بعد مجموعتها الشعرية الأولى ( راهب الخمر ) التي صدرت قبل عام تقريباً ، تأتي مجموعتها الثانية ( الرقيمات السومرية ) التي تقوم على عالم شعري رمزي يوازي الواقع ويُفارقه في آنٍ ، أو هو عالم يمزج بين الواقغ والحلم في آن .
والشعرُ أساساً بناء رمزي ، كما يقول ناقد ، يقوم على تقويض الدلالة المألوفة وإهدارها ، وخلق دلالات جديدة تنمو فوق أنقاض الدلالة القديمة .
وأقِفُ بدءاً عند عنوان المجموعة الشعرية للشاعرة ميثاق ( الرقيمات السومرية ) للنظر في بنية العنوان باعتباره ( ثُريا النص ) وعَتَبته ، واننقل عن مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي قوله : الرَّقمُ : الكتابة ، قال
تعالى ( كتابٌ مرقوم ) ، وقولهم : هو يَرْقُم الماء أي بلغ من حذقه بالأمور أن يرقُم حيث لا يثبت الرقم ، ورقم الثوب كتابه ، وهو في الأصل مصدر ، ، وقد رقم الثوب والكتاب من باب نصر و( رقمه ) أيضاً ( ترقيماً ) والرقمة جانب الوادي ، وقيل : الروضة ، والأرقم : الحية التي فيها سواد وبياض ، و( الرقيم ) الكتاب . وقوله تعالى : إنَّ أصحابَ الكهفِ والرقيم ) قيل هو لوح فيه أسماؤهم وقصصهم ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، فال :ما أدري ما الرقيمُ أكتابٌ أم بُنيانٌ ؟
ا
ولكن الشاعرة ميثاق في نص لها ضمن الرقيمة ( 60 ) تقول :
والرقيمات السومرية .. هي
أسطورة سحرٍ تعَلِّم الحكماء
والشعراء والملوك والفقراء
أبجدية ثُمالة الحب المطلق
وهذه الرقيمة توضح لنا بُنية المضمون الأساسي لمجمل رقيماتها التي ضمتها مجموعتها الشعرية الثانية الصادرة في بغداد عن دار الجواهري . وهي ( الينبوع ) الذي تستقي منه الشاعرة وتضمنه قصائدها ، ونحن نجد أن لفظة ( الرُقيمة ) تنزاح عن مدلولها الأصلي الذي وضِعت له بحيث تصبح قادرة على الإشعاع بطيف واسع من المعاني التي تتعدد وتتنوع بتنوع القراءات المختلفة ، وهذا مايشكل ( لذة النص كما يقول البير يس .
و( ولذة النص ) تنبعث من عناصر عديدة تتشكل منها طبيعة الخطاب الشعري لدى الشاعر ، ومن أهمها اللغة والموسيقى والصورة والقناع والتناص .
واللغة في الخطاب الشعري هي غاية بحد ذاتها، لأن الدور الأساسي للكلمات هو أن تكون الأحجار التي يتكون منها المعمار الشعري ، أن تكون الخيوط التي يتألف منها نسيج القصيدة وفق تعبير الجاحظ .
أما موسيقى القصيدة فلها شكلها الخارجي الذي يشكله الوزن ، ولها شكلها الداخلي وهو مايسميه النقاد الموسيقى الداخلية ، وهذه الموسيقى الداخلية يشخصها جانبان مهمان هما : إختيار الكلمات وترتيبها من جهة ، ثم المشاكلة بين أصوات هذه الكلمات والمعاني التي تدل عليها من جهةٍ أخرى .
وتلعب ( الصورة ) التي أصبحت اليوم هي المركز التي تتفاعل فيه عناصر عديدة تتضافر في حزمة تشع بالإيحات والدلالات التي يستقبلها المتلقي ، فتتفاعل مع حواسه ومشاعره ومخزونه المعرفي فتثير فيه أحاسيس ورؤى وأفكاراً تُشكل بمجملها المعنى العام الذي يمكن إستخلاصه من النص الشعري ، وللصورة سمات عامة هي التي تجعلها تؤدي دورها وتجلياتها ، ومنها الإبتكار والجدَّة والتكثيف والتشكيل الحسي .
أما تقنية ( القناع ) فيمثلها ميل الشاعر الى تقمص شخصية يتحدث باسمها ، وتقوم هذه التقنيةأساساً على التفاعل العضوي بين شخصية الشاعر وشخصية القناع من أجل بلورة موقف خاص أو رؤية جديدة .
ومن مكونات الخطاب الشعري المعاصر ( التناص ) الذي هو ( تعالق نصوص مع نص حديث بكيفيات مختلفة وتقنيات متعددة ووظائف مختلفة ( الخطاب الشعري المعاصر ، د ز نزار بريك هنيدي ) .
إذن ما يميز شعر هذه الشاعرة التي تخطو بأقدام ثابتة لخلق نص شعري خاص بها يحمل سمات تفكيرها وإنفعالاتها هو طريقة التعبير التي تستخدمها في النفاذ الى أعماق الدلالة واستبطان معانيها فهي تقول :
حافية خواطري تحملُها
معجزات أنبياء دمعي
فمواكب كلماتي تشرب روحك
وتسير على رياح نبضي
لتهديك ورود فصولي
فاشعاعات هذه الصورة وايحاءتها ودلالاتها هي ما يجعل المتلقي متفاعلا مع حواسه ومشاعره وصولاً الى لحظة ( الكشف ) التي تشكل جوهر الفعل الشعري .
ومن رقيماتها الأخرى قولها :
وحدي .. مَنْ أسكنُ مراياك
ووحدكَ.. مَنْ يحولني الى آلهة
عشقٍ تُصلي شعراً لعينيك
ونلاحط في هذه الرقيمة كيف قابلت بين قولها ( وحدي ) وقولها ( وحدك ) فكأنها معادلة لتقابل لفظي لرسم موقفين لكلٍ منهما مهمة تختلف عن الأخرى لتؤدي نتيجةً الى موقفٍ واحد ,
ومن ( لذائذ ) نصوصها تلك التعبيرات المستحدثة بصياغات غير مألوفة تثير حاسة اللاتوقع عند القارىء إذ نجد ( أنبياء الدمع ، مواكب الكلمات ، رياح النبض ، رصيف الكلمات ، آهات الصبر ، يراقص أنوثتي ، ألحان الدهشة ، قطرة عشق ، طين رعشاتي ، ، تمثالاً من العطر ) .
وغير ذلك من التعابير التي ينفرد بها أسلوب الشاعرة ميثاق الركابي .
إنني _ كقارىء _ أجد في شعر هذه الشاعرة أسباباً كثيرة تشدني الى قراءة شعرها ، وأهمها رؤيتها الشعرية ، وتخطي الإنفعال المباشر والغور الى أعماق المعاني ، فهي في غالب شعرها تتسامى عن المعاني الظاهرة للمفردات لتجنح الى دلالات أبعد غوراً مما يتبدى في وهلة القراءة الأولى ، وهذا ما يجعلني متفائلاً بميلاد شاعرة تبني لها مكانة متميزة وحضوراً شعرياً بيناً بمواضبتها وجرأتها على التصدي والثبات في وجه المثبطات ، وليس في قاموس الشاعرة معنى لغير الطموح لأنه كشاف المستقبل .
دمشق
والشعرُ أساساً بناء رمزي ، كما يقول ناقد ، يقوم على تقويض الدلالة المألوفة وإهدارها ، وخلق دلالات جديدة تنمو فوق أنقاض الدلالة القديمة .
وأقِفُ بدءاً عند عنوان المجموعة الشعرية للشاعرة ميثاق ( الرقيمات السومرية ) للنظر في بنية العنوان باعتباره ( ثُريا النص ) وعَتَبته ، واننقل عن مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي قوله : الرَّقمُ : الكتابة ، قال
تعالى ( كتابٌ مرقوم ) ، وقولهم : هو يَرْقُم الماء أي بلغ من حذقه بالأمور أن يرقُم حيث لا يثبت الرقم ، ورقم الثوب كتابه ، وهو في الأصل مصدر ، ، وقد رقم الثوب والكتاب من باب نصر و( رقمه ) أيضاً ( ترقيماً ) والرقمة جانب الوادي ، وقيل : الروضة ، والأرقم : الحية التي فيها سواد وبياض ، و( الرقيم ) الكتاب . وقوله تعالى : إنَّ أصحابَ الكهفِ والرقيم ) قيل هو لوح فيه أسماؤهم وقصصهم ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، فال :ما أدري ما الرقيمُ أكتابٌ أم بُنيانٌ ؟
ا
ولكن الشاعرة ميثاق في نص لها ضمن الرقيمة ( 60 ) تقول :
والرقيمات السومرية .. هي
أسطورة سحرٍ تعَلِّم الحكماء
والشعراء والملوك والفقراء
أبجدية ثُمالة الحب المطلق
وهذه الرقيمة توضح لنا بُنية المضمون الأساسي لمجمل رقيماتها التي ضمتها مجموعتها الشعرية الثانية الصادرة في بغداد عن دار الجواهري . وهي ( الينبوع ) الذي تستقي منه الشاعرة وتضمنه قصائدها ، ونحن نجد أن لفظة ( الرُقيمة ) تنزاح عن مدلولها الأصلي الذي وضِعت له بحيث تصبح قادرة على الإشعاع بطيف واسع من المعاني التي تتعدد وتتنوع بتنوع القراءات المختلفة ، وهذا مايشكل ( لذة النص كما يقول البير يس .
و( ولذة النص ) تنبعث من عناصر عديدة تتشكل منها طبيعة الخطاب الشعري لدى الشاعر ، ومن أهمها اللغة والموسيقى والصورة والقناع والتناص .
واللغة في الخطاب الشعري هي غاية بحد ذاتها، لأن الدور الأساسي للكلمات هو أن تكون الأحجار التي يتكون منها المعمار الشعري ، أن تكون الخيوط التي يتألف منها نسيج القصيدة وفق تعبير الجاحظ .
أما موسيقى القصيدة فلها شكلها الخارجي الذي يشكله الوزن ، ولها شكلها الداخلي وهو مايسميه النقاد الموسيقى الداخلية ، وهذه الموسيقى الداخلية يشخصها جانبان مهمان هما : إختيار الكلمات وترتيبها من جهة ، ثم المشاكلة بين أصوات هذه الكلمات والمعاني التي تدل عليها من جهةٍ أخرى .
وتلعب ( الصورة ) التي أصبحت اليوم هي المركز التي تتفاعل فيه عناصر عديدة تتضافر في حزمة تشع بالإيحات والدلالات التي يستقبلها المتلقي ، فتتفاعل مع حواسه ومشاعره ومخزونه المعرفي فتثير فيه أحاسيس ورؤى وأفكاراً تُشكل بمجملها المعنى العام الذي يمكن إستخلاصه من النص الشعري ، وللصورة سمات عامة هي التي تجعلها تؤدي دورها وتجلياتها ، ومنها الإبتكار والجدَّة والتكثيف والتشكيل الحسي .
أما تقنية ( القناع ) فيمثلها ميل الشاعر الى تقمص شخصية يتحدث باسمها ، وتقوم هذه التقنيةأساساً على التفاعل العضوي بين شخصية الشاعر وشخصية القناع من أجل بلورة موقف خاص أو رؤية جديدة .
ومن مكونات الخطاب الشعري المعاصر ( التناص ) الذي هو ( تعالق نصوص مع نص حديث بكيفيات مختلفة وتقنيات متعددة ووظائف مختلفة ( الخطاب الشعري المعاصر ، د ز نزار بريك هنيدي ) .
إذن ما يميز شعر هذه الشاعرة التي تخطو بأقدام ثابتة لخلق نص شعري خاص بها يحمل سمات تفكيرها وإنفعالاتها هو طريقة التعبير التي تستخدمها في النفاذ الى أعماق الدلالة واستبطان معانيها فهي تقول :
حافية خواطري تحملُها
معجزات أنبياء دمعي
فمواكب كلماتي تشرب روحك
وتسير على رياح نبضي
لتهديك ورود فصولي
فاشعاعات هذه الصورة وايحاءتها ودلالاتها هي ما يجعل المتلقي متفاعلا مع حواسه ومشاعره وصولاً الى لحظة ( الكشف ) التي تشكل جوهر الفعل الشعري .
ومن رقيماتها الأخرى قولها :
وحدي .. مَنْ أسكنُ مراياك
ووحدكَ.. مَنْ يحولني الى آلهة
عشقٍ تُصلي شعراً لعينيك
ونلاحط في هذه الرقيمة كيف قابلت بين قولها ( وحدي ) وقولها ( وحدك ) فكأنها معادلة لتقابل لفظي لرسم موقفين لكلٍ منهما مهمة تختلف عن الأخرى لتؤدي نتيجةً الى موقفٍ واحد ,
ومن ( لذائذ ) نصوصها تلك التعبيرات المستحدثة بصياغات غير مألوفة تثير حاسة اللاتوقع عند القارىء إذ نجد ( أنبياء الدمع ، مواكب الكلمات ، رياح النبض ، رصيف الكلمات ، آهات الصبر ، يراقص أنوثتي ، ألحان الدهشة ، قطرة عشق ، طين رعشاتي ، ، تمثالاً من العطر ) .
وغير ذلك من التعابير التي ينفرد بها أسلوب الشاعرة ميثاق الركابي .
إنني _ كقارىء _ أجد في شعر هذه الشاعرة أسباباً كثيرة تشدني الى قراءة شعرها ، وأهمها رؤيتها الشعرية ، وتخطي الإنفعال المباشر والغور الى أعماق المعاني ، فهي في غالب شعرها تتسامى عن المعاني الظاهرة للمفردات لتجنح الى دلالات أبعد غوراً مما يتبدى في وهلة القراءة الأولى ، وهذا ما يجعلني متفائلاً بميلاد شاعرة تبني لها مكانة متميزة وحضوراً شعرياً بيناً بمواضبتها وجرأتها على التصدي والثبات في وجه المثبطات ، وليس في قاموس الشاعرة معنى لغير الطموح لأنه كشاف المستقبل .
دمشق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق