رؤية وقصة.
يسأل اﻻنسان عن ذاته التي ضاعت منه في طريق مساره عبر التأريخ ، عن غابات أجتازها وعلق به منها ورق الآس الذي فضح خوفه وخيانته لذاته .أمر عجيب ان يتلفت خائفا من مخلوقات تراه سيدًا عليها،حتى فهمت من خوفه انه تنازل عن عقله فصار مثلها ينتهز الفرصة للقنص! لم يعد يهمه غير الطعام واشياء اخرى تُحيي فيه صفة الحيوان بقوة .
......
1) البداية.
جسد عاري يسير بحِيرة ،صخرة سوداء صلدة , هو يجلس القرفصاء متكئاً عليها فتكلمه قائلة : ياآدم لِمَ انت في حيرة من أمرك؟ كل ماهنا طوع أمرك.
آدم يجيب:
لو كنتُ سيدا ماكنتُ هنا عاريا يتمزق جسدي بالاحجار والاشجار .ماكنت شعرت بالغربة والسقم ..يالخيبتي !! ماذا خسرت؟ كيف سأجدها وسط هذه المتاهة؟ أيتها الصخرة أخبريني عما لاأعرفه من الاشياء هنا . لكن قبلها أخبريني لما انت سوداء مختلفة؟
الصخرة تجيب:
سيخبرك كل شيء عن ذاته ان عرفت ذاتك ،أما سوادي فلأنني حين رأيتك أحببتك وانت العاصي لربك فأصابني من اثمك.
آدم يجيب: أرجوك لا تقولي أكثر. وصار آدم يبكي حتى ابتلت الارض من تحته وجرى نهر من دموعه جرف الصخرة السوداء بعيدا . قال محدثا نفسه : كم آذيتها يالها من بداية لي هنا ، انها نبوءة الوجود أظن أنني بدأت بتدمير المكان ومازال العصيان جزءا مني فلأصمت. كان النوم حليف آدم ، شيء عرفه هنا على الأرض هو التعب وأنين السير والقلق . وكان له أول حلم يراه.
.................
2) الحلم .
( رأى حواء تسبح في بركةٍ من ماء أحمر اللون ، أستغرب فسألها : عزيزتي كم قلقت عليكِ ، ماهذا اللون الاحمر للماء لم أرَ مثله في الجنة انه يغلي الاتشعرين بسخونته؟
حواء تجيب: آدم انه الدم ، كالذي تنزفه قدماك انظر اليهما . آدم يمد يده حيث قدمه فتلوثت يده بالدم اخذ يلعقها ويشمها مستغربا منه فيقول : انه أمر غريب ، ماهو وكيف يخرج مني ! ؟ حواء تجيب: سترى منه الكثير وستأتي بك الأيام بدموع تشبهه تُحرق مقلتاك ندما على مافعلت ، أنتَ من أخرجتنا من الجنة . آدم يُطرق رأسه فيقول: أجل أنا ..ألستُ المتكلف بالسيادة فلاحجة لي بعدها ولن أقول غير ما تقولين . هيا حبيبتي تعالي اليّ فأني لاشيء بدونك ، تعالي هوني عليّ الحال فانني اظن أننا أمام اهوال.) فزع من نومه آدم على أثر حركة بقربه ،كانت حمامة صغيرة قد حطت على قدمه وبمنقرها غصن أخضر تمسح به جروح قدميه.فشعر بالهدوء وأبتسم و رفع نظره الى السماء وقال : حمدا لك يارب،انها منك.. لن تتركني وحيدا فانت خالقي وانا عبدك رغم عصياني وخطيئتي. شعر بالجوع فقال : لأبحث عن طعامي فلا خدم عندي . رفع نظره وقال: ربي ليت حواء تكون بقربي.
.......
3) لقاء وبكاء..
حواء تشكو خوفاً عرفته حين لسعتها بعوضة ،ألما جعلها تلتفت الى أشياء أخرى اكبر ، انها ترى ألحيوانات تتحرك بحرية ،بينما هي تختبئ في حفرة وسط الأحراش عاريةً والخدوش عاثت بجسدها الغض ،جائعة ,عطشى, تبكي ، وغرابةُ ظلامٍ يملأ المكان شيئا فشيئا فتختفي انفاسها رعبا فتهمس : أين أنت يا آدم هل أنا وحدي مَنْ رُميتُ هنا !؟ اني اريد ان اعرف شيئا واحدا الان هو "كيف افترقت عنك ؟" وأي خطيئة هي ؟ولماذا جعلها الله طاردة لنا من الجنة ؟ ليتني افهم . غلبها التعب والخوف وانساب جسدها بهدوء وغفت ، تشابكت الأغصان من حولها وفوقها راعيةً لها من كل شر، انها حواء حبيبة السيد والكل مأمور برعايتهما ومخلوق لهما. آدم بجبروت جسده القوي تتهرب منه الحيوانات ناظرة له من بُعْدْ.. يسير ونظره نحو الأرض بحزن وألم ويرفعه حينا آخر نحو السماء بتوسل طلبا للعفو ..لكن كان ماكان وبدأت دوامة الحياة .قال بصوته المزمجر: لا حق أملك لطلب العفو وأنا المخلوق بالعقل وقدرتي التفكر ، أنا من وضعني الله فوق الكل وأمرهم لي بالسجود ،حِكْمته تجلت بأني اعلم مالايعلمون وها أنا فشلت باختباره البسيط ووقعت في فخ الكريه ابليس.
ربي سبحانك وضعتَ كل شيء أمامي. أسير والدهور تنتشر من حولي موت ودمار وأبناء ينتمون اليّ وتاريخ يتراكض زاعما أن الكل يعيش بين كائن ويكون وقاتل ومقتول ،لاأريد حواء ..هل ممكن؟ اريد أن أتملص من الوجود ، من ورثتي ،من جرائم تجر سلسلة من خطيئتي ، لاذنب لها فهي مني ولي ،رهيب ما سيحدث وكله بدايته نحن انا وهي ..والعشق!
هاهو آدم يقترب والأرض تبيح له السير فوقها بصمت وتحت قدميه تنبسط ,تختفي التلال وتتسق الاودية والزرع ينتشر بجمال والانهار تتفرع كلما مر بقربها ,الطيور تحلق من فوقه ,لم يرفع بصره نحوها فكل مافي قلبه خطيئة لم تُغتفر وتوابعها تزداد ولاأثر لحواء , تنهد بثقل أنفاسه ورفع رأسه ليستقيم ناظرا امامه فأندهش لمنظر الشمس وهي ترتفع ..شعر بها تهمس له فابتسم , زقزقت العصافير وتراكضت الحيوانات الصغيرة مبتهجة" السيد مبتسم !" .. كان هناك غراب كبير نوعا ما قد حطَّ على غصن عال من شجرة تفاح .. تعمد ان ينقر كل ثمارها وكأنه توقيع له بملكيتها, صاح بصوته الأجش " آدم ..اعلم مكان حواء ان اردت."
انتبه آدم له قائلا: تكلم ياهذا الأسود ..هيا بسرعة .
ضحك الغراب بخبث وقال: كم انت ملهوف يا "رجل" !
قال آدم: "رجل"!!
ضحك الغراب وقال: انت الرجل وهي المرأة , كم اتوق لجمعكما معا رغم اني كما تقول أسود , سترى هذا الأسود كم يعلم .
آدم : وهل تعلم اكثر مني ؟ مااعلمه اكثر منك ومن كل المخلوقات.
الغراب: ماتعلمته كان علما وضعه الله في عقلك قبل ان تهبط هنا, من الان عليك ان تتعلم مني ومن غيري ومن كل شيء ياآدم المسكين المغضوب عليه..وقهقه الغراب وطار.
نادى آدم: ويحك توقف اني آمرك ان تقودني الى حواء.
التفت اليه الطائر الأسود وقال: انها نائمة هناك خلف تلك الأشجار أمامك حيث سأحط عندها فاتبعني.. واعلم تماما انك تكرهني الى الابد لكن فضلي عليك كبير ياآدم.
ركض آدم نحو الأشجار يقطعها بسرعة ولاحت له بجسدها الجميل وشعرها الطويل المنساب يغطيه, لم تشعر به فجلس بقربها يتأملها .. كان يمد يده نحوها ثم يسحبها ..
جاء صوت الغراب عاليا بقربهما ففزعت حواء , قال آدم: لاتخافي انني هنا .
ارتمت في حظنه مبتهجة فضمها بذراعيه ,وكانت لهما اول ليلة على الأرض يجمعهما فيها العشق...لم يسمعا صخب الغراب وضحكه حين طار .
.............
4) السلسلة.
فناء واسع وبيوت طينية وصغار يجمعون الرطب المتساقط هنا وهناك يتراشقون بينهم وضحكاتهم عالية ,يراقبهم آدم بعيون الهموم وحواء ليست ببعيدة عنه تنظر اليه تارة والى ماحولها تارة أخرى, قامت لتقترب منه وكأنها تهمس باذنه..تنهد قائلا : اعلم جيدا سبب خوفك وما باليد حيلة.. الحمد لله انك لاترين مااراه.
حواء: اسمع منك هذا منذ اول ليلة قضيناها على الأرض معا ,تلك الليلة التي زرعت بها زرعك الاول فيَّ, جلستَ وبكيتَ كثيرا وقلتَ أيضا جملتك المخيفة هذه " ياويلي كيف ساحتمل كل هذا؟ أي خطيئة اوصلتني الى هنا؟ أَحبكِ الله يا حواء لانك لاترين مااراه" . . آدم أخبرني ارجوك كل شيء لاتتركني في حيرتي وخوفي.
آدم: ياحبيبتي خرجت منا سلسلة غريبةودوامةلاتنتهي من رجال ونساء,وحلمي وانهار الدماء منبعها سيظهر قريبا.
حواء: لم أفهم ماترمي اليه ..لكنني اشعر بالخوف على ابنائي .
آدم: اجل هو الخوف انه قادم .وذاك الغراب ينتظر دوره في تعليمي..اني اتعلم منذ هبطت,كنت بالأمس اراقب النمل وياله من مخلوق مقتدر لقد قادني الى كل شيء.
مرت ساعة وانتصف النهار ,تأخر الاخوة وآدم مطرق رأسه ودموع صامتة تنهمر بغزارة ,حواء تقف على تلة قريبة تنتظر ومن حولها الصغار .
صرخ الغراب فوق رأس آدم معلنا ان القتل وقع وتم دفن القاتل للمقتول.
قام آدم مسرعا يركض نحو الحقل البعيد , كان ابنه يحاول طمس حفرة أحدثها هناك, صرخ آدم : اذن قتلت اخاك , ابتعد عني ,لست مني.
القاتل: انت من بدأت ابي , لكل شيء بداية..اعطني ماليَّ عندك وسارحل.
آدم : وماهو ؟
القاتل: انثاي واطفالي وعهد منك لأكون السيد بعدك.
آدم : لك عائلتك ,ولن يكون لك عهدي.
ضحك الابن القاتل وقال: سنرى معا ياابي, فكلانا سيبقى ..انت الشاهد وانا السيد.
آدم: يالجرأتك على الله!
الابن: تذكر دائما انك انت الذي بدأت المعصية .
غيوم تلبدت واصوات نحيب ورحيل مشؤوم وارض ارتدت زي الخراب, هذا السيد آدم فقد زمام سلطته وبدأت الحيوانات تترصده للنيل منه وكأنما فُتحت جبهات معه وضده ..حواء تصرخ باسم ولدها المقتول ولاعنة بطنها التي انجبت القاتل, لاشيء هناك بقربهم الا صراع البقاء وغياب من سيختاره آدم ليحمل العهد عنه فابنه القاتل عاصي ولابد من ابن مطيع ! هل سيكون؟
...........
5) سفينة وطوفان.
أمواج عاتية وسفينة تصارعها وآدم يرصد كل محمول على السفينة , وهو الشاهد بلا حياة فهو يأبى الموت وينتظر نهاية للمعصية ولكن هيهات انها تزداد وتنتشرمع تناثر ذريته والعقاب كما الدموع ينهمر بشدة جارفا العصاة باستمرار..وفي كل نهاية تبدأ معصيةٌ وأخرى وابنه القاتل بدأ يسود على الأرض والغصة تأكل قلب أدم برحيل حواء المدمي حين القتْ بطنها ولدها الأخير لتموت حزنا وألما وقد تمزقت احشائها لتنتهي .
هاهو حفيده يعلن نهاية الطوفان وخلت السفينة من الراكبين الاتقياء معلنة بداية عهد الخير من جديد ..ولانهاية للصراع.
ترك آدم السفينة داعيا الله ان يتركه في حفرة ما من الأرض فقد تعب وعهده صار بيد الخير.. مات آدم وحملته الملائكة لتودعه حفرته ولاحواء بقربه ولا أولاده لقد مات وحيدا كما خلقه الله أولا.
...................
6) مجرد تقليد.
موسيقى صاخبة ورجل قبيح بملابس سوداء مرقطة كما الافعى.
شاب وشابة يسيران في مدينة بلا زمن ..قالا:
وآأسفاه !
ماكل هذه الصور البشعة ؟وماذاتريد من نشرهذا القبح على الجدران في كل المدينة؟ قال الرجل: ياأعز الأعزاء انكما تذكراني بآدم وحواء ..بصراحة وبعيدا عن البكاء تلك الموسيقى هي تقليد لمدن عدة , ماتت الينابيع الصافية واخفى القمر ضوءه وسط سطوع الأضواء الحمراء والحلم والامل صار بالنوم العميق فكل واحد تطوقه عيونا كثيرة ترفسه خنقا فينحني كما انحنى آدم حين قُتل ابنه ولم يُنزل عقوبته على الاخر ابنه القاتل وترك الأرض تتلطخ بدماء يسفكها أينما حلَّ, ان مايحدث هو خطيئة آدم الكبرى,غياب العقاب. وفقدان الذات الآدمية, ماأخطأ الغراب بشيء هو من علمنا الحفر ودفن كل شيء حتى الاسرار والاخطاء . ليس هناك شيء غريب او مبهم كل مايحدث واضح للعيان والفكر لكن بنوآدم اختاروا الغباء والوحل , ماترونه مني هنا هو مجرد تقليد انشره امام الكل ولم يسألني احد غيركما.
نظر الشابان احدهما للآخر وقالا: سنقوم بما تفعل في مكان آخر لعل يزيد عدد السائلين ونصبح أمة تفكر من بني آدم.. وتعود السماء لتزدهر بضوء القمر وانهار النجوم حينها سيرى الجميع الأرض ويحفروا الأنهار وتختفي معالم السواد والقبح حيث نعيش.
.......
ابتهال الخياط.
العراق.
يسأل اﻻنسان عن ذاته التي ضاعت منه في طريق مساره عبر التأريخ ، عن غابات أجتازها وعلق به منها ورق الآس الذي فضح خوفه وخيانته لذاته .أمر عجيب ان يتلفت خائفا من مخلوقات تراه سيدًا عليها،حتى فهمت من خوفه انه تنازل عن عقله فصار مثلها ينتهز الفرصة للقنص! لم يعد يهمه غير الطعام واشياء اخرى تُحيي فيه صفة الحيوان بقوة .
......
1) البداية.
جسد عاري يسير بحِيرة ،صخرة سوداء صلدة , هو يجلس القرفصاء متكئاً عليها فتكلمه قائلة : ياآدم لِمَ انت في حيرة من أمرك؟ كل ماهنا طوع أمرك.
آدم يجيب:
لو كنتُ سيدا ماكنتُ هنا عاريا يتمزق جسدي بالاحجار والاشجار .ماكنت شعرت بالغربة والسقم ..يالخيبتي !! ماذا خسرت؟ كيف سأجدها وسط هذه المتاهة؟ أيتها الصخرة أخبريني عما لاأعرفه من الاشياء هنا . لكن قبلها أخبريني لما انت سوداء مختلفة؟
الصخرة تجيب:
سيخبرك كل شيء عن ذاته ان عرفت ذاتك ،أما سوادي فلأنني حين رأيتك أحببتك وانت العاصي لربك فأصابني من اثمك.
آدم يجيب: أرجوك لا تقولي أكثر. وصار آدم يبكي حتى ابتلت الارض من تحته وجرى نهر من دموعه جرف الصخرة السوداء بعيدا . قال محدثا نفسه : كم آذيتها يالها من بداية لي هنا ، انها نبوءة الوجود أظن أنني بدأت بتدمير المكان ومازال العصيان جزءا مني فلأصمت. كان النوم حليف آدم ، شيء عرفه هنا على الأرض هو التعب وأنين السير والقلق . وكان له أول حلم يراه.
.................
2) الحلم .
( رأى حواء تسبح في بركةٍ من ماء أحمر اللون ، أستغرب فسألها : عزيزتي كم قلقت عليكِ ، ماهذا اللون الاحمر للماء لم أرَ مثله في الجنة انه يغلي الاتشعرين بسخونته؟
حواء تجيب: آدم انه الدم ، كالذي تنزفه قدماك انظر اليهما . آدم يمد يده حيث قدمه فتلوثت يده بالدم اخذ يلعقها ويشمها مستغربا منه فيقول : انه أمر غريب ، ماهو وكيف يخرج مني ! ؟ حواء تجيب: سترى منه الكثير وستأتي بك الأيام بدموع تشبهه تُحرق مقلتاك ندما على مافعلت ، أنتَ من أخرجتنا من الجنة . آدم يُطرق رأسه فيقول: أجل أنا ..ألستُ المتكلف بالسيادة فلاحجة لي بعدها ولن أقول غير ما تقولين . هيا حبيبتي تعالي اليّ فأني لاشيء بدونك ، تعالي هوني عليّ الحال فانني اظن أننا أمام اهوال.) فزع من نومه آدم على أثر حركة بقربه ،كانت حمامة صغيرة قد حطت على قدمه وبمنقرها غصن أخضر تمسح به جروح قدميه.فشعر بالهدوء وأبتسم و رفع نظره الى السماء وقال : حمدا لك يارب،انها منك.. لن تتركني وحيدا فانت خالقي وانا عبدك رغم عصياني وخطيئتي. شعر بالجوع فقال : لأبحث عن طعامي فلا خدم عندي . رفع نظره وقال: ربي ليت حواء تكون بقربي.
.......
3) لقاء وبكاء..
حواء تشكو خوفاً عرفته حين لسعتها بعوضة ،ألما جعلها تلتفت الى أشياء أخرى اكبر ، انها ترى ألحيوانات تتحرك بحرية ،بينما هي تختبئ في حفرة وسط الأحراش عاريةً والخدوش عاثت بجسدها الغض ،جائعة ,عطشى, تبكي ، وغرابةُ ظلامٍ يملأ المكان شيئا فشيئا فتختفي انفاسها رعبا فتهمس : أين أنت يا آدم هل أنا وحدي مَنْ رُميتُ هنا !؟ اني اريد ان اعرف شيئا واحدا الان هو "كيف افترقت عنك ؟" وأي خطيئة هي ؟ولماذا جعلها الله طاردة لنا من الجنة ؟ ليتني افهم . غلبها التعب والخوف وانساب جسدها بهدوء وغفت ، تشابكت الأغصان من حولها وفوقها راعيةً لها من كل شر، انها حواء حبيبة السيد والكل مأمور برعايتهما ومخلوق لهما. آدم بجبروت جسده القوي تتهرب منه الحيوانات ناظرة له من بُعْدْ.. يسير ونظره نحو الأرض بحزن وألم ويرفعه حينا آخر نحو السماء بتوسل طلبا للعفو ..لكن كان ماكان وبدأت دوامة الحياة .قال بصوته المزمجر: لا حق أملك لطلب العفو وأنا المخلوق بالعقل وقدرتي التفكر ، أنا من وضعني الله فوق الكل وأمرهم لي بالسجود ،حِكْمته تجلت بأني اعلم مالايعلمون وها أنا فشلت باختباره البسيط ووقعت في فخ الكريه ابليس.
ربي سبحانك وضعتَ كل شيء أمامي. أسير والدهور تنتشر من حولي موت ودمار وأبناء ينتمون اليّ وتاريخ يتراكض زاعما أن الكل يعيش بين كائن ويكون وقاتل ومقتول ،لاأريد حواء ..هل ممكن؟ اريد أن أتملص من الوجود ، من ورثتي ،من جرائم تجر سلسلة من خطيئتي ، لاذنب لها فهي مني ولي ،رهيب ما سيحدث وكله بدايته نحن انا وهي ..والعشق!
هاهو آدم يقترب والأرض تبيح له السير فوقها بصمت وتحت قدميه تنبسط ,تختفي التلال وتتسق الاودية والزرع ينتشر بجمال والانهار تتفرع كلما مر بقربها ,الطيور تحلق من فوقه ,لم يرفع بصره نحوها فكل مافي قلبه خطيئة لم تُغتفر وتوابعها تزداد ولاأثر لحواء , تنهد بثقل أنفاسه ورفع رأسه ليستقيم ناظرا امامه فأندهش لمنظر الشمس وهي ترتفع ..شعر بها تهمس له فابتسم , زقزقت العصافير وتراكضت الحيوانات الصغيرة مبتهجة" السيد مبتسم !" .. كان هناك غراب كبير نوعا ما قد حطَّ على غصن عال من شجرة تفاح .. تعمد ان ينقر كل ثمارها وكأنه توقيع له بملكيتها, صاح بصوته الأجش " آدم ..اعلم مكان حواء ان اردت."
انتبه آدم له قائلا: تكلم ياهذا الأسود ..هيا بسرعة .
ضحك الغراب بخبث وقال: كم انت ملهوف يا "رجل" !
قال آدم: "رجل"!!
ضحك الغراب وقال: انت الرجل وهي المرأة , كم اتوق لجمعكما معا رغم اني كما تقول أسود , سترى هذا الأسود كم يعلم .
آدم : وهل تعلم اكثر مني ؟ مااعلمه اكثر منك ومن كل المخلوقات.
الغراب: ماتعلمته كان علما وضعه الله في عقلك قبل ان تهبط هنا, من الان عليك ان تتعلم مني ومن غيري ومن كل شيء ياآدم المسكين المغضوب عليه..وقهقه الغراب وطار.
نادى آدم: ويحك توقف اني آمرك ان تقودني الى حواء.
التفت اليه الطائر الأسود وقال: انها نائمة هناك خلف تلك الأشجار أمامك حيث سأحط عندها فاتبعني.. واعلم تماما انك تكرهني الى الابد لكن فضلي عليك كبير ياآدم.
ركض آدم نحو الأشجار يقطعها بسرعة ولاحت له بجسدها الجميل وشعرها الطويل المنساب يغطيه, لم تشعر به فجلس بقربها يتأملها .. كان يمد يده نحوها ثم يسحبها ..
جاء صوت الغراب عاليا بقربهما ففزعت حواء , قال آدم: لاتخافي انني هنا .
ارتمت في حظنه مبتهجة فضمها بذراعيه ,وكانت لهما اول ليلة على الأرض يجمعهما فيها العشق...لم يسمعا صخب الغراب وضحكه حين طار .
.............
4) السلسلة.
فناء واسع وبيوت طينية وصغار يجمعون الرطب المتساقط هنا وهناك يتراشقون بينهم وضحكاتهم عالية ,يراقبهم آدم بعيون الهموم وحواء ليست ببعيدة عنه تنظر اليه تارة والى ماحولها تارة أخرى, قامت لتقترب منه وكأنها تهمس باذنه..تنهد قائلا : اعلم جيدا سبب خوفك وما باليد حيلة.. الحمد لله انك لاترين مااراه.
حواء: اسمع منك هذا منذ اول ليلة قضيناها على الأرض معا ,تلك الليلة التي زرعت بها زرعك الاول فيَّ, جلستَ وبكيتَ كثيرا وقلتَ أيضا جملتك المخيفة هذه " ياويلي كيف ساحتمل كل هذا؟ أي خطيئة اوصلتني الى هنا؟ أَحبكِ الله يا حواء لانك لاترين مااراه" . . آدم أخبرني ارجوك كل شيء لاتتركني في حيرتي وخوفي.
آدم: ياحبيبتي خرجت منا سلسلة غريبةودوامةلاتنتهي من رجال ونساء,وحلمي وانهار الدماء منبعها سيظهر قريبا.
حواء: لم أفهم ماترمي اليه ..لكنني اشعر بالخوف على ابنائي .
آدم: اجل هو الخوف انه قادم .وذاك الغراب ينتظر دوره في تعليمي..اني اتعلم منذ هبطت,كنت بالأمس اراقب النمل وياله من مخلوق مقتدر لقد قادني الى كل شيء.
مرت ساعة وانتصف النهار ,تأخر الاخوة وآدم مطرق رأسه ودموع صامتة تنهمر بغزارة ,حواء تقف على تلة قريبة تنتظر ومن حولها الصغار .
صرخ الغراب فوق رأس آدم معلنا ان القتل وقع وتم دفن القاتل للمقتول.
قام آدم مسرعا يركض نحو الحقل البعيد , كان ابنه يحاول طمس حفرة أحدثها هناك, صرخ آدم : اذن قتلت اخاك , ابتعد عني ,لست مني.
القاتل: انت من بدأت ابي , لكل شيء بداية..اعطني ماليَّ عندك وسارحل.
آدم : وماهو ؟
القاتل: انثاي واطفالي وعهد منك لأكون السيد بعدك.
آدم : لك عائلتك ,ولن يكون لك عهدي.
ضحك الابن القاتل وقال: سنرى معا ياابي, فكلانا سيبقى ..انت الشاهد وانا السيد.
آدم: يالجرأتك على الله!
الابن: تذكر دائما انك انت الذي بدأت المعصية .
غيوم تلبدت واصوات نحيب ورحيل مشؤوم وارض ارتدت زي الخراب, هذا السيد آدم فقد زمام سلطته وبدأت الحيوانات تترصده للنيل منه وكأنما فُتحت جبهات معه وضده ..حواء تصرخ باسم ولدها المقتول ولاعنة بطنها التي انجبت القاتل, لاشيء هناك بقربهم الا صراع البقاء وغياب من سيختاره آدم ليحمل العهد عنه فابنه القاتل عاصي ولابد من ابن مطيع ! هل سيكون؟
...........
5) سفينة وطوفان.
أمواج عاتية وسفينة تصارعها وآدم يرصد كل محمول على السفينة , وهو الشاهد بلا حياة فهو يأبى الموت وينتظر نهاية للمعصية ولكن هيهات انها تزداد وتنتشرمع تناثر ذريته والعقاب كما الدموع ينهمر بشدة جارفا العصاة باستمرار..وفي كل نهاية تبدأ معصيةٌ وأخرى وابنه القاتل بدأ يسود على الأرض والغصة تأكل قلب أدم برحيل حواء المدمي حين القتْ بطنها ولدها الأخير لتموت حزنا وألما وقد تمزقت احشائها لتنتهي .
هاهو حفيده يعلن نهاية الطوفان وخلت السفينة من الراكبين الاتقياء معلنة بداية عهد الخير من جديد ..ولانهاية للصراع.
ترك آدم السفينة داعيا الله ان يتركه في حفرة ما من الأرض فقد تعب وعهده صار بيد الخير.. مات آدم وحملته الملائكة لتودعه حفرته ولاحواء بقربه ولا أولاده لقد مات وحيدا كما خلقه الله أولا.
...................
6) مجرد تقليد.
موسيقى صاخبة ورجل قبيح بملابس سوداء مرقطة كما الافعى.
شاب وشابة يسيران في مدينة بلا زمن ..قالا:
وآأسفاه !
ماكل هذه الصور البشعة ؟وماذاتريد من نشرهذا القبح على الجدران في كل المدينة؟ قال الرجل: ياأعز الأعزاء انكما تذكراني بآدم وحواء ..بصراحة وبعيدا عن البكاء تلك الموسيقى هي تقليد لمدن عدة , ماتت الينابيع الصافية واخفى القمر ضوءه وسط سطوع الأضواء الحمراء والحلم والامل صار بالنوم العميق فكل واحد تطوقه عيونا كثيرة ترفسه خنقا فينحني كما انحنى آدم حين قُتل ابنه ولم يُنزل عقوبته على الاخر ابنه القاتل وترك الأرض تتلطخ بدماء يسفكها أينما حلَّ, ان مايحدث هو خطيئة آدم الكبرى,غياب العقاب. وفقدان الذات الآدمية, ماأخطأ الغراب بشيء هو من علمنا الحفر ودفن كل شيء حتى الاسرار والاخطاء . ليس هناك شيء غريب او مبهم كل مايحدث واضح للعيان والفكر لكن بنوآدم اختاروا الغباء والوحل , ماترونه مني هنا هو مجرد تقليد انشره امام الكل ولم يسألني احد غيركما.
نظر الشابان احدهما للآخر وقالا: سنقوم بما تفعل في مكان آخر لعل يزيد عدد السائلين ونصبح أمة تفكر من بني آدم.. وتعود السماء لتزدهر بضوء القمر وانهار النجوم حينها سيرى الجميع الأرض ويحفروا الأنهار وتختفي معالم السواد والقبح حيث نعيش.
.......
ابتهال الخياط.
العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق