إلى ابنتي بمناسبة نجاحها في شهادة البكالوريا
ابنتي العزيزة:
أعترف لك بأني كنت قلقا بعض الشيئ قبل الإعلان عن نتيجتك في الامتحان ومبعث قلقي لم يكن الشك في نجاحك وإنما
في معدل الانتقال إلى الجامعة فلما أعلنت النتيجة تنفست الصعداء. مبارك لك التوفيق والنجاح بمعدل جيد ،هكذا تلتحقين بإحدى الكليات العلمية كأختك التي سبقتك إلى كلية الطب منذ سنتين وتحققين رغبة جامحة في نفسي مزيدا من الريادة والنجاح في حقل العلم والثقافة وخدمة الناس كما خدمهم جدك طيلة عمره معلما وداعيا إلى الفضيلة والتقى على وعي وبصيرة.
إنني ماهزني غنى غني ولا زعامة ملك مثلما هز وجداني وانتزع إعجابي جلال العلم وعظمة الثقافة وبهاء الإبداع فسبحان الذي له الملك والملكوت وله الأسماء الحسنى والنعوت أن عصمنا من الوقوع في أوحال دنيا يتكالب فيها الناس على ثرائها ورياشها وطنافسها بغير السؤال عن مصدر الثراء والنعمة ولو بذلت النفوس رخيصة وانتهكت الأعراض غير نفيسة .
أذكر أنني في مثل سنك وفي عام كعامك هذا أخذت الورقة وكتبت للتو هذا البيت من تأليفي:
مرادي عظيم وعزمي شديد** مراد السريرة مجد تليد
كان ذلك تحت تاثير كبرياء العقاد وجبروته الفكري والفلسفي والأدبي قرأت له فأعجبت به وبشخصيته العيوف للرداءة وللابتذال ونفسه المزهوة بأخلاقها وعفتها وعقله الذي يهضم جرانيت الفلسفة والفكر سألته أين تسكن؟ قهقه وقال: قمة إفرست
إذا أردت أن ترى العالم من فوق فلسفيا وفكريا ،بانوراميا دثر نفسك واحمل قارورات الأكسجين واستعد لدوار الجبال إنك ستمكث قليلا فأنت لا تحتمل هذا العلو الشاهق ولكن سيكون لك الشرف أن رأيت العالم من خلال إفرست العقاد.
وما انتفاعي وقد شاب الفؤاد سدى ** أن لم تشب أبدا كفي ولا قدمي
وليس ما يخدع الفتيـــان يخدعني ** كلا ولا شيم الفتيان من شيمي
وحين تنزل لن تحترم إنسانا لا يحترم نفسه ولو كان حسيبا نسيبا أو صاحب سلطان وصولجان ولا صاحب شهادة عليا مالم يزكها بالبينة والبرهان من إنتاجه العلمي والأدبي وغبرذ لك رغاء، رغاء ،رغاء.........
من أجل ذلك أحب العلم والثقافة وأتيه حبا في جمال وجلال العربية وأتعبد في محاريب الفن والأدب إنني مثل بجماليون ذلك الفتى الذي نحت تمثالا لامرأة ثم أغرم بها فراح يسأل الألهة أن تبعث فيها الروح لأنه أحبها فلما تحققت بغيته وعاشر تلك المرأة التي نحتها بإزميله مل منها وسئم وعاد يسأل الألهة أن تعيدها تمثالا. إنه يحب أن يعيش بحلمه بوجدانه وخياله لا بمسامات جلده.كذلك أنا مللت دنيا الناس وحديثهم الفارغ وصخبهم وجلبتهم لأجل مزايدات ومفاخرات وملاسنات وزهو وغطرسة بعيدا عن الجوهر السامي للوجود الإنساني والحقيقة البشرية التي وسمتها يد الله بميسم الكرامة فابتذلها الإنسان ولطخها بأوحال الغريزة وعفن الشهوات وقتامة الحمأ المسنون.
ما أكثر الأطباء وما أكثر المحامين وما أكثر السياسيين ورجال المال وما أكثر أساتذة الجامعة وما أكثر حملة الشهادة العليا - إلا في القليل النادر- وما أقل إنسانيتهم ورفعة عقولهم وما أكثر لجاجة أنفسهم الجشعة الطامعة في الربح على حساب معاناة الناس! يفكرون في الحق ولا يفكرون في الواجب ويعملون لأجل الشهرة ولا يعملون لأجل الإتقان وينتظرون من الناس أكثر مما يحق للناس أن ينتظروه منهم .
لأجل ذلك أريدك أن تجتهدي أكثر و تعملي أكثر بدافع البحث والتعمق في دنيا العلم واجعلي غايتك خدمة الإنسان قبل كل شيئ فمن خلال تلك الخدمة تخدمين نفسك وضعي شعارك قول الشاعر العربي:
إن الشباب إذا سما بطموحه** جعل النجوم مواطئ الأقدام
شدي عربتك إلى نجم كما قال إمرسون فخير الحياة حياة العلم وخير الغنى غناه ورفيع الدرجات درجة العلماء فما قصر الله خشيته على ثري ولا على ملك ولا على حسيب نسيب ولا على وسيم أنيق بل على أهل العلم
فاسعي أن تكوني منهم.
يا لها من دنيا سريعة كأن عقارب الساعة تخادعنا توهمنا أنها تسير بالقسطاس المستقيم وفي ذات الوقت تغبننا السنة كأنها شهر والشهر كأنه أسبوع والأسبوع يوم! ما زلت اذكر يوم ميلاك وقد اختار لك جدك اسم خولة وكيف كنت تدرجين،تعبثين تمرحين.
عجبا ثمانية عشرة عاما مرت تباعا سراعا كلمح بالبصر!
لا أيتها العقارب إنك تغبنين وتغشين هذا أمر دبر بليل في الليل تسيرين بسرعة الخوف في قلب الجبان فإذا جاء النهار تظاهرت بالنزاهة والدقة والحياد.
على كل هذه دنيانا وليست علينا بالجديدة ظاهرها الفرح وجواها الحزن وسطحها الغنى وعمقها الإملاق كل واحد فينا يحمل قدره على ظهره ويمشي على جمر الحاجة وحصباء الصراع من أجل البقاء بيمناه كفنه وبشماله ورقة الإجابة عن امتحان الدنيا - والممتحن يطلب وقتا إضافيا- لا شيئ فيها غير حلاوة الكفاح وزينة الفضيلة وأثر العقل والقلم.
دعينا من كل هذا ولأعد إلى نجاحك الكرزي فلونه في لون الشفق الأرجواني وطعمه بطعم الكرز في موسم القطاف وملمسه في نعومة الحرير إنه أجمل من تمثال بجماليون.
هنيئا لك النجاح الذي أنت قاطفة جناه ، أنا أتلذذ وأنت تأكلين وهنيئا لكل الناجحين في هذا الوطن الذي لا يصلح شأنه ولا يرمم بنيانه ولا يعالج عواره إلا أهل العلم. طاب لك طبق الكرز وطاب لكل الناجحين.
ابنتي العزيزة:
أعترف لك بأني كنت قلقا بعض الشيئ قبل الإعلان عن نتيجتك في الامتحان ومبعث قلقي لم يكن الشك في نجاحك وإنما
في معدل الانتقال إلى الجامعة فلما أعلنت النتيجة تنفست الصعداء. مبارك لك التوفيق والنجاح بمعدل جيد ،هكذا تلتحقين بإحدى الكليات العلمية كأختك التي سبقتك إلى كلية الطب منذ سنتين وتحققين رغبة جامحة في نفسي مزيدا من الريادة والنجاح في حقل العلم والثقافة وخدمة الناس كما خدمهم جدك طيلة عمره معلما وداعيا إلى الفضيلة والتقى على وعي وبصيرة.
إنني ماهزني غنى غني ولا زعامة ملك مثلما هز وجداني وانتزع إعجابي جلال العلم وعظمة الثقافة وبهاء الإبداع فسبحان الذي له الملك والملكوت وله الأسماء الحسنى والنعوت أن عصمنا من الوقوع في أوحال دنيا يتكالب فيها الناس على ثرائها ورياشها وطنافسها بغير السؤال عن مصدر الثراء والنعمة ولو بذلت النفوس رخيصة وانتهكت الأعراض غير نفيسة .
أذكر أنني في مثل سنك وفي عام كعامك هذا أخذت الورقة وكتبت للتو هذا البيت من تأليفي:
مرادي عظيم وعزمي شديد** مراد السريرة مجد تليد
كان ذلك تحت تاثير كبرياء العقاد وجبروته الفكري والفلسفي والأدبي قرأت له فأعجبت به وبشخصيته العيوف للرداءة وللابتذال ونفسه المزهوة بأخلاقها وعفتها وعقله الذي يهضم جرانيت الفلسفة والفكر سألته أين تسكن؟ قهقه وقال: قمة إفرست
إذا أردت أن ترى العالم من فوق فلسفيا وفكريا ،بانوراميا دثر نفسك واحمل قارورات الأكسجين واستعد لدوار الجبال إنك ستمكث قليلا فأنت لا تحتمل هذا العلو الشاهق ولكن سيكون لك الشرف أن رأيت العالم من خلال إفرست العقاد.
وما انتفاعي وقد شاب الفؤاد سدى ** أن لم تشب أبدا كفي ولا قدمي
وليس ما يخدع الفتيـــان يخدعني ** كلا ولا شيم الفتيان من شيمي
وحين تنزل لن تحترم إنسانا لا يحترم نفسه ولو كان حسيبا نسيبا أو صاحب سلطان وصولجان ولا صاحب شهادة عليا مالم يزكها بالبينة والبرهان من إنتاجه العلمي والأدبي وغبرذ لك رغاء، رغاء ،رغاء.........
من أجل ذلك أحب العلم والثقافة وأتيه حبا في جمال وجلال العربية وأتعبد في محاريب الفن والأدب إنني مثل بجماليون ذلك الفتى الذي نحت تمثالا لامرأة ثم أغرم بها فراح يسأل الألهة أن تبعث فيها الروح لأنه أحبها فلما تحققت بغيته وعاشر تلك المرأة التي نحتها بإزميله مل منها وسئم وعاد يسأل الألهة أن تعيدها تمثالا. إنه يحب أن يعيش بحلمه بوجدانه وخياله لا بمسامات جلده.كذلك أنا مللت دنيا الناس وحديثهم الفارغ وصخبهم وجلبتهم لأجل مزايدات ومفاخرات وملاسنات وزهو وغطرسة بعيدا عن الجوهر السامي للوجود الإنساني والحقيقة البشرية التي وسمتها يد الله بميسم الكرامة فابتذلها الإنسان ولطخها بأوحال الغريزة وعفن الشهوات وقتامة الحمأ المسنون.
ما أكثر الأطباء وما أكثر المحامين وما أكثر السياسيين ورجال المال وما أكثر أساتذة الجامعة وما أكثر حملة الشهادة العليا - إلا في القليل النادر- وما أقل إنسانيتهم ورفعة عقولهم وما أكثر لجاجة أنفسهم الجشعة الطامعة في الربح على حساب معاناة الناس! يفكرون في الحق ولا يفكرون في الواجب ويعملون لأجل الشهرة ولا يعملون لأجل الإتقان وينتظرون من الناس أكثر مما يحق للناس أن ينتظروه منهم .
لأجل ذلك أريدك أن تجتهدي أكثر و تعملي أكثر بدافع البحث والتعمق في دنيا العلم واجعلي غايتك خدمة الإنسان قبل كل شيئ فمن خلال تلك الخدمة تخدمين نفسك وضعي شعارك قول الشاعر العربي:
إن الشباب إذا سما بطموحه** جعل النجوم مواطئ الأقدام
شدي عربتك إلى نجم كما قال إمرسون فخير الحياة حياة العلم وخير الغنى غناه ورفيع الدرجات درجة العلماء فما قصر الله خشيته على ثري ولا على ملك ولا على حسيب نسيب ولا على وسيم أنيق بل على أهل العلم
فاسعي أن تكوني منهم.
يا لها من دنيا سريعة كأن عقارب الساعة تخادعنا توهمنا أنها تسير بالقسطاس المستقيم وفي ذات الوقت تغبننا السنة كأنها شهر والشهر كأنه أسبوع والأسبوع يوم! ما زلت اذكر يوم ميلاك وقد اختار لك جدك اسم خولة وكيف كنت تدرجين،تعبثين تمرحين.
عجبا ثمانية عشرة عاما مرت تباعا سراعا كلمح بالبصر!
لا أيتها العقارب إنك تغبنين وتغشين هذا أمر دبر بليل في الليل تسيرين بسرعة الخوف في قلب الجبان فإذا جاء النهار تظاهرت بالنزاهة والدقة والحياد.
على كل هذه دنيانا وليست علينا بالجديدة ظاهرها الفرح وجواها الحزن وسطحها الغنى وعمقها الإملاق كل واحد فينا يحمل قدره على ظهره ويمشي على جمر الحاجة وحصباء الصراع من أجل البقاء بيمناه كفنه وبشماله ورقة الإجابة عن امتحان الدنيا - والممتحن يطلب وقتا إضافيا- لا شيئ فيها غير حلاوة الكفاح وزينة الفضيلة وأثر العقل والقلم.
دعينا من كل هذا ولأعد إلى نجاحك الكرزي فلونه في لون الشفق الأرجواني وطعمه بطعم الكرز في موسم القطاف وملمسه في نعومة الحرير إنه أجمل من تمثال بجماليون.
هنيئا لك النجاح الذي أنت قاطفة جناه ، أنا أتلذذ وأنت تأكلين وهنيئا لكل الناجحين في هذا الوطن الذي لا يصلح شأنه ولا يرمم بنيانه ولا يعالج عواره إلا أهل العلم. طاب لك طبق الكرز وطاب لكل الناجحين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق