مُذ بدأتُ العزف على أوتار الحياة وأنا أتقلبُ كل يوم من حالةٍ إلى أخرى , تارة أحب وتارة أنتشي ، مرات كثيرة أبكي وقليلة هي اللحظات التي اضحك فيها وبالرغم من كل هذا أعيش دون أن ألتفت للآخرين من حولي ولكني منذ مدة قريبة قررت العودة إلى الأمام , فردّ صوتٌ مبهم ما معنى العودة ونحن في كل يوم نكبر ونتقدم فيه , نعود إلى الوراء دون أن نشعر ثم تلاشى ذاك الصوت ، وهكذا تمر أعمارنا نشعر بالقليل ويمر الكثير دون أن نشعر
في أيامٍ ماضيات غادرت دون رجعة كانت أرواحنا تتلاقى في نقاط الحوار أما اليوم فمازالت نقاط الحوار تجمعنا لكن الذي اختلف أننا كبرنا ولم نعد نحتمل الرأي الذي يناقض أفكارنا ورغم أن الحب والوئام قد اعتادا على العيش معنا إلا أن شيئا آخر طغى وبقوة ، ففي إحدى المرات كنت قاعداً في مجلس ما وتنقّلت الكلمات والأفكار بكل سلاسة ويُسر ، حينها قلتُ : نحن في كل يوم نتقدم فيه إلى الوراء ونعود إلى الأمام شئنا أم أبينا وذلك بسبب ناموس الحياة نفسه فعندما يكبر أحدنا بعمره يقترب من أجله وهو مغمور في خضم الحياة وأيضا هناك أناس كلما زاد سنهم أزداد جهلهم وتخلفهم وأولاء حقاً يتقدمون إلى الوراء بشكل مريع والعودة إلى الأمام تكون بأي شيء ؟ مثلاً إذا استعصى أمرٌ على أحدنا عاد إلى ماضيه ليستخلص منه حلاً وأكاد أجزم أن العودة إلى الأمام هي العودة إلى الله عز وجل وذلك بعدما مرت سنوات من التخبط فما أحلا أن تعود إلى مالك الملك وتنعم بكرمه وتسمو بطاعته وتتألق بعلمه وتستنير بنوره وتتلطف بلطفه وتنال من فيض رحمته وتفرح لرضاه وتحزن لسخطه , قد يقول أحد الأشخاص وهو يشرح الجملة حرفاً ويسترسل في التفلسف فيها : سأبدأ الجملة من أول كلمة فيها
في البداية سأدقق على كلمة "نحن"
للأسف و في زمننا هذا انعدم المعنى الحقيقي لكلماتنا المتداولة
بما يعني و على سبيل المثال كلمة "نحن" و هي ترمز إلى روح الجماعة و الوحدة و التضامن و التشاركية و المصير الواحد ربما
أما بواقعنا فأصبحت مجرد رداء يغطي عيوبنا و تشتتنا
فلذلك من الغير واقعية قول كلمة "نحن"
لكن من التفاؤل و الخير أن نقولها عسى أن يعود ماضينا المفعم بالوحدة والتضامن
أنا متأكد من ملاحظتك التي أرجوها للتناقض الواضح بين حروف هذه الجملة
كل يوم
من النقيض للصواب الحكم على أيّ محددٍ بصفةِ المطلق "كل"
فأنا أرفض تعبير ( كل يوم )
وأستبدل مكانه في عدة أيام
نتقدم إلى الوراء
جملة عكسية غريبة الأطوار متناقضة
تناقضها مُلْفِتٌ للاستفهام
فعادةً التقدم هو السير بخطوةٍ ما في موضوعٍ ما و إلى البقعة الأمامية
أما هنا فَبَطُلَ عمل الخطوة و انعكس
مزجٌ مؤلمٌ غريب هو التقدم للوراء
فهي كجملة على خشبة المسرح
تظهر بهذا القوام لتخفي خلف كواليسها الحقيقة لا التمثيل
فالتقدم للوراء هو ليس إلا مجرد مبالغةٍ في التراجع السلبي
و
واو العطف على تركيزٍ آخر
نعود إلى الأمام
هذا التناقض شيبهُ سابقهِ و معاكسٌ له في آنٍ واحد
فهو على خشبة المسرح توأمٌ لسلفه
أما خلف الستار و في الكواليس فهو نقيضه الأعظم
والعودة إلى الأمام كمن مشى في دربٍ خطوة و تراجع عنها ثم عاد إليها ثم عاود التراجع عنها و كذلك عاد إليها
كمن يسير على محيط دائرةٍ لا بداية و لا نهاية لها
"دون" و هي النفي
دون أن نشعر بذلك
و قد نفت "دون" الشعور الطبيعي و ردة الفعل المفترضة لكل ما مرَّ في سالف الحال
إن هذه المسألة هي إحدى المسائل التي تثيرها سخرية القدر كما أنت حر في أعمالك و تصرفاتك كما أنت أسير لها في الوقت عينه وأمور كثيرة تتمخض كل يوم كل يوم كل يوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق