صدر للباحثة العراقية آلاء عبد الأمير السعدي، كتاب بعنوان (الاشتغال الفضائي في شعر ناصر مؤنس – دراسة سيميائية) عن منشورات دار مخطوطات في هولندا. والكتاب من الحجم الكبير ويقع في 522 صفحة.
تقول الباحثة في تصدير كتابها (يمثل الشاعر ناصر مؤنس حالة شعرية فريدة في نوعها لأنه يعول على الفضاء الكتابي أكثر مما يعول على الكلمات، وينفذ أعماله بطريقة الغرافيك، فيتحول النص إلى مجموعة من القوالب الشكلية التي تحتوي عادة نصاً مكتوباً يتشكل جمالياً ودلالياً ليصبح مرئياً بالدرجة الأساس ومقروءاً بدرجة ثانية لإنتاج شفرته الدلالية. واهتمامه ذاك متأت من قناعة شعرية بقيمة المرئي قبالة المسموع).
وتتابع آلاء السعدي قائلة : أفاد الشاعر قديماً من الممكنات الشعرية التي يتلمسها في بيئته وعصره ،مما أصبح اليوم غير ملبٍ لطموح المتلقي وحاجته في وقتنا الحالي , لذا لجأ الشاعر إلى ملكات جمالية تشكيلية بصرية ؛ علَّها تكون قادرة ومساهمة في جذب قراء ومتلقين جدد ، فأدخل في نصهِ الشعري ممارسات كتابية تشكيلية ، مستثمراً في ذلك الفضاء الورقي ، فشكل هذا الانزياح صراعاً بين ثقافة الكلمة وبلاغتها الشفهية ، وثقافة الصورة في مجال الإشهار والإعلام والسينما , مجسداً إياها في اشتغالاتهِ الكتابية على ذلك الفضاء الورقي .
فالتنبه إلى ذلك الفضاء (الورقي، والطباعي) وجعله عنصراً آخر يضاف إلى العناصر التأويلية والأبعاد الدلالية للّغة، دعا المتلقي إلى القراءة والتمعن في النص الشعري أكثر، بدءاً من العتبات والمظاهر الأولى المكونة لذلك الفضاء المتحول من كونه مكانيا بيئيا شفاهيا سمعيا، إلى كونه ورقيا طباعيا بصريا، مرورا بشكل كتابة القصيدة وعلامات ترقيمها والصور المرافقة وانتهاء بلغتها وأنساقها اللسانية.
إن هذا التحول سعى لردم الهوة الحاصلة بين الباث والمبثوث إليه، ولاسيما بعدما تم قطع الوسائط بينهما، وغياب الوظيفة الالقائية البارزة للقيم الجمالية وسمات الأداء الشفهي للباث، فجاء الاشتغال الفضائي الطباعي مؤكداً على أن الكتابة الشعرية لم تعد متمركزة ومتقوقعة في اللغة ذاتها ومعناها المسبق، بل تعداها لجعل ذلك الفضاء مساعداً على إنتاج دلالات شعرية وتأويلات عدة حاملة أبعاداً بصرية صادمة للمتلقي وجاذبة لانتباههِ
وانطلاقاً مما تقدم أصبح الاشتغال الفضائي مخاطباً للعين وليس للأذن، وعلى أساس من ذلك أخذت الصفحة الشعرية اهتماماً من لدن الشعراء وأصبحت جزءاً أساساً من بنية النص الشعري، يتجلى ذلك واضحاً من خلال التنافذ والتداخل الأجناسي بين الأدب والرسم والموسيقى والسينما ... الخ، وتشكيل السطر الشعري وبنينة البياض والسواد وما إلى ذلك من علامات وأشكال حركية أيقونية ومجردة. نلمح فيها استحضاراً واستخداماً للصورة وعودة موفقة إلى بدايات المرحلة الشفهية المسجلة للحظات الإبداع.
وللاشتغال الفضائي والاهتمام بالمكانية بدايات، يمكن عدّها عتبات تفضي بنا إلى تجارب أكثر نضجاً من سابقتها، ليصل بنا الأمر إلى تجارب ذات ملكات شعرية ودلالات قصدية عالية، عملت على الاشتغال النصي البصري، على محورين فاعلين في الكشف عن الاشتغال، هما: الفضاء النصي والفضاء الصوري، فالأول يتشكل من علامات تعد معطى موجهاً للقراءة فقط، ومن هذهِ العلامات (الخط، والأسطر الشعرية، وعلامات الترقيم ... الخ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق