في قلب البحر يحتضر الموج الأزرق، وتنام أمنيات الليل في أهداب العذارى، المعتكفة في محراب الهجر السائر في عطر الزهر المحترق ، هذه الروح المثقلة بأشجان الصبح التي أتعبها ألانتظار وهي تحدق بتموجات الهواء فوق حقول القمح الأبيض، ترقب لحظة اللقاء كل ليلة وهي تحلم بهدايا المطر، ومسح غمام أحزان أيلول المتراكم في رف النسيان، فيرتحل شذاها الأخير من الزهر المحترق نحو ساحة كبيرة بها حبات ثلج هاربة من جفن يناير،محاطة بعبق أزهار النرجس المزهر في حزيران، وغناء الكادحين ،فيختلط الهواء بالرماد والخوف بالهجر والجرح بالبلسم ،الكل يتلاقى يتعانق في زحمة الأحداث متناسين أيام التشريد والصلب والتعذيب، الكل ينام في قلب الجرح ، فتتعانق الظنون في تخاطب السماء والأرض،وتبقى العيون اللوزية تنتظر قطرات المطر وهي في شرفة القمر مستأنسة بساعات السهر، رحلت عيونه الماسية عنها وهي ترقب عودته رفقة سرب الحمام، وتبقى جدائلها الليلية أرجوحة نسيم قمم الجبال ، فالجرح ينزف فوق الدمع والشوق يصلب كل مساء، ،فتحمل في كفها تذكرة اللقاء ، ليقتلع حزن جذورها ، ويبلغ اشتياقها موقع شوقه ،وتحلم بتطابق أشكالهما ،وكيف يتغير لون الزمرد في حضورهما، وكيف يصبح لون ريش العصفور بعد لقائهما ،سيتغير كل شيء حتى موعد نوم السهاد على وسادتها، فتتداول النجوم حكايتها التي تحتضر في طريق الهجر، فقد أدمنت على قواميس العشق ولم تعرف السعادة أوتدرك سر الهوى الذي أذاب كل الأقلام ،وما ارتوت من حروف الحب التي تملأ قاموس الغرام، ثملت من خمرة العشق وهي تنظر الى أزهارها اليانعة تحت القمر وفي أقصى الحديقة يتصارع الموج الأسود في البحر، ويتصادم ثم يهبط ويصعد وهو ثائر، فينصهر جمال نور القمر مع زرقة البحر، فتنزل بأقدام حافية تسلك دربها، سرعان ما تغرق بين الرمل الذهبي والطين الجوري ،وهي تصغي لقلب الليل وهو يغني لها بصوت خافت مرتعش لحن أزليا صيغ بقبلات العاشقين وترانيم الهائمين ،فتقفز حولها أمواج رملية داكنة أصابها الملل وهي تلتف حول نفسها مشكلة برجا تخشاه الجفون المتعبة من السهاد المرتحل في دجى الليل ،وقلبها العاجي ملئ بالسفن الشراعية يخاف من الإبحار في يوم ممطر، يخشى عيون القمر أن تعانق أمواج البحر، وقلب الليل أن ينشغل بضجة المكان، وتحلق أحاسيس دافئة في عنان السماء وهي ترتعش خيفة أن يسكب الوجدان عليها غضبه ، وفي لحظة العناق تجتاحها عاصفة الشوق فتتسع هوة الفراق، فهي تعشق موت الحب في أحضانها، وتذرف الجفون مدامعها في جوفها المثقل بالذنوب، فيصلب الهجر الحب في أرضها، ويقتحم أسوارها معلنا عن إعصار مظلم يتملكها ،في كل محاولة يسقط مغشي عليه، أو أسيرا في كفها، فهو لايتقن التحليق أو المشي في أرضها ،فالهجر مزق ستائر الود واغتال الفرحة في خيامها، فمضت سيوف الغدر تستبيح حرقة الجوى لتصلبه في مذبح العشاق، فتنصهر تحت شمس الغروب ليتعطر الورد والزعفران، فينقضي عهد الموائل ويشق البرق درب الأشواق فيمضي الليل مشيعا في ضريح الهجران.
* شكروبة حكيمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق