* حليمة داحة ـ المغرب
تتعدد مجالات الإبداع الروائي لكل منه بصمته الخاصة في تجسيد الدور المنوط به ، إلا أنني في قراءتي لهاته الرواية أحسست بطابع غريب أذهلني حسن السبك والمراوغة في السرد، حيث أجد الراوي أو السارد حائرا في وضع نهاية لهاته الشخصية المنطوية على
الغموض ، مرة تحاول وضع نهاية لحياتها ومرة تكابد ويأتي مستجد إليها . إن كل ما قلته في هذه المقدمة الموجزة هو ما سأحاول الكشف عنه في هاته النقط التالية:
في بداية الرواية نجد السارد يضع عنوانا يطرح فيه تساؤلا مع نفسه كيف أن الانتحار هو يكون نهاية ؟. كأن فعل الانتحار في هذه الحالة المتناهية في العجز بدعة لا يقدر على الإتيان بها إلا مبدع مبتدع، فالمنتحر غالبا ما يغلق على فكره جميع النوافذ ، فلا يعود له من شأن في الوجود إلا أنه يختبر إرادته في حسم الموقف لصالح قراره واعيا كان أم غير واع، ويعطي لهذا العمق أمثلة: مثلا: "الفراغ الذي انتهى إليه تيسير سبول عندما أفرغ في جوفه سما زعافا لم يمهله أكثر من لحظة ألم".
إن تحليل نوستالجيا الواقع هنا في علاقته بانتحار حنان الداودي التي ارتبط بها في هذا العمل، نجدها زادت من تدمر أعصابه وأخللت من بعض توازنه التي درب عليها نفسه في مختلف فترات وأطوار تراسله التي قامت بينه وبينها في قبولها لفكرة الترجمة من طرف مريم البدري، ليدخل في ديمومة جديدة من الانقطاع التراسلي بينه وبين شخصية حنان الداودي.
في شهر ديسمبر يتذكر أو يستعرض نوستالجيا لهذا الحدث وبالضبط بعد عودته من تونس. لتعود الذاكرة إلى الانفتاح من جديد بقوله :"قلت لها" إنني حزين ،بل أريد القول إنني مريض بل ومحزن مرضي دونما سبب ظاهر أو معروف".
لقد قالت بطريقتها الفرنسية: " عزيزي سعد ،بعد أن استعدت شيئا من توازني في هذا الصباح على إثر الانفعال الذي داهمني في الليل،أود أن أبعث إليك".
بهذا الأمر نجد أن الوساوس بقيت تلعب دورها: بين المراوغة في الفعل والقبول بالشيء : إن بين مريم وحنان علائق أهمها:" الماضي حين يكون عميقا في نوستالجيته والوفاء حين يخبئ الأسرار بين القرينتين والتواطؤ"،والحلم لا منقطع المبني على التساؤلات الغير المجدية والمفضية بالإجابات.
وبالتالي تبقى الذاكرة هي مستوطن للمرآة التي تراسلت معه شخصيته عبر البريد الالكتروني فكانت منصته التي استوطنها قلبه لمدة ثلاثة سنوات.
لقد ظل فكر السارد مرتويا بين الروايات التراسل الخطابية و روايات سلبيا جوبس لخلق نسيم من الإبداع وبين ترويج لشخصيات جديدة يشركها في قلب الرواية لتجمع بين الإبداعية المتخيلة إلى الارتجالية في التغيير.هذا التغيير الذي ولد له الإحساس بمجموعة من الأحاسيس الغريبة كاللهفة
التي يقول فيها:لعلها لم تكن حارقة أو جارفة لأنني لم أكن قد تخلصت بعد من الآثار السابقة التي تركتها في نفسي علاقة أخرى غير أنها كانت موجودة لأنني كنت أريد التغيير أيضا.
"هذه المرأة كما خلتها كانت من الغموض وأنا كنت من التناقضات ولو كنت صريحا معها منذ البداية كما أنا الآن مع عواطفي بالفعل لما حارت لهفتي شهورا في التوقعات.
القرب: أحسست بالقرب الشديد منها ولكن كل ذلك يظل مجرد ذكريات شعرت بالقرب كما لو أنني كنت فقط في حاجة إلى رسالة من مريم تشير علي فيها بالمترجمة لكي أشرع في حياكة التجربة طبقا لأوهامي الخادعة.
الإجفال: يصرح في هذا الشعور أن كل ما كان يشعر به وشخصيته المتراسلة هي مجرد وهم بقوله: حلمت بالفعل ولا أخالني إلا موقنا إلى حلمي بأنني في ارتحال لا تشدني أعضائي الجامدة أو المرتخية إلى باريزا ،لا أذكر في الصحو أنني غادرت مكانا أو كان لي الزمان رفيقا، غير أنني أرى لقاء ما يدعوني إليه، لعلي وأنا في سهوي كنت أتحفز في مكاني أرتجي المرأة الوهمية أن تقترب من المكان الذي واعدتني فيه باللقاء.
بهذا كله أجد أن هذه الرواية فعلا رواية تأخذك إلى عوالم تحس أنك في واقع وليس في حلم مع شخصية السارد، جمع الخيال بالواقع والإبداع بالرونق والمشاعر بدقة الإفصاح ليجزم في النهاية أنه كان فعلا وهميا متخيلا في حلم جميل استفاق منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق