⏪⏬
ذاك الشتاء النائي ،وذرات المطر تتناثر في الطرقات المعتمة، غافلتني عجلة الزمن المجنونة، فخرجت متأخرة من بيت صديقتي، تلك المرأة المعجونة بالطيبة والعذوبةوبهجة التواصل، ولأنني لا أملك أنيابا حادة لأصرخ فقد تركت قلبي مثقلا بذل اللحظة،مشيت
مهزوزة الخطوات ورحت أعد للعشرة لألجم الخوف والرعب اللذين سيطرا علي.
بين الفرح والموت حصرت لساني لتذروني الرياح غمارا من الحب والدفء
تلك المزرعة التي جلست بين أشجار زيتونها وأعشابها اليانعة سحرتني وجعلتني أنسى نفسي وأسرح في مزارع الوطن وبياراته الجميلةالتي مازالت محفورةصورها في الذاكرة والوجدان منذ حدثتني عنها جدتي فضة،كيف لا أرتد إلى الوراء وتاريخ وطني مأهول بالفواجع والغدر والدمار؟!.
مشيت في دروب موحلة،تصل مابين بيتها وبين طريق الحفلات،كل ما حولي كان صامتا صمت القبور، القمر وحده كان يختفي خجلا في السماء، المحلات التجارية والأحياء كانت مغلقة وخالية من أي مخلوق بشري سوى بعض القطط الشاردة تموء وتفر هاربة قرب الحاويات، الناس الذين اختفو ا في بيوتهم تفاديا للمفاجات المباغتة التي يمكن أن تعترضهم بسبب فوضى الحرب وأهوالها هجوا ونامو باكرا
قالت لي صديقتي بإلحاح قبل أن أودعها وأغادر المكان:
_ نامي الليلة عندي والصباح رباح!.
قلت اتحايل عليها وأكبت غصة استوطنت في الحلق ،إن شاء الله في مرات قادمة.
فقد كنت أعرف أن الموت وقلق اللحظة أشياء مرعبة تخيلتها في عيون المقتولين من الأبرياء
والأشجار والعصافير، فروحي إلى اليوم حزينة على فقدان كل ما هو عزيز على قلبي،تبعت المقولة التي يرددها عامة الناس ،أن الله أمطر الحزن على بني آدم أربعين عاما وأمطر الفرح على البشر عاما واحدا ولأنني تعودت حفر طريقي المليء بالغصات بنفسي فقد رغبت السير وحدي ليغازلني المطر وأتحدى ذاكرتي التي باتت تتأمر علي بالتعب والنسيان.
تحت شجرة زنزلخت أغصانها يابسةوأوراقها صفراء،وقفت أمد نظري نحو الأمام علني أحظى بسيارة أجرة قبل أن ينفد صبري وتضجرني غفلة الإنتظار،في لحظة اشتعال روحي بالهواجس ورحيل كثير من الأحبة والمعارف والأصدقاء ممن كانت تربطني بهم صلة مودة من نوع خاص رددت وأنا أمتطي قدمي مسرعة كما لو أنني أمتطي بساط علاء الدين السحري:
_ يا لطيف يالطيف اجعل للمفاجات تصريفا.
مرت ساعة كاملة والهواء يلفحني بأنفاسه الباردة، ولم أر بصيص ضوء لسيارة مارقة ولاحتى لجنس حيوان أو مخلوق بشري يؤنس وحدتي ووحشتي ويرمي السلام.
استسلمت لقدري المحتوم واحتميت بصوت العاصفة الغريب الذي لم يعد يخيفني لا هو ولا تلك الأرواح الشريرة التي حدثتني عنها جدتي وكنت يومها أمامها أتلعثم ولاأستطيع التكلم وأنام خائفة.
هرولت على الرصيف مسرعة وراح فكري يحلق بعالم آخر ،عالم فسيح أموت فيه بلا ضجيج في رحاب السموات السبع،أثناء شرودي وهيمان روحي في فضاءات الموت ودهاليزه شفط قربي رجل ملثم يقود دراجة نارية ويضع على عينيه نظارة سوداء بدا لي يشبه أحد أبطال الروايات البوليسية في الأفلام السينمائية، خلفه يثبت صندوقا من البلاستيك لا أعرف ماذا يحوي من أشياء أمرني بلهجة حادة وغضب:
_ اركبي خلفي وعانقيني من خصري وإلا........
كدت أغشى من الضحك،غطيت فمي بيدي ورددت عليه بكلمات مشوبة بالسخرية:
_أين سأصعد ياروميو زمانك !!.
لم يعلق بكلمة واحدة فقط دار حولي عدة دورات مكوكية وعيناه لاتحيدان عن الكيس الصغير الذي أقبض عليه بيدي، توحدت مع دقات قلبي الذي أخذ يذكرني بأن الموت علينا حق وهو يأتي مثل غيمة بيضاء، ويمكن أن يطال الإنسان في أي وقت فيتحول جسده إلى جثة هامدة، عاد مرة أخرى ولازمني من الشمال إلى اليمين مثل عاشق كتب اسمه في حكاية أسطورية يتداولها العشاق في المدن الحزينة،قال لي وهو يتظاهر بالخجل والكلام المعسول ليتسلل إلى مشاعري وأحاسيسي: _ ألاتذكريتي يا آنسة أنا نعمان النابلسي تلميذك الذي كان يمشي رجلا للوراء ورجلا للأمام،وبعدها يتعثر بخياله،ولأنني رومانسية وهادئة الطبع لا أطيق البعاق والصراخ ولاسيما أنني أعرف ما خلفته الحرب من تبعات ومن أنذال ومجانين وقطاع طرق توسلت إليه بروح رياضية وأخلاق حضاريةأن يمضي ويتركني لشأني.
أتعبني تمرده وعناده وقال متظاهرا بالطيبة: _ ليس من حقي إجبارك على شيء أقولها بالفم الملآن،أغفري لي هو قلبي الذي يخاف عليك في هذا الليل من الأوباش.
كتمت صراخي ولجمت آهاتي لأتنفس الحلم القادم وأتدارك اليأس الذي قتل الروح وخنق الأوكسجين في الطبيعة،اقترب مني أكثر ومد يده ليرمي السلام ،صعقت لحظة خطف من يدي كيس النباتات التي كانت صديقتي قداقتلعتها من مزرعتها وقدمتها لي عربون محبة ووئام ،رحت أهجس مع نفسي وأدفن ركام الكلام تحت لساني وجلدي:
_أيمكن أن يكون هذا الشاب الذي اودع والده في السجن منذ سنوات ليستولي على ميراث العائلة، انقلبت دهشتي إلى حزن وأنا أراه يفر هاربا إلى جهة مجهولة ،صرخت خلفه :
_ شتان مابينك ومابين من تخرجوامن تحت يدي أطباء ومهندسين ومعلمين، لكنه لم يسمعني
التفت خلفي فوجدت امرأة عجوز تردد معي مقهورة:
_ دنيا آخر زمن ،لعن الله الكلاب الضالة في الشوارع.
*ناديا ابراهيم
ذاك الشتاء النائي ،وذرات المطر تتناثر في الطرقات المعتمة، غافلتني عجلة الزمن المجنونة، فخرجت متأخرة من بيت صديقتي، تلك المرأة المعجونة بالطيبة والعذوبةوبهجة التواصل، ولأنني لا أملك أنيابا حادة لأصرخ فقد تركت قلبي مثقلا بذل اللحظة،مشيت
مهزوزة الخطوات ورحت أعد للعشرة لألجم الخوف والرعب اللذين سيطرا علي.
بين الفرح والموت حصرت لساني لتذروني الرياح غمارا من الحب والدفء
تلك المزرعة التي جلست بين أشجار زيتونها وأعشابها اليانعة سحرتني وجعلتني أنسى نفسي وأسرح في مزارع الوطن وبياراته الجميلةالتي مازالت محفورةصورها في الذاكرة والوجدان منذ حدثتني عنها جدتي فضة،كيف لا أرتد إلى الوراء وتاريخ وطني مأهول بالفواجع والغدر والدمار؟!.
مشيت في دروب موحلة،تصل مابين بيتها وبين طريق الحفلات،كل ما حولي كان صامتا صمت القبور، القمر وحده كان يختفي خجلا في السماء، المحلات التجارية والأحياء كانت مغلقة وخالية من أي مخلوق بشري سوى بعض القطط الشاردة تموء وتفر هاربة قرب الحاويات، الناس الذين اختفو ا في بيوتهم تفاديا للمفاجات المباغتة التي يمكن أن تعترضهم بسبب فوضى الحرب وأهوالها هجوا ونامو باكرا
قالت لي صديقتي بإلحاح قبل أن أودعها وأغادر المكان:
_ نامي الليلة عندي والصباح رباح!.
قلت اتحايل عليها وأكبت غصة استوطنت في الحلق ،إن شاء الله في مرات قادمة.
فقد كنت أعرف أن الموت وقلق اللحظة أشياء مرعبة تخيلتها في عيون المقتولين من الأبرياء
والأشجار والعصافير، فروحي إلى اليوم حزينة على فقدان كل ما هو عزيز على قلبي،تبعت المقولة التي يرددها عامة الناس ،أن الله أمطر الحزن على بني آدم أربعين عاما وأمطر الفرح على البشر عاما واحدا ولأنني تعودت حفر طريقي المليء بالغصات بنفسي فقد رغبت السير وحدي ليغازلني المطر وأتحدى ذاكرتي التي باتت تتأمر علي بالتعب والنسيان.
تحت شجرة زنزلخت أغصانها يابسةوأوراقها صفراء،وقفت أمد نظري نحو الأمام علني أحظى بسيارة أجرة قبل أن ينفد صبري وتضجرني غفلة الإنتظار،في لحظة اشتعال روحي بالهواجس ورحيل كثير من الأحبة والمعارف والأصدقاء ممن كانت تربطني بهم صلة مودة من نوع خاص رددت وأنا أمتطي قدمي مسرعة كما لو أنني أمتطي بساط علاء الدين السحري:
_ يا لطيف يالطيف اجعل للمفاجات تصريفا.
مرت ساعة كاملة والهواء يلفحني بأنفاسه الباردة، ولم أر بصيص ضوء لسيارة مارقة ولاحتى لجنس حيوان أو مخلوق بشري يؤنس وحدتي ووحشتي ويرمي السلام.
استسلمت لقدري المحتوم واحتميت بصوت العاصفة الغريب الذي لم يعد يخيفني لا هو ولا تلك الأرواح الشريرة التي حدثتني عنها جدتي وكنت يومها أمامها أتلعثم ولاأستطيع التكلم وأنام خائفة.
هرولت على الرصيف مسرعة وراح فكري يحلق بعالم آخر ،عالم فسيح أموت فيه بلا ضجيج في رحاب السموات السبع،أثناء شرودي وهيمان روحي في فضاءات الموت ودهاليزه شفط قربي رجل ملثم يقود دراجة نارية ويضع على عينيه نظارة سوداء بدا لي يشبه أحد أبطال الروايات البوليسية في الأفلام السينمائية، خلفه يثبت صندوقا من البلاستيك لا أعرف ماذا يحوي من أشياء أمرني بلهجة حادة وغضب:
_ اركبي خلفي وعانقيني من خصري وإلا........
كدت أغشى من الضحك،غطيت فمي بيدي ورددت عليه بكلمات مشوبة بالسخرية:
_أين سأصعد ياروميو زمانك !!.
لم يعلق بكلمة واحدة فقط دار حولي عدة دورات مكوكية وعيناه لاتحيدان عن الكيس الصغير الذي أقبض عليه بيدي، توحدت مع دقات قلبي الذي أخذ يذكرني بأن الموت علينا حق وهو يأتي مثل غيمة بيضاء، ويمكن أن يطال الإنسان في أي وقت فيتحول جسده إلى جثة هامدة، عاد مرة أخرى ولازمني من الشمال إلى اليمين مثل عاشق كتب اسمه في حكاية أسطورية يتداولها العشاق في المدن الحزينة،قال لي وهو يتظاهر بالخجل والكلام المعسول ليتسلل إلى مشاعري وأحاسيسي: _ ألاتذكريتي يا آنسة أنا نعمان النابلسي تلميذك الذي كان يمشي رجلا للوراء ورجلا للأمام،وبعدها يتعثر بخياله،ولأنني رومانسية وهادئة الطبع لا أطيق البعاق والصراخ ولاسيما أنني أعرف ما خلفته الحرب من تبعات ومن أنذال ومجانين وقطاع طرق توسلت إليه بروح رياضية وأخلاق حضاريةأن يمضي ويتركني لشأني.
أتعبني تمرده وعناده وقال متظاهرا بالطيبة: _ ليس من حقي إجبارك على شيء أقولها بالفم الملآن،أغفري لي هو قلبي الذي يخاف عليك في هذا الليل من الأوباش.
كتمت صراخي ولجمت آهاتي لأتنفس الحلم القادم وأتدارك اليأس الذي قتل الروح وخنق الأوكسجين في الطبيعة،اقترب مني أكثر ومد يده ليرمي السلام ،صعقت لحظة خطف من يدي كيس النباتات التي كانت صديقتي قداقتلعتها من مزرعتها وقدمتها لي عربون محبة ووئام ،رحت أهجس مع نفسي وأدفن ركام الكلام تحت لساني وجلدي:
_أيمكن أن يكون هذا الشاب الذي اودع والده في السجن منذ سنوات ليستولي على ميراث العائلة، انقلبت دهشتي إلى حزن وأنا أراه يفر هاربا إلى جهة مجهولة ،صرخت خلفه :
_ شتان مابينك ومابين من تخرجوامن تحت يدي أطباء ومهندسين ومعلمين، لكنه لم يسمعني
التفت خلفي فوجدت امرأة عجوز تردد معي مقهورة:
_ دنيا آخر زمن ،لعن الله الكلاب الضالة في الشوارع.
*ناديا ابراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق