سهام تترامى من كل الجهات ، وهذا الجسد الغض أشبه بمدينة منسية شوارعها معبدة بليل بهيم ، لا أضواء فيها إلا ما علا فوقها في السماء البعيدة ، والسائرون هم الذين غرسوا جراحهم على جنبات الطريق وأوكلوا مهمة ريها لذاك القلب المتلبس بمعطف النبضات الحائرات ، وحده الدم من يزين الإعلانات الموسمية على حافة الطريق ، والعين تشرب كل صباح حمرة الشفق قبل أن يحل الغروب ، والرصيف مهمل كوجه يتيم لا تجمله مساحيق المشفقين عليه ...
في طريق المرأة الضبابية لا إشارات ضوئية ، فيعود بها الزمان راكضا لكن نحو الخلف ، ريح صفراء فاقع كيدها تفزع ظلها ، وهواء يقطر بأوجاع الحالمين ، وفراغ يحملهم على كتفيه المتشظيتين ، ويلقي بهم في بئر الوجود دون رحمة .
لا أحد يعثر عليهم من المارة ، فيقبعون في ظلماتهم حيارى والموت فجأة خير من عذاب مقيم ، أين الدلاء ، هل جف ماء البئر أم زاغت عنه الأبصار؟
تلك الأوراق تتساقط بيدي الربيع ، والأغصان الطرية يعمدها الصيف ، والشتاء يغرق بوحل الخريف ، وفصل جديد من رواية تلك المرأة المنسية ينتظر الولادة دونما حبر أو خطوط من سراب.