
حِينَ أحَسَّ بِتَشاؤُمِهِم مِن الحَرب، صَنع سَفِينَة مِن وَرَق، تَسِع أَحلاَمَهُم، لَكِنّه نَسيَ أَن يُخبِرَهُم بِألَّا يَلتَفِتُوا وَرَاءَهُم، فَأَصَابَتهُم اللّعنَة.
النّص
ققج بامتياز
العنوان هو هدف النص وغايته ومبتغاه
أُصادق على جماله
غابرون / مفردها( غابر )مصدرها( غَبَر) بمعنى الغُبار وتأتي بمعنى البقاء
داهية الغَبَر / مصيبة لا تكاد تذهب
والغابر تأتي بمعنى البعيد و الماضي البعيد
أمّا المعجم الوسيط
غَبِرَ :
غَبِرَ الشيءُ غَبِرَ َ غَبَرًا ، وغُبْرَةٌ : علاه الغُبارُ .
و غَبِرَ صَار لونُه كلون الغُبار .
فهو أَغْبَرُ ، وهي غَبْرَاءُ . والجمع : غُبْرٌ .
و غَبِرَ الجرحُ غَبَرًا : اندمل على فساد ثم انتقض بعد البُرْءِ .
فهو غَبِرٌ .
نأتي الآن إلى النص
النص يسرد فصلاً من فصول حربٍ عاشها بلدٌ ما وألحقت بأهلها خسائر جمّة في الأرواح والممتلكات
ندلف رواق النص لنجد أنه ابتدأ بشبه جملة :
حين أحس بتشاؤمهم من الحرب/ جملة تستقطب القارئ بشدة إلى ما بعد ذاك الحين وما بعد التشاؤم وتفتح الأفق باتساع نحو الحدث اللاحق.
لندخل إلى عالم الأحلام الورقية.وكأنَّ البطل هنا طفلٌ وقد يكون شاباً يافعاً أو رجلاً معيلاً ...يصنع أحلاماً من ورق له و لأهله و أصحابه لينجُ بها وبهم من واقع الموت الذي يتربّص بهم ولذلك يلوذون بالفرار.ترى هل يتعدّى حلمه الورق فيجوزن بحر الموت!
أم يُغرقون بالحلم الواهن!
لكنه نسي أن يخبرهم/ وهنا عقدة النص وبؤرته
لكن/ حرف استدراك استخدمه الكاتب/ة بكل براعة ليرفع تأزّم الحدث إلى ذروته فيخبرنا بعد الحلم الجارف عن إدراكه الذي اصطدم بالواقع المرّ الذي يعيشه ومن معه.
ترى ماذا نسي أن يخبرهم؟
ومن هم الذين نسي أن يخبرهم !
من المؤكد هم قومه و خاصته يلذون به وإلا ما حرص عليهم وعلى اصطحابهم في سفينته الورقية قبل أن يأتي الطوفان
وللأسف يبدو أن سفينة نوحٍ لن تتكرر وأنّ الطوفان عندما يحل بأرضٍ يأتي على الأخضر واليابس وعلى الزرع والضرع وعلى البشر والحجر !
نسي أن يخبرهم بألا يلتفتوا وراءهم/ ماوراء الحلم بحر من ظلم
وقهر فيه الحيتان تجتث الأرواح بلا هواده.
فأصابتهم اللعنة / أي لعنة ؟ لعنة الكذب،، لعنة الغرق،، ألعنة الحلم الورقي ؟ أم غضب الله الذي نزل على قوم لم يتعظوا من سِيَر الأولين كقصص القرآن !!
قابيل وهابيل و امرأة نوح !
قفلة جميلة مهَّد لها الكاتب/ة بجملة سبقتها أخبرنا فيها أنه نسي إخبارهم وكأن من رسمهم في خلده صدَّقوا حلمه أيضاً ولما أتاهم الطوفان باتوا من الغابرين. بمعنى الميتين
ترى هل ماتوا غرقاً أم قصفاً أم رجماً !
نص رائع استحوذ على اهتمامي وانتباهي
وذكرني بالآية الكريمة التي تقول :
يقول سبحانه: { وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } [الصافات: 133-136] أي: بالقصف والرَّجْم.
كلمة (وأهله) الأهل تُطلَق على عشيرة الرجل الأقربين، وتُطلق على الزوجة، والحق سبحانه وتعالى أخبر هنا أنه نجَّى لوطاً وأهله أجمعين، واستثنى منهم امرأته { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } [الصافات: 135]، وفي آية أخرى قال:
{ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ }
[العنكبوت: 33]
والغابرون جمع: غابر ويطلق الغابر على معنيين متقابلين. الغابر: يعني الشيء الذى مضى وانتهى، والغابر الباقى، وقد اجتمع لامرأة لوط المعنيان معاً، فهي من الغابرين الذين تركناهم للهلاك، أو من الغابرين يعني الباقين أيضاً للعذاب حتى يأتي.
وما أظن الكاتب/ة إلا مسترشداً بها في ضميره وعقله الباطن فترجمه بأسلوبه الخاص ونظرته المتفردة وصاغها بكل براعة ودقة وترميز وتكثيف
استخدم الكاتب/ة عبارات جميلة سهلة الهضم أسلوبه سلس وشيق يستقطب القارئ منذ العبارة الأولى عنوان النص موفق به جداً
تحية تليق بالفكر الشاسع
والشكر الكبير لمدير هذا الصرح الأدبي وخطواته الصادقة في تنمية القراءات الأدبية للنصوص الجميلة وتطويرها
وكلنا ننهل من معين الأدب شغوفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق