القصّة القصيرة جدًّا: جنسٌ أدبيٌّ حديثٌ يمتازُ بقصرِ الحجمِ، والإيحاءِ المكثَّفِ، والنّزعةِ السّرديّةِ الموجَزةِ، والمقصديّةِ الرمزيّةِ، والتّلميحِ والاقتضابِ.
يقول أدغار آلان بو:
( يجب ألّا تُكتبَ كلمةٌ واحدةٌ لا تخدمُ غرضَ الكاتبِ ) ويوسف إدريس يقول: ( إنّ الهدف الذي أسعى إليه هو أن أكثّف في خمسٍ وأربعين كلمةً الكميّة القصوى الممكنة من الإحساس، باستخدام أقلّ عددٍ ممكنٍ من الكلمات )
وقد شاعت الرّمزيّة في هذا الجنس الأدبيّ، وهو أمرٌ جميلٌ ولكن للرّمز أناقته، وضرورة توظيفه توظيفًا صحيحًا ليوصل الفكرة المرجوّة إلى المتلقّي.
والمؤسف أنّ معظم الكتّاب لايميّزون بين الرّمز والطّلسمة والّتي باتت شائعة جدًّا في ال ق. ق. ج
وبات القارئ يحتار في أمره أيحتاج معجمًا، أم أنّه بحاجة إلى عرّاف يفكّ له تلك الطّلاسم؟
وأستحضر قولًا ظريفًا لأحد الأصدقاء ناعتًا إحدى المجموعات الّتي باتت السّمات العامّة في قصصها
الطّلسمة، والغموض، والتّكلّف بحجّة الحداثة قال:
"حين أدخل إلى هذه الرّابطة أشعر أنّني داخلٌ إلى مقبرةٍ، أو إلى معبدٍ للكهنة!"
وقد اخترت لكم بعضًا ممّا قرأتُه فيها:
مشيت فوق الأموات، لحقَ بي هيكلٌ عظميٌّ،
لبستُ حذائي في رأسي، ثقبتُ رأسي بقلم جدّي،
تلتفّ أمعاؤه بأنفه الطّويل، ذاكرة مفلطحة،
(تكأكأ المارّون، شفنتْه أمّه، افرنقع الجميع) هذه الجمل الثّلاث في نصّ واحد.
ولاأدري ماهو شعور(بودلير) لو قرأ ماظنّه هؤلاء رموزًا جميلة، وهذا غيضٌ من فيضٍ، فللقرف حصّة في قصص البعض:
اقرأ واعذرني إن تقزّزتَ:
(تقيّأتُ أفاعٍ، شربتُ دمًا أبيضَ، طها جاربَهُ العفنَ، أحسّ بمرارة لحمه، لقمَ ثدي عقربةٍ سوداءَ، ابتلعَ جرادةً، قطّعَ ضفدعة، تناولوا طبقَ الصّراصير!)
وربّما كان هؤلاء الكُتّاب ينوون المشاركة في مسابقة لرابطة الصّين الشّعبيّة، ولكنّهم نسوا، وشاركوا بها في رابطة عربيّة!!!
أمّا عن الفكر الدّاعشيّ فحدِّثْ ولاحرَج:
"بعد أن انتهى من تقطيع زوجته وتعبئتها في كيس… "
قضمتُ أصابعهم الطّريّة، لعقتُ دماءهم، رؤوس معلّقة على السّقف، آذان ملتصقة على الشّبابيك، عيون مقلوعة تغمز، أنوف مجدوعة تركض، جمجمة برقبة مقلوبة تترصّدني، ركضتُ خلفَ رأسي المتدحرج، ارتدت ثوبًا موشّىً بالجثث، رأيتُ هيكلًا عظميًّا يشرب القهوة، تعثّرتْ برأسها، صرخ الطّفل: هذا رأس أمّي، أيادٍ بلا أصابع، فراشات مقطوعة الرّؤوس!
يعني ياأخي الكاتب ماذنب الفراشات الرّقيقة حتّى تقطّعَ رؤوسها، وماذنب القارئ حتّى تروّعه بالذّبح والتّقطيع، والرّقص على الجثث، والتّلذّذ بالدّماء؟
أأنتَ خليفة الدّواعش على الأرض؟
أم أنّك النّاطق الأدبيّ باسم إجرامهم وتكفيرهم!
ستقول: لا!
إذن لماذا هذا الفكر الإجراميّ في قصصك؟
ألن تصبح كاتب ق.ق.ج إلّا إذا أثرتَ اشمئزاز القارئ
بألفاظك الطّافحة بالقرف، وتقطيع الجسد البشريّ، وتوظيف كلّ عضو بمعزل عن الآخر، وكأنّك تروّج على أنّ الأمر الطّبيعيّ للجسد الإنسانيّ أن يكون مقطَّعًا!!
ستقول بأنّك تصف الواقع؟
ألاتستطيع الوصفَ بجماليّةٍ أكثر؟
هاأنذا وصفت هذا الواقع بجملةٍ واحدةٍ دون أن أثير اشمئزاز أحدٍ، ودون أن أرعب أحدًا، اقرأ قصّتي هذه:
طَاعَة
بعدَ وفاةِ زوجها.. علَّقَتْ سَعادَتَها، وَرَغَباتِها على مِشجَبِ التّضحِيةِ لِتُنشِئَ وَحيدَها. لمَّا شبَّ، نالَ الرِّضا؛
بَشَّرَهُ أميرُهُ بِالجَنَّةِ مُستَلِذَّا بِسِكِّينِ تَكفِيرِهَا.
(مُستلذًّا بسكّين تكفيرِها)
هل قلت ذبحها، وعلّق رأسها، وقطّع جسدها، وتحدّث مع هيكلها العظميّ، وربّما لعقَ دماءَها!؟
واقرأ قصّتي(تكفير):
"حِينَ هَجَمَتِ الذِّئابُ عَلى قَريتي، اختبَأتُ تَحتَ السَّريرِ. افتَرَسَتْني سَاعاتُ قَهْرٍ. لمَّا مضَوا، كَانتِ النُّسُورُ تَحتَفِلُ. وَحدَهُ ثَوبُ "ليلى" لاذَ بِمِئْذَنَةٍ مُعلِنًا قَداسةَ جَدِّهِم."
(كانتِ النّسورُ تحتفلُ) أليست تعبيرًا عمّا فعله هؤلاء الوحوش في تلك القرية؟
أم أنّك بارع، وأنا بالكاد أجيد كتابة القصّة القصيرة جدًّا؟
هل كان ينبغي أن أصف مافعلوه وأقول:
قطّعوا الأصابع، لعقوا الدّماء، صلبوا ومثّلوا وحرقوا الأطفال في الأفران، واغتصبوا النّساء، وذبحوا الشّيوخ، ورأيت الرّؤوس تركض خلف أصحابها
والعيون المقلوعة تحدّق في الأحياء، و..و..و..
لأصبحَ موهوبةً مثلكَ؟
متى سترحموننا من هذا الفكر الإجراميّ المقيت؟
ومن هذه الجُمل الّتي باتت تغزو مجموعات الق. ق.ج
وكلٌّ يدّعي أنّه كاتبٌ موهوبٌ في هذا الجنس الأدبيّ!
والمضحك أنّ القارئ إذا سأل أحد الكتّابِ عن معنى جملةٍ طلسميّةٍ كتبها لايقبل الإجابة، ويكون ردّه السّخيف المتعالي: لاأودّ أن أفقدَ النّصَّ بريقَهُ؟؟!
مهلًا، مهلًا..عن أيّ بريقٍ تتحدّث، ومَن ضحكَ عليكَ،
وقال لك: إنَّ لنصّكَّ بريقًا؟؟
هل صار البريق، والألق بالألفاظ الدّاعشيّة؟؟
أم- وهذا المؤكّد- أنّك لاتفقه تلك الكلمات الغريبة العجيبة
الّتي كتبتَها، وتتهرّب بذاك الرّدّ الجبان؟
إلى أين تنحدرون بالأدب تحت مسمّى الحداثة؟
لعمري إنّ الحداثة وروّادها براءٌ منكم، ومن شعوذاتكم الأدبيّة، وطلاسمكم المقيتة، وألفاظكم المجرمة!
ويالبؤسِ القارئ بهكذا أدب!
وبهكذا مجموعات تحتفي بالتّرهّات وتروّج لها!
حقًّا..أنتم لاتختلفون في شيءٍ عن أولئك الدّواعش
الّذين اقتحموا البيوت، وروّعوا، وكبّروا، وذبحوا.
بل أنتم أشدّ خطرًا منهم!
على الأقلّ هؤلاء مكشوفون للجميع
أمّا أنتم فتتسترون بالأدب لتبثّوا سمومكم
وتنتظرون بعد كلّ هذا أن تكونوا أدباءَ؟
الأدب عدا عن جماليّته، قيمته بسموّه، ونبل مقاصده، ووصوله إلى قلوب، وعقول المتلقّينَ، أمّا أولئك الّذين يخشون على نصوصهم أن تفقد بريقها ووهجها إن فسّرَ أحدهم معنى كلمة للقارئ، فهم أقلّ شأنًا من أن يطلق عليهم اسم أدباء.
أعتقد أنّ الأيّام كفيلةٌ بتخليد الكتابات الجميلة الهادفة
وتلك الخزعبلات المسمّاة- ظلمًا وعدوانًا- (نصوصًا أدبيَّةً) ستتلاشى، ويكون عمرُها أقصر بكثير من حجم القصّة القصيرة جدًّا.
يقول أدغار آلان بو:
( يجب ألّا تُكتبَ كلمةٌ واحدةٌ لا تخدمُ غرضَ الكاتبِ ) ويوسف إدريس يقول: ( إنّ الهدف الذي أسعى إليه هو أن أكثّف في خمسٍ وأربعين كلمةً الكميّة القصوى الممكنة من الإحساس، باستخدام أقلّ عددٍ ممكنٍ من الكلمات )
وقد شاعت الرّمزيّة في هذا الجنس الأدبيّ، وهو أمرٌ جميلٌ ولكن للرّمز أناقته، وضرورة توظيفه توظيفًا صحيحًا ليوصل الفكرة المرجوّة إلى المتلقّي.
والمؤسف أنّ معظم الكتّاب لايميّزون بين الرّمز والطّلسمة والّتي باتت شائعة جدًّا في ال ق. ق. ج
وبات القارئ يحتار في أمره أيحتاج معجمًا، أم أنّه بحاجة إلى عرّاف يفكّ له تلك الطّلاسم؟
وأستحضر قولًا ظريفًا لأحد الأصدقاء ناعتًا إحدى المجموعات الّتي باتت السّمات العامّة في قصصها
الطّلسمة، والغموض، والتّكلّف بحجّة الحداثة قال:
"حين أدخل إلى هذه الرّابطة أشعر أنّني داخلٌ إلى مقبرةٍ، أو إلى معبدٍ للكهنة!"
وقد اخترت لكم بعضًا ممّا قرأتُه فيها:
مشيت فوق الأموات، لحقَ بي هيكلٌ عظميٌّ،
لبستُ حذائي في رأسي، ثقبتُ رأسي بقلم جدّي،
تلتفّ أمعاؤه بأنفه الطّويل، ذاكرة مفلطحة،
(تكأكأ المارّون، شفنتْه أمّه، افرنقع الجميع) هذه الجمل الثّلاث في نصّ واحد.
ولاأدري ماهو شعور(بودلير) لو قرأ ماظنّه هؤلاء رموزًا جميلة، وهذا غيضٌ من فيضٍ، فللقرف حصّة في قصص البعض:
اقرأ واعذرني إن تقزّزتَ:
(تقيّأتُ أفاعٍ، شربتُ دمًا أبيضَ، طها جاربَهُ العفنَ، أحسّ بمرارة لحمه، لقمَ ثدي عقربةٍ سوداءَ، ابتلعَ جرادةً، قطّعَ ضفدعة، تناولوا طبقَ الصّراصير!)
وربّما كان هؤلاء الكُتّاب ينوون المشاركة في مسابقة لرابطة الصّين الشّعبيّة، ولكنّهم نسوا، وشاركوا بها في رابطة عربيّة!!!
أمّا عن الفكر الدّاعشيّ فحدِّثْ ولاحرَج:
"بعد أن انتهى من تقطيع زوجته وتعبئتها في كيس… "
قضمتُ أصابعهم الطّريّة، لعقتُ دماءهم، رؤوس معلّقة على السّقف، آذان ملتصقة على الشّبابيك، عيون مقلوعة تغمز، أنوف مجدوعة تركض، جمجمة برقبة مقلوبة تترصّدني، ركضتُ خلفَ رأسي المتدحرج، ارتدت ثوبًا موشّىً بالجثث، رأيتُ هيكلًا عظميًّا يشرب القهوة، تعثّرتْ برأسها، صرخ الطّفل: هذا رأس أمّي، أيادٍ بلا أصابع، فراشات مقطوعة الرّؤوس!
يعني ياأخي الكاتب ماذنب الفراشات الرّقيقة حتّى تقطّعَ رؤوسها، وماذنب القارئ حتّى تروّعه بالذّبح والتّقطيع، والرّقص على الجثث، والتّلذّذ بالدّماء؟
أأنتَ خليفة الدّواعش على الأرض؟
أم أنّك النّاطق الأدبيّ باسم إجرامهم وتكفيرهم!
ستقول: لا!
إذن لماذا هذا الفكر الإجراميّ في قصصك؟
ألن تصبح كاتب ق.ق.ج إلّا إذا أثرتَ اشمئزاز القارئ
بألفاظك الطّافحة بالقرف، وتقطيع الجسد البشريّ، وتوظيف كلّ عضو بمعزل عن الآخر، وكأنّك تروّج على أنّ الأمر الطّبيعيّ للجسد الإنسانيّ أن يكون مقطَّعًا!!
ستقول بأنّك تصف الواقع؟
ألاتستطيع الوصفَ بجماليّةٍ أكثر؟
هاأنذا وصفت هذا الواقع بجملةٍ واحدةٍ دون أن أثير اشمئزاز أحدٍ، ودون أن أرعب أحدًا، اقرأ قصّتي هذه:
طَاعَة
بعدَ وفاةِ زوجها.. علَّقَتْ سَعادَتَها، وَرَغَباتِها على مِشجَبِ التّضحِيةِ لِتُنشِئَ وَحيدَها. لمَّا شبَّ، نالَ الرِّضا؛
بَشَّرَهُ أميرُهُ بِالجَنَّةِ مُستَلِذَّا بِسِكِّينِ تَكفِيرِهَا.
(مُستلذًّا بسكّين تكفيرِها)
هل قلت ذبحها، وعلّق رأسها، وقطّع جسدها، وتحدّث مع هيكلها العظميّ، وربّما لعقَ دماءَها!؟
واقرأ قصّتي(تكفير):
"حِينَ هَجَمَتِ الذِّئابُ عَلى قَريتي، اختبَأتُ تَحتَ السَّريرِ. افتَرَسَتْني سَاعاتُ قَهْرٍ. لمَّا مضَوا، كَانتِ النُّسُورُ تَحتَفِلُ. وَحدَهُ ثَوبُ "ليلى" لاذَ بِمِئْذَنَةٍ مُعلِنًا قَداسةَ جَدِّهِم."
(كانتِ النّسورُ تحتفلُ) أليست تعبيرًا عمّا فعله هؤلاء الوحوش في تلك القرية؟
أم أنّك بارع، وأنا بالكاد أجيد كتابة القصّة القصيرة جدًّا؟
هل كان ينبغي أن أصف مافعلوه وأقول:
قطّعوا الأصابع، لعقوا الدّماء، صلبوا ومثّلوا وحرقوا الأطفال في الأفران، واغتصبوا النّساء، وذبحوا الشّيوخ، ورأيت الرّؤوس تركض خلف أصحابها
والعيون المقلوعة تحدّق في الأحياء، و..و..و..
لأصبحَ موهوبةً مثلكَ؟
متى سترحموننا من هذا الفكر الإجراميّ المقيت؟
ومن هذه الجُمل الّتي باتت تغزو مجموعات الق. ق.ج
وكلٌّ يدّعي أنّه كاتبٌ موهوبٌ في هذا الجنس الأدبيّ!
والمضحك أنّ القارئ إذا سأل أحد الكتّابِ عن معنى جملةٍ طلسميّةٍ كتبها لايقبل الإجابة، ويكون ردّه السّخيف المتعالي: لاأودّ أن أفقدَ النّصَّ بريقَهُ؟؟!
مهلًا، مهلًا..عن أيّ بريقٍ تتحدّث، ومَن ضحكَ عليكَ،
وقال لك: إنَّ لنصّكَّ بريقًا؟؟
هل صار البريق، والألق بالألفاظ الدّاعشيّة؟؟
أم- وهذا المؤكّد- أنّك لاتفقه تلك الكلمات الغريبة العجيبة
الّتي كتبتَها، وتتهرّب بذاك الرّدّ الجبان؟
إلى أين تنحدرون بالأدب تحت مسمّى الحداثة؟
لعمري إنّ الحداثة وروّادها براءٌ منكم، ومن شعوذاتكم الأدبيّة، وطلاسمكم المقيتة، وألفاظكم المجرمة!
ويالبؤسِ القارئ بهكذا أدب!
وبهكذا مجموعات تحتفي بالتّرهّات وتروّج لها!
حقًّا..أنتم لاتختلفون في شيءٍ عن أولئك الدّواعش
الّذين اقتحموا البيوت، وروّعوا، وكبّروا، وذبحوا.
بل أنتم أشدّ خطرًا منهم!
على الأقلّ هؤلاء مكشوفون للجميع
أمّا أنتم فتتسترون بالأدب لتبثّوا سمومكم
وتنتظرون بعد كلّ هذا أن تكونوا أدباءَ؟
الأدب عدا عن جماليّته، قيمته بسموّه، ونبل مقاصده، ووصوله إلى قلوب، وعقول المتلقّينَ، أمّا أولئك الّذين يخشون على نصوصهم أن تفقد بريقها ووهجها إن فسّرَ أحدهم معنى كلمة للقارئ، فهم أقلّ شأنًا من أن يطلق عليهم اسم أدباء.
أعتقد أنّ الأيّام كفيلةٌ بتخليد الكتابات الجميلة الهادفة
وتلك الخزعبلات المسمّاة- ظلمًا وعدوانًا- (نصوصًا أدبيَّةً) ستتلاشى، ويكون عمرُها أقصر بكثير من حجم القصّة القصيرة جدًّا.
ميَّادة
مهنَّا سليمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق