اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

الفتوى بالشرع والسنة .... *بقلم الأديبة عبير صفوت

⏪⏬استفتي قلبك يارجل/
يقول الرجل لاخية{ أستفتي قلبك } ، أو أستفتي ، من لهم الأمر فى سبيل الفتوى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
أي ، حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز ، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه ، فإن هذا من الخير والبر ، إلا إذا علمت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد ، فلا تلتفت لهذا ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس أو يتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض"

وكان عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له
: (جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ) .

لكن هناك الكثير ، بهم سمات الاختلاف ، وان تستفتي بقلبك ، عليك أولا التقرب لله ، ومع ذلك هناك البعض اللذين إذ جأهم الرد بنعم ، وتكون مضغة قلوبهم ، بها مخايلة بلا رضا ، على ذلك ، عليك أن تعود عن الأمر برمتة .

وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال :
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ}
هذا بالنسبة للقلوب السليمة ، أنما ما حال القلوب ؟! التى يغرب شأنها عن مرضاة الله ، هل تحدثك نفسك بالسوء وتقول ، هذه رسالة ، لا والله ، اذا تعود الكلمة وثنايا الفعل ، لاصحاب القلوب المؤمنة ، التى تطلب مرضاة الله .
---
⏪صياغة الفتوى//

صناعة الإفتاء من العلوم المعقدة التي تحتاج إلى حرفية خاصة للقيام بها وإصدارها في صورة صحيحة ، وتعد عملية صياغة الفتوى من أعقد العناصر في هذه الصناعة .

الإفتاء مكانة عظيمة ، ومنزلة كبيرة تجليها نصوص الشرع الشريف ، قال تعالى:

{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} النساء: 127

فربنا يخبر في قرآنه أنه هو سبحانه الذي يفتي عباده ، فإن الفتوى تصدر أساسًا عن الله، فهي خطاب من الله كالحكم الشرعي تمامًا .

فالإفتاء هو تبيين أحكام الله تعالى وتطبيقها على أفعال الناس، فهي قول على الله تعالى، حيث يقول المفتي للمستفتي:

حق عليك أن تفعل ، أو حرام عليك أن تفعل ، ولذا شبهوا المفتي بالترجمان عن مراد الله تعالى ، وجعلوه بمنزلة الوزير الموقع عن الملك.

تقوم عملية الفتوى على ثلاثة أركان:

•المفتي .

•المستفتي .

• الفتوى .

المفتي/

هو المخبر بحكم الله عن دليل لمن سأل عنه.

المستفتي/

وهو طالب الفتوى ، واستفتاء السائل الذي لا يعلم حكم الحادثة واجب عليه ، لوجوب العمل حسب حكم الشرع ، ولأنه إذا أقدم على العمل من غير عِلمٍ فقد يرتكب الحرام ، أو يترك في العبادة ما لا بد منه ، فالعامي يجب عليه الاستفتاء واتِّباع العلماء .

وينبغي على المستفتي التحلي بمجموعة من الآداب تتيح له الاستفادة على الوجه الأمثل من الفتوى والمفتي ، فإن مراعاة المستفتي لهذه الآداب يُكمِّل المنظومة الحضارية بين أطراف العملية الإفتائية،

آداب المستفتي :////

•حفظ الأدب مع المفتي، وأن يجله ويعظمه لعلمه ولأنه مرشد له .

• عدم الإصرار على مطالبة المفتي بالحجة والدليل ، والراجح أنه لا ينبغي للمستفتي أن يطالب المفتي بالدليل ، وذلك ليس من باب التحكم والكهنوت ، وإنما لمراعاة حال المستفتي ، فالأصل في العامي أنه لا علم له بالدليل أصلا ، ولا بقطعية الدلالة وظنيتها ، ومطالبته بالدليل قد يكون من باب الشغب ، والتناظر بين المتخصصين وغير المتخصصين، فلا مانع من المناظرة والإثراء الفكري والعلمي، ولكن ينبغي أن تكون تلك المناظرات والمناقشات بين أهل الاختصاص ، فليس هناك من فائدة علمية من أن يناقش المريض الطبيب في التشخيص وسبب هذا التشخيص مثلا .

• عدم الإكثار من السؤال في غير فائدة، ويكره كثرة السؤال ، والسؤال عما لا ينفع في الدِّين، والسؤال عما لم يقع ، وأن يسأل عن صعاب المسائل ، وعن الحكمة في المسائل التعبدية، قال ابن عباس رضي الله عنهما:
{ما كانوا يسألون إلا عمَّا ينفعهم}.
وقال ابن عباس لعكرمة: {اخرج يا عكرمة فأفت الناس، ومن سألك عمَّا لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح عن نفسك الناس}
حسن تخير من يفتيه ، فينبغي أن يتحرى المستفتي قصد العالم المتخصص في علوم الشريعة المجتمع على أهليته للفتوى ، والتحري في هذا الأمر .
فإن الخطأ في قصد الطبيب الحاذق يفسد على الإنسان أمر المعاش ، أما الخطأ في قصد العالم فيفسد عليه المعاش والممات .

• مصارحة نفسه إذا كان يعلم أن باطن الأمر بخلاف ما سأل عنه ، فإن المفتي يفتي بالظاهر ، وبما تبين من أدلة ، وقد يدعي إنسان حقًّا ليس له ، ولكن يقيم عليه الأدلة والشهود، فإن المفتي أصاب في الفتوى ، ولكن لا يجوز للمستفتي العمل بها ، اعتمادًا على أنها فتوى للمفتي ، لأن المفتي لو اطلع على باطن الأمر وصدق المستفتي في عرض المسألة لم يفت بما أفتى به ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
{من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من نار}أخرجه البخاري ومسلم .

الفتوى/

الفتوى/ هي تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه فيما نزل به من وقائع وأمور ، أو فيما أشكل عليه من أحكام الشرع .

وينبغي أن يتبع المفتي منهجًا في الإفتاء بحسب ترتيب الأدلة الشرعية ، فإذا سُئلَ عن مسألة بحث عن حكمها في القرآن ، فإن لم يجد ففي السنة ، فإن لم يجد فيعمل القياس، حتى يستنبط الحكم الذي يطمئن إليه قلبه ويشترط في هذا الحكم ألا يخالف الإجماع .

وأما الأدلة المختلف فيها كالاستحسان وشرع من قبلنا، فإن أدَّاه اجتهاده إلى صحة شيء منها أفتى به ، وإذا تعارضت عنده الأدلة فعليه أن يفتي بالراجح منها .

وليس له أن يفتي في السعة بمذهب أحد المجتهدين ، ما لم يؤده اجتهاده إلى أنه هو الحق، وليس له أن يفتي بما هو المرجوح في نظره .

ولا بد من تحرير عبارة الفتوى تحريرًا رصينًا واضحًا بعيدًا عن الإيجاز المخل ، أو الإطناب الممل ، مع ذكر الشروط والقيود التي تتعلق بالحكم ، لئلا تفهم الفتوى على وجه غير صحيح ، وحتى لا يستغلها الذين يبغون إثارة الفتن بين المسلمين ، وأن لا تكون الفتوى بألفاظ مجملة (متعددة الاحتمالات) ، لئلا يقع السائل في حيرة ، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا}الأحزاب: 70 .

ويحسن ذكر دليل الحكم في الفتوى سواء أكان آية أم حديثًا أم غيرهما ، ويذكر علته أو حكمته ، ولا يلقيه إلى المستفتي مجردًا ، فإن هذا أدعى للقبول بانشراح صدر وفهم لمبنى الحكم ، وأدعى إلى الطاعة والامتثال .

هناك أربع مراحل تمر بها الفتوى في ذهن الفقيه قبل أن تصدر منه /

وهي { التصوير • والتكييف • وبيان الحكم • ثم الإفتاء}

وتعد هذه المراحل بمثابة مقدِّمات الفتوى ، فإذا صحت هذه المقدِّمات صحت النتيجةالمترتبة عليها وهي الفتوى ، ولا تصح المقدِّمات إلا بالعناية بالضوابط ، ومن هنا تبرز أهمية الاعتناء بضوابط هذه المقدِّمات.

اولا ضوابط الفتوى ///

الفتوى هي الإخبار عن حكم الله ، وأنها توقيع عن الله ، لهذاكان إطلاق القول بالحل أوالحرمة من غير ضوابطَ افتراءً على الله القائل في محكم كتابه:

{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} النحل: 116.

ويمكننا حصر أهم ضوابطِ الفتوى فيما يلي/

الضابط الأول•

أهلية المفتي ، لما كان الإفتاء إخبارًا عن حكم الله ، وكانت الفتوى توقيعًا عن الله ، فلا بدَّ للمتصدر للفتوى أن تتحقق فيه الأهلية الشرعية .

وقد اشترط الأصوليون لتحقق هذه الأهلية شروطًا معينة ، وصفاتٍ محددةً ، نجملها فيما يلي/

أن يكون {مكلفًا • مسلمًا • ثقةً • مأمونًا • متنزهًا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة }

لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد حتى وإن كان من أهل الاجتهاد ، ويكون مع ذلكذ{ متيقظًا • فقيهَ النفس • سليمَ الذهن • رصينَ الفكر • صحيحَ التصرُّف والاستنباط}

وقد سئل ابن المبارك فقيل له:

متى يفتي الرجل؟ قال :

إذا كان عالما بالأثر "بصيرًا بالرأي"

وقيل ليحيى بن أكثم :

متى يجب للرجل أن يفتي؟ فقال :

إذا كان بصيرًا بالرأي، بصيرًا بالأثر"

الخصال التي يجب على المفتي الاتصاف بها /

فقد أجملها الإمامُ أحمدُ بنحنبل بقوله:

لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسَه للفُتيا ، حتى يكونَ فيه خمسُ خصالٍ ،

أولها •

أن تكون له نية ، فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ، ولا على كلامه نور .

والثانية•

أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة .

والثالثة•

أن يكون قويًّا على ما هو فيه وعلى معرفته.

والرابعة•

الكفاية ، وإلا مضغه الناس .

والخامسة•
معرفة الناس .

الضابط الثاني/
الاعتماد على الأدلة الشرعية •

،والأدلة على ذلك من كتاب الله تعالى كثيرة، منها قوله تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَامُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن ْيَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
وقوله أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]،
أي لا تقولوا حتى يقول ، ولاتأمروا حتى يأمر، ولا تُفتوا حتى يُفتي ، ولا تقطعوا أمرًا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه .
ورَوى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما:
"لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة".

وأما الأدلة من السنة فكثيرة /

نكتفي منها بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بنسحماء عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر حديث اللعان وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
{أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الأليتين ، خَدَلَّجَ الساقين فهو لشريك بن سحماء ، وإن جاءت به كذا وكذا فهو لهلال بن أمية} ، فجاءت به على النعت المكروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
{لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن} .

وثالث هذه الأدلة/

الإجماع •
وهو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي فيواقعة .
والإجماع حجة شرعية يجب اتباعها، ولا تجوز مخالفتها ، والحكم الثابت بالإجماع حكم شرعي قطعي لا مجال لمخالفته ولا إلى نسخه، وليس للمجتهدين فيعصر تالٍ أن يجعلوا هذه القضية موضعَ اجتهادٍ ، فما بالك بمخالفته ببعض الأقوال ، وآراء الرجال ، والأدلة على حجيته كثيرة ، منها قول الله تعالى:
{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]،

وقوله سبحانه:
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

ورابع هذه الأدلة:

القياس •
وهو إلحاق واقعةٍ لا نصَّ على حكمها بواقعةٍ وردَ نصٌّ بحكمها في الحكم الذي ورد به النص؛ لتساوي الواقعتين في علة هذا الحكم .
وهو حجةٌ شرعيةٌ على الأحكام العملية عند جمهور الفقهاء ، كما أنه في المرتبة الرابعة من الحجج الشرعية ، بحيث إذا لم يوجد في الواقعة حكم بنص أوإجماع ، وثبت أنها تساوي واقعة نُصَّ على حكمها في علة هذا الحكم ، فإنها تقاسبها ، ويُحكمُ فيها بحكمها ،ويكون هذا حكمها شرعًا ، ويسعُ المكلفَ اتباعُه والعملُ بة .

والأدلة على حجيته كثيرة /
منها قول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] .

ويؤيد ذلك ما رواه الدارمي عن ميمون بن مهران، قال:

كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ورد عليه الخصم ، نظر في كتاب الله ،فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به ،وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى به ، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين ، وقال:

أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء ، فربما اجتمع إليه النفر كلُّهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاء ، فيقول أبو بكر:
الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم واستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به .
فأول ما يبدأ به كتاب الله عز وجل ، ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سواء مما علم من السنة أو ثبت له برواية غيره من الصحابة ، ثم بما أجمع عليه رؤوس الناس وخيارهم ، وهذا غاية في التثبت .
وقد روى الدارمي آثارًا أخرى عن منهج الصحابة في القضاء والفتيا ، لا تخرج عن تحري الدليل من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.

الضابط الثالث/⁦

التحلي بصفات الإفتاء •
بما أن وظيفة المفتي وظيفةٌ جليلةٌ ، ومهمته عظيمة ، كان لا بد أن تتوافر فيه الأهليةللقيام بهذه المهمة ، ولا بدَّ له أن يتحلَّى بمجموعة من الصفات حتى يكون أهلًا للقيام بعمله على أكمل وجه ، فمن الصفات التي لا بد أن يتحلى بها من يتصدر للإفتاء، ما رُويَ عن الإمامِ أحمد بن حنبل أنه قال:
"لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:
أولها: أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور .
والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة
والثالثة: أن يكون قويًّا على ما هو فيه وعلى معرفته .
والرابعة: الكفاية، وإلا مقته الناس.
والخامسة: معرفة الناس".

الضابط الرابع /
تعلق الفتوى بموضوع الاستفتاء•
إن الفتوى إذا تعلَّقت بموضوع الاستفتاء بلغت بالمستفتي حاجته، وحصل منها على مُرادَه، فإذا خرجت عن ذلك فإنها لا تسدُّ له حاجة ، ولا تحلُّ له مشكلة ، ولا تنقذه من معضلة ، ولم يشرع الإفتاء إلا للإجابة على التساؤلات ، وحل مايَعرضُ للإنسانِ من مشكلات ، غيرَ أنَّ المفتي إذا توقع من السائل استغرابًا للحكم ، فله أن يمهد له بمقدمة .
حتى يسلك الحكم الشرعي إلى قلبه ، فيتقبله بقبول حسن ، ويدلُّ على ذلك قصةنسخ القبلة، فإنها لما كانت شديدةً على النفوس جدًّا وطَّأ الله سبحانه وتعالى قبلها عدة موطئات ، منها:

ذكر النسخ ، ومنها:

أنه يأتي بخير من المنسوخ أو مثله ، ومنها:

أنه على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، فعموم قدرته وعلمه صالح لهذا الأمر الثاني كما كان صالحًا للأول .

ويجوز أن تكون الفتوى أشملَ من موضوعِ الاستفتاء بحيث يجيب السائل بأكثرَ مما سأل عنه لفائدةٍ يَرى أنها تُفيد السائل ،فقد سَأل الصحابةُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ عن ماءِ البحر، فقالوا له:

{إنَّا نركب البحر وليس معنا ما نتوضأ به ، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال:

{هو الطهور ماؤه الحل ميتته} .

فقد أجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميتة البحر رغم أنهم لم يسألوا عنها ، لما في ذلك من فائدة لهم في هذا البيان .

وقد بوَّب البخاري لذلك في صحيحه، فقال: "باب من أجاب السائل بأكثرَ مما سأل عنه" ثم ساق من الحديث ما يدلُّ على ذلك .

ويجوز العدول عن موضوع الاستفتاء إلى موضوع آخر يكون أنفعَ للسائل مما سأل عنه، أو يكون موضوع الاستفتاء لا يترتب عليه عمل ، أو لكون مداركِ السائل لا تقوى على فهم ذلك الموضوع الجلل ، يدلُّ على ذلك قولُ الله تعالى:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} البقرة: 189 .

فقد سألوه عن سبب ظهور الهلال خفيًّا ثم لا يزال يتزايد فيه النور على التدريج حتى يكمل، ثم يأخذ في النقصان ، فأجابهم عن حكمة ذلك من ظهور مواقيت الناس التي بها تمام مصالحهم في أحوالهم ومعاشهم ومواقيت أكبر عبادتهم وهو الحج .

فإن كانوا قد سألوا عن السبب، فقد أُجِيبوا بما هو أنفع لهم مما سألوا عنه، وإن كانوا إنما سألوا عن حكمةِ ذلك، فقد أُجيبوا عن عين ما سألوا عنه ، ولفظ سؤالهم محتمل ، فإنهم
قالوا:

ما بال الهلال يبدو دقيقًا ثم يأخذ في الزيادة حتى يتم ثم يأخذ في النقص؟! .

كما يجوز العدول عن موضوع السؤال أو الإمساك عن الجواب إذا ترتب على الجواب فتنة للسائل ، فقد قال ابن عباس رضي الله عنه لرجل سأله عن تفسيرآية:

وما يؤمنك أني لو أخبرتك بتفسيرها كفرت به، أي أنكرت هذا الحكم .

الضابط الخامس/

تيسير الفتوى:

لقد فطرَ اللهُ سبحانه وتعالى الإنسانَ على حُبِّ التيسيرِ والسَّعةِ ، وكراهةِ العسرِ والحرجِ ، ولا شكَّ أن من خصائصِ الشريعةِ الإسلاميةِ السماحةَ واليسرَ ورفعَ الحرجِ ، حتى ذكر العلماء أن الأدلةَ على رفعِ الحرجِ في هذه الأمةِ بلغت مبلغَ القطعِ .

والتيسيرُ مأخوذٌ من اليسرِ الذي هو بمعنى السهولة ، والتيسيرُ:

التسهيلُ والتوسعةُ والتخفيفُ، والبعد عن التصعيبِ والتضييقِ والإحراجِ والإعناتِ الذي هو مضمون كلمة التعسير .

ولقد جاءت الشريعةُ مبنيةً على التيسيرِ ، ومن يتتبعْ أحكامَ الشريعةِ يجدْ ذلك جليًّا ، ومن ذلك: قوله تعالى:

{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6

وقوله تعالى في آية الصيام:

{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:
{يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا}.

الضابط السادس/

سلامة الفتوى من الغموض •
لما كانت الفتوى بيانًا لحكم شرعي ، وتَحمِلُ في طياتها تبليغه للسائل ، وجب تقديمُها بأسلوب مُبين ، وكلام واضح قويم ، فقد أمر الله تعالى نبيَّه الكريم بالبلاغِ المبين، فقال سبحانه:
{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54 .
لذا كان من وضوح الفتوى خلوُّها من المصطلحات التي يتعذَّر على المستفتي فهمُها، وسلامتُها من التردُّد في حسمِ القضيةِ المسؤول عنها.

أما مقدمات الفتوي /////

التصوير/

وهو من الفعل صوَّر يصوِّر ، قال ابن الأثير في كتابه {النهاية في غريب الحديث}
الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها، وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته، وعلى معنى صفته.
يقال: صورة الفعل كذا وكذا أي: هيئته ، وصورة الأمر كذا وكذا أي: صفته .
والتصوير في اصطلاح الأصوليين والفقهاء فلم يرد له تعريف محدد عندهم ، ولعل ذلك اكتفاء بظهور معناه اللغوي ، إذ إنهم يقصدون بالتصوير بيان حقيقة الشيء ليتضح في ذهن الفقيه، ولا يكفي في ذلك مجرد التعريف الذي هو وسيلة التصور المنطقي،
بل إن التصور الفقهي مسألة تقترب، إدراكًا الواقع الذي هو الركن الأساسي في أركان الإفتاء.

التكييف /

وقد نص أهل العلم على أنه لا يجوز للمفتي التساهل في تصور المسألة والتسرع في الفتوى قبل استيفاء النظر والفكر في المسؤول عنه، ولذا نص من صنَّف في آداب الإفتاء أن المفتي عليه تأمل رقعة الاستفتاء كلمة كلمة ولتكن عنايته بتأمل آخرها أكثر ، فإذا مر بمشتبهٍ سأل عنه المستفتي ونَقَطَه وشَكَلَه مصلحةً لنفسه ونيابة عمن يفتي بعده، ويلزمه التوقف عن الجواب عند عدم تصور الواقعة لعدم القدرة على تحقيق المناط المناسب لها، وأن يستفسر مِن السائل عن مقصوده ويطلب منه بيان مراده ليتمكن من الجواب الصحيح له.

يقول النووي •
{إذا لم يفهم المفتي السؤال أصلًا ولم يحضر الواقعة، فقال الصيمري:

يكتب ، يزاد في الشرح ليجيب عنه .
أو ، لم أفهم ما فيها فأجيب .

قال الخطيب :
ينبغي له إذا لم يفهم الجواب أن يرشد المستفتي إلى مفتٍ آخر إن كان ، وإلا فليمسك حتى يعلم الجواب».
وقد جعل ابن الصلاح في قوله السابق تصور المسألة شرطًا لتحقيق المناط المناسب لها، فالمفتي حين بحثه عن حكم مسألة جديدة فإنه يسلك عدة طرق في سبيل للكشف عن حكمها .

⏪ومن هذه الطرق /

التحقق من ثبوت علة حكم مسألة منصوص عليها في هذه المسألة الجديدة ، ومن ثَمَّ يثبت بإلحاق غير المنصوص بالمنصوص وهو القياس الشرعي، ولا يمكن تحقيق المناط إلا بالتصور الصحيح للمسألة المراد إلحاقها .

وكل هذه الآداب التي ذكرها من ألَّف في آداب الفتوى تتضافر لتكون في مجموعها عدة أمور يصح جعلها ضوابط التصور الصحيح للمسألة محل الفتوى.

ولهذا التصور مدرك شرعي ، فهو ليس أمرًا الفقيه فيه بالخيار بين الإقدام عليه أو الإحجام عنه ، فالتصور الخاطئ لمحل الفتوى ، مهما كان سببه ، فنتيجته خطأ الفتوى
، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾

⏪أمورا لبلوغ المفتي كمال التصور الصحيح وهي:

أولها /

جمع أكبر قدر من المعلومات عن المسألة محل الفتوى ، فيعرف نشأتها وعناصرها وأنواعها وكيفية وقوعها ، وخصائصها وأطرافها وتطورها ، وهذا الجمع سهل في ظل الثورة المعلوماتية المعاصرة ، لكن قد يحتاج الفقيه إلى ممارسة ومعايشة لواقع المسألة ليكمل تصوره لها.

ويقضي هذا الجمع الرجوع إلى المختصين لا سيما في العلوم البعيدة عن التخصص الشرعي كالطب والاقتصاد مثلًا.

ثانيها/

الاستفسار والاستفصال ، وهذا يَرِدُ إن كان للمسألة صاحبٌ معين بحيث يستفسر منه المفتي ما يُشكِل عليه ويشقِّق له السؤال من أجل الوصول للتصور السليم .

فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:
{لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبَّلتَ ، أو غمزتَ، أو نظرتَ ، قال: لا يا رسول الله، قال: أنكتَها ، لا يكني ، قال: فعند ذلك أمر برجمه}.

وعن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
{إني نحلت ابني هذا غلامًا، فقال: أكل ولدك نحلت مثله؟ قال: لا، قال: فارجعه}. [متفق عليه].
والشاهد فيه: استفصال النبي صلى الله عليه وسلم واستفساره من أجل أن يحكم في الواقعة بعد التصور الكامل لها.
وقد يلجأ المفتي للتشقيق عند تصور المسألة تصورًا كاملًا مع عدم معرفته بحال السائل، أو عندما تكون المسألة عامة ،

فمثلًا يقول:
إن كانت الصورة كذا فالحكم كذا، وإن كانت كذا فالحكم كذا ... إلخ
ولهذا شاهد من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن سلمة بن الـمُحبِّق ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجل وقع على جارية امرأته ، {إن كان استكرهها فهي حرَّة وعليه لسيدتها مثلها ، فإن كانت طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها}. [رواه أحمد وأبو داود والنسائي].

ثالثها/

أن يَخبَر المفتي أحوال الناس ويعايشهم ويخالطهم، ويعرف أساليبهم في التعامل، بحيث يقوى عنده جانب الفراسة التي تجعله يميِّز ولا يشتبه عليه الحق بالباطل ، فمن استفتي في مسألة ولم يكن خبيرًا بواقع الناس وبعيدًا عن المخالطة فربما أوقعه ذلك في تصور خاطئ.

يقول ابن الصلاح: {لا يجوز له أن يفتي في الأيمان والأقارير ونحو ذلك مما يتعلق بالألفاظ إلا إذا كان من أهل بلد اللافظ بها ، أو متنزلًا منزلتهم في الخبرة بمرادهم من ألفاظهم وتعارفهم فيها ،لأنه إذا لم يكن كذلك كثر خطؤه عليهم في ذلك كما شهدت به التجربة}
وهذا يرتبط بوجه وثيق بمعرفة مآلات الأفعال، ولا نبعد إن قلنا ،

إن بين معرفة المفتي للواقع ،وقراءته له قراءة حاذق، وبين معرفته بمآلات الأفعال علاقة سببية، فالمعرفة الأولى سبب في الثانية.
فمراعاة هذه الضوابط في تصور المسألة مُؤذِنٌ بصحة التصور، فصحة البدايات مرتَّب عليها صحة النهايات، والمقصود بالبدايات هنا التصور، وبالنهاية بيان الحكم

وعلى احكام الفتوى:
وينبغي أن يتبع المفتي منهجًا في الإفتاء بحسب ترتيب الأدلة الشرعية ، فإذا سُئلَ عن مسألة ، بحث عن حكمها في القرآن ،

الأحكام فى القرأن /
للأحكام الواردة في القرآن الكريم أقسامٌ عديدةٌ، جعلها بعض العلماء ثلاثة؛ وهي:
{ أحكامٌ اعتقاديةٌ •أحكامٌ خُلقيةٌ • أحكامٌ كونيةٌ • أحكامٌ عِبَريةٌ •أحكامٌ عمليةٌ}

الأحكام الاعتقادية/
والتي تتعلق بما يجب على المكلّف أن يعتقده في الله تعالى ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر .

وأحكامٌ خُلُقيةٌ/
وتشمل ما يجب على المكلّف أن يتحلّى به من الفضائل ويتخلى عنه من الرذائل .

وأحكام ٌعمليةٌ /

تتعلّق بما يصدر عن المكلف من أقوالٍ وأفعالٍ وعقودٍ وتصرفاتٍ،
ورأى جموع ما قاله العلماء في أقسام أحكام القرآن الكريم يمكن تقسيمها كما يأتي/

⏪الأحكام التكليفية /

تقسم الأحكام التكليفية في الشريعة الإسلامية إلى خمسة أقسامٍ، وهي/

الواجب /
وهو ما أمر الشارع بفعله على وجه الإلزام ، كأداء { الصلوات الخمس_ وصيام رمضان_ وحج البيت لمن كان قادراً عليه}
ويسمى الواجب فرضاً أيضاً أو فريضة أو لازماً، ويُثاب فاعله كما يأثم تاركه .

المندوب/

وهو ما أمر الشرع بفعله دون إلزامٍ أو حتمٍ في ذلك ،
{ كصلاة قيام الليل • وصيام النوافل • والتصدق على الفقراء • والمداومة على الأذكار}
ويسمى المندوب بالمستحب والمسنون أيضاً، ويُثاب فاعله امتثالاً ولا يأثم تاركه .

الحرام /
وهو ما نهى الشارع عن فعله وأمر بتركه على وجه الإلزام والحتم ،
{كشرب الخمر • وفعل الزنا • وعقوق الوالدين}
ويسمى أيضاً بالمحظور والممنوع ، ويثاب تاركه كما يأثم فاعله ويستحق العقوبة .

المكروه /
وهو ما نهى الشارع عن فعله دون إلزامٍ أو حتمٍ{ كالأخذ والإعطاء باليد اليسرى_ والتحدث بعد العشاء}
ولا يأثم فاعله ولكن يثاب تاركه امتثالاً.

المباح/
وهو ما لم يتعلق به أمرٌ ولا نهيٌ من جهة الشارع ،
{ كتناول الطعام والشراب_ وممارسة التجارة بالبيع والشراء}
ويسمى بالحلال والجائز أيضاً .

⏪الأحكام الوضعية/

الحكم الوضعي هو ما وضعه الله -تعالى- من علاماتٍ لثبوت أمرٍ أو انتفائه أو نفوذه أو إلغائه ، وفيما يأتي بيان أقسامه /
الصحيح •
وهو ما تترتب آثار فعله عليه ، سواءً أكان عبادةً أم معاملةً ، وذلك كترتب الملك على عقد البيع.
الفاسد•
وهو ما لا تترتب آثار القيام به عليه، سواءً أكان في عبادةٍ أم معاملةٍ ،
وذلك{ كأداء الصلاة قبل دخول وقتها.

السبب•
وهو ما جعله الشارع علامةً على وجود الحكم، وقد يكون مناسباً للحكم أو لا • ككون رؤية الهلال علامةً على وجود فرض صيام شهر رمضان .

الشرط •
وهو ما ينتفي الشيء بعدمه ولا يوجد بوجوده .

وهو قسمان/
{ شرط الصحة؛ كاشتراط الوضوء للصلاة، وشرط الوجوب}
كاشتراط الزوال لصلاة الظهر.

المانع/
ما ينتفي الشيء بوجوده ، ولا يوجد بعدمه ، كمنع وجود دم الحيض للصلاة.

فأن لم يجد ففى الشريعة//
⏪مفهوم الشريعة /
•الشريعة الإسلاميّة
•معنى الشريعة الإسلامية
• الشريعة في اللغة
• الشريعة في الاصطلاح
•خصائص الشريعة الإسلامية
• أحكام الشريعة الإسلامية
•الفرق بين الشريعة والفقه
•المراجع الشريعة الإسلاميّة

يُعدّ التشريع الإسلامي تَشريعاً عالميّاً ، حيث أشار القرآن الكريم ، وبيّنت السنّة النبويّة ذلك ، قال الله سبحانه وتعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{أُعطيتُ خمسًا لم يُعطَهنَّ أحدٌ منَ الأنبياءِ قَبلي:
نُصِرتُ بالرُّعبِ مَسيرةَ شهرٍ ، وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا ، وأيُّما رجلٍ من أُمَّتي أدرَكَتْه الصلاةُ فلْيُصلِّ ، وأُحِلَّتْ لي الغَنائمُ، وكان النبيُّ يُبعَثُ إلى قومِه خاصةً ، وبُعِثتُ إلى الناسِ كافةً، وأُعطيتُ الشفاعة}⁦

⏪معنى الشريعة الإسلامية/

الشريعة في اللغة الشريعة في اللغة:
هي مصدر شرع ، وتُطلق على معنيين:

• الطريق المستقيمة•
ومنه قول الله عزّ وجلّ: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)

أي جعلناك على طريقة مستقيمة. مورد الماء الجاري الذي يُقصد للشرب ، يُقال:
شرعت الإبل إذا قَصدت مَورد الماء للشرب.

⏪الشريعة في الاصطلاح /

تُعرّف الشريعة في الاصطلاح بأنّها:
ما شرعه الله سُبحانه لعِباده من الأحكامِ التي جاء بها نبيٌّ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، سواءً كانت هذه الأحكام أحكاماً اعتقاديّةً أو أحكاماً عمليّةً ليُؤمنوا بها فتكون سعادتهم في الدنيا والآخرة ، وبِإضافة لفظ الإسلام إلى الشريعة كان مَعنى الشريعة الإسلاميّة:
ما نَزل به الوَحي على مُحمّد صلى الله عليه وسلّم من الأحكام التي تُصلِح أحوال الناس في الدنيا والآخرة سواءً في ذلك الأحكام العقائديّة، أو الأحكام العمليّة، أو الأخلاق .

⏪تتميز الشريعة الإسلامية بعددٍ من الخَصائص منها /

• إلهية ربانية:

أي إنّ مصدرها من الله سبحانه وتعالى ، الخالق المعبود ، صاحب السلطان الذي له حقّ التشريع ، بالإضافة إلى أنّها تقوم على أساس من العقيدة الإسلامية ممّا يَجعل حياة المسلم مُترابطةً ومنسجمةً لا تَعارض ولا تناقض فيها.

معصومة ، فالله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظها إلى قيام الساعة.
مستقلة، فهي نظامٌ مستقل بفكرته ومتفرّد بوَسائله عن النُظم القانونيّة والتشريعيّة التي وَضعها البشر .
شريعة لها قدسيّتها ، فالإنسان المُسلم يعتقد أنّ هذه الشريعة من عند الله سبحانه وتعالى الخالق المعبود ، فيكون لها في نفسه شأنٌ عظيم واحترامٌ وهيبة .
عالمية ، فقد جاءت للناس كافّةً على اختلاف ألوانهم وأجناسهم.

نشأتُها فريدة تُميّزها عن الشرائع البشرية ، فقَد أنزلها الله تعالى على نبيّه مُحمّد صلى الله عليه وسلم ، ولم يَكن للعرب ولا للمسلمين دورٌ في وضع أحكامها ونُصوصها. نصوصها مُصاغة بشكلٍ تُخاطب فيه العقل والقلب معاً ، فأسلوبها سهل ميسّر يجمع بين التّرغيب والترهيب، وبين الأمر والنهي.

واسعة وكاملة ، فهي تسع حياة الإنسان من جميع جوانبها وأطرافها، وتُعنى بإصلاح روح العبد، وإصلاح عقلِهِ وفِكرِه وقولِه وعمله، كما أنّها تُعنى بالفَرد والمُجتَمع.
شريعة دائمة ومُستمرّة ومُستقرّة.
شريعة تتّصف بالمُرونة، لتُناسب جميع الأمَم في مُختلف الأماكن والأزمنة .
شريعة تتميّز أحكامها باليُسر ورفع الحرج .
حفظ مَصالح العباد الضروريّة والتحسينيّة .

⏪عادلة.

أحكام الشريعة الإسلامية تنقسم الأحكامُ التي جاءت بها الشريعة الإسلامية إلى الآتي:
⏪الأحكام الاعتقادية:

هي الأحكام المُتعلّقة بذات الله عزّ وجلّ وأسمائه وصفاته، ويُطلق عليها الإلهيات، وكذلك الأحكام المُتعلّقة بالإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ويُطلق عليها النبوّات، والأحكام المُتعلّقة بالإيمان بالملائكة، وبالكتب السماويّة، وباليوم الآخر، والحساب والبعث، والجنّة والنار، إلى غير ذلك من الأمور الغيبيّة.

الأحكام الخُلقية:
هي الأحكام التي تتعلّق بتهذيب النفس وتزكيتها ، والتي يتوجّب على الإنسان التحلّي بها مثل:
الصدق، والأمانة، والوفاء بالعهد، والعفو، والصبر، والتواضع، إلى غَير ذلك من الأخلاق والفَضائل،

وأن يبتعد عن الرّذائل مثل:

الكذب، والخيانة، والتكبّر. الأحكام العمليّة أو ما يُسمّى بعلم الفقه:
هي الأحكامُ العَمليّةُ التي تُنظّم علاقة الإنسان بِربّه مثل:
العبادات، والأحكام التي تُنظّم علاقة الإنسان بغيره من الأفراد والجماعات ، والأحكام التي تُنظّم عَلاقة الدولة بِغيرها من الدول.

⏪الفرق بين الشريعة والفقه/

هناك مجموعة من الفروق بين الشريعة والفقه تتمثّل بالآتي:

لفظ الشريعة أعمّ وأشمل من لفظ الفقه ، فالشريعة تشمل جميع الأحكام التي هي:
الأحكام العقائديّة، والأحكام الأخلاقيّة، والأحكام العمليّة ، أمّا لفظ الفقه فهو يَشمل الأحكام العمليّة فقط .

تُعدّ الشريعة هي الأحكام التي أنزلها الله سبحانه عزّ وجلّ على رسوله محمّد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم أو في السنّة النبوية ، أي إنّ الشريعة الإسلامية قائمةٌ على الوحي ،

أمّا الفقه فأحكامه تنقسم لقسمين:
أحكام مستفادة من النص دون بحث مثل:

قول الله سبحانه:

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}

فالآية واضحةٌ وصريحةٌ في المُحرّمات من النساء فلا يُحتاج إلى بحثٍ واجتهادٍ في مَعرفتهنّ .
أحكام مُستفادة من النص يَستنبطها ويَستخرجها الباحث من خلال استقرائِه للنّصوص الشرعية ، وهذا القسم من الأحكام أكثر من القسم الأوّل ، وذلك بحُكم كَثرة الحوادِث والمُستجدّات .

فإن لم يجد ففي السنة //

عن السنة /

⏪⏭السنة المطهـــــرة

⏪تعريفها:
السنة الشريفة في اللغة الطريقة المعتادة، حميدة كانت أو ذميمة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:

{من سن سنة حسنة له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة}

والسنة في الاصطلاح الأصولي :
ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير القرآن الكريم من قول أو فعل أو تقرير ، والسنة بهذا التعريف الاصطلاحي بينها وبين الحديث عموم وخصوص مطلق
إذ الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم أما السنة الشريفة فقوله أو فعله أو تقريره ، فكل حديث سنة ولا عكس ، وقيل الحديث ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه رضي الله عنهم من قول أو فعل أو تقرير .

⏪أما السنة الشريفة /

فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقط دون ما روى عن الصحابة ، فإنه ليس بسنة ، وعلى كل ، فذلك اصطلاح ولا مشاحَّة في الاصطلاح .

هذا تعريف السنة الشريفة في اصطلاح الأصوليين .

⏪أما السنة الشريفة في اصطلاح الفقهاء/

فهي مرتبة بين الواجب والمباح ، وهي كل أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم وتركه أحيانا، أو فعله أحياناً وتركه في أكثر الأحيان ، أو هي الأمر المطلوب لا على سبيل الحتم ، بحيث لا يعاقب تاركه بل يعاتب ، إلى غير ذلك من التعريفات الكثيرة التي يوردها الفقهاء في تعريف السنة الشريفة.
وكذلك تطلق السنة الشريفة في مقابلة البدعة، فتكون السنة الشريفة بهذا المعنى ما عمله النبي صلى الله عليه وسلم وقاله أو أقرّ عليه، أو ما كان على وفق ذلك، والبدعة ما كان منافيا له.

⏪أنواع السنة الشريفة/

من تعريف السنة الشريفة ،أقسام ثلاثة، هي:
{السنة القولية • السنة الفعلية • والسنة التقريرية}

⏪فالسنة القولية/

هي كل ما نقل لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله الشريفة ، وهي كثيرة تكاد لا تدخل تحت الحصر ، ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلواته وجلواته ، وكانوا يعنون عناية فائقة في حفظ كلامه واستذكاره وروايته ، لعلمهم بأنه أصل من أصول هذه الشريعة ، حتى إن بعضهم كان يدون عنه كل ما يقول ،

من أمثال عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقره على ذلك ، ومن أمثلته قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات} وقوله صلى الله عليه وسلم: {بني الإسلام على خمس }{ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله •وإقام الصلاة • وإيتاء الزكاة • وحج البيت • وصوم رمضان) وغير ذلك.

⏪والسنة الفعلية/

هي كل ما رواه الصحابة الأجلة عن أفعاله صلى الله عليه وسلم وأعمال وعبادته وكل تصرفاته ،، فقد أحصوا ،لشدة حرصهم ، أفعاله كلها ونقلوها لنا .
من ذلك كيفية وضوئه وصلاته وصومه وتهجده ، ومعاملته لنسائه ، وأقاربه وصحابته وغير ذلك ، ويعرف فعله صلى الله عليه وسلم بقول الصحابي: {فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا} .

⏪والسنة التقريرية/

هي أن يقال قول أو يفعل فعل أمام النبي صلى الله عليه وسلم أو أمام غيره فيراه أو يسمع به فيسكت عنه ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مشرِع لا يجوز سكوته على معصية ، ولذلك يعتبر سكوته عن هذا الفعل أو القول إقرارا بمشروعيته ، أي إن سكوته صلى الله عليه وسلم بمثابة قوله:

{هذا حلال أو هذا مشروع} وإذا كان ذلك كذلك كان سنة ، ومن باب أولى ابتسامته واستبشاره واستحسانه للفعل أو القول الذي جاء بين يديه، فإنه دليل على رضاه عنه وإقراره لمشروعيته أيضا .

فمن أمثلة النوع الأول قول أحد الصحابة:
(أكل الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكل منه ولم ينهنا عن أكله) رواه الترمذي .
ومن النوع الثاني ما روي من سؤاله صلى الله عليه وسلم ، لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن قاضيا ، حيث قال له:
بم تقضي يا معاذ؟ قال بكتاب الله ، قال فإن لم تجد؟ قال:
فبسنة رسول الله ، قال فإن لم تجد؟ قال : أجتهد رأيي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عندها:
الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي الله ورسوله) فهذا الاستحسان دليل الرضا والإقرار لما ذهب إليه معاذ .

⏪مراتب السنة الشريفة من حيث ثبوتها://

القرآن الكريم كله متواتر بجملته وتفصيله، ولذلك لا محل لتفصيل مراتبه من حيث الثبوت ، فإنه في مرتبة واحدة هي مرتبة القطع واليقين ، إذ هو حكم التواتر .

أما السنة الشريفة ، فهي متواترة بمجموعها، بمعنى أنه تواتر لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم صدرت عنه سنة هي أقوال وأفعال وتقريرات ، ولكن مفردات السنة الشريفة وتفصيلاتها ليست متواترة كلها ، بل فيها المتواتر، وفيها ما هو دون ذلك ، ولذلك قسمها الأصوليون إلى أقسام ومراتب تبعاً لطريق ثبوتها ودرجته .

فقد ذهب جمهور الأصوليين إلى أنها من حيث ثبوتها على مرتبتين:
{السنة المتواترة • والسنة الآحادية} وذهب الحنفية إلى أنها على ثلاث مرات .
{السنة المتواترة • والسنة الآحادية •والسنة المشهورة } وهي مرتبة ثالثة بين التواتر والآحاد.

⏪السنة المتواترة/

التواتر في اللغة التتابع ، وفي اصطلاح الأصوليين ما رواه قوم عن قوم يحيل العقل تواطؤهم على الكذب .

وعلى ذلك فالسنة المتواترة هي:
أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته التي وردت إلينا مستوفية شروط التواتر من حيث سندها ، والسنة المتواترة قليلة جداً بشكل إجمالي ، وهي في أفعاله أكثر منها في أقواله صلى الله عليه وسلم ، ذلك أن السنة الشريفة القولية المتواترة قليلة جداً، وهنالك كتب كثيرة عنيت بجميع السنة الشريفة المتواترة .

ومن السنة الشريف القولية المتواترة
قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا وصية لوارث) فقد ذهب أكثر الفقهاء إلى أنه متواتر السند في المعنى .

ومن السنة الشريفة الفعلية المتواترة كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وحجه صلى الله عليه وسلم ، فقد رويت لنا كل أفعاله تلك بأسانيد متواترة.

⏪السنة المشهورة:

المشهور في تعريف الحنفية هو:
ما تواتر في القرنين الثاني والثالث وكان آحادياً ، أي لم يبلغ حد التواتر ، في القرن الأول، وهو فوق الحديث الآحادي من حيث الثبوت وليس مثله كما سوف يأتي.

وهذا هو مذهب الحنفية ، أما الجمهور فإنهم يدخلونه في حديث الآحاد .

⏪السنة الآحــادية:

وهي ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد أو أكثر لم يبلغوا حد التواتر في كل القرون ، فمن بلغ عدد رواته حد التواتر في أحد القرون دون القرون الأخرى فهو آحادي ، هذا عند الجمهور ، أما على مذهب الحنفية فالآحادي عندهم ما لم يبلغ مرتبة التواتر في القرنين الثاني والثالث فقط ، دون القرن الأول، فلو بلغ عددهم مرتبة التواتر في القرنين الثاني والثالث دون الأول فإنه مشهور وليس بأحادي كما تقدم.

⏪مراتب العلم المستفاد من السنة الشريفة:
يحدد الفقهاء والأصوليون للعلم مراتب أربعة هي:
{القطع أو اليقين• والظن • والشك •والوهم}

فالقطع واليقين:
ما كان العلم فيه جازماً لا احتمال معه للنقيض مطلقاً .

والظن:
ما كان جانب الإيجاب فيه راجحا على جانب السلب ، أي إن احتماله للنقيض مرجوح لا راجح .

والشك:
ما تساوى فيه جانب الإيجاب مع جانب السلب ، أي تساوى فيه احتمال الشيء ونقيضه .

والوهم:
ما كان جانب السلب فيه راجحاً على جانب الإيجاب ، وكان احتمال النقيض فيه غالباً .

هذا مذهب الجمهور ، أما الحنفية فيضيفون إلى ذلك مرتبة خامسة وسطاً بين اليقين والظن هي مرتبة طمأنينة الظن ، وهي ما كان جانب الإيجاب فيها راجحاً رجحانا كبيراً يقربه من اليقين .

هذا والأصوليون متفقون على أن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بطريق القطع أو الظن، فقط، أما الشك والوهم فلا يجوز أن تدار الأحكام عليهما بحال .

وقد قسم جمهور الأصوليين السنة الصحيحة بحسب طرق ثبوتها إلى مرتبتين وهما:
التواتر الآحاد ، وقالوا:

الحديث المتواتر يفيد القطع أي العلم اليقيني، أما السنة الآحادية فإنها تفيد الظن ، وذهب الحنفية إلى زيادة الحديث المشهور بين المتواتر والآحادي وقالوا إنه يفيد طمأنينة الظن وهي مرتبة فوق الظن ودون اليقين ، هذا من حيث الثبوت فقط ، لأن الحديث المتواتر قد يفيد الظن فقط دون اليقين إذا كان ظني الدلالة ، ولكننا نحن الآن نقرر الأحكام الثابتة على فرض أن هذه الأحاديث قطعية الدلالة، فإذا كانت ظنية الدلالة فإنها تنزل بمرتبة العلم المستفاد من الحديث المتواتر أو المشهور إلى الظن ، لهذه الظنية في الدلالة ، لا لطريقة الثبوت .

⏪حجية السنة الشريفة ://

السنة الشريفة دليل أصلي من أدلة التشريع الإسلامي ، وقد ثبتت حجيتها بالقرآن والسنة والإجماع والعقل .

أما الكتاب:

فآيات كثيرة تدل على أن الله فرض علينا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوله ويفعله ويقره من الأعمال والتصرفات، من ذلك قوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء:59

وقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} النساء:80
، فإن في هاتين الآيتين الكريمتين أمر صريح وبيان واضح بأن طاعة الله وطاعة الرسول شيء واحد لا تقبل إحداهما إلا بالأخرى ، وما طاعة الله إلا اتباع كتابه ، وما طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إتباع سنته ، وقد أثبتنا حجية الكتاب قبل قليل ، فلم يبق إلا اعتبار السنة الشريفة حجية بدلالة ذلك ، ثم قوله تعالى:

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} الأحزاب:36،

وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} النساء:65 ،

فإن في هاتين الآيتين إلزام من الله تعالى باتباع حكم النبي صلى الله عليه وسلم ، وما الحكم إلا جزء من أقواله أو أفعاله صلى الله عليه وسلم ، وهو من السنة الشريفة ، ثم قوله تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} النجم:3-4

فيه دليل على أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من السنة الشريفة إنما هو وحي من عند الله تعالى ، وما كان من عند الله واجب الاتباع ، لأن الله هو المشرع.

فلذلك كانت السنة الشريفة واجبة الاتباع ، فإن قيل:

إن كانت السنة الشريفة وحياً فما الفرق بينها وبين القرآن الكريم ؟!

القرآن الكريم جاء عن طريق الوحي بلفظه ومعناه ، أما السنة الشريفة فمعناها من الله تعالى، أما ألفاظها فمن النبي صلى الله عليه وسلم

فإن قيل:

فما الفرق بين الحديث النبوي والحديث القدسي ؟!

إذ الحديث القدسي معناه من الله تعالى ولفظه من النبي صلى الله عليه وسلم ،
، بأن الحديث القدسي ألقي معناه في روع النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي المباشر ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرح بهذا المعنى أحيانا فيقول:

(نفث في روعي...) أما الحديث النبوي فمعناه من الله تعالى عن طريق التسديد لا عن طريق الوحي المباشر ، ومثل هذه الآيات الدالة على حجية السنة الشريفة كثير في القرآن الكريم.

وأما السنة الشريفة ، فأحاديث كثيرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير فيها بصراحة إلى أن طاعته واجبة ، وأن أمره إنما هو من الله سبحانه وتعالى ، منها:

1- قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:

{تركت فيكم أمرين ما إن اعتصمتم بهما فلن تضلوا أبدا، كتاب الله وسنة نبيه}6 ، فإن في هذا القول النبوي الكريم تسوية بين القرآن الكريم والسنة الشريفة في الحجية.

2- ما رواه المقداد بن معديكرب من قوله صلى الله عليه وسلم:

{يوشك أحدكم أن يقول: هذا كتاب الله ما كان فيه من حلال أحللناه، وما كان فيه من حرام حرمناه، ألا من بلغه عني حديث كذب به فقد كذب الله ورسوله والذي حدثه} ، فإن هذا الحديث الشريف نص في الباب .

3- حديث معاذ بن جبل المتقدم في تعريف السنة الشريفة التقريرية المتضمن معنى قوله: (أقضي بالقرآن ثم بالسنة ثم اجتهد رأيي)، حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحبه الله ورسوله، فإن في هذا إقراراً صريحاً بحجية السنة الشريفة .

وأما الإجماع: فهو ما ثبت لدينا بطريق لا شبهة فيه من أن الصحابة كانوا يلتزمون سنته صلى الله عليه وسلم وقضاءه في حياته، ولا يخالفونه في شيء، ولا يطلبون منه دليلاً غير قوله وفتواه ، والتزامهم بهذا المبدأ بعد وفاته، فإنهم كانوا إذا لم يجدوا في القرآن الكريم بغيتهم لجؤوا إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم يتساءلون فيما بينهم هل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحادثة شيء؟ هل قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الأمر بشيء؟ فإن وجدوا قضوا بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يجدوا أعملوا عقولهم وقاسوا هذا الأمر على الأمور الأخرى المنصوص عليها في القرآن الكريم أو السنة الشريفة وقد عُلم ذلك منهم دون معارضة أو منازعة ممن له رأي معتبر ، فكان ذلك إجماعاً .

وأما المعقول:
فانه يتجلى في عدة أمور أهمها:

أ) كثير من الأحكام التي وردت في القرآن الكريم جاء مجملاً أو عاماً أو مطلقاً أو مشتركاً، وهذا كله يحتاج إلى بيان لمجمله ومشتركة، وتقييد لمطلقه ، وتخصيص لعامه، إذا المعنى المراد منه لا يفهم إلا بذلك ، والسنَّة هي التي تولت هذه المهمة ، مهمة البيان بأمر الله تعالى حيث قال:
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل:44

فكانت السنة الشريفة محتجاً إليها لفهم الكتاب ، وقد اعتبرنا الكتاب حجة واتباعه واجبا فيما مضى ، وما كان محتاجاً إليه لفهم الكتاب الذي هو مصدر الأمر والنهي الواجب الاتباع فهو واجب ، لأن القاعدة الأًصولية تقول:
مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ب) إن الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ القرآن الكريم وبيانه معاً ، لأن التبليغ لا يتم إلا بالبيان والتبليغ كان بتلقين آيات القرآن ، أما البيان فكان بالسنة المطهرة الموضحة له، وقد قامت الأدلة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الخطأ في التبليغ والبيان معاً والسهو فيهما ، من مثل قوله تعالى:

{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} النجم:3-4
، وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر:9 ، وقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} الأعلى:6 ، وغيرها.

هذا ولا بد من الإشارة إلى أن بعض الناس ممن سفهوا عقولهم ، ذهبوا إلى أن السنة الشريفة ليست بحجَّة ، واستندوا في دعواهم هذه إلى أمور حسبوها أدلة وما هي إلى أوهام وشكوك،

⏪مرتبة السنة الشريفة من الكتاب الكريم في الحجيَّة/

السنة حجة وواجبة الاتباع للأدلة المتقدمة، ولكن هل هي في مرتبة القرآن الكريم ، أم هي في مرتبة أدنى منه؟.

والجواب أن السنة الشريفة ن حيث مصدريتها للأحكام الشرعية تعد في مرتبة القرآن الكريم تماما، إذ هي دليل قاطع على حكم الله تعالى سبحانه ما دامت صحيحة بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم من الأدلة، فلا فرق والحال هذه بين حكم الله تعالى الذي ورد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه (القرآن الكريم) وبين حكم الله الذي ورد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه دون لفظه (السنة الشريفة)، ما دام مصدر الحكم في الحالتين هو الله تعالى، ولذلك أجاز جمهور الفقهاء نسخ السنة الشريفة بالقرآن الكريم ، ونسخ القرآن الكريم بالسنة الشريفة ، أما الشافعية فقد خالفوا ذلك ولم يجيزوا نسخ القرآن الكريم بالسنة، ولكن هذه المخالفة ليست بسبب نزول السنة الشريفة ن مرتبة القرآن عندهم، بدليل أنهم لم يجيزوا نسخ السنة الشريفة بالقرآن الكريم أيضاً، ولكن لأن كلا من السنة الشريفة والقرآن الكريم مصدر مستقل بذاته. والنسخ يقتضي رجحان الناسخ على المنسوخ ، ولا رجحان هنا لأحدهما على الآخر فلا ينسخ به .

وهذا بطبيعة الحال إذا تساوت السنة الشريفة بالقرآن الكريم من حيث الثبوت ، بأن كانت السنة الشريفة متواترة ، إذ القرآن الكريم متواتر كله جملة وتفصيلاً ، أما السنة الشريفة الآحادية ، فهي في مرتبة دون القرآن الكريم بالإجماع ، ولكن لا لأنها سنة بل لأنها دون مرتبته في الثبوت ، فهو متواتر قطعي وهي آحادية ظنية.

هذا من حيث مصدرية السنة الشريفة للأحكام، أما من حيث الحاجة إليها في استيفاء الأحكام، فهي في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم، ذلك لأسباب عدة أهمها:

•القرآن الكريم قطعي الثبوت كله بالإجماع
، أما السنة الشريفة فهي آحادية ظنية الثبوت في معظمها ، إذا المتواتر منها بقليل ، وحتى في هذا القليل تختلف أنظار الفقهاء ، حتى يكاد لا يخلو حديث متواتر واحد من الاختلاف في تواتره بين الفقهاء ، وما كان قطعي الثبوت بالإجماع لاشك أولى بالتقديم في الرجوع إليه من المختلف على قطعيته.

• السنة الشريفة ، بينة للكتاب وشارحة لنصوصه ، فهو على ذلك أصل بالنسبة لها، وهي له تبع ، وطبعي أن يحتاج إلى الأصل قبل التبع ، ثم إنه لو سقط المبيَّن لسقط البيان ولا عكس ، ولذلك كانت بعده.

•ما جاء في حديث معاذ بن جبل حينما أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، فقد قدم القرآن الكريم على السنة الشريفة وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك دليلا على تقديم القرآن الكريم عليها ، ولكن ينبغي أن ينحصر هذا التقديم في الحاجة إليها فقط ، ولا يتعداه إلى مصدريتها ، لأنها في ذلك في مرتبة تساوي القرآن الكريم تماما كما تقدم.

•القرآن الكريم محصور في نصوص محدودة يسهل الرجوع إليها واستقصاؤها، أما السنة الشريفة فغير محصورة ، بل هي واسعة جدا، فكان في تأخير الرجوع إليها بعد القرآن الكريم وجها مقبولا ، هذا ولا بد من التنبيه هنا إلى أن أكثر الأصوليين ساروا على أن السنة الشريفة في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم دون تفصيل ، ولا بد من حمل قولهم هذا على الوجه الثاني دون الأول ، وأن تغاضيهم عن هذا البيان والتفصيل إنما كان للعلم به لا لإنكاره .

⏪شروط حجيِّة السنة الشريفة:

السنة الشريفة حجة كما تقدم، سواء أكانت قولية أم فعلية أم تقريرية، ولكن هذا ليس على إطلاقه، فإن تصرفاته صلى الله عليه وسلم الفعلية أو القولية أو التقريرية تنقسم إلى قسمين:

أ- قسم يفعله بصفته التشريعية التبليغية عن الله تعالى.

ب- وقسم يفعله بصفته البشرية الجبلية.

فمن القسم الأول كل ما يتعلق بالأحكام والحلال والحرام ، ومن القسم الثاني كل الأمور الخاصة به التي مبناها على الجبلة والطبيعة البشرية كطريقته صلى الله عليه وسلم في نومه ومشيته ولباسه وترتيبه للجيوش وتنظيمه لأثاث بيته وغير ذلك.

فما كان من القسم الأول فداخل في نطاق التشريع والإلزام ، ويعد مصدرا أصليا للشريعة الإسلامية لما تقدم.

وما كان من القسم الثاني فإنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لا إلزام ولا حجية فيه على أحد ، ولذلك فإننا نرى الفقهاء يستثنون من السنة الشريفة الملزمة أمورا ثلاثة لا يعتبرون فيها حجية ما .

وهذه الأمور هي:

•الأعمال التي يقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى طبيعته البشرية ، وجبلته الإنسانية ، كطعامه وشرابه وقيامه وقعوده ومشيته ولباسه وغير ذلك.

• الأقوال التي تصدر عنه بمقتضى خبرته الإنسانية غير المعتمدة على الوحي وغير المتصلة بالأمور التشريعية ، كصف الجيش، وطبخ الطعام وغيره ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر أنه صف الجيش على شكل معين وفي موضع محدد ، فسأله أحد الصحابة وهو الحباب بن المنذر:

أهذا منزل أنزلك الله إياه ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

بل هو الرأي والحرب والمكيدة ، فقال الحباب: إذا ليس لك هذا بمنزل ، وأشار بتغييره ، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فدل هذا على أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أولا ليس بتشريع ملزم ، وكذلك حادثة تأبير النخل ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم ثانيا:

أنتم أعلم بأمور دنياكم ، دليل على ذلك أيضا، لأن هذه الأمور تقوم على الخبرة الإنسانية المجردة عن الوحي ، ونحن إنما اعتبرنا السنة الشريفة حجة لاستنادها إلى الوحي فلما انفصلت عنه لم يعد فيها حجية.

•ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل وقام دليل خاص على اعتباره خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعم غيره، فإنه لا يعتبر تشريعا لعامة المسلمين لهذا الدليل ، من ذلك إباحة الله له التزوج بأكثر من أربع نسوة مع تحريم ذلك على المؤمنين بنص القرآن الكريم ، أو قام الدليل على اعتباره خاصا بحالة واحدة ، كشهادة خزيمة.

فما عدى هذه الأمور الثلاثة فهو سنة ملزمة للمؤمنين ، وهو مصدر من مصادر التشريع الإسلامي الأصــلية.

⏪مكانة السنة الشريفة من القرآن الكريم من حيث طريقتها في التشريع /

السنة كما قدمنا تبع للقرآن، فهي مبينة لنصوصه وشارحه لمجمله وعامه ومطلقه، ولكننا في بعض الأحيان نجدها مؤكدة لما جاء في القرآن الكريم دون زيادة عليه أو إنقاص منه ، ونجدها أحيانا تأتي بأحكام جديدة لم يتعرض لها القرآن الكريم أبدا، وعلى ذلك فإننا يمكن أن نلاحظ أن نسبة السنة الشريفة إلى القرآن الكريم من هذا الوجه تتجلى في أربعة أمور هي:

1 - أن تكون مفسرة لما جاء في الكتاب الكريم مجملا أو مشتركا، أو مقيدة لما جاء مطلقا ، أو مخصصة لما جاء عاما ، وهذه هي المهمة الأصلية للسنة المطهرة.

فمن تفسير المجمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : {صلوا كما رأيتموني أصل} ، فإن فيه بيانا لقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} ، فإنه مجمل .

ومن بيان المشترك تفسير النبي صلى الله عليه وسلم القرء بالحيض في أحاديث أثبتها الحنفية ولم يسلم الشافعية بثبوتها ، ومن تخصيص العام قول النبي صلى الله عليه وسلم:

{لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها} ، فإنه مخصص لعام قوله تعالى:

{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} النساء:24 .

ومن تقيد المطلق قطعه صلى الله عليه وسلم يد السارق اليمنى من الرسغ ، فإنه مقيد لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}
المائدة:38 .

2- أن تكون مؤكدة لما جاء في القرآن الكريم، فتكون بذلك دليلا ثانيا للحكم بعد القرآن الكريم ، ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه} فإنه تأكيدا لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة:188 .3-

أن تثبت حكما زائدا على القرآن الكريم سكت عنه ، ولم يتعرض له ولم ينص عليه ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم للمدعي: (شاهداك أو يمينه) 9، ومنه قضاؤه صلى الله عليه وسلم بالشاهد واليمين .. فإنها نصوص نبوية مثبتة لأحكام سكت عنها القرآن الكريم .

4- أن تنسخ حكما جاء به القرآن ، وهذه نقطة خالف فيها الشافعية جمهور الفقهاء ، حيث لم يجيزوا نسخ القرآن الكريم بالسنة كما تقدمت الإشارة إليه ، ولكن يقولون إن السنة الشريفة في هذه المواضع معرفة لدليل النسخ لا ناسخة ، فإن نسخ القرآن الكريم لا يكون إلا بالقرآن ، والأمر مبسوط في كتب الأصول، ومن أمثلة نسخ القرآن الكريم بالسنة على مذهب الجمهور قول النبي:

صلى الله عليه وسلم {لا وصية لوارث} ، فإنه ناسخ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} (البقرة:180 ،
وينبغي أن يتنبه هنا إلى أن الشافعية لا يريدون بمنعهم نسخ القرآن الكريم بالسنة، النزول بالسنة عن القرآن الكريم واعتبارها مصدرا من الدرجة الثانية بعده ، بل إنهم يعتبرونها بمرتبة القرآن الكريم تماما مشيا مع الجمهور ، وقولهم بعدم نسخ القرآن الكريم بها كان لاعتبارات أخرى غير نزولها عن مرتبة القرآن الكريم ، بدليل أنهم لم يجيزوا نسخ السنة الشريفة بالقرآن أيضا ، ولو كان الأمر هو نزول السنة الشريفة عن القرآن الكريم لديهم لقالوا بنسخها بالقرآن ، لأن الأعلى يصلح ناسخا للأدنى، ولكنهم لم يقولوا بذلك .

فإن لم يجد فيعمل القياس ، حتى يستنبط الحكم الذي يطمئن إليه قلبه ويشترط في هذا الحكم ألا يخالف الإجماع .

⏪القياس /

وأما الأدلة المختلف فيها كالاستحسان وشرع من قبلنا ، فإن أدَّاه اجتهاده إلى صحة شيء منها أفتى به ، وإذا تعارضت عنده الأدلة فعليه أن يفتي بالراجح منها. وليس له أن يفتي في السعة بمذهب أحد المجتهدين، ما لم يؤده اجتهاده إلى أنه هو الحق ، وليس له أن يفتي بما هو المرجوح في نظره .

ولا بد من تحرير عبارة الفتوى تحريرًا رصينًا واضحًا بعيدًا عن الإيجاز المخل ، أو الإطناب الممل ، مع ذكر الشروط والقيود التي تتعلق بالحكم ، لئلا تفهم الفتوى على وجه غير صحيح ، وحتى لا يستغلها الذين يبغون إثارة الفتن بين المسلمين ، وأن لا تكون الفتوى بألفاظ مجملة (متعددة الاحتمالات) ، لئلا يقع السائل في حيرة، قال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} الأحزاب: 70 .

ويحسن ذكر دليل الحكم في الفتوى سواء أكان آية أم حديثًا أم غيرهما، ويذكر علته أو حكمته، ولا يلقيه إلى المستفتي مجردًا ، فإن هذا أدعى للقبول بانشراح صدر وفهم لمبنى الحكم ، وأدعى إلى الطاعة والامتثال .

أن لا تشتمل الفتوى على جزم بأنها حكم الله، إلا بنص قاطع .

⏪خطورة الإفتاء /

والفتوى من المناصب الإسلامية الجليلة، والأعمال الدينية الرفيعة، والمهامِّ الشرعية الجسيمة ، يقومُ فيها المفتي بالتبليغِ عن ربِّ العالمين ، ويُؤتمَنُ على شرعه ودينه ، وهذا يقتضي حفظَ الأمانة ، والصدقَ في التبليغ ، لذا وُصِفَ أهلُ العلم والإفتاء بأنهم:

ورثةُ الأنبياء والمرسلين ، الْمُوقِّعون عن ربِّ العالمين، الواسطةُ بين الله وخَلْقه .

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...