كان في الباب ثلاثة حراس وغزال شارد، يتجاذبون أطراف الحديث، وفي لحظة سهو، ذهب طرف الحديث وتشتت أفكار الحراس عبر فجوات في الحاضر، أراد أحدهم أن يجمعها إلاّ أن الأمر تعدى فكره، فضرب يدا بيد متذكرا رداءها المخملي، وضحكتها التي رسمت للطبيعة ربيعا، بدل الشتاء الذي يعيشه، فضرب بالحائط ما دار من حديث بينهم، مسترجعا اللحظات الواحدة تلو الأخرى ببطء شديد، كانت الفكرة السائدة في رأسه في تلك الفترة، أن لا يكلم إنسيا لعشرة أيام متتالية، حتى زوجته التي ذكرته في
خروجه اليوم، بحلول عيد زواجهما العشرون، قال لها مهنئا آنذاك الأيام تمر بسرعة، تجري مجرى الزيت فوق البِلاط، وهو يعلم يقينا أن زوجته سترى الأمر مدحا وإطراءا، بينما كان في الحقيقة مواسيا لها ولنفسه، حتى هو لم يعرف معنى هذا التشبيه لكلامه، لكنه تذّكر صفيحة الزيت التي تركتها مفتوحة، فدّاسها قطه ذو الشوارب الخبيثة، فجرى زيتها من المطبخ عبر الرواق ثم الباب حتى وصل إلى الشارع، في دخوله للبيت في ذلك المساء المشئوم، وجد بعض الكلاب يضعون الزيت على جلودهم الخشنة القبيحة، بينهم قطة، ويتسامرون مع قطه، فعلم أن الحادث حيك بليل بين الحاويات.
و مــّر عليهم الشهر دون زيت، غير أن زوجته كانت تتسم بالحكمة، فكانت تضع للأكل بدل الزيت النباتي بعض الشحوم الحيوانية، التي كانت في الثلاجة من عيد الأضحى الأخير، فأمسك ببطنه ولاحظ تدفقا قليلا للشحوم، فقرر أن يشرب زنجبيلا بالمقهى المقابل للقصر لأجل التخسيس أو ربما كأسين من ماء الحنفية، بعدما رما يده في جيبه فلم يجد إلاّ علبة كبريت تكاد تذهب معالمها وفتات سجائر.
في لحظة صفاء نسي فيها البرد الشديد وكثرة كلام زملائه، بقي صامتا يستلّذ كل دقيقة في هذا الشرخ الذي أصاب الزمن وأرجعه للصباح الباكر في بداية يومه، حين مرت زميلة له، سقى الريح خدودها فأوْردت باقات حمراء، كانت كالطيف كعادتها يتمايل عنفوانها كأنها نخلة، صامتة في مرورها عبر الباب الكبير، فلم يلحظ أن وصل قدماها الأرض، كان يظن دائما أنها ملاك لا يمشي مثل البشر، لم يكن يدري أنه مازال في الباب الصغير للقصر الأزرق، نسي عمله، حتى ظهر أحدهم يحمل كيسا شفافا فيه الكثير من العيون المحمرة، تنظر إليه وقد لاقت حتفها من زمن ليس بقليل.
لم يستطيع السكوت كما تمنى، توجه مكلما حاملها، أظهر ذلك الشخص المــّار في غير زمن زيارة مرضى القصر الأزرق نوعا من اللامبالاة، حتى أنه لم يسمعه في بادئ الأمر، فأعاد عليه نفس الكلام آمرا إياه بالتوقف، توقف الزائر كأنه جنديا أمره قائد سريته، كان صوت الحارس غليظا، من غلظة أوتاره الصوتية بسبب التدخين،وفي التفاتة الزائر، كان بجنبه يسأله عما يحمل في هذا الكيس فقال بعض أسماك، وهي في الحقيقة ليست بالبعض فثقل الكيس يوحي بكثرتها، قال الحارس بتهكم متسائلا ،ألا تعلم بوقت الزيارة، ثم كيف تزور مريضا بكيس مليء بالأسماك، لو كانت فاكهة مميزة، لاعتبرت الأمر طبيعيا، فرّد أنه اشترى السمك وفي طريقه سمع أن زوجته مريضة، قد نقلت إلى المستشفى، قال الحارس ضع الكيس هنا واذهب لرؤية زوجتك، كان الزائر ممتنا وسيد القصر مستنكرا، وكانت زوجة الحارس فرحة بعودة بعلها إلى بيته حاملا كيسا ثقيلا ففهمت أنه تذكر عيد زواجها.
في المدخل الآخر للقصر الأزرق، كان هناك أربعة حراس ثلاثة نائمون والرابع يداعب هاتفه النقال، نظره أحد المارة فتبسم وأردف إنني أكاد أصل إلى الأميرة في لعبة ماريو الشهيرة، والتفت إلى الحائط وتنكر للناس والباب، في هذا الجو الشاعري الذي لا ينبت فيه زرع، قال أحد المارة بنفسه مجاهرا لها، أنه قد يلقى حتفه نتيجة إهمال الحراس لأبواب القصر، أكد له أحدهم ممن يسمع الأفكار أن الأطباء أكفاء أكثر من الحراس بقليل، فارتاح بدنيا على دفة الباب، في حين كانت روحه تهرب ملاصقة للجدران الخارجي للقصر الأزرق، بعد أن صدر قرار الطبيب بضرورة إجراء عملية، كان بدنه قد وصل إلى آخر المدينة، يودع زوجته ويِؤكد ضرورة أن تنصت عندما يكلمها على ذكورته التي قد يسترجعها المشرط، فذكرها أن العيش دون ولد لا يعنيه أبدا، وهو يخاطبها ذكرها أنه ترك لها بعض المال في الخزانة ووصيته الشهيرة، قبلها تقبيل مودع وهمس في أذنها أن لا تحتفظ بعذريتها، وتتزوج إن لم تنجح العملية. في لمح البصر كان مع الحراس فوجدهم قد بُثّت فيهم الروح، يحتفلون بفوز رابعهم بالأميرة في لعبته التي ظل يلعبها لمدة عشرين سنة خلت لساعات طويلة، بكى بكاء شديدا من الفرحة حتى ابيضت عيناه فذهب إلى طبيب العيون خلف الباب الرئيسي الذي أمر له بعصا بيضاء وكلب، و طلب منه أن لا يفقد الأمل فقد يكون من هنا إلى سنين قادمة زرع عيون السمك للبشر، اقتنع وتمنى أن يكون له عيون دلفين حتى لا يستعمل نظارة الغوص في الصائفة المقبلة في شاطئ المرجان، وذهب في عطلة مرضية طويلة الأجل وأصبح قلب الحراس فارغا فملأه الغزال في مروره من الباب الرئيسي عند الخروج........
الاطرش بن قابل
خروجه اليوم، بحلول عيد زواجهما العشرون، قال لها مهنئا آنذاك الأيام تمر بسرعة، تجري مجرى الزيت فوق البِلاط، وهو يعلم يقينا أن زوجته سترى الأمر مدحا وإطراءا، بينما كان في الحقيقة مواسيا لها ولنفسه، حتى هو لم يعرف معنى هذا التشبيه لكلامه، لكنه تذّكر صفيحة الزيت التي تركتها مفتوحة، فدّاسها قطه ذو الشوارب الخبيثة، فجرى زيتها من المطبخ عبر الرواق ثم الباب حتى وصل إلى الشارع، في دخوله للبيت في ذلك المساء المشئوم، وجد بعض الكلاب يضعون الزيت على جلودهم الخشنة القبيحة، بينهم قطة، ويتسامرون مع قطه، فعلم أن الحادث حيك بليل بين الحاويات.
و مــّر عليهم الشهر دون زيت، غير أن زوجته كانت تتسم بالحكمة، فكانت تضع للأكل بدل الزيت النباتي بعض الشحوم الحيوانية، التي كانت في الثلاجة من عيد الأضحى الأخير، فأمسك ببطنه ولاحظ تدفقا قليلا للشحوم، فقرر أن يشرب زنجبيلا بالمقهى المقابل للقصر لأجل التخسيس أو ربما كأسين من ماء الحنفية، بعدما رما يده في جيبه فلم يجد إلاّ علبة كبريت تكاد تذهب معالمها وفتات سجائر.
في لحظة صفاء نسي فيها البرد الشديد وكثرة كلام زملائه، بقي صامتا يستلّذ كل دقيقة في هذا الشرخ الذي أصاب الزمن وأرجعه للصباح الباكر في بداية يومه، حين مرت زميلة له، سقى الريح خدودها فأوْردت باقات حمراء، كانت كالطيف كعادتها يتمايل عنفوانها كأنها نخلة، صامتة في مرورها عبر الباب الكبير، فلم يلحظ أن وصل قدماها الأرض، كان يظن دائما أنها ملاك لا يمشي مثل البشر، لم يكن يدري أنه مازال في الباب الصغير للقصر الأزرق، نسي عمله، حتى ظهر أحدهم يحمل كيسا شفافا فيه الكثير من العيون المحمرة، تنظر إليه وقد لاقت حتفها من زمن ليس بقليل.
لم يستطيع السكوت كما تمنى، توجه مكلما حاملها، أظهر ذلك الشخص المــّار في غير زمن زيارة مرضى القصر الأزرق نوعا من اللامبالاة، حتى أنه لم يسمعه في بادئ الأمر، فأعاد عليه نفس الكلام آمرا إياه بالتوقف، توقف الزائر كأنه جنديا أمره قائد سريته، كان صوت الحارس غليظا، من غلظة أوتاره الصوتية بسبب التدخين،وفي التفاتة الزائر، كان بجنبه يسأله عما يحمل في هذا الكيس فقال بعض أسماك، وهي في الحقيقة ليست بالبعض فثقل الكيس يوحي بكثرتها، قال الحارس بتهكم متسائلا ،ألا تعلم بوقت الزيارة، ثم كيف تزور مريضا بكيس مليء بالأسماك، لو كانت فاكهة مميزة، لاعتبرت الأمر طبيعيا، فرّد أنه اشترى السمك وفي طريقه سمع أن زوجته مريضة، قد نقلت إلى المستشفى، قال الحارس ضع الكيس هنا واذهب لرؤية زوجتك، كان الزائر ممتنا وسيد القصر مستنكرا، وكانت زوجة الحارس فرحة بعودة بعلها إلى بيته حاملا كيسا ثقيلا ففهمت أنه تذكر عيد زواجها.
في المدخل الآخر للقصر الأزرق، كان هناك أربعة حراس ثلاثة نائمون والرابع يداعب هاتفه النقال، نظره أحد المارة فتبسم وأردف إنني أكاد أصل إلى الأميرة في لعبة ماريو الشهيرة، والتفت إلى الحائط وتنكر للناس والباب، في هذا الجو الشاعري الذي لا ينبت فيه زرع، قال أحد المارة بنفسه مجاهرا لها، أنه قد يلقى حتفه نتيجة إهمال الحراس لأبواب القصر، أكد له أحدهم ممن يسمع الأفكار أن الأطباء أكفاء أكثر من الحراس بقليل، فارتاح بدنيا على دفة الباب، في حين كانت روحه تهرب ملاصقة للجدران الخارجي للقصر الأزرق، بعد أن صدر قرار الطبيب بضرورة إجراء عملية، كان بدنه قد وصل إلى آخر المدينة، يودع زوجته ويِؤكد ضرورة أن تنصت عندما يكلمها على ذكورته التي قد يسترجعها المشرط، فذكرها أن العيش دون ولد لا يعنيه أبدا، وهو يخاطبها ذكرها أنه ترك لها بعض المال في الخزانة ووصيته الشهيرة، قبلها تقبيل مودع وهمس في أذنها أن لا تحتفظ بعذريتها، وتتزوج إن لم تنجح العملية. في لمح البصر كان مع الحراس فوجدهم قد بُثّت فيهم الروح، يحتفلون بفوز رابعهم بالأميرة في لعبته التي ظل يلعبها لمدة عشرين سنة خلت لساعات طويلة، بكى بكاء شديدا من الفرحة حتى ابيضت عيناه فذهب إلى طبيب العيون خلف الباب الرئيسي الذي أمر له بعصا بيضاء وكلب، و طلب منه أن لا يفقد الأمل فقد يكون من هنا إلى سنين قادمة زرع عيون السمك للبشر، اقتنع وتمنى أن يكون له عيون دلفين حتى لا يستعمل نظارة الغوص في الصائفة المقبلة في شاطئ المرجان، وذهب في عطلة مرضية طويلة الأجل وأصبح قلب الحراس فارغا فملأه الغزال في مروره من الباب الرئيسي عند الخروج........
الاطرش بن قابل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق