السيد عبدالرازق
"تركت الظهيرة بصماتها على وجهها الأبيض فكسته حمرة وردية،ً ونالت جسدها فكانت تتصبب عرقا فقد اشتدت حرارة يونيو معلنة، تمردها على كل معتاد ومألوف".هكذا جاء أطروحة الكاتب عصام قابيل في قصته "العذراء التي وطأها كل الرجال" الصادرة عن دار النخبة في حوالي 80 صفحة حيث يؤكد لنا الكاتب أن الإنسان ابن بيئته. ومن خلال هذا التناول الأدبي والذي رسم ملامح مسرح الأحداث بعناية وكان التحرك خلف البطلة بشغف سريع حيث يمتلك الكاتب ناصية الأحدث بيراعه شديدة بداية من ميدان التحرير الذي انطلقت منه البطلة معلنة عن حالة التمرد التي تصيب الكثير من الفتيات في تلك المرحلة السنية سعيا وراء تحقيق الذات أو تحقيق تلك الأحلام الراكنة في جب العقل الباطن وسط طقوس المجتمعات الشرقية التي تكبح جماح أي تطلع معنوي أو اجتماعي لدي الفتايات.
وكانت تلك الأحلام كامنة الى أن تأتي تلك الفرصة لتهرب من عباب الصمت الى الأفق الرحيب مستخدمة تلك الأسلحة غير المألوفة ولكنها تمتلكها وأول تلك الأسلحة هو سلاح الجسد الذي وهبه الله لها؟؟ حيث يقول الكاتب في ص 9 "وكأن جدران ذلك الفندق المتوسط الحال بميدان التحرير بوسط القاهرة تشع حرارة فوق حرارة الجو الرهيبة وكأنها فوق بركان ثائر من اللهيب. خرجت ْمن الحجرة وهي تتلفت يمنة ًويسرة، ثم مرقت مسرعة وهى تلملم ملاءة السرير تستر بها جسدها المكشوف وسرعان ما وارتها ستائر دورة المياه واطمأنت أن أحدا لم يرها.
ارتدت ثيابها أمام المرآه وكانت تنظر إلى وجهها الأبيض بعيون متحسرة وكأنها تقول .. لم استثمر بعد هذا الجمال...عيون ساحرة.
...شعر يميل للسواد ناعم تنسدل منه خصلة على جبينها تتراقص مع حركاتها بشكل منسق جميل وخرجت ُتقصد حجرتها التي استأجرتها في هذا الفندق متوسط الحال، ولم تكن تدري أن هناك مَن يراقبها ويتابعها بنظراته الثاقبة".
ويتميز الكاتب في تلك القصة بعيقريته في رسم تلك العتبات التي ينطلق منها في السرد الروائي محدثا نوعا من الدهشة لدى القاريء فلم تكن "لميس" سوى صرخة مكتومة لكثير من بنات الأحياء الشعبية الفقيرة في القاهرة اللاتي يرغمن كل مساء علي مشاهدة أصحاب السيارات الفارهة والفيلات الفخمة وهم يقتلن الأحلام داخلهم في تلك المساكن الضيقة التي ابتليت بكل أنواع الشقاء.
وأصرّ الكاتب على أن تكون "لميس" هي عنوان لمغامرات تلك الفتاة الجامحة الجانحة على غير المألوف فنجدها لا تمانع في ترك نفسها الى سائق التاكسي حتى نال منها طمعا في التنازل عن أجرة التاكسي الذي سيقلها الى مدينة الأحلام "الإنتاج الإعلامي" حيث تلك المجاميع التي يأتي بها المخرج أو مساعد المخرج من مكانها المعهود على إحدى المقاهي بشارع نجيب الريحاني.
ونجح الكاتب في الربط بين الأحدث وينقلنا من مكان الى مكان في تحد لعامل الزمان والمكان فهو يجنح إلى إضافة هذا الفعل من أجل استكمال الرؤى والتحول من فعل الحدث الى السرد وقد بدا التأثير الكبير بنتاجات الآخرين في المجال الروائي خاصة كاتبه المفضل الذي لم يخفِ التأثر به وهو الروائي إحسان عبدالقدوس وغيره من الكتاب المصريين.
ويبدو من الوهلة الأولى أن الكاتب وضع العنوان أولا ثم راح ينسج الأحداث والحكايات للحفاظ على مكنون العنوان دون الإخلال بتلك المفردات الثلاثية في العنوان ولكن يحسب له هذا الربط الروائي والسردي ليبين تلك الطبقات المتباينة في المجتمع من خلال تلك الحركة السريعة والمتلاحقة للبطلة التي عاشت داخل الحدث مابين "الحلم والغاية – السقوط".
جنح الكاتب إلى تبني تلك المفاهيم الدينية والروحية التي يلجأ إليها المظلمون غالبا "الدعاء الاستغفار – الاستجداء " في المواقف الصعبة دون الأخذ بالأسباب، ولذالك كان الحرص على خلق أجواء درامية لطرح تلك الأسباب داخل الحجز من خلال وجود هذا القاضي المرتشي الذي ساعده على وجود محامي يدافع عن البطل من خلال وجود مناخ مناسب للحصول على البراءة بعد حادث الطلاق بين "شمس" وزوجها.
يؤخذ على الكاتب إصراره على تطويع الحدث لصالح العنوان الذي وضعه مسبقا "العذراء" ولست أدري بأي منطق تكون هناك فتاة لديها الاستعداد لممارسة تلك الشهوة الجنسية بهذا الشبق في غرفة الفندق المطل على ميدان التحرير بوسط البلد حيث يقول ص 10 "أنا كلي لك فأنت ستكون سبب سعادتي وشهرتي ونجوميتي ولكن ما أخشاه أن تتركني.
- كيف أتركك؟؟ وأنا أشعر بأنك كأس السعادة الذي اشربه .. أنت حياتي.
- متي نلتقي مرة أخرى؟
- الليلة وكل ليلة.
ثم سائق التاكسي الذي مارس معها حتى وصل للنهاية حيث جاء في ص 12 (استسلمت له حتى نال منها ما ينال الرجل من المرأة وجلست تهذب ثيابها وتسوي ماكياجها، أما هو فقد كان سعيدا ولم يصدق نفسه قائلا في نفسه، هل بهذه السهولة قضيت أحلى وقت مع تلك الفاتنة؟
وهذا المخرج الذي وضعها في قائمة النساء وعاش معها متعته الليلية حيث جاء في ص 15 "وضعت ذراعيها على ذراعه تتكأ عليه وهي لا تصدق نفسها، سحبها في هدوء وسط تمتمات الجميع ثم خرج إلى سيارته وركب السيارة وانطلق الى استراحته في المريوطية، وهي لا تكاد تصدق عينيها وهو يسترسل في غزلها، وهي تكاد تذوب من الإطراء من هول المفاجأة التي لم تكن تتوقعها – قضيا بقية النهار وجزءا من ليلتهما وهي تغوص في أحلام لا حصر لها وهو لم يعتبرها الا لقاء أضيف الى قائمة لقاءاته التي لا تعد".
هذا البلطجي الذي اعتبرها رزق آخر الليل ومارس معها حتى بزوغ الفجر حيث يقول الكاتب في ص 16 "أصابها الرعب وارتعدت أوصالها، جذبها بشدة وساقها أمامه وتكاد تموت من الرعب، فقد كان جل ما تخشاه أن يصيب جمالها في مقتل أو يجرحها في وجهها وهو رأس مالها، وانطلق آذان الفجر يقطع سكون الليل، ارتجفت يد الرجل وارتخت همته واخذ ينظر حوله".
ثم يأتي الضابط "أديب" الذي نال نصيبه هو الآخر منها كما جاء في ص32 "اقتادها أديب إلى حيث يريد أن يقضي وقته وكما اعتاد عشرات المرات، استسلمت له حتى النهاية ".
وبعد كل ذالك يطالعنا القاضي بأن تقرير الطيب الشرعي يثبت أن الفتاة "عذراء" وأن البطل بريء من تهمة الاغتصاب، ربما جاءت الإشارة ضمنية عندما أشارت أختها شمس إلى أنها عثرت في أوراق "لمي" الى روشته لطبيب نساء ولم تفهم مضمونها هل قامت لميس بإجراء عملية "ترقيع لغشاء البكارة مرة أخري؟".
تلك الحالة التي أصر الكاتب على رصدها في صور متتالية ومتلاحقة ليبرئ ساحة البطل ويحكم حلقة الاتهام حول البطلة معلنا انتصار الحق على الباطل.
غاب عن الكاتب وضع تلك القصة وأحداثها في حقبة زمنية معينة، وهذا ركن أساسي في فن الكتابة الروائية، وهذا يحسب عليه تجاهل هذا الركن، ربما لم يكن متعمدا منه، وإنما لأن سرعة تدفق الحدث قد شغله عن التأني في الإفصاح عن مكنون الأحداث السياسية التي لازمت وقوع الحدث حيث غاب عنه فعل الزمن وفاض اهتمامه بعنصر المكان وهذا يعتبر تقصير في البناء الفني للرواية، رغم قدرته على السرد الروائي بشكل جيد وقدرته على الإثارة في بناء الحدث، وربما جاءت الصور رمزية في مكنون القصة مثل "ميدان التحرير- يونيو- أديب - لميس" وهذا إسقاط علي ثورة 30 يونيو وما صاحبها من اضطهاد للتيار الديني في صورة "مهدي" وربما اختار اسم البطلة "لميس- اديب" إسقاطا ربما على اسم الشخصيات التي لمعت مصاحبة لتلك الثورة التي كانت فيها الجماهير غاضبة وتحاول إلصاق التهم بكل من ينتمي للتيار الديني، ربما استخدم الكاتب أسلوب الترميز والإشارة السريعة الى تلك الأحداث لاعتبارات في ذاته الا انه لم يؤكد تلك الإسقاطات السياسية الرمزية في متن الرواية.
يحسب للكاتب أنه لم يجنح إلى فكرة الاسترجاع الى الماضي في أي جزء من الرواية أو المخاطبة الاسترجاعية للحدث لربطه بحدث قائم، وإنما كان الحدث عنده متجدد باستمرار ويسير في خط التصاعد الدرامي وهذا العنصر كان جاذبا للقراءة حتى النهاية.
نجح الكاتب في تقديم الشخصية الانتهازية المتسلطة المغرورة في بناء سيكولوجي درامي في كل المواقف بنجاح حيث التطابق بين الفعل الظاهري والإحساس الداخلي لها من خلال تلك المفردات السهلة والبسيطة وأسلوب أدبي سهل بعيدا عن الإثراء البلاغي للغة في السرد وكان التناغم الحسي متلاحما جذابا داخل الرواية حتى نصل إلي النهاية الدرامية الحتمية.
وأصر الكاتب علي ترك مساحة للتخيل الذهني والحسي للقارئ دون التغلغل في مفردات تفصيلية للمكان والحركات لنصل الى تلك الصرخة من جانب البطلة في وجه أختها في لحظة الانهيار قائلة "أنأ أدافع عن حقي في الحياة، الله أعطاني جمالا لكي أنعم به ولكي يقدره كل الرجال وألا يتمنع علي أحد، ولا يملك أي رجل على وجه الأرض أن يحرمني من تلك المتعة".
يحسب للكاتب أنه تناول الفساد في طوائف متباينة من المجتمع مؤكدا أن الفساد في المجتمع المصري ليس له بيئة معينة وانه يمكن أن يكون فسادا أخلاقيا في الأحياء الشعبية، كما في نموذج "لميس". وهذا يمثل تلك الطبقات الدنيا من المجتمع.
وجاء نموذج القاضي المرتشي أيضا ليضع بين أيدنا نموذجا من الطبقة العليا والتي يظنها الكثير أنها بعيدة كل البعد عن تلك الصفات البشعة التي نسمع عنها في الحارات الشعبية أو حتى في مناطق الأرياف. ثم نموذج "أديب" ضابط الشرطة المنوط به حفظ الحقوق للضعفاء الا انه انتصر لرغباته الجنسية أمام تلك الفاتنة على حساب الشاب المتدين "مهدي" حتى الفساد داخل الحجز في انتقائية التعامل بين المحجوزين رغم أنهم أمام القانون سواء.
وقد تناول الكاتب الجانب الآخر في قصته وهو جانب الخير متمثلا في شخصية "شمس" و"مهدي"، وخلافة وخلق حالة من حالات الصراع الاجتماعي والنفسي بين تلك العناصر في تباين المواقف بين أطراف الحديث ما بين الإثارة تارة والعتاب تارة أخري والندم في مواقف تالية وبرغم قدرته على تحريك كل شخصية في كادر سينمائي معين الا انه تجاهل أي دور إيجابي لكل من أم البطلة أو حتى أم البطل رغم أنهما المحرك الأساسي من الجانب الاجتماعي والسلوكي لكل منهم من حيث الغرس الأول لهما
وأخيرا علينا أن نؤكد أن البنية الكتابية لدى الكاتب عصام قابيل تعتمد على الجملة السردية الوصفية على لسان "الراوي – البطلة – البطل" ولذلك تأتي الجملة طويلة أحيانا لتعكس ما بطن من حوار بين المتحدثين، وهذا يجعلنا نفسح له مكانا بين الكتاب والمبدعين المتميزين على الساحة الأدبية العربية في إبداعات قادمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق