
طقوس لا يحيد عنها طالما جاء إلى هنا.. يخفف من وطأة حذائه المشدود على قدميه يود لو يخلعه ويفرد قدميه المتعبة فوق السور العريض لكن آلامهما تمنعه من أن يفعلها. لم تستطيع الأيام أن تجعله ينسى أو يتناسى. دائما يعود إلى ذلك المقعد.. يجلس وحيدا.. يجتر الذكريات.. تنهمر سيولا من مقلتيه.. يحتويها بمنديله وهو يرنو للبعيد ثم يعود إلى واقعه الأليم، أنه قد صار وحيدا ولا أحد يشعر به..
طفلة صغيرة مع والديها، ارتكنوا على السور في انتظاره. الزوج يرمقه في غيظ، المرأة تشفق عليه.. الطفلة تقترب منه على استحياء ثم ترتد إلى والديها من جديد.
....
يتمني عودتها.. يبحث عنها.. يشق صدره.. يخرج قلبه.. يفتش عنها فيه..
العربات تنهب الطريق من خلفه آخرون يعبرون دونما اهتمام.. فتى يتأبط ذراع فتاته.. آخر يفترش جريدته فوق السور لتجلس عليه حبيبته.. يهمس في آذنها بكلمات.. تبتسم.. تقهقه بصوت عال دون أن تبالي بالآخرين. يصدر الجالس لحنا شجيا من فمه.. يتوقف حين تعجز أنفاسه على التناغم مع اللحن، تلك النغمة التي كانت تعشق سماعها منه.. رحلت عنه وأكثر أصدقاؤه فارقوه على لقاء آخر.. تنفرط حبات من عينيه.. يبتلعها شاربه.
الطفلة تبكي تريد الجلوس.. ينهرها أبوها، تفلت يدها من يده.. تقترب من الجالس.. تهزه بيديها الضعيفتين.. تحثه أن يفسح لها مكانا، ولكنه لم يتحرك..
عصام سعد حمودة
الاسكندرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق