أوراق متناثرة / الورقة الأولى " جدتي أم حسن
جدتي لأمي لها حكاية قديمة سردتها لي ليلة صيف، تحت ضوء القمر على شرفة بيتنا القديم ،وقد كنت في بداياتي، تستهويني حكاياها وأستزيدها منها باستمرار..سألتها: ستي أعرف بأنك قد تزوجت قبل جدي وأنجبت خالي حسن من زوجك الأول كيف تمّ الطلاق؟ ولمَ؟ حدثيني!! أجابتني:
ـــ ياعين ستك كان نصيبي الأول عشقته ووهبته إخلاصي وتفانيت في خدمته، كان وحيد أمه التي أذاقتني كل صنوف العذاب والغيرة والاستفزاز، أنجبت طفلنا الأول (حسن) فرح به زوجي حتى صار ظله الذي يعانقه ليل نهار ولايغادر حضنه.
تأخرت في إنجاب الولد الثاني لسبب لا أعرفه، ضاقت الحماة بي ذرعا لأنها تريد لابنها الوحيد قبيلة من الأبناء، ازدادت جرعات استفزازها وتحكمها بشكل مرضي لايطاق، تحملت من أجله، وراعيته، وحفظته، حتى تفتقت قريحتها عن خطة جهنمية بأن استدعت ابنة أختها بحجة زيارتها لمرض ألمّ بها، وتصادف زيارتي لأهلي لحالة ملحّة حصلت، ليتم تزويجه من ابنة أختها تلك في نفس الدار على عجل.
شعرت بحاستي التي لاتخيب بما جرى في غيبتي، عند الغداء جلست ابنة الأخت بحجابها أمامه ولكني انتزعته عن رأسها أستنكر تمثيلية توضّحت لي، حاول فيها أبو حسن ادعاء المباغتة والإنكار بأن أغمض عينيه كي لايرى ابنة الأخت متكشفة أمامه، ولكنه لم يفلح..إذ سرعانما توجهت من فوري إلى خزانة ملابسي أجمع أغراضي الضرورية في بقجة بيضاء وقد تحجر الدمع في عيني يلتمع قرار لارجعة فيه: أن أطلب الطلاق..غادرت الحماة والزوجة الجديدة البيت إلى بعض وقت ريثما أهدأ ويعالج الوضع، تكسّرت رجولته أمامي وانهار يرجو مني البقاء فقد كنت حبيبته ومدللته ولم يوفر لي طلبا..ولكن طعنة الغدر قاتلة..لم يرف لي جفن وهو ينكب على يدي يقبلهما بل صفقت الباب خلفي ماضية نحو دار أهلي، أعلمهم بما جرى وبالقرار.
وقفوا إلى جانبي، أرسل الكثير من الوسائط كي أعود ، كانت ترجع مع رفضي القاطع بلا جدال، حتى وصلته دعوة التفريق، وقد تنازلت له عن كامل حقوقي ومهري ، صار يماطل في حضور الجلسات بأعذار شتى حتى يبقي فرصة أمامي في تغيير رأيي وقد همّ بإغرائي بمصاغ وبيت ومبلغ من مال..كل عروضه لم تعن لي شيئا، وكنت أزيد إصراراً.
وفي الجلسة النهائية قال القاضي يخاطبه: طلقها يا أخي المخلوقة كرهتك لاتغصبها، لاتجعل من من نفسك (فوزي بك الغزي) ثاني:
وكانت قصته حينها على كل لسان بداية الثلاثينات :قاض ناجح دست له زوجته السم لتتخلص منه لما استحكم الكره بقلبها نحوه ولم يطلقها.وظلّ يماطل ممعنا في كيدها،
فارتجفت يداه وغصّ بالدمع وهو يوقع على وثيقة الطلاق.
وأكملت لي الحكاية وقد عرفت بقية تفاصيلها التي شدتني بقوة وهي تشرب الشاي:
منذ تلك اللحظة التي عاد فيها إلى مخدعه انتابته أعراض حمى شديدة أقعدته طريح الفراش لأسابيع وهو بين الموت والحياة لم يفارقه طيفها وراح يهذي باسمها: ( نديمة ( وهذا اسمها) جيبولي نديمة بدي نديمة قبل ماموت)
قررت الحماة الذهاب إليها ترتدي ملاءتها بيد مرتجفة، تقطع الأزقة الدمشقية الضيقة العتيقة تدق باب بيت أهلها، همت على يديها تقبلهما: ( دخيلك يانديمة ابني عم يموت كرمال النبي تعي شوفيه بركي بيشفى، لك بنتي بيبقى ابو ابنك بشان الله قومي معي)
جلست على حافة سريره المصدف بقطع الموزاييك تقول له وهي تقدم كأس الليمون: سلامتك يا ابوحسن) وهي بكامل لباس الخروج، أجابها: (هيك عم تغطي وجهك مني؟ صرت غريب عنك يانديمة؟ لك انت حبيبتي ومكانك هون؟!) يضع يده على قلبه، و لكنها كانت صامدة القلب لم تلن او أنها كتمت حرقتها باقتدار عجيب.
( قسمة ونصيب يا ابو حسن وماعاد يفيد).
تركته تتمنى له الشفاء العاجل..وكان خروجها بلا عودة إلى حياته من بعدها أبدا.
بعد وقت شفي أبو حسن واستكمل حياته مع ابنة خالته، وتزوجت جدتي من جدي لأمي ( خليل) وأنجب كل منهما ما قسم الله له من بنين وبنات.
كان يستوقف أولادها وقد اكتسبوا من أبيهم البشرة البيضاء والشعر الذهبي ، يقبلهم ويشتري لهم الحلوى يسألهم : أنتم أولاد نديمة؟ يعانقهم دامع العينين ويمضي..
في آخر الحديث سألتها جدتي ماعرفتك قاسية الى هذا الحد!! ألم تكوني تحبينه؟ هل كرهته الى ذاك الحد؟ صعقني جوابها:
أموت وعظامي تنادي: ( أبو حسن) تصعد روحي إلى السماء عند الكفن وأنا أردد:
( أبو حسن) ولكن الخيانة صعبة ،والكرامة قبل الحب يابعد ستك.
فاعتبروا يا أولي الألباب.
*ايمان الدرع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق