⏪ كتاب "الله: تأريخ إنساني للدين" لرضا أصلان هو ممتع. سلس، جميل، ونافِع. الأسلوب الذي كَتَب به أصلان هذا الكتاب كان جاذباً جداً وسهلاً. مما منح الكِتاب ميزة هامّة وهي المتعة أثناء القراءة – رغم أن المعلومات المطروحة فيه ربّما لو طُرِحَت بشكل آخر لأصبحت مملة.
يبدأ الكِتاب بمسألة الروح. ويُناقِش في هذا الباب سؤالاً هاماً: من أين جاء الإنسان بفكرة الروح؟ويطرحُ الكتاب مسألة الروح كشرارةٍ بدأت معها سيرة الأديان وتطورها. فيُقدّم أصلان عدةً محاولات لتفسير نشوء وتطور الروح والدين، فيبدأ بمدرسة نُكران الدين التي يُمثّلها فرويد. حيثُ يعتبر فرويد الدين وهماً هدفُهُ إشباع احتياج الإنسان لأبّ، وتسكين خَوفه من المجهول.
ثمّ ينتقل إلى تفسير دوركهايم بأنَّ الدين مجرّد حاجة اجتماعية تعود على الإنسان داخل المجتمع بالخير والفائدة من ناحية تنظيم المجتمع وضبطه.
ثمّ يأتي أصلان إلى التفسير التطوريّ لنشوء الدين، ويطرح نظرية مثيرة جداً للاهتمام، وهي نظرية العقل. وهي نظرية تقترح أن الإنسان تطوّر (أو تمت برمجته عبر السنين) كي يمنح الأشياء غير المتحركة (الجامدة) التي يراها روحاً. وضرب مثالاً بشجرةٍ يتضرّع لها الإنسان القديم – بسبب أنه مبرمج أو متطوّر بحيث يُعطي أي شيء روحاً ولا يفهم الأشياء إلا عن طريق ثنائية "الجسد والروح" بحيث يستوعِب كلّ شيء وكأنه إنسان مثله.
ولكن، التفسير التطوري هذا لم يُجب – حسب أصلان – على السؤال الأساسي: من أين جاء الإنسان بفكرة الروح ذاتها؟ كيف استنتج الإنسان أن لهُ روحاً؟ التفسير التطوري أخبرنا أن الإنسان يُعطي الأشياء روحاً، ولكنه لم يُخبرنا كيف جاء الإنسان لذاته بفكرة الروح من الأساس.
بالتالي، يقول أصلان أنَّ الروح هي الفكرة الأولى التي آمن بها الإنسان. ولا تفسير لها حتى الآن.
يطوف بنا أصلان من شكل الدين القديم (الآلهة المتعددة) حتّى الوحدانية التي تجلّت في تجارِب عدّة. أوّلها تجربة الفرعون المصري أخناتون (وقد كانت تجربة فاشلة)، ثمّ إلى فارس (إيران) مهد الزرادشتية التوحيدية، وأوَّل نبي في التاريخ: زرادشت. ويشرح أصلان عن الزرادشتية ويذكر عنها عدّة نقاط أهمها أن الزرادشتية أوّل من قدّمت للبشر مفهومَي "الجنة والنار" ومفهومي "الملائكة والشياطين".
ولكن التجربة الزرادشتية أيضاً فشلت مثل تجربة أخناتون.
بعدها، ينتقل أصلان إلى أوّل تجربة ناجحة للتوحيدية، وقد كانت مع الديانة اليهودية (بني إسرائيل). وقد فصّل فيها، وفصّل أيضاً في اللديانة المسيحية (وهي تجربة توحيدية ناجحة أيضاً). ثمّ يختِم بالإسلام. ويقُول أصلان أن الإسلام اختلف في طرحه بحيث أنه اتجه نحو إلغاء وإبطال التقاليد الدينية التي كانت سائدة قبله (الوثنية التعددية – والمسيحية المثلثّة). ولهذا ظهرت معارضة قويّة لهُ من المجتمع الذي كان يسكنُهُ اليهود والمسيحيون والوثنيون. وقد فصّل في نقاط فرعية أخرى أيضاً.
ينتهي أصلان في بحثه إلى اعتبار "الصوفيّة" المتفرعة عن الإسلام خاتمَة مسيرة تطوّر الأديان التوحيدية. فيقول:
التفسير الصوفي للتوحيد هو أن الله ليس خالق كلّ شي، بل أنّ الله هو كلّ شيء.
وبهذا يُساوي أصلان بين الصوفية ووحدة الوجود. كما ينسِب الإمام الأكبر محيي الدين ابن عربي وأئمة صوفيين آخرين إلى هذا المصطلح (وحدة الوجود – وحدويُّون) وهو ما وجدتُهُ أنا يفتقر إلى الدقّة ربّما. لا أدري.
خِتاماً، يتّخد أصلان من وحدة الوجود طريقاً يعود من خلاله إلى المسألة التي افتتح الكِتاب بِها، وهي مسألة الروح. فيقول أن الإنسان فُطِر على اعتقاده بأن لديه روحاً لأنهُ يشترِك مع البشر والحجر والشجر والحيوانات وكلّ متحرّك وجماد على وجه الأرض في روحٍ واحِدة، هي الله. الله نحن، ونحن الله. أو كما قال الإمام الحلاج: أنا من أهوى ومن أهوى أنا.
ويعرّج أصلان في الختام على أنَّ هذا المفهوم (وحدة الوجود) موجودٌ عند البوذية والزِن، وهو ما آمن به الفيلسوف الكبير سبينوزا. ويصرّح رضا أصلان في آخر الكتاب بأنه يؤمن أيضاً بهذا. فيختِم قائلاً:
أمضيتُ مُعظم حياتي مُحاولاً رأب الصدع الذي توهَّمتُ وجودَهُ بيني وبين الله. وقد حاولتُ فعل ذلك إما عبر سُبُلٍ إيمانية أو أكاديميّة، أو كلاهُما معاً. ما أؤمن به الآن، هو أن تلك الهُوّة محض وَهم، وذلك الصدع بيني وبين الله لا وجود له. إنما أنا، في حقيقتي، تجسُّدٌ لله. هذه حقيقتنا جميعاً.
كتاب "الله: تأريخ إنساني للدين" هُو بلا شكّ من أمتع ما قرأت حتى الآن وهو كتاب أنصح بقراءته.
*عماد عتيلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق