اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

جلاد الغرام | قصة قصيرة ...**متولي محمد متولي

 ⏪⏬
لم أجلس قط في مقهى، ولكنني اليوم اضطررت للجلوس في أحد مقاهي السوق! لم أجلس في الداخل بسبب الدخان الكثيف؛ جلست على كرسي فوق الرصيف، فالأرصفة يبدو أنها لم تعد مخصصة للمشاة؛ بل أصبحت حقا أصيلا للمقاهي والمطاعم والمحلات!

لم أتوقف عن السعال؛ فمعظم من حولي يدخنون! الشاب الذي عن يميني، كان مثلي لا يكف عن السعال؛ قال لي :
- هؤلاء هم الذين ثقبوا الأوزون .. .. ألا ترى سحب الدخان ؟!
ضحكت، وقلت له :
- رغم أنني أكاد أختنق بدخانهم .. .. إلا أنني أعذرهم!
- تعذرهم .. .. إنهم ينتحرون .. .. يحرقون صحتهم !
- أليس هذا أفضل من أن يموتوا من الهم والحزن .. .. إنهم يحرقون التبغ بدلا من أن يحرقوا أنفسهم ! لولا أنني مصاب بالحساسية في الصدر؛ لشربت مثلهم سيجارة أو شيشة !
- يااااه .. .. تتحدث كاليائسين .. .. رغم أنك كما يبدو لي لم تتجاوز الثلاثين !
- لقد كسرت حاجز الخامسة والثلاثين منذ ثلاثة أيام !
- تتحدث بمرارة شديدة .. .. إن كنت تريد عملا أخبرني .. .. توجد فرص كثيرة للعمل .. .. ولكن ما مؤهلاتك ؟
- أبواب العمل كثيرة أمامي .. .. لكنني لست في حاجة للعمل؛ وكان بمقدوري أن أعمل منذ سنوات فأنا خريج حقوق.
- أمر عجيب .. .. ولماذا لم تعمل محاميا ؟!
- أمي كانت تريد لي أن أصبح وكيل نيابة؛ أو قاضيا كوالدي، فعلت الكثير لأحقق لها حلمها؛ لكن الأمر كان يحتاج إلى وساطة كبيرة ، وللأسف لا نعرف أحدا هنا؛ فنحن من أسوان.
- تقول أن أباك كان قاضيا !
- الحقيقة أمي حكت لي عنه الكثير .. .. لكنني لم أره يوما .. .. إنها تحلم أن أصبح رجلا عظيما مثله !
- كل هذا جميل؛ لكنني لم أفهم حتى الآن لماذا تبدو يائسا هكذا !
- لقد طلبت يانسون .. .. أتشرب يانسون؛ أم أطلب لك الشاي أو القهوة ؟
- يانسون .. ..
طلبت كوبا إضافيا من النادل الذي كان ينظر إلي َّ بطريقة مريبة منذ جلست! ثم بدأت أحكي قصتي؛ فقد كنت في حاجة ملحة إلى تخفيف العبء الثقيل الذي فوق رأسي !
- الحقيقة أنا أعيش مع أمي في رغد من العيش؛ المعاش يكفينا؛ ويوفر لنا حياة كريمة؛ كما أن أمي لديها حساب كبير في البنك؛ ولدينا أراضي كثيرة في أسوان، رغم أنني لم أرها يوما، لكن أمي أخبرتني عنها.. .. باختصار لست في حاجة إلى أي عمل.. .. مشكلتي تتلخص في أنني تعودت منذ جئنا إلى هنا أن أعيش وحدي بلا أصدقاء ؛ وبلا أقارب .. .. عودتني أمي ألا أصاحب أحدا .. .. هل تصدق هذا ؟ّ
- الوحدة كئيبة .. .. كان الله في عونك !
- بالعكس إنني سعيد جدا .. .. لكن المشكلة أن أمي منذ فترة تلح علي أن أتزوج !
- ها ها .. .. هذه ليست مشكلة تزوج؛ وفرح أمك .. .. في النهاية لا بد أن تتزوج !
- يا أخي أقول لك إنني أعيش حياتي ملكا .. .. وبصراحة لا أشعر بأي مشاعر تجاه أي فتاة .. .. لقد قرأت الكثير من القصص والروايات عن الحب والغرام والعشق والهيام .. .. وكلها في نظري بوابات للجحيم .. .. كيف أترك الجنة؛ وأقذف نفسي في النار ؟!
- تريد أن تقول أنك لم تحب، ولو مجرد حب عابر !
- لم يحدث .. ولا أريد أن يحدث !
- أكيد أنت شخص غير طبيعي .. .. لكن على كل ٍ لا توجد مشكلة .. .. عش حياتك كما تريد !
- أمي مصرة على أن أتزوج .. .. وبدأت تشك أن بي عيبا عضويا؛ وحجزت لي عند الطبيب !
- طبيب !! أنصحك أن تتزوج فورا .. ..
أحضر النادل كوب يانسون واحد؛ قلت له بغضب :
- لقد طلبت كوبين؛ ألم تسمعني ؟!
- والكوب الثاني لمن .. .. اشرب اليانسون يا محترم .. .. الله يكون في عونك !
وانصرف وهو يضرب كفا بكف! قال صديقي :
- لا عليك .. .. ليس من المهم أن أشرب شيئا !
- هذا النادل هل هو أعمى .. .. ألا يرانا اثنين ؟!
- دع أمر العامل .. .. وخذ بنصيحتي وتزوج قبل أن تتفاقم الأمور !
- لكن المشكلة .. .. أتزوج من ؟! إنني لا أعرف أي فتاة .. .. هل تصدق أنني منذ جاءت بي أمي من أسوان إلى هنا، لا أعرف لنا أقاربا؛ ولم أصادق أحدا في المدرسة أو حتى في الجامعة .. .. حتى جيراننا لا نختلط بهم !
- ها ها .. ..
- هل الأمر مضحك إلى هذه الدرجة .. .. صحيح شر البلية ما يضحك !
- يا صديقي الفتيات مثل الأرز .. .. انظر أمامك .. .. تخيَّر واحدة؛ وسوف يأتيك نصيبك !
وضعت رأسي بين كفيَّ؛ ثم رفعتها ونظرت حولي فلم أجد أحدا؛ لقد اختفى وكأنه قطعة سكر ذابت في الماء! قمت من مكاني بعد أن دفعت حساب اليانسون، قررت أن أسير وراء أول فتاة تمر من أمامي ! ومع أن السوق كان في هذا اليوم مزدحما جدا بالمارة؛ إلا أنني وجدتها، كانت بصحبة امرأة كبيرة، وصبي؛ خمنت أن المرأة أمها؛ وأن الصبي أخوها! مشيت وراءهم ورأيتهم يدخلون عمارة أسفلها محلا كبيرا لبيع الفاكهة؛ أمامه يجلس شيخ طاعن في السن؛ تشجعت وسألته :
- ممكن أسأل سؤالا يا والدي ؟
- إذا كان عن الفاكهة .. .. تحت أمرك .. .. أما إذا كان عن بدر .. .. فالله يرحمك !
- الله يرحمني !! .. .. يا والدي .. .. البنت التي دخلت من باب العمارة - توا -مع أمها وأخيها.. .. مخطوبة ؟!
- الله يرحمك يا ابني !
- يا والدي .. ..
- أنا لست والدك .. .. أنصحك تطير قبل ما يسمعك الدردير !
- دردير ؟!!
مؤكد هذا الشيخ مجنون؛ إنه طاعن في السن؛ يبدو في أرذل العمر! عدت إلى البيت فوجدت أمي قد جهزت نفسها لتذهب بي إلى الطبيب! فأخبرتها أنني وجدت فتاة أحلامي ! لم تصدقني في بادئ الأمر؛ وعندما تأكدت من صدقي؛ أخذت تبكي من شدة الفرح! قلت لها :
- غدا بإذن الله أذهب لأسأل عنها وعن أهلها !
- غذا بإذن الله نذهب لطلب يدها .. .. من سنين يا نور عيني وأنا أنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر !
عشت أكثر من خمس وثلاثين سنة؛ كنت أظن من كثرة ما قرأت من كتب أنني تعلمت كل شيء؛ لكن في هذه الليلة أدركت أنني لا أزال أجهل الكثير والكثير ! لقد رحبت الأسرة بي وبأمي ترحيبا يفوق الوصف؛ حتى إن أمي - من فرط ترحيبهم – انتابها الشك أن العروس عانس أو بها عيب ما؛ لكننا عندما رأيناها عن قرب ذهلنا .. .. وجهها أجمل من بدر التمام؛ قوامها لا يشبهه أي قوام؛ لكنها – وللأسف – تصغرني بعشرة أعوام، كيف لم أنتبه لهذا ؟!
لم أر أمي قط بهذه السعادة! من النادر أصلا أن أراها سعيدة ؛ إنها دائما تشعرني أن هناك خطر قادم ! حتى إنها تقريبا لا تنام! لكنها في هذه الليلة ظلت تبتسم وتضحك؛ وكأنها أرادت أن تعوض سنوات الحزن والكآبة! حتى صك آذاننا صوت طلقات نارية؛ وقعت كأس الشربات من يد أم العروس؛ وفقدت الوعي؛ والبدر بجانبي تحوَّل إلى محاق؛ أما الأب فقد أسرع بذراعين مرتعشتين يغلق نوافذ الشقة كلها؛ وقد اصفر وجهه! وكأن ملك الموت بالباب؛ وعلى النوافذ! وما لبث التيار الكهربي أن انقطع؛ وأظلمت الدنيا، وأنا وأمي في ذهول تام؛ لا نعرف ماذا يحدث؛ حتى سمعت الصبي يقول :
- الدردير وعصابته واقفين بالسواطير !
مر َّشهر على هذا الموضوع؛ الذي تسبب في إصابة أمي بداء السكر! والذي لم تكن تشتكي منه من قبل؛ وأصبت أنا بصدمة كبيرة؛ ربما هي أسوأ من الجنون! هؤلاء الرعاع شيعونا بأقذر الشتائم والسباب؛ وكادوا يعلقونني كالذبيحة لولا أن بعض الأهالي اتصلوا برجال الشرطة؛ وتحوَّل السوق إلى ثكنة عسكرية؛ وخرجت أنا وأمي وسط حراسة أمنية مشددة!
قالت أمي :
- لو كنا في بلدنا وبين أهلنا ما تجرَّأ هؤلاء الكلاب على إهانتنا هكذا !
- إذا كان لنا أهل فلماذا لا نذهب ونعيش بينهم .. ..
- يا بني .. .. أبوك كان حكم على أحد تجار المخدرات بالإعدام؛ وبعد تنفيذ الحكم سمعنا أنهم أقسموا أن يقتلوا أباك؛ ويقطعوا سلساله؛ وفعلا قتلوه؛ فخفت عليك؛ وهربت بك إلى هنا؛ وتركت أسوان والصعيد كله؛ ولو كان فيه بلد أبعد من دمياط كنت هربت بك ولجأنا إليها!
بعدما كنت أقضي الساعات الطوال في البيت دون كلل أو ملل؛ أصبح بقائي في البيت جحيما! فنيران الغضب التي تسري في عروقي تكاد تحرق قلبي وعقلي وكبدي!
على أحد المقاعد المنتشرة على كورنيش النيل بينما كنت جالسا أتجرع أحزاني، فوجئت بصديقي الوحيد يجلس عن شمالي؛ كان ينظر إليَّ وكأنه يعرف ما حدث؛ قال :
- عرفت بما حدث لك ولأمك .. .. لا أعرف ماذا أقول لك .. .. أشعر بالذنب.. .. لماذا لم تسأل الجيران قبل أن تأخذ أمك معك ؟!
- حتى لو كنت سألت؛ وعرفت أن هذه المسكينة مثل البيت الوقف بسبب هذا البلطجي؛ صدقني كنت سأذهب وأطلب يدها .. .. قل لي ما ذنبها .. .. وما ذنب أهلها الطيبين ؟!
- لكل شيء ضريبة .. .. وهذه ضريبة الجمال .. .. هذا المجرم يحبها لدرجة الجنون؛ ولن يسمح لأحد بالاقتراب منها؛ أي شخص سيتجرأ ويطلب يدها سيشوه وجهه.. .. إنه ليس مجرد مجرم عادي .. .. إنه زعيم عصابة !
- وهل تظن أنك بكلامك هذا ستجعلني أتراجع .. ..
- وماذا ستفعل .. .. هل تريد أن تموت؛ وتفجع قلب أمك المسكينة ؟!
- سأجن لو لم أفعل شيئا .. ..
- يكفيك ما أصابك !
- الموت أهون !
- حسنا .. .. إذا كنت مصرا على أن تلقي نفسك في المهالك .. .. انتظر أسبوعا سأقابلك في هذا المكان بعد أسبوع؛ انتظر مني خبرا مفرحا!
- أي خبر ؟
- انتظر وسترى !
أغمضت عيني لحظة؛ وأنا أتنهد، وعندما فتحتهما لم أره اختفى؛ كأنما تبخر في الهواء !
في صباح اليوم التالي؛ استيقظ أهالي السوق على صوت سيارات الإسعاف؛ أكثر من عشر سيارات تنقل جثثا من أشهر بؤرة لتعاطي المخدرات؛ كان من بينهم الدردير ومعظم أفراد عصابته! كلهم ماتوا مسمومين! مجزرة لم تحدث من قبل!
مضت شهور؛ ولم يستطع رجال التحقيق الجنائي التوصل إلى من وضع السم في دست الماء المغلي في المقهى! ورغم أنها جريمة مروعة؛ إلا أن الأهالي جاهروا بفرحهم بالتخلص من هؤلاء المجرمين! ولم ينته العام إلا وكنت قد تزوجت من بدر؛ كانت أجمل ليلة في حياتي كلها؛ استعادت أمي عافيتها؛ وبدأت تتأقلم مع السكر، رغم أنه وحش كاسر؛ استطاعت ترويضه!
صديقي الوحيد رغم أنني ذهبت لأقابله على الكورنيش بعد أسبوع كما اتفقنا، إلا أنه لم يأت؛ والعجيب أنه اختفى تماما؛ لدرجة أنني بدأت أشك أنه هو الذي وضع السم للدردير وعصابته؛ هل اختفى بعيدا حتى لا يتم القبض عليه.. .. ربما هرب إلى أسوان؛ سيقضي الباقي من عمره خائفا كما هو الحال معي أنا وأمي!
-
*متولي محمد متولي بصل
دمياط

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...