنا في عملي المرهق ،
أمارس الكتابة ، بل هناك كانت تتفجر عندي
الكتابة ، وكم من مرّة حفرت قصائدي بالمسمار على
الجدران المشيّدة حديثاً ، ثم أقوم لنقلها على الورق
في وقت آخر . وكنت لا أضيع من وقتي ، طوال
الليل أكون ساهراً أقرأ أو أكتب .. ودائماً حين ألجأ
للنوم ، تداهمني القصيدة فأقفز من فراشي لأكتبها .
كتبت في الحدائق ، وفي الباصات ، والسّرفيس ،
والعمل ، ونوبات الحراسة في الجيش ، وفي
المخبز ، والكشك ، والسجن .
** - ماهو تعريفك للشعر ؟ .
يقول شاعرنا العظيم محمود درويش : ( أستطيع أن
أقول لك ماهو ليس بالشعر ، لكن الشعر هو أكبر مما
يعرّف ) . هكذا أتذكر معنى قوله .. ولكنني أتجرأ
وأقول الشعر هو مايتسرّب من أعماق النفس
المتوهجة بشكل عفوي .
** - هل في الشعر حظ ؟ .
الحظ قد يخدم الموهبة ، ويساعدها على النمو
والإنتشار .. ولكن من كان من دون موهبة فلا الحظ
ولا المعجزات ممكن أن تفيده .
** - هل للمدارس دور في تشجيع الموهبة
والإبداع ؟ .
للوهلة الأولى نعم .. ممكن للمدرسة والجامعة أن
تساعد على نمو وتطوير الموهبة ، وتدفع للإبداع
والعطاء .. ولكن وللأسف الشديد وجدت معظم من
درس الأدب العربي وكان قد اختار هذا الاختصاص
بدافع موهبته وحبه لكتابة الأدب ، وجدتهم قد
انصهروا في قوالب بلاستيكية جامدة أو ميتة ..
وتحوّلوا إلى الكلاسيكية والتقليدية والنمطية .
** - كيف تنظر إلى واقع الشعر العربي وما هو
تقيمك له ؟ .
الشعر العربي كان في حالة تطور ورقي لفترة ليست
بالقصيرة ، وكان مشغولاً بالحداثة والإنفتاح على
ثقافات عالمية هامة . لكن وللأسف الشديد بعد
مجيء الربيع العربي الدامي ، صرنا نجده أي الشعر
العربي قد تراجع وانكمش وأصبح بحالة بائسة
يرثى لها .. حيث عادت القصيدة الكلاسيكية
والتقليدية تحتل الساحة الأدبية وعادت للقصيدة
روح الخطابة والمباشرة والصراخ والسباب
والشتائم والبكائيات في كلام منظوم لا علاقة له
بالشعر ولا يمس الوجدان ومبتور الخيال .. طغت
القصيدة السياسية الفجة على معظم المنابر
الثقافية والجرائد والمجلات .. وخاصة المواقع
الإلكترونية .. وكل هذا بسبب حدّة الألم والفجيعة
التي حلت بنا .
** - إلى أي من أنواع الشعر والقصة تهوى كتابته
وتدعمه ؟ .
أنا لا أفكر وأخطط بطريقة الكتابة ، ولا أختار الشكل
والاسلوب .. فلست ممن يلهث خلف الحداثة .. بل
كل مايهمني أن أستطيع التعبير عمّا أحسّه وأعيشه
بطريقة بسيطة تصل وتؤثر وتقنع الآخرين .. ولكن
يجب أن تكون كتاباتي لا تشبه كتابات أحد ،
والصدق في الحالة ينقذني من تكرار تجارب
الآخرين كل ماعليّ أن أسمع صوت أعماقي لأقرأ
ذاتي بدقة ووضوح ، وعليّ أن أسجل هذا بأمانة
وصدق . مايهمني .. أن تكون قصيدتي متحررة من
أيّ قيود خارجية أو صياغات جاهزة . وكذلك
بالنسبة للقصة ، فقد أختار أبسط الأشكال والطرق
في التعبير .. المهم قوة التصوير والوضوح وعدم
السقوط في الرتابة والملل ، لأني أراهن على صداقة
المتلقي ليبقى معي ولا يشرد أو يتخلّى عني منذ
السطر الأول من القصة .. فيجب أن لا يصاب
القارئ بالضجر والملل ويداهمه النعاس ، بل عليّ
أن أوقظ جميع حواسه ليشاركني في كتابة القصة
حتى نهايتها .
** - لمن تحب أن تقرأ ؟ .
أقرأ لأي كان إن إستطاع أن يشدني ويجعلني أكمل
وأتابع .. فأنا منذ الجملة الأولى أستطيع أن أحدد
وأدرك المستوى الفني لهذا العمل في الشعر والقصة
والرواية فأنا أقتنع بمقولة ( المكتوب واضح من
عنوانه ) لذلك أحياناً أقرأ من العمل جملة أو بضعة
أسطر وأترك ولا أكمل .. وهناك نصوص تسحرني
فأغوص فيها ولا أتمنى لها أن تنتهي ، أعتمد على
الذائقة والمتعة في القراءة .
**- ماهي أبرز منعطفاتك خلال مشوارك الأدبي ؟ .
مررت بمراحل عديدة وكثيرة ، ولكنني لا أسميها
منعطفات ، كنت بفعل التجربة والسن والنضج
الثقافي أشعر بين الحين والحين بأن قصيدتي قد
تطورت ، لذلك كنت أهرع لأ مزق وأحرق ماكتبته
سابقاً ، مزقت وأحرقت الكثير ، وأنا اليوم نادم لأني
فعلت هذا . المنعطف الحقيقي عودتي لكتابة الشعر
بعد توقف وانقطاع مدة عشرين سنة ، تحولت
لكتابة القصة تقريبا في عام 1990 م ، ونجحت
في القصة وانعرفت ووجدت تشجيعاً أكثر من
الشعر ، بل ونلت الجوائز المتتالية على صعيد
المحلي والقطري ثم العربي ، وبرغم هذا وأنا في
قمة النشاط والنجاح وحين فتحت أمامي كل
الأبواب ، توقفت فجأة عن كتابة القصة كما توقفت
عن كتابة الشعر سابقاً . انقطعت عن الكتابة
والمتابعة والحضور والنشر ةالاهتمام ، بل ومعاشرة
الكتاب ، مدة تزيد عن عشرين سنة ، تفرغت لعملي
في التطريز الإلكتروني ، ونسيت كل مايربطني
بالأدب والأدباء .. ولهذا أجدني اليوم مقصراً ،
وبيني وبين الأدباء ومانشروه في السنوات الأخيرة
فجوة وانقطاع وعليّ أن أتداركه وبسرعة . بعد أن
هجرت بلدي أنا وعائلتي ولجأنا إلى تركيا ، وبعد
أكثر من سنة من الإقامة في إسطنبول ، وجدتني
وبلا تفكير أو تخطيط أعود إلى كتابة الشعر . كنت
في البداية متخوف ومرتبك ، ولم أكن أعرف قيمة
ماأكتبه ، هل هذا شعر؟ .. هل أكتب بمستوى
جيد ؟ .. وهل أكتب أجمل مما كتبت سابقاً ؟ ..
ولكي أطمئن وأسترجع الثقة بنفسي ، أرسلت عبر
الفيس ماأكتبه لأصدقائي القدامى لأسألهم عن
رأيهم .. مع العلم صارت تنهال عليّ الإعجابات
والتعليقات المشجعة من جمهور الفيس ، ولكني
تخوفت من المجاملة ، خاصة وإني جديد على هذه
العوالم .. وكان من أصدقائي القدامى من تجاهل
الإجابة على سؤالي ، ومنهم من اكتفى بإعطائي
لايك إعجاب ، ومنهم من قال أنا لا أحب هذا النوع
من الشعر ، ومنهم من قال أكتب وتوكل على الله ،
وهناك من طالبني بالعودة لكتابة القصة ، وهناك من
قال أنت تقع في الاسترسال ، والأهم هناك من
تضايق وانزعج وقاطعني لأني أكتب بغزارة ، فهو
كل عدة أشهر ينجز قصيدة ذهنية ، فكيف لي أن
أكتب في اليوم الواحد قصيدة أو أكثر .. وبدأت
تطالني الاتهامات والتجريحات والتهجمات
والانتقادات ومفادها كلها أنني ضعيف في النحو
والإملاء .. مع أن كتاباتي تنشر على الفيس وقد
تكون نصوصي أقل النصوص تشكو من هذه
العيوب . كنت بحاجة ماسة لمن يشجعني ويقول
لي كلمة جميلة ، ويشدّ من أزري ، فأنا في قمة
حيرتي .. هل أتابع وأكتب أم أعود لمملكة
الصمت ؟ .. وفي هذه الظروف وفجأة منّ الله عليّ
بصداقة كاتبة رائعة شجعتني جداً ووقفت إلى
جانبي وكتبت لي مقدمتان لديواني الأول ( قبل أن
يستفيق الضوء ) والديوان الثاني ( راية الندى )
وهي الأديبة الكبيرة والناقدة المتميزة والمتعددة
المواهب الأستاذة ( نجاح إبراهيم ) ، فإليها أدين
بالشكر الكبير ، فلولاها كان ممكن لي أن لا أتابع .ثم
وجدت من الأستاذ الأديب الناقد ( محمد يوسف
كرزون ) أيضاً الاحتضان والتشجيع ومساعدتي
بالنشر وطباعة الكتب .حيث كتب لي مقدمة
لمجموعتي القصصية التي أعدت طباعتها ( قهقهات
الشيطان ) ، ثم مقدمته لديواني الرابع ( أصابع
الركام ) وفي هذه المقدمة أطلق عليّ اللقب الذي
أرعبني وأربكني ( العقاد الجديد ) ومازلت حتى
الآن إتحسّب وأتخوف وأتحرّج ، من هذا الشرف
العظيم الذي أغدقه عليّ ، ولا أدري هل فعلاً أستحق
هذه التسمية ؟!. وهناك أيضاً ناقدة مغربية عظيمة
بعثها الله لتقف إلى جانبي وتساندني بأروع مقدمة
لديواني الثالث ( تلابيب الرّجاء ) ، وهذة الأديبة
الناقدة المتميزة والتي لها مكانة سامقة في النقد
الأدبي هي ( مجيدة السباعي ) ولها مني كل الشكر
والتقدير .
** - كيف تنظر لمدى تفاعل الجمهور الأدبي في
الوطن العربي والسوري ؟ .
الجمهور دائماً في حالة تفاعل رائع ، وهو يبحث عن
الأصالة والجديد والصدق ، ولا أحد يستطيع خداعه
أو الكذب عليه ، الخوف ليس من الجمهور ،
فالجمهور يقدر ويحترم ويشجع ولا ينسى أو يتنكر
للمبدعين .ولكن الخوف من المؤسسات والمنابر
الثقافية التي تبحث عن النفاق وتتآمر على الإبداع ،
بمساعدة رموز ثقافية باعت نفسها للشيطان ،
وتتحرك بدافع المصلحة والغيرة والحسد وضيق
العين وعقد النقص ، متخذة من سيف السلطان
السلاح والحجج والذريعة .. ففي الوقت الذي نلت
جائزة على مستوى الوطن العربي ، وكان عدد معظم
المشاركين من الوطن العربي بالآلاف ، وكان بل
جميعهم يحمل من الشهادات العليا والدكتوراه ، وأنا
أقل واحد فيهم مستوى في التعليم والدراسة ،
وبدل التهنئة والاحتفال كتبت بحقي عشرات
التقارير ، وأغلبها من الزملاء والأصدقاء ، ولو كان
الأمر بيدهم لكانوا نفذوا بي حكم الإعدام بدون
أدنى شفقة ، فقد حاربوني بشراسة ووقاحة لا
تصدق ، لدرجة أنهم قاطعوا أيّ مهرجان أو أمسية
أدبية أو كتاب نقدي سيذكر اسمي ويتحدث عني ،
كنت حديث المقاهي ، هناك من كان ينفعل ويكفر
ويشتم ويقول عني لا يحمل الإبتدائية ، وذهبوا
لمن كتب عن مجموعتي ( قهقهات الشيطان )
عاتبوه لأنه يذكر اسم ( تشيخوف ) في سياق
حديثه عن قصصي ،سببوا لعائلتي الذعر والخوف
والقلق ، وكانوا والدي وأمي وأخوتي وأخواتي
وزوجتي يرتعبون كلما سمعوا صوت سيارة في
الليل تقف بالقرب من بيتنا، يظنون أن رجال
المخابرات قد أتوا ليأخذوني . أنا أكثر إنسان في
الدنيا خاب ظنه من أصدقائه ، أكثر من خدع ، من
غدر ، من تعرض للخيانة والتآمر والمكائد .. فجأة
تحولت لعدو لكثر من الأصدقاء والزملاء .. حتى
ممن نال الجائزة معي أو قبلي بسنوات ، ذلك لأنهم
نالوها مناصفة ، في حين كانت كاملة لي .. ولهذا
أحجموا عن الكتابة عن مجموعتي يوم أصدرتها
بالتعاون مع إتحاد الكتاب العرب ، حتى من كان
معجب بها ، فقد أصابهم الخرس وأطبق عليهم
الصمت ، بل التحرك السلبي ضدي .. فهذا هو
التفاعل المخزي والمبكي والمقزز ياصديقي ، لدلك
كرهت الأدب والأدباء وابتعدت عن الجميع وهجرت
الكتابة .
** - ماتأثير واقع المحتل عليه ؟ .
لم يغب المحتل يوماً عن الأدب العربي والسوري ،
وأقصد هنا الأدب الجاد والملتزم ، سواء بشكله
المباشر أو اللامباشر وهو في اعتقادي الأهم . الأدب
الحقيقي دائماً مع الحياة ، وهو في معركة مستمرة
ومتواصلة مع أعداء الحرية والحياة .. فحين
يتصدى عمل أدبي للخائن والمخادع والظالم
والفاسد والمنافق ، يكون يتصدى للمحتل وبشكل
قوي .. لأنّ هؤلاء سبب وجود المحتل
واستمراريته ، وهم العائق القوي والحقيقي أمام
التصدي للمحتل ومخططاته .. أمّا الكتابة المباشرة
والتقليدية التي تضج بالمفرقعات واللغة الخطابية
والمباشرة فأثرها آني وزائل ولا يحمل بذور التغيير
والتجديد .
** - هل للقصيدة السورية من سمات تميزها عن غيرها ؟.
القصيدة السورية دائماً هي الرائدة والسّباقة في
الشكل والمضمون ، منذ نزار قباني ، إلى أدونيس ،
ومحمد الماغوط ، وصولاً إلى رياض صالح
الحسين ، وهناك أسماء كثيرة تستحق الوقوف
والتقدير والدراسة ، منهم على سبيل المثال لا
الحصر عبد السلام حلوم ، ومحمد زكريا حيدر ،
ولقمان ديركي ، وإبراهيم كسار ، ومحمد علي
الشريف ، وحسين بن حمزة ، وفواز حجو ، ونجاح
إبراهيم ، وعمر قدور ، وندى الدانا ، ومحمد فؤاد
محمد فؤاد ، وعبد القادر أبو رحمة ، وغالية خوجة ،
ولميس الزين ، وميادة لبابيدي ، وحنان مراد ..
وهناك أسماء كثيرة جادة وناضجة وهامة . وتتميز
القصيدة الحديثة السورية بمحاولتها الدائمة لتجاوز
ذاتها والسائد المألوف في الوطن العربي .. وهي
دائماً في حالة مغامرة ومجازفة .
** - ماهو دورك تجاه قضيتك ككاتب وشاعر ؟.
دوري محاربة القبح أولاً .. والدفاع عن الحب ثانياً ،
وبث روح الأمل عند كل من كاد اليأس أن يسيطر
عليه ، رغم سيطرته عليّ في كثير من الأوقات ..
ولكن نعم يمكن لهذا العالم أن يتغير ويكون أحلى
وأجمل ، وأكثر عدالة وإنسانية ، وهذا يأتي عن
طريق الثقافة والوعي ، والتخلي عن الأنانية
والجشع والنفاق .. ولكن عليّ أن لا أنساق لأكتب
في السياسة كما يفعل بعض الكتاب ، فنخسرهم
كمبدعين ولا نكسبهم كرجال سياسة .
**- أنت مع أو ضد الهجرة من بلدك ؟.
لا أظن أنّ أحداً في العالم يكون سعيداً بالهجرة
القسرية عن بيته وبلده ، حيث يترك أملاكه وأهله
وأصدقائه وجيرانه ، وذكرياته ومقابر عائلته ،
ومكتبته ونسائم بلده ، ويذهب لغربة أقل مافيها
المذلة وضياع الأصول ، والتخلي عن لغتك التي
تنبض في عروقنا .. هربنا من الموت ، من التطرف ،
من الدمار والقتل المجاني ، ورفضنا أن نكون شركاء
بحمل السلاح ، أنا ضد كل من يحمل السلاح لقتل
أخيه السوري .. والآن أعيش على حلم وضع حد
لهذه الحرب القذرة ، التي دمرت سوريا وقتلت
وشردت أغلب سكانها ، في حين حلّ الأغراب في
بيوتنا وحاراتنا ومدننا .
** - الأدب السوري إمتداد للأدب العربي .. مارأيك
في ذلك ؟.
هذا مؤكد فمن سوريا كان عمر أبو ريشة ، ونزار
قباني ، وأدونيس ، والماغوط ، وزكريا تامر ، وحنا
مينا ، وغادة السمان ، وسعد الله ونوس ، ووليد
إخلاصي ، وأسماء كثيرة لا تحصى ، سوريا مثل أي
بلد عربي قدم لي أسماء كبيرة وهامة في عالم
الأدب والإبداع ، فما من بلد عربي إلا وعنده رموز
كبيرة يفخر ويعتز بها .. ونحن العرب نعيش حياة
تكاد تكون متشابه ،لذلك ثقافتنا واحدة ، من حيث
التراث العظيم ، الدين والعادات والتقاليد والموروث
الشعبي ، ثم مامن كتاب يصدر إلا وينتقل إلى بقية
الدول ، نعيش حياة وتجارب متشابه ، حتى في
قضية القمع والتخلف والحكم الوراثي .. يحكمنا
القهر والكبت والتخلف والحذاء العسكري ، مهما
تنوعت الأسماء وتلوّنت الطرق والاتجاهات ، نحن
أمة تعمل على تدمير نفسها في سبيل خدمة العدو
وتمكنه من السيطرة علينا أكثر ، وهناك كتابات
لمبدعين عرب كبار تحاول فضح هذا الأمر والتمرد
عليه .
**- كيف يرى الكاتب والشاعر الحاج حسين واقع
الكتاب الذين برزوا مؤخراً في الساحة العربية ؟.
أراهم في وضع لا يحسدون عليه .. إنّ الواقع المؤلم
الذي نعيشه ، جعل من أدبنا الرهن يتراجع على
المستوى الإبداعي والجمالي .. فنحن نعيش أزمة
الإغتراب والتمزق والضياع والتطرف والتعصب ،
طغت على نصوصنا رياح الكراهية والحقد والرغبة
بالإنتقام ، هناك من يقف مع القتل والقتلة في سبيل
مصلحة ضيقة أو بدافع الخوف .. عادت الكلاسيكية
والتقليدية والنمطية والذهنية والجمل والعبارات
الجاهزة ، لا أحد ينحاز للجمال بقدر الإنحياز
للفكرة .. نادراً ما نجد نصاً متكاملاً يقف على
رجليه ، لا يشكو من ركاكة وترهل وروح تشاؤمية
مهزومة ومبتورة .. الربيع العربي الدامي لم يثمر
بعد ، هناك محاولات ، ارهاصات ، شذرات من
إبداع ، ولكنه قيد النضج ، وأتوقع في المستقبل
القريب أن يتفجر الإبداع في شتى الأصناف الأدبية
والفنية ، وفي سائر الوطن العربي الكبير .
** - فلسطين حالة استثنائية عند الشعراء العرب ..
كيف ساندت قضية فلسطين ككاتب وشاعر ؟.
أنا لا أرى فلسطين فقط هي المحتلة من قبل العدو
الصهيوني ، ولا العراق وسوريا واليمن ، بل كنت
طوال عمري أرى أن الإرادة العربية بكاملها محتلة ،
وهناك من يتحكم بها ويسيّرها ضد الشعوب
العربية .. فلو كانت فلسطين وحدها تخضع
للإحتلال ، لكانت وخلال أيام قليلة قد تحررت
وبأيدي الفلسطينيين وحدهم ، دون حاجتهم
للعرب ، وبالحجارة فقط أيضاً .. ولكن هناك من
يتآمر ويبيع ويتاجر ويسمسر ، ويعمل على تمزيق
وتفريق الصفوف عند الفلسطيني أولاً ، ويساعد
العدو ويتآمر على الأمة بكاملها . فعلى الفلسطيني
أن يتحرر من التآمر العربي عليه ، قبل أن يتحرر
من المحتل الصهيوني ، وهذا فحوى ما أكتب ، منذ
أحرفي الأولى .
عثرات الحياة صنعت منه شاعرا رغم رحيله باكرا
عن مقاعد الدراسة ، ليكتب على جدران مهنته
قصائده التي ولدت من رحم شمس آذار ونيسان ،
وشمس تموز اللهاب ، ليكتب للوطن وللأجيال قصة
شاعر حفت حياته بألوان قوس قزح السبع ، عصامه
وصدقه دفع لأجلهما الكثير ليحافظ على صفاء
كلماته ونقاء جوهره و أصالة معدنه ، أحب وطنه
فرأى كل ما فيه جميل رغم الوجع والترحال بين
نكباته وأحلامه اللا منتهية ، فامتزج بقلبه عشق
الوطن والحرية ، لم تقتصر كتاباته للوطن بل للجار
والصديق القريب والبعيد ، ليكون كما يحب أن
يكون .
إنه شاعر المطرقة والعجان ، شاعر التجوال
والترحال ، ابن الباب الشامية الحلبية ، الشاعر
السوري الأصل العربي القومي النسب " مصطفى
الحاج حسين " ، فكان لنا معه شرف اللقاء والحوار
رغم الحدود والأسلاك.
نص الحوار :
** - حدثنا عن نفسك ؟.
أنا مصطفى الحاج حسين ، من مدينة الباب التابعة
لمحافظة حلب ، عشت طفولتي في البلدة ، وفي
بداية سن المراهقة ، انتقلت عائلتنا إلى حلب .
حرمت من متابعة الدراسة قبل أن أكمل المرحلة
الإبتدائية ، وعملت مع والدي في مهنة البناء الشاقة
لسنوات عديدة ، وتعلّمت منه صنعة العمارة .. لم
أكن أحب هذه المهنة بسبب صعوبتها ، لكنني كنت
أحترم المهنة وأدرك قيمتها .. ولم أستطع التحرر
منها إلّا بعد أن سرّحت من خدمة العلم ، لأنّ والدي
كان يفرض عليّ العمل معه ، وحين كنت أتركه ،
كان غضبه يطال العائلة بأكملها . توظّفت في
المؤسسة العامة للمخابز ، كأمين مستودع إنتاج في
مخبز آلي ، ولأنّ المدير يعرفني ويعرف أنّي أكتب
الشعر ، كلّفني بذلك .. لأنّي لا يحق لي هذا المنصب
قانونياً ، بسبب عدم استحواذي على شهادة علمية .
ثلاث سنوات وأنا في هذا المخبز ، المدير كان
شريفاً لا يسرق ، لكنه غير مدعوم فهو دون سند
لدى القيادات .. ولهذا كان المدير يخاف على نفسه
ويخشى على منصبه ، وهذا ما كان يجعله يخضع
لكلّ صاحب حظوة ، ويوظّف لأيّ مسؤول كلّ من
يريد ، وهكذا تحوّل المخبز إلى مزرعة من
المدعومين والمسنودين أصحاب الواسطات ..
وانعكس هذا عليّ في المتابعة، وسبّب لي المشاكل
والتعب لأنّي كنت أحارب كلّ من يقصّر بعمله ، أو
يحاول السرقة .. وأخيراً طلبت نقلي إلى مخبز آخر
وهناك كان المدير مدعوماً للغاية ، لذلك كان يسرق
بطريقة شبه علنية .. وكان المطلوب مني غضّ
النظر ، ولقد عرضوا عليّ أضعاف ما أتقاضاه من
راتب شهري .. أردت أن أنجو بنفسي ولا أتلوّث
وأسيء لسمعتي .. قلت للمدير لا أستطيع أن أكون
حرامي وشاعر في وقت واحد . عملتُ في مهنٍ
عديدة .. من البناء ، إلى الوظيفة ، إلى تصليح
الغسالات وأفران الغاز ، إلى بائع الدهانات ، إلى
صاحب كشك ، إلى التطريز الإلكتروني .. لدرجة أن
كتبوا عني في الصحافة ( مسبّع الكارات ) ، وكنت
في كل هذه المهن والأعمال أحصد الخيبة
والفشل .. نعم فشلت ، وسُرقت ، وتدمّرت مراراً ،
وخسرت ، وسجنت ، وهذا لأني أجد نفسي لا أصلح
إلّا للكتابة .. ولكنّ الكتابة حتى الآن لا تطعم خبزاً ،
على الأقل بالنسبة لي .. فما زلت أدفع من جيبي ،
دون أيّ مقابل ، رغم أنني أعمل دون ملل أو كلل ،
أو حتى عطلة أو استراحة .. وهذا ما يجعل معظم
من هم حولي يأسّفون على عمري ووقتي ،
ويعتبرون الكتابة مضيعة للوقت لا أكثر ، فأيّ عمل
مهما كان عظيماً ، يكون دون مقابل مادي يعتبر في
مجتمعنا لا قيمة له ، ولا يستحق التقدير
والاحترام .. فقيمة الشخص عندنا بما يربح ويملك
حتى لو كان عن طرقٍ غير شريفة وشرعية .
** - كيف كانت البداية ؟.
وأنا في الصف الرابع حدث وكان أستاذنا مريضاً ،
فأخذونا أنا وزملائي لنحضر في الصف الآخر ،
الصف الخامس ، وكان الأستاذ يعطي طلابه درساً
عن رحلة السندباد البحري ، وأنشددتُ بقوة لقصة
السندباد ، أعجبتُ ، بل سحرتُ ، وبهرتُ ، تعلقتُ
به .. فاستعرت الكتاب .. وحفظت القصة بكاملها ،
لم نكن نعرف في تلك الأيام أفلام الكرتون
الخيالية ، بل لم نكن نعرف شيئاً عن التلفاز .. ومن
هنا بدأ الاهتمام ، صرت أقرأ السيرة النبوية ، ثم
قصة الزير سالم ، وتغريبة بني هلال .. تركت
المدرسة وأنا في قمة عشقي للقراءة والمطالعة ..
ولكن بشكل غير موجّه ، فلا وجود لمن يوجّهني
ويأخذ بيدي . كنت محباً للقراءة دون أن أتخيل
نفسي أجرؤ على التفكير بكتابة الشعر . وحدث
وكان ابن عمتي رحمه الله ، يكتب الشعر وهو طالب
جامعي وأكبر مني بخمس سنوات ، وهو من دلني
على قراءة الأدب الحديث حين تنبه لحبي للمطالعة
سابقاً ، دلني على نزار قباني ونجيب محفوظ ..
واليوم أراد أن يسمعني بعض كتاباته الشعرية ،
وحين بدأ يقرأ عليّ قصائده ، خطر لي فجأة ، لماذا
أنا لا أكتب الشعر ؟ وشردت عنه ، صرت أتمنى أن
يتوقف عن القراءة لأذهب إلى المنزل وأجرّب كتابة
الشعر بنفسي .. وحين توقفت عن القراءة قفزت من
مكاني لأهرع لبيتنا وأجرب الكتابة ، وحين دخلت
المنزل أحضرت على الفور وبحماس شديد دفتراً
وقلماً وكتبت أولّ قصيدة لي .. كنت أكتب وقلبي
يدق بداخلي بعنف وارتجاف .. ولمّا انتهيت من
كتابتها هرعت وعدت لعند ابن عمتي لأسمعه
ماكتبت حتى أعرف رأيه . وكم فرحت حين
أعجبته القصيدة .. شجعني وطلب مني المتابعة ..
وهكذا ولدت عندي أول قصيدة ، ولقد أسمعتها
لعمي أستاذ المدرسة وأخي الأكبر ، فلاقيت منهم
كل التشجيع والاستحسان .
** - كيف استطعت أن تمزج مابين تخصصك
وكتاباتك الأدبية ؟ .
في البداية كان هناك تنافر بين عملي وموهبتي
الأدبية ، حيث أعمل في الحجر والإسمنت والعرق
والغبار والسّلالم والأدراج والسّقالات ، عمل متعب
وخطر ، وثياب متّسخة وهذا ماكنت أكرهه وأخجل
منه أمام الناس والجيران والأقارب .. حيث كنت
أعيش حالة تكاد تكون فصامية ، ففي النهار أكون
عامل بناء أعايش العمال الجهلة ، وفي المساء
أرتدي الثياب النظيفة والجديدة ، بعد أن أستحم ثم
أتوجه إلى إتحاد الكتاب العرب ، أو المركز الثقافي ،
أو المكتبة الوطنية ، أو المقهى حيث يتواجد
الكتاب والمثقفون . وكنت وأنا في عملي المرهق ،
أمارس الكتابة ، بل هناك كانت تتفجر عندي
الكتابة ، وكم من مرّة حفرت قصائدي بالمسمار على
الجدران المشيّدة حديثاً ، ثم أقوم لنقلها على الورق
في وقت آخر . وكنت لا أضيع من وقتي ، طوال
الليل أكون ساهراً أقرأ أو أكتب .. ودائماً حين ألجأ
للنوم ، تداهمني القصيدة فأقفز من فراشي لأكتبها .
كتبت في الحدائق ، وفي الباصات ، والسّرفيس ،
والعمل ، ونوبات الحراسة في الجيش ، وفي
المخبز ، والكشك ، والسجن .
** - ماهو تعريفك للشعر ؟ .
يقول شاعرنا العظيم محمود درويش : ( أستطيع أن
أقول لك ماهو ليس بالشعر ، لكن الشعر هو أكبر مما
يعرّف ) . هكذا أتذكر معنى قوله .. ولكنني أتجرأ
وأقول الشعر هو مايتسرّب من أعماق النفس
المتوهجة بشكل عفوي .
** - هل في الشعر حظ ؟ .
الحظ قد يخدم الموهبة ، ويساعدها على النمو
والإنتشار .. ولكن من كان من دون موهبة فلا الحظ
ولا المعجزات ممكن أن تفيده .
** - هل للمدارس دور في تشجيع الموهبة
والإبداع ؟ .
للوهلة الأولى نعم .. ممكن للمدرسة والجامعة أن
تساعد على نمو وتطوير الموهبة ، وتدفع للإبداع
والعطاء .. ولكن وللأسف الشديد وجدت معظم من
درس الأدب العربي وكان قد اختار هذا الاختصاص
بدافع موهبته وحبه لكتابة الأدب ، وجدتهم قد
انصهروا في قوالب بلاستيكية جامدة أو ميتة ..
وتحوّلوا إلى الكلاسيكية والتقليدية والنمطية .
** - كيف تنظر إلى واقع الشعر العربي وما هو
تقيمك له ؟ .
الشعر العربي كان في حالة تطور ورقي لفترة ليست
بالقصيرة ، وكان مشغولاً بالحداثة والإنفتاح على
ثقافات عالمية هامة . لكن وللأسف الشديد بعد
مجيء الربيع العربي الدامي ، صرنا نجده أي الشعر
العربي قد تراجع وانكمش وأصبح بحالة بائسة
يرثى لها .. حيث عادت القصيدة الكلاسيكية
والتقليدية تحتل الساحة الأدبية وعادت للقصيدة
روح الخطابة والمباشرة والصراخ والسباب
والشتائم والبكائيات في كلام منظوم لا علاقة له
بالشعر ولا يمس الوجدان ومبتور الخيال .. طغت
القصيدة السياسية الفجة على معظم المنابر
الثقافية والجرائد والمجلات .. وخاصة المواقع
الإلكترونية .. وكل هذا بسبب حدّة الألم والفجيعة
التي حلت بنا .
** - إلى أي من أنواع الشعر والقصة تهوى كتابته
وتدعمه ؟ .
أنا لا أفكر وأخطط بطريقة الكتابة ، ولا أختار الشكل
والاسلوب .. فلست ممن يلهث خلف الحداثة .. بل
كل مايهمني أن أستطيع التعبير عمّا أحسّه وأعيشه
بطريقة بسيطة تصل وتؤثر وتقنع الآخرين .. ولكن
يجب أن تكون كتاباتي لا تشبه كتابات أحد ،
والصدق في الحالة ينقذني من تكرار تجارب
الآخرين كل ماعليّ أن أسمع صوت أعماقي لأقرأ
ذاتي بدقة ووضوح ، وعليّ أن أسجل هذا بأمانة
وصدق . مايهمني .. أن تكون قصيدتي متحررة من
أيّ قيود خارجية أو صياغات جاهزة . وكذلك
بالنسبة للقصة ، فقد أختار أبسط الأشكال والطرق
في التعبير .. المهم قوة التصوير والوضوح وعدم
السقوط في الرتابة والملل ، لأني أراهن على صداقة
المتلقي ليبقى معي ولا يشرد أو يتخلّى عني منذ
السطر الأول من القصة .. فيجب أن لا يصاب
القارئ بالضجر والملل ويداهمه النعاس ، بل عليّ
أن أوقظ جميع حواسه ليشاركني في كتابة القصة
حتى نهايتها .
** - لمن تحب أن تقرأ ؟ .
أقرأ لأي كان إن إستطاع أن يشدني ويجعلني أكمل
وأتابع .. فأنا منذ الجملة الأولى أستطيع أن أحدد
وأدرك المستوى الفني لهذا العمل في الشعر والقصة
والرواية فأنا أقتنع بمقولة ( المكتوب واضح من
عنوانه ) لذلك أحياناً أقرأ من العمل جملة أو بضعة
أسطر وأترك ولا أكمل .. وهناك نصوص تسحرني
فأغوص فيها ولا أتمنى لها أن تنتهي ، أعتمد على
الذائقة والمتعة في القراءة .
**- ماهي أبرز منعطفاتك خلال مشوارك الأدبي ؟ .
مررت بمراحل عديدة وكثيرة ، ولكنني لا أسميها
منعطفات ، كنت بفعل التجربة والسن والنضج
الثقافي أشعر بين الحين والحين بأن قصيدتي قد
تطورت ، لذلك كنت أهرع لأ مزق وأحرق ماكتبته
سابقاً ، مزقت وأحرقت الكثير ، وأنا اليوم نادم لأني
فعلت هذا . المنعطف الحقيقي عودتي لكتابة الشعر
بعد توقف وانقطاع مدة عشرين سنة ، تحولت
لكتابة القصة تقريبا في عام 1990 م ، ونجحت
في القصة وانعرفت ووجدت تشجيعاً أكثر من
الشعر ، بل ونلت الجوائز المتتالية على صعيد
المحلي والقطري ثم العربي ، وبرغم هذا وأنا في
قمة النشاط والنجاح وحين فتحت أمامي كل
الأبواب ، توقفت فجأة عن كتابة القصة كما توقفت
عن كتابة الشعر سابقاً . انقطعت عن الكتابة
والمتابعة والحضور والنشر ةالاهتمام ، بل ومعاشرة
الكتاب ، مدة تزيد عن عشرين سنة ، تفرغت لعملي
في التطريز الإلكتروني ، ونسيت كل مايربطني
بالأدب والأدباء .. ولهذا أجدني اليوم مقصراً ،
وبيني وبين الأدباء ومانشروه في السنوات الأخيرة
فجوة وانقطاع وعليّ أن أتداركه وبسرعة . بعد أن
هجرت بلدي أنا وعائلتي ولجأنا إلى تركيا ، وبعد
أكثر من سنة من الإقامة في إسطنبول ، وجدتني
وبلا تفكير أو تخطيط أعود إلى كتابة الشعر . كنت
في البداية متخوف ومرتبك ، ولم أكن أعرف قيمة
ماأكتبه ، هل هذا شعر؟ .. هل أكتب بمستوى
جيد ؟ .. وهل أكتب أجمل مما كتبت سابقاً ؟ ..
ولكي أطمئن وأسترجع الثقة بنفسي ، أرسلت عبر
الفيس ماأكتبه لأصدقائي القدامى لأسألهم عن
رأيهم .. مع العلم صارت تنهال عليّ الإعجابات
والتعليقات المشجعة من جمهور الفيس ، ولكني
تخوفت من المجاملة ، خاصة وإني جديد على هذه
العوالم .. وكان من أصدقائي القدامى من تجاهل
الإجابة على سؤالي ، ومنهم من اكتفى بإعطائي
لايك إعجاب ، ومنهم من قال أنا لا أحب هذا النوع
من الشعر ، ومنهم من قال أكتب وتوكل على الله ،
وهناك من طالبني بالعودة لكتابة القصة ، وهناك من
قال أنت تقع في الاسترسال ، والأهم هناك من
تضايق وانزعج وقاطعني لأني أكتب بغزارة ، فهو
كل عدة أشهر ينجز قصيدة ذهنية ، فكيف لي أن
أكتب في اليوم الواحد قصيدة أو أكثر .. وبدأت
تطالني الاتهامات والتجريحات والتهجمات
والانتقادات ومفادها كلها أنني ضعيف في النحو
والإملاء .. مع أن كتاباتي تنشر على الفيس وقد
تكون نصوصي أقل النصوص تشكو من هذه
العيوب . كنت بحاجة ماسة لمن يشجعني ويقول
لي كلمة جميلة ، ويشدّ من أزري ، فأنا في قمة
حيرتي .. هل أتابع وأكتب أم أعود لمملكة
الصمت ؟ .. وفي هذه الظروف وفجأة منّ الله عليّ
بصداقة كاتبة رائعة شجعتني جداً ووقفت إلى
جانبي وكتبت لي مقدمتان لديواني الأول ( قبل أن
يستفيق الضوء ) والديوان الثاني ( راية الندى )
وهي الأديبة الكبيرة والناقدة المتميزة والمتعددة
المواهب الأستاذة ( نجاح إبراهيم ) ، فإليها أدين
بالشكر الكبير ، فلولاها كان ممكن لي أن لا أتابع .ثم
وجدت من الأستاذ الأديب الناقد ( محمد يوسف
كرزون ) أيضاً الاحتضان والتشجيع ومساعدتي
بالنشر وطباعة الكتب .حيث كتب لي مقدمة
لمجموعتي القصصية التي أعدت طباعتها ( قهقهات
الشيطان ) ، ثم مقدمته لديواني الرابع ( أصابع
الركام ) وفي هذه المقدمة أطلق عليّ اللقب الذي
أرعبني وأربكني ( العقاد الجديد ) ومازلت حتى
الآن إتحسّب وأتخوف وأتحرّج ، من هذا الشرف
العظيم الذي أغدقه عليّ ، ولا أدري هل فعلاً أستحق
هذه التسمية ؟!. وهناك أيضاً ناقدة مغربية عظيمة
بعثها الله لتقف إلى جانبي وتساندني بأروع مقدمة
لديواني الثالث ( تلابيب الرّجاء ) ، وهذة الأديبة
الناقدة المتميزة والتي لها مكانة سامقة في النقد
الأدبي هي ( مجيدة السباعي ) ولها مني كل الشكر
والتقدير .
** - كيف تنظر لمدى تفاعل الجمهور الأدبي في
الوطن العربي والسوري ؟ .
الجمهور دائماً في حالة تفاعل رائع ، وهو يبحث عن
الأصالة والجديد والصدق ، ولا أحد يستطيع خداعه
أو الكذب عليه ، الخوف ليس من الجمهور ،
فالجمهور يقدر ويحترم ويشجع ولا ينسى أو يتنكر
للمبدعين .ولكن الخوف من المؤسسات والمنابر
الثقافية التي تبحث عن النفاق وتتآمر على الإبداع ،
بمساعدة رموز ثقافية باعت نفسها للشيطان ،
وتتحرك بدافع المصلحة والغيرة والحسد وضيق
العين وعقد النقص ، متخذة من سيف السلطان
السلاح والحجج والذريعة .. ففي الوقت الذي نلت
جائزة على مستوى الوطن العربي ، وكان عدد معظم
المشاركين من الوطن العربي بالآلاف ، وكان بل
جميعهم يحمل من الشهادات العليا والدكتوراه ، وأنا
أقل واحد فيهم مستوى في التعليم والدراسة ،
وبدل التهنئة والاحتفال كتبت بحقي عشرات
التقارير ، وأغلبها من الزملاء والأصدقاء ، ولو كان
الأمر بيدهم لكانوا نفذوا بي حكم الإعدام بدون
أدنى شفقة ، فقد حاربوني بشراسة ووقاحة لا
تصدق ، لدرجة أنهم قاطعوا أيّ مهرجان أو أمسية
أدبية أو كتاب نقدي سيذكر اسمي ويتحدث عني ،
كنت حديث المقاهي ، هناك من كان ينفعل ويكفر
ويشتم ويقول عني لا يحمل الإبتدائية ، وذهبوا
لمن كتب عن مجموعتي ( قهقهات الشيطان )
عاتبوه لأنه يذكر اسم ( تشيخوف ) في سياق
حديثه عن قصصي ،سببوا لعائلتي الذعر والخوف
والقلق ، وكانوا والدي وأمي وأخوتي وأخواتي
وزوجتي يرتعبون كلما سمعوا صوت سيارة في
الليل تقف بالقرب من بيتنا، يظنون أن رجال
المخابرات قد أتوا ليأخذوني . أنا أكثر إنسان في
الدنيا خاب ظنه من أصدقائه ، أكثر من خدع ، من
غدر ، من تعرض للخيانة والتآمر والمكائد .. فجأة
تحولت لعدو لكثر من الأصدقاء والزملاء .. حتى
ممن نال الجائزة معي أو قبلي بسنوات ، ذلك لأنهم
نالوها مناصفة ، في حين كانت كاملة لي .. ولهذا
أحجموا عن الكتابة عن مجموعتي يوم أصدرتها
بالتعاون مع إتحاد الكتاب العرب ، حتى من كان
معجب بها ، فقد أصابهم الخرس وأطبق عليهم
الصمت ، بل التحرك السلبي ضدي .. فهذا هو
التفاعل المخزي والمبكي والمقزز ياصديقي ، لدلك
كرهت الأدب والأدباء وابتعدت عن الجميع وهجرت
الكتابة .
** - ماتأثير واقع المحتل عليه ؟ .
لم يغب المحتل يوماً عن الأدب العربي والسوري ،
وأقصد هنا الأدب الجاد والملتزم ، سواء بشكله
المباشر أو اللامباشر وهو في اعتقادي الأهم . الأدب
الحقيقي دائماً مع الحياة ، وهو في معركة مستمرة
ومتواصلة مع أعداء الحرية والحياة .. فحين
يتصدى عمل أدبي للخائن والمخادع والظالم
والفاسد والمنافق ، يكون يتصدى للمحتل وبشكل
قوي .. لأنّ هؤلاء سبب وجود المحتل
واستمراريته ، وهم العائق القوي والحقيقي أمام
التصدي للمحتل ومخططاته .. أمّا الكتابة المباشرة
والتقليدية التي تضج بالمفرقعات واللغة الخطابية
والمباشرة فأثرها آني وزائل ولا يحمل بذور التغيير
والتجديد .
** - هل للقصيدة السورية من سمات تميزها عن غيرها ؟.
القصيدة السورية دائماً هي الرائدة والسّباقة في
الشكل والمضمون ، منذ نزار قباني ، إلى أدونيس ،
ومحمد الماغوط ، وصولاً إلى رياض صالح
الحسين ، وهناك أسماء كثيرة تستحق الوقوف
والتقدير والدراسة ، منهم على سبيل المثال لا
الحصر عبد السلام حلوم ، ومحمد زكريا حيدر ،
ولقمان ديركي ، وإبراهيم كسار ، ومحمد علي
الشريف ، وحسين بن حمزة ، وفواز حجو ، ونجاح
إبراهيم ، وعمر قدور ، وندى الدانا ، ومحمد فؤاد
محمد فؤاد ، وعبد القادر أبو رحمة ، وغالية خوجة ،
ولميس الزين ، وميادة لبابيدي ، وحنان مراد ..
وهناك أسماء كثيرة جادة وناضجة وهامة . وتتميز
القصيدة الحديثة السورية بمحاولتها الدائمة لتجاوز
ذاتها والسائد المألوف في الوطن العربي .. وهي
دائماً في حالة مغامرة ومجازفة .
** - ماهو دورك تجاه قضيتك ككاتب وشاعر ؟.
دوري محاربة القبح أولاً .. والدفاع عن الحب ثانياً ،
وبث روح الأمل عند كل من كاد اليأس أن يسيطر
عليه ، رغم سيطرته عليّ في كثير من الأوقات ..
ولكن نعم يمكن لهذا العالم أن يتغير ويكون أحلى
وأجمل ، وأكثر عدالة وإنسانية ، وهذا يأتي عن
طريق الثقافة والوعي ، والتخلي عن الأنانية
والجشع والنفاق .. ولكن عليّ أن لا أنساق لأكتب
في السياسة كما يفعل بعض الكتاب ، فنخسرهم
كمبدعين ولا نكسبهم كرجال سياسة .
**- أنت مع أو ضد الهجرة من بلدك ؟.
لا أظن أنّ أحداً في العالم يكون سعيداً بالهجرة
القسرية عن بيته وبلده ، حيث يترك أملاكه وأهله
وأصدقائه وجيرانه ، وذكرياته ومقابر عائلته ،
ومكتبته ونسائم بلده ، ويذهب لغربة أقل مافيها
المذلة وضياع الأصول ، والتخلي عن لغتك التي
تنبض في عروقنا .. هربنا من الموت ، من التطرف ،
من الدمار والقتل المجاني ، ورفضنا أن نكون شركاء
بحمل السلاح ، أنا ضد كل من يحمل السلاح لقتل
أخيه السوري .. والآن أعيش على حلم وضع حد
لهذه الحرب القذرة ، التي دمرت سوريا وقتلت
وشردت أغلب سكانها ، في حين حلّ الأغراب في
بيوتنا وحاراتنا ومدننا .
** - الأدب السوري إمتداد للأدب العربي .. مارأيك
في ذلك ؟.
هذا مؤكد فمن سوريا كان عمر أبو ريشة ، ونزار
قباني ، وأدونيس ، والماغوط ، وزكريا تامر ، وحنا
مينا ، وغادة السمان ، وسعد الله ونوس ، ووليد
إخلاصي ، وأسماء كثيرة لا تحصى ، سوريا مثل أي
بلد عربي قدم لي أسماء كبيرة وهامة في عالم
الأدب والإبداع ، فما من بلد عربي إلا وعنده رموز
كبيرة يفخر ويعتز بها .. ونحن العرب نعيش حياة
تكاد تكون متشابه ،لذلك ثقافتنا واحدة ، من حيث
التراث العظيم ، الدين والعادات والتقاليد والموروث
الشعبي ، ثم مامن كتاب يصدر إلا وينتقل إلى بقية
الدول ، نعيش حياة وتجارب متشابه ، حتى في
قضية القمع والتخلف والحكم الوراثي .. يحكمنا
القهر والكبت والتخلف والحذاء العسكري ، مهما
تنوعت الأسماء وتلوّنت الطرق والاتجاهات ، نحن
أمة تعمل على تدمير نفسها في سبيل خدمة العدو
وتمكنه من السيطرة علينا أكثر ، وهناك كتابات
لمبدعين عرب كبار تحاول فضح هذا الأمر والتمرد
عليه .
**- كيف يرى الكاتب والشاعر الحاج حسين واقع
الكتاب الذين برزوا مؤخراً في الساحة العربية ؟.
أراهم في وضع لا يحسدون عليه .. إنّ الواقع المؤلم
الذي نعيشه ، جعل من أدبنا الرهن يتراجع على
المستوى الإبداعي والجمالي .. فنحن نعيش أزمة
الإغتراب والتمزق والضياع والتطرف والتعصب ،
طغت على نصوصنا رياح الكراهية والحقد والرغبة
بالإنتقام ، هناك من يقف مع القتل والقتلة في سبيل
مصلحة ضيقة أو بدافع الخوف .. عادت الكلاسيكية
والتقليدية والنمطية والذهنية والجمل والعبارات
الجاهزة ، لا أحد ينحاز للجمال بقدر الإنحياز
للفكرة .. نادراً ما نجد نصاً متكاملاً يقف على
رجليه ، لا يشكو من ركاكة وترهل وروح تشاؤمية
مهزومة ومبتورة .. الربيع العربي الدامي لم يثمر
بعد ، هناك محاولات ، ارهاصات ، شذرات من
إبداع ، ولكنه قيد النضج ، وأتوقع في المستقبل
القريب أن يتفجر الإبداع في شتى الأصناف الأدبية
والفنية ، وفي سائر الوطن العربي الكبير .
** - فلسطين حالة استثنائية عند الشعراء العرب ..
كيف ساندت قضية فلسطين ككاتب وشاعر ؟.
أنا لا أرى فلسطين فقط هي المحتلة من قبل العدو
الصهيوني ، ولا العراق وسوريا واليمن ، بل كنت
طوال عمري أرى أن الإرادة العربية بكاملها محتلة ،
وهناك من يتحكم بها ويسيّرها ضد الشعوب
العربية .. فلو كانت فلسطين وحدها تخضع
للإحتلال ، لكانت وخلال أيام قليلة قد تحررت
وبأيدي الفلسطينيين وحدهم ، دون حاجتهم
للعرب ، وبالحجارة فقط أيضاً .. ولكن هناك من
يتآمر ويبيع ويتاجر ويسمسر ، ويعمل على تمزيق
وتفريق الصفوف عند الفلسطيني أولاً ، ويساعد
العدو ويتآمر على الأمة بكاملها . فعلى الفلسطيني
أن يتحرر من التآمر العربي عليه ، قبل أن يتحرر
من المحتل الصهيوني ، وهذا فحوى ما أكتب ، منذ
أحرفي الأولى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق